إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الدكتورة / تغريد الهاشمي / حمصية .. أول امرأة سورية تحصل علي الدكتوراه في مجال الآثار

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الدكتورة / تغريد الهاشمي / حمصية .. أول امرأة سورية تحصل علي الدكتوراه في مجال الآثار

    - الدكتورة / تغريد الهاشمي / حمصية من سورية
    - أول امرأة سورية تحصل علي الدكتوراه في مجال الآثار
    الباحثة تغريد الهاشمي ": ما زلت أطارد كل أثر لنشاط بشري حضاري



    طلاب وشباب
    خالد الأحمد ـ حمص


    الدكتورة تغريد الهاشمي سيدة سورية مثقفة متوقّدة الذكاء والنشاط، اقتحمت مجال الآثار منذ أكثر من ربع قرن، واستطاعت كباحثة ومهتمة في هذا المجال أن تحقّق حضوراً جديراً بالاحترام وأن تنجز الكثير من العطاءات علي صعيد مشوار البحث العلمي والعمل والنجاح.


    كان لها الفضل في تأسيس متحف حمص الوطني وبحكم كونها مديرة لآثار حمص لفترة تزيد على السنوات الخمس أمكن لها أن تتابع رسمياً بعثات الآثار والمسح الأثري في سورية عموماً وفي حمص على وجه الخصوص، وأن توثق وتسجل وتمسح العديد من المواقع الأثرية المهمة بمجملها، كما كانت أول سيدة سورية تنال شهادة الدكتوراه في مجال الآثار الذي كان مقتصراً على الرجال عندها.
    وخلال مسيرتها العلمية والمهنية اصطدمت بالكثير من الصعوبات والعراقيل والمضايقات التي أدت في فترة ما إلى إقالتها من عملها في إدارة متحف حمص الوطني عندما وقفت ضد الحملات الغاشمة التي كانت تستهدف تمزيق النسيج العمراني لمدينتها حمص.. هذه المدينة التي انسحبت مندثرة بفعل ما يُسمى بالحداثة ككل المدن العربية العريقة التي فقدت كل خصوصياتها الإنسانية والمعمارية المميزة، ولكنها بالنسبة للدكتورة تغريد لا تزال حية في داخلها كآثارية وإنسانة كما تقول في هذا الحوار مع موقع "طلاب وشباب":


    حدثينا عن نشأتك الاجتماعية والظروف التي لعبت دوراً في مشوار نجاحك؟
    - لقد لعبت ظروف التنقل والسكن بين المحافظات السورية والنائية منها بصفة خاصة دورها في تشكيل ملامح الوعي الأول لديّ، ووضعتني مباشرة في أبعاد الجغرافيا البشرية والطبيعية والإنسانية لوطني، فقد ولدت في العاصمة دمشق وعشت فيها سنوات عمري الست الأولى والتي يعوّل عليها في ضوء علم النفس في بناء انفعالات الإنسان وخلفيته السيكولوجية والأخلاقية، إضافة إلي بذور الوعي المبكر، فمن صخب العاصمة وحركتها الدائبة والتي لم تكن لتنام وهي تصل ليلها بنهارها.. ومنها مباشرة إلي محافظة الحسكة النائية والهادئة، ولا أقول الخاملة، المتربّعة على ضفاف الخابور في أقصى الشمال الشرقي في جغرافيا الوطن، وانعكاس ذلك الاختلاف المكاني والبيئي الذي ترك ظلاله في نفسي وفي تشكيل وعي مضاف يتراكم مع الأيام، والمؤثر الدائم كان وسيظل أبداً هو الماء. من ضفاف بردى دمشق الفيحاء إلى ضفاف الخابور الظليل والعبور الشفاف المؤثر للفرات.. كل ذلك سيبقى حياً في الذاكرة ويجعلها حاضرة وحميمية بمعنى تلازم الحياة بالماء.. والحضارة تزدهر على أسرَّة الأنهر وضفافها.. والمحطة الأخيرة لتلك الضفاف كانت على نهر العاصي مسقط رأس الوالد والإقامة الدائمة للأسرة.. ومنذ ذلك الحين وأنا مشدودة إلى روح وأثر تلك الحضارات التي قامت على تلك الضفاف والتي لا تزال شواهدها أوابد لا تفنى مع الأيام.. ومنها وعليها.. ولأجلها كنت دائماً أنشط في دراسة تاريخها.. مدناً وحواضر وعمق بادية.. أطارد كل أثر لنشاط بشري حضاري.. أنجز عبر التاريخ الدال علي ذلك النشاط الحضري الباقي والأصل سيبقى أصيلاً وسمكة السلمون أبدية الدأب عكس التيار رغم المخاطر في العودة دائماً إلى المنابع ذاتها.


