إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الناقد أحمد المعلم دراسة في قصص نبيه إسكندر الحسن - مكانة السرد وأثرها (سورية الأم)

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الناقد أحمد المعلم دراسة في قصص نبيه إسكندر الحسن - مكانة السرد وأثرها (سورية الأم)

    الناقد أحمد المعلم دراسة في قصص نبيه إسكندر الحسن
    مكانة السرد وأثرها (سورية الأم)
    جريدة الاسبوع الأدبي


    مكانة السرد وأثرها في (سورية الأم).ـــ أحمد المعلم
    ما إن يتجلّى الموضوع للقاص: نبيه اسكندر الحسن، حتى يُهرع إلى الفكرة، التي ستصوغ أهدافه ومراميه، ثم يسعى إلى حدث أو أكثر لبيان الغرض العام من القص. فإذا أنجز الموضوع غرضه وغايته، فإنَّ القص يكون قد حقّق شروط وجوده. ذاك ما نراه في المجموعة القصصية: (سورية الأم).‏
    تحتوي هذه المجموعة القصصية على أكثر من عشرين قصة، منها ما يأخذ الشكل القصصي القصير جداً، مثل: (طفلة ـ الله مع الصابرين ـ فاطمة ـ عشتروت ـ رحلة العين والمخرز). ومنها ما يأخذ شكل القصة القصيرة. ويشمل مالم نذكره من قصص، ويأخذ صفة الأعم الأشمل.ولمّا كان القاص حريصاً جداً على الموضوع أكثر من غيره في ركائز البناء القصصي، فإنه لم يحتفل بأن يعطي لهذه المجموعة القصصية شكلاً واحداً، أو نمطاً واحداً، بل تتعدّد الأشكال من تعدّد المواضيع.يقول حسن حميد من تقديمه لهذه المجموعة: (أهم مافي هذه المجموعة القصصية أنها بستان إبداعي، فيها نصوص متعدّدة الأغراض، مختلفة في تناولها الفني تلتفت إلى القصة القصيرة جداً فتقدّم نصوصاً ملغومة، معبّأة بالمعاني والدلالات، نبيهة في استهلالاتها؛ ذات خطف سام في نهاياتها، تتخّذ من السرد أداة للتوصيل حيناً، ومن الحالات أو المشهديات أداة للتوصيل حيناً آخر، وهي في كلّ هذا التنوّع، والاختلاف لا تغادر أقنومين أساسيين حرص الكاتب عليهما هما، الأول: معالجة القضايا الوطنية والقومية والإنسانية تبعاً لمواقع العطب والخراب وخطورتهما، والثاني: الإخلاص لفن القصة وروحه). والقاص حسن حميد يطلق هذه الأحكام من وعي للتجربة القصصية وفنّها الإبداعي على الخصوص. وتشكّل هذه المقدّمة رائزاً قوياً، أو مفتاحاً ساحراً لكل من يودّ الدخول إلى مثل هذا العالم القصصي.‏
    فالموضوع البسيط في حياة الناس مثل: عيد الأم، يلتقطه الإحداث القصصي، ويمضي به بجهة المخيّلة، فإذا هي تعود منتجة له من جديد، وفاقاً لرؤية جادّة وموقف تعبيري خالد، يُسطّر سرّ العلاقة المتنامية بين الطفلة وأمها، لتكون التضحية بالنفس واجبة حيال الأم، التي حملت ورعت، ويكون برهان الطفولة تجاه الأمومة قوياً، صادقاً في عزيمته، يقدّم النفس رخيصة من أجل هدية عيد الأم، لتكون الوردة الحمراء سرّ تنامي العلاقة وسموّ التواصل بين الآباء والأبناء. ذاك ما نراه في القصة القصيرة جداً: (طفلة)، والتي لا يستطيع المتابع لها إلا أن ينحني إجلالاً لعظمة التواصل وسرّ الاندماج بين الطفلة وأمّها. ولقد كانت الطفلة البطلة غافلة عن موعد التواصل مع الأم، كما اقتضى العرف الاجتماعي، لكن تنبيه المعلمة لهذا الموعد فتح المجال عريضاً لتضحية بالنفس، تقوم بها البطلة من أجل هدية للأم. فكم تكبر الطفولة في عيون الأمهات من هذا الفعل! وكم تكبر الأمومة من الطفولة تقديراً متسامياً لهذا الانتماء الخالد للحياة والحيوية.‏
