الإنس والجن وما يبنهما
هذا الموضوع يشكل الشغل الشاغل لكثير من الناس، وقد أدّت وسائل الإعلام المختلفة دورها الضخم في إشاعته وتضخيمه، حتى صار عند كثير من الناس من المسلمات، أي أنّ الجانّ يتلبّس الإنسان، وهو من مخلّفات الفلسفات القديمة، تناقله المسلمون، وكثر شيوعه في عصور الانحطاط الفكريّ، وليس عصر مر على المسلمين أكثر انحطاطاً في الفكر من العصر الحالي الذي تلا زوال دولة الخلافة.
وقد قمت بدراسة الموضوع فترة من الزمن دامت سنوات -وربما لا تكون كافية-، رافقت خلالها أحد المعالجين بالقرآن من تلبّس الجان للإنسان، وشهدت كثيراً من حالات المعالجة بالقرآن، كنت أقوم خلالها بالملاحظة والاستنتاج، ودراسة الموضوع في مظانه. حتى شكلت عن الموضوع صورة أرجو أن تكون صائبة، فما كان منها صائباً فمن الله تعالى، وما أخطأت فيه فمني ومن الشيطان، وأستغفر الله عن كل زلل.
والدراسة التي أجريتها كانت في عشرات الصفحات، ولكني سأختصرها في هذه الصفحات القليلة، مع عدم محاولة الإخلال بالمضمون، محاولاً إعطاء الفكرة حقها من الاستدلال
.
ولا بد قبل بحث الموضوع من وضع الأسس التالية:
أولاً: الجنّ من عالم الغيب وليس من عالم الشهادة، آمنا بوجوده من الخبر اليقيني المقطوع بثبوته، المقطوع بدلالته، فكان الإيمان بوجود الجنّ فكرة إيمانية ثبتت بالدليل القطعي الثبوت القطعي الدلالة.
ثانياً : لا بد من التسليم بكل ما ورد عنهم في النصوص الشرعية القطعية، والتصديق بما ورد عنهم في النصوص الشرعية الظنية.
ثالثاً: لا بد من التوقف عن قبول أي خبر يُنسَب إلى الحس أو العقل في ما يتعلق بالجن، لأنهم من عالم الغيب، وعدم قبوله.
رابعاً: في حالة عجز عقل الإنسان عن تفسير أية ظاهرة أو أي أمر، فإنه لا يقبل فيه التفسير الغيبيّ أي النسبة إلى مُغَيّب إلا إذا ورد النص الشرعي فيه. ولسنا مُلْزَمين بالأخذ بالتفسير الشائع. وعدم وصول العقل الإنسانيّ لتفسير أمر ما هو شيء طبيعي، يدل على عجز الإنسان ونقصه ومحدوديته واحتياجه. والأصل في الإنسان الارتقاء بتفكيره -كما أمرنا الله تعالى-، وألا يقتصر تفكيرنا على (التفكير العجائزي)، فالعجوز التي تسمع صرير الباب ولم تشاهد أحداً حرّكه فإنها تتعوّذ وتبسمل، لأنها تنسب ذلك في معتقداتها إلى الجن.
خامساً: التعلّق بالغيب أمر فطريٌّ عند الإنسان، فتجد أكثر الناس يشنّفون أسماعهم لتلقي أي قصة عن الجن، والإيمان بالغيب يشبع مظهراً من مظاهر غريزة التديّن عند الإنسان، ولكن ليس معنى هذا أن نصدق كل ما نسمع من الآخرين.
سادساً: التفريق بين الأمور التصديقية (الإيمانية)، والأمور العملية في الموضوع، ولذلك وجب العمل بالنصوص الصحيحة التي دلت على التداوي بالقرآن. ولكن أي اعتقاد لا بد له من دليل قطعي الثبوت قطعي الدلالة.
أقول وبالله التوفيق:
العلاقة بين الإنس والجن محصورة بما يلي:
أ - الوسوسة وتوابعها من قبل الجانّ للإنسان.
ب - الطاعة أو المعصية من قبل الإنسان للجانّ.
الأدلة على ذلك:
1-(من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس، من الجنة والناس) سورة الناس 4-6.
2- (قال فبما أغويتني لأقعدنّ له صراطك المستقيم، ثمّ لآتينّهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين ... فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما وُورِيَ عنهما من سوآتهما)، الأعراف، 16 - 20.
3- (فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى)، طه، 120.