    إيقاع ذاتي!
    * كيف بدأ اهتمامك بالآثار ولماذا اخترت هذا المجال بالذات دون غيره؟
    - ثمة ما يمكن إضافته لما سبق وذكرته من المؤثرات في مرحلة الطفولة والرحلات الابتدائية، إلى المواقع الأثرية والرحلات العائلية مع الأسرة وشروحات الوالد والمدرسين.. ولا أنسى ما حييت عندما مررت أول مرة بموقع المشرفة مملكة قطنا القديمة وأبي يشرح لنا عن أهمية هذه المملكة ووصول الفراعنة إلى هذا الموقع والازدهار الذي لا يزال واضحاً شموخ التل الأثري والسور العظيم الذي يحيط مملكة قطنا الأثرية القديمة. لكن ذلك كله لا يلغي ما يمكن أن نسميه بشخصانية المسألة وإيقاعها الذاتي الذي ما زلت أجهل أسبابه والذي يمكن أن يدخل من بوابة الميراث الجمعي أو الذاكرة الجمعية عبر تراكمها التاريخي في وعي الأجيال المتلاحقة على نحو ما كانت ترسم الرابطة بيني وبين ما أشاهده من آثار، والتي كانت تبادلية أحياناً وتقابلية أحياناً أخرى بين مرتديات عصري وملامحه وأردية العصور السابقة التي ما زالت تتلامح من خلال الأوابد التاريخية والآثارية الزاخرة والمنتشرة في طول بلادنا وعرضها.. وهي في جوهرها إيقاع يرسم حركة الإنسان المتحضّر ويُرشد وقع خطواته.


    * كنت أول امرأة سورية تحصل علي الدكتوراه في مجال الآثار، ولا بد أن هذا الاختيار قد اصطدم بالعديد من الحواجز النفسية والاجتماعية.. كيف استطاعت الدكتورة تغريد الهاشمي اختراق هذه الحواجز وتحقيق ما وصلت إليه؟
    - إحصائياً لا أعرف بالضبط فيما إذا كنت أول آثارية أو مؤرخة تنال درجة الدكتوراه في هذا المجال إلا أنني حتماً من عدادهن، لكن السبق الأكاديمي لا أهمية له من وجهة نظري إذ أن المسألة تخصّ تلك الأهمية التي يحققها المؤرخ والآثاري في مجال عمله. وأظن أنك تقصد ذلك.. ولعل تلك الميزة هي المهمة بالنسبة لي وهي الإمكان المتحقق في فاعلية الإنجاز في مضمار الاختصاص التاريخي والآثاري والذي أخذ كل وقتي تقريباً وكل ما نتج عنه كان يبدو لافتاً ويؤخذ في الأوساط الاختصاصية على محمل الجد والاحترام مع الأخذ بعين الاعتبار التزام معايير البحث الفكري والأكاديمي في الاشتغال علي المواضيع المدروسة، وليس ثمة مجال هنا فيما أعتقد لسرد أمثلة عما أنجزته من أبحاث ومحاضرات وندوات محلية وعربية ودولية، وهي كثيرة لدرجة محرجة في حصر المثال، ولا أظن أن أحداً ما تعيقه الحواجز عن أن يحقق حضوراً جديراً بالاحترام أولاً، وأن يتبوأ المكانة اللائقة به إنسانياً. طبعاً كامرأة تعرضت للكثير من المضايقات فنحن كما تعلم لا نزال نعيش على أعقاب ثقافة الرجل.. ولعل الحساسية الناجمة عن ذلك هي إحدى المعوقات، إلا أن عامل الأنسنة هنا كفيل بحل المشكلة، وأظن أن هذا العامل قد حلها رغم أنني ما زلت على عهدي بمواجهة تلك الحواجز لكنها هنا حواجز مختلفة، فعندما تستطيع أن تتجاوز الاجتماعي تصطدم بالسياسي، وعندما تسوق مبررات المواجهة السياسية تجد نفسك أمام عنت الفكر المتخلف الذي يسحب نظرته علي كل شيء: المرأة والسياسة والدين والثقافة والاجتماع وعلم النفس.. لكن أخيراً وهنا مربط الفرس هو أن ينتصر الإنسان في النهاية والإنسان هو رجل وامرأة، وبتوازنهما تستقيم الحياة وتصبح لائقة وكريمة.. وتستحق أن تُعاش.