    فهل كان الحيوان الكلب بعيداً عن سرّ العلاقة بين الطفولة والأمومة، أم أن القاص أراد أن يرفع كثيراً من شأن الإنسان، ويجعله الطاقة السامية حيوية ونشاطاً على سائر المخلوقات؟!....‏
    إن تغذية إنسانية شاملة، تنهمر علينا من عالم هذا الفضاء القصصي، فنزهو لفعل الطفلة، على الرغم من أنّها عانت الموت، ونحتفل بقلب الأم ودليلها الوهّاج، على الرغم من أنها كانت بعيدة عن المكان. وذلك يأتينا من دون زخرفة كلام أو تنميق، ولا تزويق، فالمهم عند القاص الوفاء للموضوع. وإن كان للأسلوب أن يكشف عن الكاتب، وهو كذلك، فإن الكاتب وفيّ لموضوعه. وربما كان يجترح صيغة الوفاء سلّماً لعلاقة مترابطة، أيّاً كانت وجهتها وغايتها....‏
    ومن يستطيع أن يقرأ قصة : (بعل) القصيرة جداً ويتغابى عن أمثولتها الناشطة الذكية: (ـ خذ اللآلئ ودع المحار والطحالب). وليس المهم الأمثولة التي اختلفت إليها تلك القصة، فعالم الأمثولات طويل وعريض، وإنما المهم هو تلك الصيغة الفنية بسيطة التركيب، يتم العرض منها، وأيضاً ذلك الحوار الشفيف الناعم، المتناغم مع البناء القصصي، ليُشعرنا بأن اللقاء مع الحياة هو أكثر شمولاً من اللقاء مع العدم. ولسيولة التذكّر والترجيع قدر مهمّ في هذا البناء القصصي، لكنه ليس الصعب الذي لا يخطر إلا إلى قلّة من الناس، وإنما مايمكن أن يتوارد لكثير من مخيّلات الناس، مما يهبنا فرصة كي نقول: إن المهم في العرض القصصي ليس هو إتيان الخرق، وإنما هو امتلاك أدوات التوصيل لبلوغ الغاية المرتجاة.‏
    والحدث أو الأحداث التي يتألّف منها الموضوع في هذه المجموعة القصصية لا يأتي كبيراً، وليس خارقاً، وإنما يجيء الحدث صغيراً بسيطاً، إلا أنّه يحتلّ زاوية خاصة من حياة الشخصية القصصية، أو أن البطل أو البطلة قد تنبّه أو تنبّهت إليه، فاعترض مايمكن أن يعترض، دون تهويل أو تشويش.‏
    فكيف سار البناء القصصي في القصة القصيرة عند القاص؟...‏
    يقوم البناء القصصي عند الكاتب على محور ذاتي موضوعي. فهذا المحور لا يخصّ فئة قليلة من الناس، وإنما هو محمّل بعبء شريحة اجتماعية واسعة، تعرف أن قدرها أن تعمل وتضحّي، ولا تطمح بأكثر ما يسدّ الرّمق لقاء حياة سوية، لا يذهب البطل فيها إلى أي انحراف، يخالف السنة الاجتماعية المرسومة، ولا العرف الأخلاقي المتعارف عليه وسط الجماعة، كذلك ليس له أن ينحدر، فيتخلّى عن شرط إنسانيته في الوجود والحياة. فبطل هذا الطراز يأكله الإعياء، ولكنه لا يستسلم له، وينال منه التعب في سبيل بغيته، إلا أنه التعب الجميل، الذي يحبّه البطل، وإذا كانت الوردة تستلّ من الندى رحيقاً، تقدّمه للنحلة، فإن البطل لا يرجو أن يكون أقل من الوردة عطاء وتمرّداً على الجفاف والإصفرار...‏
    ويرافق المحور الذاتي الموضوعي محوراً شاملاً، منه نرى أن المسألة ليست مسألة أفراد، وإنما هي مسألة مجتمع وشعب، يتطلّع إلى الأفضل، وإن لم يكن موجوداً، فيتمّ حب التراب والمكان والوطن والزمان، لأن المجموعة البشرية هذه تُغاوي الإخلاص في العمل، ولا تعنيها الشواغل الأخرى، مع أنها لا تنكر وجودها، وتحب الانسجام حتى لو كان ذلك في الاختلاف.‏
    ففي القصة القصيرة: (عودة الصيف) البطل وأسرته يشكون عوزاً وحاجة إلى المازوت، كي تشتعل المدفأة، وهم يمثّلون شريحة اجتماعية واسعة بين الموظفين الصغار. ويدور حوار وتنقير نكتشف منهما أن هموم هذه الأسرة، تشتمل على كثير من الأسر، فهي أسرة نموذجية. وإذ يقع التلاوم بين البطل وزوجته، فإن الحلّ تجترحه مخيّلة البطل، فيدعو أبناءه للرياضة، ويتحرّك معهم، ثم يتناول الكتب من الرفوف، ويُلقمها المدفأة، فتشتعل أيما اشتعال، حتى يغفو الأولاد متمتّعين بالدفء والهناء.‏