4- (يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة)، الأعراف، 27.
5- (قال رب بما أغويتني لأزينّن لهم في الأرض ولأغوينّهم أجمعين، إلا عبادَك منهم المخلصين)، الحجر، 39 - 40.
6- (قال فبعزّتك لأغوينّهم أجمعين، إلا عبادك منهم المخلصين)، ص، 82 - 83.
وهناك العشرات من الآيات التي دلت على تأثير الجن والشيطان على الإنسان (الشيطان من الجن بدليل آية سورة الكهف [إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه])، وعبرت الآيات عن ذلك بتعبيرات كثيرة كالوسوسة، والإضلال، والتمنية، والأمر، والتزيين، والتسويل، والاستحواذ، المس، ... وغير ذلك مما هي من توابع الوسوسة.
وعبرت الآيات عن طاعة الإنسان للشيطان والجان بتعبيرات منها الاتباع، ومنها اتخاذهم أولياء، الدعاء، أخوة الشياطين، الولاية، العبادة، ....
أما حصر هذه العلاقة بما ورد دون غيرها ففي قوله تعالى في سورة إبراهيم، ناقلاً عن إبليس قوله يوم القيامة، قال تعالى: (وقال الشيطانُ لمّا قُضِيَ الأمرُ إن الله وعدكم وعدَ الحق ووعدتكم فأخلفتكم، وما كان ليَ عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي، فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ...) إبراهيم، 22.
ففي هذه الآية ينقل ربنا سبحانه وتعالى عن إبليس نفيَه أن يكون له سلطان على الإنسان إلا دعوتهم وأن الذين في النار استجابوا لدعوته. ولو كان له سلطان آخر لذكره، ولو كان قوله غير صحيح لكذّبه اللهُ تعالى.
هذا نص القرآن الصريح ينفي وجود علاقة غير علاقة الدعوة والاستجابة بين الإنسان والشيطان، ويحصر علاقتهما بذلك، فالقائل بغير ذلك مطالب بالدليل، ولا دليل لهم على ما يقولون. وما ذكروه على أنه أدلة لهم على وجود علاقة أخرى، فكله ظني الدلالة. ويمكن مناقشة تلك الأدلة لمن يرغب بذلك.
أما العقل فلا يصلح دليلاً لإثبات علاقة أخرى، لأن في الموضوع جانباً من جوانب الغيب، وهو عالم الجن والشياطين، وما دام غيبياً فلا يقبل فيه إلا الدليل النقلي، الكتاب أو السنة، ولم يرد في أي منهما إثبات لأي علاقة أخرى مما تزعمه عامة الناس كالتلبّس مثلاً، أو الزواج، أو غيره.
أما القصص التي تُتناقَل بين الناس، والحالات المشاهدة والتي يُزعَمُ أنها تلبّس من الجانّ للإنسان، فإنّ هذا مجرد زعم يَنقُصه الدليل، واختلافنا مع أصحابها والقائلين والمستدلين بها اختلاف في التفسير ليس إلا، أي في تفسير هذا الواقع.
وبيان ذلك:
هذه الحالات التي تفسّرها العامة على أنها تلبّس من الجانّ للإنسان، هي في حقيقتها حالات نفسية، أو أمراض نفسية، إما نتيجة الوهم والاستمرار فيه حتى يصبح كأنه حقيقة عند من يتوهمه، ويتم علاج مثل هذه الحالات في العيادات النفسية بطرق كثيرة منها ما يسمى بالتنويم المغناطيسي. وقد تكون هذه الحالات ناتجة عن خلل عصبي يدفع بالإنسان إلى الأوهام والتخيلات، وهذا منه ما يعالج في عيادات الطب العصبي، ومنها ما ليس له علاج حتى الآن.
والذي حدا بهم إلى اعتبار هذه الحالات على أنها تلبّس من الجن للإنسان هو بعض المظاهر التي عجزوا عن تفسيرها، ومن هذه المظاهر:
1- اختلاف صوت المريض، كتكلّم رجل بصوت امرأة أو العكس، حتى جعلهم يظنون بأنه صوت لجني تلبّسه.
2- ذكر المريض قصصاً وخرافات منسوبة إلى الجن أثناء عملية المعالجة.
3- بعض القوى غير العادية التي يتمتع بها المريض في بعض الأحايين.
4- ذكر المريض معلومات يغلب على الظن أن مثله لا يعلمها، وأدل دليل على ذلك عندهم تكلّمه بلغة لا يعرفها أصلاً.