    من حمص إلى بلغاريا


    * حصلت علي درجة الدكتوراه من بلغاريا.. كيف هي أجواء الدراسة هناك وكيف استطعت أن تتكيفي كامرأة مع مجتمع مختلف كل الاختلاف عن المجتمع السوري وما الذي بقي في الذاكرة من أجواء الدراسة والبحث؟
    - المرأة هنا كالمرأة هناك.. لا أقصد نفسي فحسب بل كل زميلاتي العربيات في جامعات الغرب التي لا تختلف كثيراً حسب تجربتي عن جامعاتنا، وكل ما يُقال عن أهمية أكاديمية ما وامتيازها عن غيرها من الأكاديميات ترويج دعائي وإعلامي غالباً ما يفتقر إلى الدقة. القضية هي باختلاف المناهج أحياناً.. والأساتذة أحياناً أخرى، والظروف التعليمية من جانب آخر. أنا مثلاً تخرجت من جامعة دمشق ثم تابعت تحصيلي الأكاديمي في جامعة صوفيا، وأستطيع أن أقول لك إن جامعاتنا الوطنية في دمشق ليست أقل من جامعة العاصمة البلغارية صوفيا، إلا أن امتيازي هناك كان يتعلق بموضوع البحث وأطروحة الدكتوراه والأستاذ المشرف الذي كان يُعد من أهم الأكاديميين البلغار وهو البروفيسور (نيكولاي غينتشف) والذي بدوره نقل إلي جزءاً كبيراً من تجربته الأكاديمية وثقافته الموسوعية الرفيعة وتمتعه بشخصية البروفيسور العلاَّمة. أما الامتياز الآخر فكان مرصوداً أيضاً لأهمية البروفيسور (يوردان بييف) الذي تابع رسالة الدكتوراه بالأهمية اللافتة للنظر والمشجعة لي.. ولقد كان حبه للعرب واحترامه لتاريخهم وثقافتهم وإيمانه بقضيتهم مع إجادته اللغة العربية الأساس العلمي الذي جعل من أطروحتي للدكتوراه (حوادث البلقان من حرب القرم حتي الحرب العالمية الأولي) منعكسة في المطبوعات العربية مما جعله إنجازاً معرفياً آنذاك.. وإنني بهذه المناسبة لا أنسي أن أتقدم لهما ببالغ التقدير والاحترام ولا مجال هنا للقول التقليدي بأي حال بأنني مدينة لهما كما هو شائع بسر تفوقي ونجاحي فقضية الفشل والنجاح والتفوق في رأيي مسألة شخصية بحتة. وقد تلعب الظروف الموضوعية دورا موجبا أو سالبا لكنه ليس مؤثراً حاسماً بأي حال. أما عن التكيف والاختلاف بين المجتمعين العربي السوري والبلغاري فإنه شكلي ولا يكاد يكون كبيراً في جوهره، وللتذكير فقط فإننا نحن العرب والبلغار كنا خاضعين للإمبراطورية العثمانية المترامية الأطراف علي مدي قرون عديدة، وبصفة خاصة فالبلغار، وكما هو معروف عنهم، إنسانيون وليس عندهم أية نزعة شوفينية نحو الآخرين وهم إلي حد بعيد مثل العرب الأصلاء طيبون ولطيفو المعشر وصفاتهم في جوهرها غالباً متشابهة مع شعوب شرقنا العربي، لدرجة أننا لم نحس يوماً بينهم بأية غربة حتي أن الروابط ما زالت قائمة بيني وبين عدد من الزميلات الأكاديميات وأساتذة الجامعة الكبار هناك.


