إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

بالشاعر الاردني (مصطفى وهبي التل) الانسان الذي ما استراح ولا أراح حتى غيَّبَه الثرى - أحمد رشاد العتيلي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • بالشاعر الاردني (مصطفى وهبي التل) الانسان الذي ما استراح ولا أراح حتى غيَّبَه الثرى - أحمد رشاد العتيلي

    شاعر الأردن : مصطفى وهبي التل ( عرار )





    لعل الناس لم يَغبُنوا شاعرًا –حيًّا وميتًا- مثلما فعلوا بالشاعر الاردني (مصطفى وهبي التل) الانسان الذي ما استراح ولا أراح حتى غيَّبَه الثرى في فترة جِدِّ حرجة من التاريخ العربي الحديث في العام 1949م.

    ولعل إنسانًا لم يظلم نفسه –روحًا وجسدًا- مثلما فعل (عرار) النواسيّ الخياميّ المعريّ الشعبي، حتى لكأنه والغُبن والظلم توأمان.

    عاش (عرار التل) حياته المضطرمة التزاماً حادّاً، أشقاه وأضناه وأذوَى عودَه، فهو إذ يصَّعَّدُ في السلّمِ الوظيفي حتى ليكون جزءاً أصيلاً من السلطة يحكم ويرسم، يتحدّرُ في مهاوي الحياة، حتى ليكونَ ذرّةً زئبقيّةً تائهةً لا تستقرُّ، يُتَخَطَّفُ بين نفي مُرٍّ، وسجن قاسٍ، بلا حَوْلٍ من سلطةٍ، ولا طَوْلٍ من ذات.


    فمَن سِجنٍ إلى مَنفًى
    ومن منفًى إلى غُربَه

    ومن كَرٍّ إلى فَرٍّ
    ومن بَلوَى إلى رَهبه

    فَبِي مِن كلِّ معركةٍ
    أثَرتُ عَجاجَها نَدْبَه

    والشاعر الإنسان –ما بين ذلك- ساخط صارخ متبرّم، أو هو يَلُوكُ الماء في فيهِ آسِيا واجداً حزيناً، أو يهزّ منكبيه، إمّا سلقته الألسُنُ الحِداد، كأنما الأمرُ لا يَعنيه.. لكنه في الحالات كلها يُثقل النفسَ بالهَمّ، ويحرق الأمعاء بالسمّ، ويشحذ الشاعرية بسحر العذارى يتخطّرن من حوله يُلوّعنَ فؤادَه، ويذوبُ هُياماً في غُنْجِ الصبايا المِلاح الناثرات الهوى، بين أحضان الطبيعة الساجية، ولهاث السَّكرَى المفتونين، ورقصِ النَّورِيّات على نغم الأرغول، ودقّ المهباش، وكركرات الحِسانِ، واْزوِرَارِ الأهلِ الحانقين في ذُرى عَروسِ الشمالِ الحلوةِ إربد.

    فمن هو عَرارٌ هذا؟

    أنا مصطفى وهبي.. أتعرفُ مَنْ أنا؟
    أنا شاعِرُ الأُردُنِّ غَيْرُ مُدافَعِ

    هو (مصطفى وهبي بن صالح التل) إربديٌّ أردنيٌّ عربيٌّ ثائر شاعر، من أسرة التل الإربديّة، قضَّى جُلَّ سِنيّ حياته (1899-1949م)، في معارك موصولةِ الشراسة والمرارة، مع النفسِ والأهلِ والسلطة، لم يرفعْ رايةً بيضاءَ إلا للهَوَى يستجديه الرضى و الدفء، ولم يَحْنِ هامةً إلا للصَّهباءِ ينفثُ في حَبَبِها الضيقَ وتنفثُ في عروقِهِ الوَهَن، ويَضرِمُ –في كل حين- عودَ ثقابِ حطبٍٍ يابسٍ مُعَدٍّ للوَقْد.

    وهو امرؤ قلق غير مطمئن، أعوَزه الصدرُ الحنون، فألقى على صدر البلد الذي عشقه مأوًى ومثوًى، وقدّسه أُمَّا وقوماً ووطناً، هامته وعبئَه، فلمّا الفاه مُشيحاً ببعض وجهه عنه عتباً ولوماً، أوى إلى خمّارةِ قعوارَ يَعُبُّ الخمرَ، ويدفنُ في الدِّنانِ القهر، ويبثُّ الاخدان شجنَ النفسِ، فلا تزيدُه السّكرةُ إلا ضَياعَ الفكرِ، ولايزيده قعوارُ غيرَ الإغراقِ في الحاجةِ والنقمةِ والحُرقة:

    هات اسقني "قِعوارُ" ليسَ يَهُمُّني
    قولُ الوشاةِ: عَرارُ سكرانانِ

    فالكأسُ لولا اليأسُ ما هَشَّت له
    كبِدٌ، ولا حَدَبَت عليهِ يدانِ

    وقد استعار اسمَ (عرار بن عمرو الأسدي) نظيره هيئةً، ووهنَ جسمٍ، وجموحَ نفسٍ وحساسية كرامةٍ، كُنْيَةً له، مذكّراً الناسَ بقولة عرارٍ الأسدي الأنوف:

    أرادت عَراراً بالهَوانِ، ومن يُرِدْ
    عَراراً –لَعَمري- بالهوانِ فقد ظَلَمْ

    ولقد أسرف "عرار التل" على نفسه وعلى صحته وعلى ذهنه لهواً ورهقاً وإباءً، فعنَّاهُ النَصبُ، واسلَمَهُ العَنَتُ للعِلّةِ، ففارق الأرضَ والناسَ والهَوَى والخمرةَ بعد أن غَنَّى الاردنَّ قصيدَ حُبٍّ، ونَعَى النفسَ استشفافَ غيبٍ، وطَوَى دفء القلبِ على البائسين:

    فَليَتقِ اللهَ بي شعبٌ محبّتُه
    كانت –وما برحَتْ ديني ودَيداني

    وليَتقِ اللهَ بي شعبٌ وفَيتُ له
    حَقَّ الوفاءِ، وبالنكرانِ كافاني

    على مذابحِ قَولي: سوفَ أُسعِدُه
    ضحّيتُ عُمري، فلم يَسْعَدْ وأشقاني


    *أحمد رشاد العتيلي
يعمل...
X