5- إخباره عن معلومات يُظَنّ أنها من الغيب.
6- زعم بعضهم أنه رأى الجن، وزعم آخرين بأنهم التقطوا له صوراً. وهناك من يزعم بأنه سمع صوته، وغير ذلك من الترّهات.
وقد قمت بدراسة الموضوع فترة من الزمن دامت سنوات -وربما لا تكون كافية-، رافقت خلالها أحد المعالجين بالقرآن من تلبّس الجان للإنسان، وشهدت كثيراً من حالات المعالجة بالقرآن، كنت أقوم خلالها بالملاحظة والاستنتاج، ودراسة الموضوع في مظانه. حتى شكلت عن الموضوع صورة أرجو أن تكون صائبة، فما كان منها صائباً فمن الله تعالى، وما أخطأت فيه فمني ومن الشيطان، وأستغفر الله عن كل زلل.
والدراسة التي أجريتها كانت في عشرات الصفحات، ولكني سأختصرها في هذه الصفحات القليلة، مع عدم محاولة الإخلال بالمضمون، محاولاً إعطاء الفكرة حقها من الاستدلال
.
ولا بد قبل بحث الموضوع من وضع الأسس التالية:
أولاً: الجنّ من عالم الغيب وليس من عالم الشهادة، آمنا بوجوده من الخبر اليقيني المقطوع بثبوته، المقطوع بدلالته، فكان الإيمان بوجود الجنّ فكرة إيمانية ثبتت بالدليل القطعي الثبوت القطعي الدلالة.
ثانياً : لا بد من التسليم بكل ما ورد عنهم في النصوص الشرعية القطعية، والتصديق بما ورد عنهم في النصوص الشرعية الظنية.
ثالثاً: لا بد من التوقف عن قبول أي خبر يُنسَب إلى الحس أو العقل في ما يتعلق بالجن، لأنهم من عالم الغيب، وعدم قبوله.
رابعاً: في حالة عجز عقل الإنسان عن تفسير أية ظاهرة أو أي أمر، فإنه لا يقبل فيه التفسير الغيبيّ أي النسبة إلى مُغَيّب إلا إذا ورد النص الشرعي فيه. ولسنا مُلْزَمين بالأخذ بالتفسير الشائع. وعدم وصول العقل الإنسانيّ لتفسير أمر ما هو شيء طبيعي، يدل على عجز الإنسان ونقصه ومحدوديته واحتياجه. والأصل في الإنسان الارتقاء بتفكيره -كما أمرنا الله تعالى-، وألا يقتصر تفكيرنا على (التفكير العجائزي)، فالعجوز التي تسمع صرير الباب ولم تشاهد أحداً حرّكه فإنها تتعوّذ وتبسمل، لأنها تنسب ذلك في معتقداتها إلى الجن.
خامساً: التعلّق بالغيب أمر فطريٌّ عند الإنسان، فتجد أكثر الناس يشنّفون أسماعهم لتلقي أي قصة عن الجن، والإيمان بالغيب يشبع مظهراً من مظاهر غريزة التديّن عند الإنسان، ولكن ليس معنى هذا أن نصدق كل ما نسمع من الآخرين.
سادساً: التفريق بين الأمور التصديقية (الإيمانية)، والأمور العملية في الموضوع، ولذلك وجب العمل بالنصوص الصحيحة التي دلت على التداوي بالقرآن. ولكن أي اعتقاد لا بد له من دليل قطعي الثبوت قطعي الدلالة.
أقول وبالله التوفيق:
العلاقة بين الإنس والجن محصورة بما يلي:
أ - الوسوسة وتوابعها من قبل الجانّ للإنسان.
ب - الطاعة أو المعصية من قبل الإنسان للجانّ.
الأدلة على ذلك:
1-(من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس، من الجنة والناس) سورة الناس 4-6.
2- (قال فبما أغويتني لأقعدنّ له صراطك المستقيم، ثمّ لآتينّهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين ... فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما وُورِيَ عنهما من سوآتهما)، الأعراف، 16 - 20.
3- (فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى)، طه، 120.
4- (يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة)، الأعراف، 27.
5- (قال رب بما أغويتني لأزينّن لهم في الأرض ولأغوينّهم أجمعين، إلا عبادَك منهم المخلصين)، الحجر، 39 - 40.
6- (قال فبعزّتك لأغوينّهم أجمعين، إلا عبادك منهم المخلصين)، ص، 82 - 83.