    * لك تجربة غنية في مجال البحث الآثاري.. ما هي حصيلة هذه التجربة وماذا تمثل بالنسبة لك؟
    - في الحقيقة لقد كنت محظوظة جداً في عملي والحظ بأحد مفاهيمه استعداد مسبق وفرص مواتية. وهذا ما كان يحدث معي دائماً. وبحكم كوني مديرة لآثار حمص لفترة تزيد علي السنوات الخمس سبقتها تراكمات معرفية وانشغالات آثارية مستمرة أمكن لي من هذا الموقع أن أتابع رسمياً بعثات الآثار والمسح الأثري في سوريا عموماً وفي نطاق مسؤوليتي الرسمية المشمولة بمحافظة حمص.. كل ذلك كان سبباً مباشراً ومحدداً لذلك المعني الذي نتحدث عنه، فلقد استطعت مع العاملين في دائرة آثار حمص أن نسجل ونوثق ونمسح العديد من المواقع الأثرية المهمة بمجملها والتي أخذت منا الكثير من الوقت والجهد والتعب والمتابعة رغم ضيق الوقت وضعف الإمكانيات اللوجستية المادية والمعنوية اللازمة لذلك الكم الهائل من المواقع داخل مدينة حمص التاريخية وعلي امتداد جغرافيتها الإدارية والتنظيمية والتي لا يخلو فيها موطئ قدم لا يشي بأثر ما مهم. ولعل قدرة التخطيط المسبق والظروف المساعدة أحياناً والمصادفات البحتة أحياناً أخري كانت سبباً في اكتشاف تلك الكنوز الخبيئة في مختلف سويات التربة وتحت أنقاض السنين وما علينا إلا البحث عنها واقتفاء آثارها لاكتشافها. وربما كان الاكتشاف الأبرز والمفاجيء هنا هو رقعة الفسيفساء التي وجدت في مركز مدينة حمص وعلي حدود سورها القديم، والتي تعد واحدة من أعجب اللوحات قاطبة بسبب احتوائها علي وحدات تشكيلية وزخرفية فريدة.. لكن الأكثر لفتاً وفرادةً وإدهاشاً هو اعتمادها علي البعد الثالث في المنظور التشكيلي وهذا بالضبط سر قيمتها وامتيازها عن غيرها.. فبلادنا كما تعرف متميزة كثيراً بهذا النوع من الفن بتلازمه مع هندسة الشكل وفلسفة التصوير إضافة إلي بعد المنظور الثالث وعلم الجمال.


    * يحتاج العمل في مجال البحث الآثاري إلي الكثير من الجهد والوقت والتفرغ.. كيف استطعت المواءمة بين مثل هذا الوضع وحياتك الأسرية؟
    - أعتقد أننا تحدثنا كثيراً عن الشق الأول من سؤالك والمتعلق بما يتطلبه العمل الآثاري من ضني وإرهاق وتعب كمن يحفر بالإبرة ويشتغل في ضوء العيون من البصر إلي البصيرة كما يقولون، لكن الأمر المتعلق بإحداث تلك المواءمة أو الملاءمة بين ما يتطلبه نشاط الآثاريين من التفرغ الذي إن لم يكن كلياً وصبوراً فستذهب كل الجهود إلي الفراغ. ومن حسن الحظ أن ظروفي الأسرية ضمن عائلتي الصغيرة منحتني هذا التفرغ بسعادة ، ومما أكد ضرورة الترحاب بإعطائي المزيد من التفرغ لدرجة أنني كنت أظن أنهم إنما يريدون أن يتخلوا عني، لكن الأمر كان يعود دائماً إلي أهمية الإنجاز الذي كان يتحقق والذي بدونه فيما أظن ستكون مهمتي صعبة أكثر لو لم أكن أُمْنَحَ هذا التفهم من عائلتي، وكم كنت سعيدة حين أري اهتمام الرأي العام من حولي وليس أسرتي فحسب بالآثار لكنني استطعت مع زملائي بإنجازاتي ومساعدتهم لي تشكيل رأي عام آثاري وكسب أصدقاء وليس من النخبة فقط بل كثيراً من هيئات المجتمع الأهلي والمدني وكم كنت سعيدة أيضاً حين أري أن أهم النتائج المضافة إلي الاكتشافات الأثرية هو إنجاز بوادر لثقافة آثارية بدأت تتلامح في أدبيات المجتمع الذي يبدأ بعائلتي، وأظن أنه لن ينتهي في حدود الحي الذي أعيش فيه والمدينة التي أعمل بها، بل إن ذلك سيصبح شيئاً عاماً، وها هي ثقافة الآثار علي المستوي الاجتماعي قد بدأت تنتج رأياً عاماً مساعداً لنا ونحن بحاجة إليه لنتطور.
يعمل...
X