المسلمون وإنقاذ علم الجغرافيا
بقلم د. راغب السرجاني
لم يظهر علم الجغرافيا قديمًا كما هو اليوم، وهذا من طبائع كل العلوم؛ فلكل علم إرهاصات.. ثم تأتي البداية المشوشة التي يتداخل فيها مع غيره من العلوم.. إلى أن يأخذ بعد ذلك دوره في التشكل والتكوين، خاصة مع ظهور المتخصصين.
وفي معرض تناول انطلاق النهضة الجغرافية لدى المسلمين يجدر بنا في البداية ذكر الإسهامات التي سبقت الحضارة الإسلامية، والتي قدمها الرحَّالة الهنود أو علماء اليونان الذين استعان المسلمون بمجهوداتهم البحثية التي كانت شرارة لانطلاق ثورتهم الجغرافية المبدعة.
فقد كان اليونان – على سبيل المثال - يقطنون ضفاف بحر غنيّ بالملاجئ الطبيعية، فنشطوا من خلال تجارتهم وقربهم من البحر، وكان منهم المؤرخ (هيرودوت) الذي قام برحلات كبيرة في برقة ومصر وفينيقية وبلاد بابل، كما زار المستعمرات الإغريقية في ساحل آسيا الصغرى الشمالي، وجزر بحر إيجة وصقلية وجنوب إيطاليا.. ويعتبر كتاب "التاريخ" الذي ألفه مختصَرًا للمعارف الجغرافية لدى الإغريق في أواسط القرن الخامس (ق. م.).. كما قدَّمت مؤلفات "بطليموس" و"مارينوس" البدايات للمسلمين، حيث اعتمد المسلمون في القرن (الثالث الهجري - التاسع الميلادي) لإرساء قواعد علمهم الجغرافي على كتاب "الجغرافيا" لبطليموس، الذي كان اعتمادهم عليه أساسيًّا.. إلى جانب كتاب "مارينوس الصوري" الذي يأتي في درجة تالية من الأهمية.. وكانت تلك المؤلفات القديمة وصفية اهتم فيها هؤلاء العلماء بحساب درجات الطول والعرض وأسَّست لاستخدام الجغرافيا الرياضية في رسم الخرائط. فقد حدَّد بطليموس في كتابه العالَم المعروف لدى الأقدمين، فكان يمتد من جزر الخالدات غرباً إلى الصين شرقا، أما حدوده الشمالية فكانت الجزر الواقعة شمالي بريطانيا، في حين لا تتعدى حدوده الجنوبية منطقة السودان والبحيرات الكبرى، وكان كتاب بطليموس مزودا بـ 27 خارطة، كانت إحداها تمد البحر المتوسط بحوالي 20 درجة شرقا؛ مما أدى بالتالي إلى استطالة الأراضي بشكل مفرط باتجاه الشرق.
ولم تكن استفادة المسلمين في هذا المضمار من اليونانيين فقط، بل حرصوا على الاطلاع على كل الميراث الجغرافي لشعوب العالم..
بقلم د. راغب السرجاني
لم يظهر علم الجغرافيا قديمًا كما هو اليوم، وهذا من طبائع كل العلوم؛ فلكل علم إرهاصات.. ثم تأتي البداية المشوشة التي يتداخل فيها مع غيره من العلوم.. إلى أن يأخذ بعد ذلك دوره في التشكل والتكوين، خاصة مع ظهور المتخصصين.
وفي معرض تناول انطلاق النهضة الجغرافية لدى المسلمين يجدر بنا في البداية ذكر الإسهامات التي سبقت الحضارة الإسلامية، والتي قدمها الرحَّالة الهنود أو علماء اليونان الذين استعان المسلمون بمجهوداتهم البحثية التي كانت شرارة لانطلاق ثورتهم الجغرافية المبدعة.
فقد كان اليونان – على سبيل المثال - يقطنون ضفاف بحر غنيّ بالملاجئ الطبيعية، فنشطوا من خلال تجارتهم وقربهم من البحر، وكان منهم المؤرخ (هيرودوت) الذي قام برحلات كبيرة في برقة ومصر وفينيقية وبلاد بابل، كما زار المستعمرات الإغريقية في ساحل آسيا الصغرى الشمالي، وجزر بحر إيجة وصقلية وجنوب إيطاليا.. ويعتبر كتاب "التاريخ" الذي ألفه مختصَرًا للمعارف الجغرافية لدى الإغريق في أواسط القرن الخامس (ق. م.).. كما قدَّمت مؤلفات "بطليموس" و"مارينوس" البدايات للمسلمين، حيث اعتمد المسلمون في القرن (الثالث الهجري - التاسع الميلادي) لإرساء قواعد علمهم الجغرافي على كتاب "الجغرافيا" لبطليموس، الذي كان اعتمادهم عليه أساسيًّا.. إلى جانب كتاب "مارينوس الصوري" الذي يأتي في درجة تالية من الأهمية.. وكانت تلك المؤلفات القديمة وصفية اهتم فيها هؤلاء العلماء بحساب درجات الطول والعرض وأسَّست لاستخدام الجغرافيا الرياضية في رسم الخرائط. فقد حدَّد بطليموس في كتابه العالَم المعروف لدى الأقدمين، فكان يمتد من جزر الخالدات غرباً إلى الصين شرقا، أما حدوده الشمالية فكانت الجزر الواقعة شمالي بريطانيا، في حين لا تتعدى حدوده الجنوبية منطقة السودان والبحيرات الكبرى، وكان كتاب بطليموس مزودا بـ 27 خارطة، كانت إحداها تمد البحر المتوسط بحوالي 20 درجة شرقا؛ مما أدى بالتالي إلى استطالة الأراضي بشكل مفرط باتجاه الشرق.
ولم تكن استفادة المسلمين في هذا المضمار من اليونانيين فقط، بل حرصوا على الاطلاع على كل الميراث الجغرافي لشعوب العالم..
Comment