    هذه المشكلة الذاتية الموضوعية تخصّ البطل، وتخصّ سواه، فيكون انسجام واندغام بين إقدام البطل على حرق كتبه ضماناً لدفء الأولاد. وصحيح أن الكتب طاقة فكرية وأدبية، لا يسهل الاستغناء عنها، ولكن ماذا يعمل الفقير البطل؟ وما الذي يريد أن يفصح عنه الغرض القصصي في بنائه العام؟‏
    قصد البناء القصصي أن يقول: إن الثقافة والتفكير يحتاجان إلى تأمين حياة لأسرة صغيرة. ولا فائدة من كتب مرصوصة على الرفوف، إذا لم تعانق الحياة، وتبعث الدفء في جنباتها. وبذلك يكون البطل قد أقدم على الفعل المنتظر أن يقوم به فبين المادة والفكر أكثر من خيط تواصل، تسير به الحياة. والعزل بينهما يعني أن هناك خللاً يحدث، وأن العرج الذي يحدث، ليس له أن يستمرّ طويلاً، فالغاية من الأسرة هو الحفاظ على حياتها بالدرجة الأولى:‏
    (
    وثب إلى المفتاح، خلع فرن المدفأة، أشعل عود ثقاب، حشره بين الأوراق، تعالى اللهب، زغردت المدفأة طرباً، تطلب المزيد، انداح الدفء... عم المكان.. تسلّل النعاس إلى أجفان الجميع، فغطّوا في نوم عميق... هي الأخرى تلقم المدفأة. حتى انبلاج الفجر)...‏
    وفي القصة القصيرة: (موال العاشق) نجد بطلاً يقضي في حرب حزيران نحبه، يعاهده بطل صاعد على أن يحمل العلامة إليه، وهي الخاتم، ويكون الانتصار في حرب تشرين، فيعود البطل إلى شموخه. فالمشكلة الصغيرة، تدور أمامنا، لكنها تخصّ أيضاً شريحة اجتماعية واسعة، مستّها حرب حزيران في الصميم، فصار همّها أن تستعيد الأرض المستباحة، وأن تستعيد الكرامة التي انهدرت. فيلتقي هذا الذات الموضوعي مع الموضوعي العام، الذي يخصّ المجتمع بأسره، ويكون تضافر من أجل حماية الإنسان والأرض والكرامة. فالبطل أنموذج لشريحة اجتماعية واسعة، وخصوصية تلتقي خصوصيات أخرى كثيرة: (كل من عرف سمّاه "الشقي" غير أن عماد ذو قلب طيب)، فالشقاوة عامل سيكلوجي هام في تكوين الشخصية، وهي تشمل نماذج متعدّدة من الناس، وكذلك صفة القلب الطيب تشترك فيها نماذج متعدّدة من الناس مما يهيء لنا احتكاماً إلى الذاتي الموضوعي بنسبة كبيرة. وأما الموضوعي العام، والذي يشمل كثيراً من أبناء الشعب فهو موضوع حرب حزيران ومؤثرها القوي على حياة الناس. وبذلك يلتقي الذاتي الموضوعي مع الموضوعي العام لتكوين فضاء عام لهذه القصة القصيرة.‏
    ولما كان السرد ضليعاً في هذا البناء القصصي، فإننا نجده يستولي على الفعل، ليقدّم منه ما يشاء، فنرى أثر الفعل اللازم للبناء، ولا نرى الفعل كله، أي إن تكوّن الفعل غائب، وأيضاً فإن هذا السرد يجرجر وراءه الحوار، فلا يتركه ينمو بعيداً عنه، بل يحصره في دائرته، ولا يدعه يتنفّس إلا من خاصرته. لا ليبرهن السرد على كفاءة عالية، وإنّما ليبيّن قدرته الطاغية على الاستئثار والتحكم.‏
    وكل الأبطال من وسط ثقافي واجتماعي واحد، يتمتّعون بقدر كبير من الصفاء والنقاء، ويسعون لما فيه الصالح العام بالدرجة الأولى، فَهُمْ مُنشغلون بهموم الوطن أكثر من الفئات الاجتماعية الأخرى.‏
    ويستقدم القاص وعياً أسطورياً، يخدم بنية القص في الحاضر، ويوافق أغراضها. وهذا الوعي الأسطوري لا يستعيد التجربة الأسطورية كما حدثت، ليُلبسها لباساً جديداً، وإنما يستخدم الكاتب وعيه للأسطورة، لينفذ منه إلى وعي الحاضر ومتطلّباته في الحاضر حين يكون العناء صلباً في حيويته.‏

يعمل...
X