وهناك العشرات من الآيات التي دلت على تأثير الجن والشيطان على الإنسان (الشيطان من الجن بدليل آية سورة الكهف [إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه])، وعبرت الآيات عن ذلك بتعبيرات كثيرة كالوسوسة، والإضلال، والتمنية، والأمر، والتزيين، والتسويل، والاستحواذ، المس، ... وغير ذلك مما هي من توابع الوسوسة.
وعبرت الآيات عن طاعة الإنسان للشيطان والجان بتعبيرات منها الاتباع، ومنها اتخاذهم أولياء، الدعاء، أخوة الشياطين، الولاية، العبادة، ....
أما حصر هذه العلاقة بما ورد دون غيرها ففي قوله تعالى في سورة إبراهيم، ناقلاً عن إبليس قوله يوم القيامة، قال تعالى: (وقال الشيطانُ لمّا قُضِيَ الأمرُ إن الله وعدكم وعدَ الحق ووعدتكم فأخلفتكم، وما كان ليَ عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي، فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ...) إبراهيم، 22.
ففي هذه الآية ينقل ربنا سبحانه وتعالى عن إبليس نفيَه أن يكون له سلطان على الإنسان إلا دعوتهم وأن الذين في النار استجابوا لدعوته. ولو كان له سلطان آخر لذكره، ولو كان قوله غير صحيح لكذّبه اللهُ تعالى.
هذا نص القرآن الصريح ينفي وجود علاقة غير علاقة الدعوة والاستجابة بين الإنسان والشيطان، ويحصر علاقتهما بذلك، فالقائل بغير ذلك مطالب بالدليل، ولا دليل لهم على ما يقولون. وما ذكروه على أنه أدلة لهم على وجود علاقة أخرى، فكله ظني الدلالة. ويمكن مناقشة تلك الأدلة لمن يرغب بذلك.
أما العقل فلا يصلح دليلاً لإثبات علاقة أخرى، لأن في الموضوع جانباً من جوانب الغيب، وهو عالم الجن والشياطين، وما دام غيبياً فلا يقبل فيه إلا الدليل النقلي، الكتاب أو السنة، ولم يرد في أي منهما إثبات لأي علاقة أخرى مما تزعمه عامة الناس كالتلبّس مثلاً، أو الزواج، أو غيره.
أما القصص التي تُتناقَل بين الناس، والحالات المشاهدة والتي يُزعَمُ أنها تلبّس من الجانّ للإنسان، فإنّ هذا مجرد زعم يَنقُصه الدليل، واختلافنا مع أصحابها والقائلين والمستدلين بها اختلاف في التفسير ليس إلا، أي في تفسير هذا الواقع.
وبيان ذلك:
هذه الحالات التي تفسّرها العامة على أنها تلبّس من الجانّ للإنسان، هي في حقيقتها حالات نفسية، أو أمراض نفسية، إما نتيجة الوهم والاستمرار فيه حتى يصبح كأنه حقيقة عند من يتوهمه، ويتم علاج مثل هذه الحالات في العيادات النفسية بطرق كثيرة منها ما يسمى بالتنويم المغناطيسي. وقد تكون هذه الحالات ناتجة عن خلل عصبي يدفع بالإنسان إلى الأوهام والتخيلات، وهذا منه ما يعالج في عيادات الطب العصبي، ومنها ما ليس له علاج حتى الآن.
والذي حدا بهم إلى اعتبار هذه الحالات على أنها تلبّس من الجن للإنسان هو بعض المظاهر التي عجزوا عن تفسيرها، ومن هذه المظاهر:
1- اختلاف صوت المريض، كتكلّم رجل بصوت امرأة أو العكس، حتى جعلهم يظنون بأنه صوت لجني تلبّسه.
2- ذكر المريض قصصاً وخرافات منسوبة إلى الجن أثناء عملية المعالجة.
3- بعض القوى غير العادية التي يتمتع بها المريض في بعض الأحايين.
4- ذكر المريض معلومات يغلب على الظن أن مثله لا يعلمها، وأدل دليل على ذلك عندهم تكلّمه بلغة لا يعرفها أصلاً.
5- إخباره عن معلومات يُظَنّ أنها من الغيب.
6- زعم بعضهم أنه رأى الجن، وزعم آخرين بأنهم التقطوا له صوراً. وهناك من يزعم بأنه سمع صوته، وغير ذلك من الترّهات.
Comment