Announcement

Collapse
No announcement yet.

الإنس والجن وما يبنهما

Collapse
X
 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts

  • الإنس والجن وما يبنهما


    الإنس والجن وما يبنهما


    هذا الموضوع يشكل الشغل الشاغل لكثير من الناس، وقد أدّت وسائل الإعلام المختلفة دورها الضخم في إشاعته وتضخيمه، حتى صار عند كثير من الناس من المسلمات، أي أنّ الجانّ يتلبّس الإنسان، وهو من مخلّفات الفلسفات القديمة، تناقله المسلمون، وكثر شيوعه في عصور الانحطاط الفكريّ، وليس عصر مر على المسلمين أكثر انحطاطاً في الفكر من العصر الحالي الذي تلا زوال دولة الخلافة.



    وقد قمت بدراسة الموضوع فترة من الزمن دامت سنوات -وربما لا تكون كافية-، رافقت خلالها أحد المعالجين بالقرآن من تلبّس الجان للإنسان، وشهدت كثيراً من حالات المعالجة بالقرآن، كنت أقوم خلالها بالملاحظة والاستنتاج، ودراسة الموضوع في مظانه. حتى شكلت عن الموضوع صورة أرجو أن تكون صائبة، فما كان منها صائباً فمن الله تعالى، وما أخطأت فيه فمني ومن الشيطان، وأستغفر الله عن كل زلل.



    والدراسة التي أجريتها كانت في عشرات الصفحات، ولكني سأختصرها في هذه الصفحات القليلة، مع عدم محاولة الإخلال بالمضمون، محاولاً إعطاء الفكرة حقها من الاستدلال
    .
    ولا بد قبل بحث الموضوع من وضع الأسس التالية:




    أولاً: الجنّ من عالم الغيب وليس من عالم الشهادة، آمنا بوجوده من الخبر اليقيني المقطوع بثبوته، المقطوع بدلالته، فكان الإيمان بوجود الجنّ فكرة إيمانية ثبتت بالدليل القطعي الثبوت القطعي الدلالة.



    ثانياً : لا بد من التسليم بكل ما ورد عنهم في النصوص الشرعية القطعية، والتصديق بما ورد عنهم في النصوص الشرعية الظنية.



    ثالثاً: لا بد من التوقف عن قبول أي خبر يُنسَب إلى الحس أو العقل في ما يتعلق بالجن، لأنهم من عالم الغيب، وعدم قبوله.



    رابعاً: في حالة عجز عقل الإنسان عن تفسير أية ظاهرة أو أي أمر، فإنه لا يقبل فيه التفسير الغيبيّ أي النسبة إلى مُغَيّب إلا إذا ورد النص الشرعي فيه. ولسنا مُلْزَمين بالأخذ بالتفسير الشائع. وعدم وصول العقل الإنسانيّ لتفسير أمر ما هو شيء طبيعي، يدل على عجز الإنسان ونقصه ومحدوديته واحتياجه. والأصل في الإنسان الارتقاء بتفكيره -كما أمرنا الله تعالى-، وألا يقتصر تفكيرنا على (التفكير العجائزي)، فالعجوز التي تسمع صرير الباب ولم تشاهد أحداً حرّكه فإنها تتعوّذ وتبسمل، لأنها تنسب ذلك في معتقداتها إلى الجن.



    خامساً: التعلّق بالغيب أمر فطريٌّ عند الإنسان، فتجد أكثر الناس يشنّفون أسماعهم لتلقي أي قصة عن الجن، والإيمان بالغيب يشبع مظهراً من مظاهر غريزة التديّن عند الإنسان، ولكن ليس معنى هذا أن نصدق كل ما نسمع من الآخرين.


    سادساً: التفريق بين الأمور التصديقية (الإيمانية)، والأمور العملية في الموضوع، ولذلك وجب العمل بالنصوص الصحيحة التي دلت على التداوي بالقرآن. ولكن أي اعتقاد لا بد له من دليل قطعي الثبوت قطعي الدلالة.



    أقول وبالله التوفيق:


    العلاقة بين الإنس والجن محصورة بما يلي:


    أ - الوسوسة وتوابعها من قبل الجانّ للإنسان.
    ب - الطاعة أو المعصية من قبل الإنسان للجانّ.




    الأدلة على ذلك:

    1-(من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس، من الجنة والناس) سورة الناس 4-6.


    2- (قال فبما أغويتني لأقعدنّ له صراطك المستقيم، ثمّ لآتينّهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين ... فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما وُورِيَ عنهما من سوآتهما)، الأعراف، 16 - 20.
    3- (فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى)، طه، 120.
    4- (يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة)، الأعراف، 27.
    5- (قال رب بما أغويتني لأزينّن لهم في الأرض ولأغوينّهم أجمعين، إلا عبادَك منهم المخلصين)، الحجر، 39 - 40.
    6- (قال فبعزّتك لأغوينّهم أجمعين، إلا عبادك منهم المخلصين)، ص، 82 - 83.




    وهناك العشرات من الآيات التي دلت على تأثير الجن والشيطان على الإنسان (الشيطان من الجن بدليل آية سورة الكهف [إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه])، وعبرت الآيات عن ذلك بتعبيرات كثيرة كالوسوسة، والإضلال، والتمنية، والأمر، والتزيين، والتسويل، والاستحواذ، المس، ... وغير ذلك مما هي من توابع الوسوسة.


    وعبرت الآيات عن طاعة الإنسان للشيطان والجان بتعبيرات منها الاتباع، ومنها اتخاذهم أولياء، الدعاء، أخوة الشياطين، الولاية، العبادة، ....


    أما حصر هذه العلاقة بما ورد دون غيرها ففي قوله تعالى في سورة إبراهيم، ناقلاً عن إبليس قوله يوم القيامة، قال تعالى: (وقال الشيطانُ لمّا قُضِيَ الأمرُ إن الله وعدكم وعدَ الحق ووعدتكم فأخلفتكم، وما كان ليَ عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي، فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ...) إبراهيم، 22.



    ففي هذه الآية ينقل ربنا سبحانه وتعالى عن إبليس نفيَه أن يكون له سلطان على الإنسان إلا دعوتهم وأن الذين في النار استجابوا لدعوته. ولو كان له سلطان آخر لذكره، ولو كان قوله غير صحيح لكذّبه اللهُ تعالى.


    هذا نص القرآن الصريح ينفي وجود علاقة غير علاقة الدعوة والاستجابة بين الإنسان والشيطان، ويحصر علاقتهما بذلك، فالقائل بغير ذلك مطالب بالدليل، ولا دليل لهم على ما يقولون. وما ذكروه على أنه أدلة لهم على وجود علاقة أخرى، فكله ظني الدلالة. ويمكن مناقشة تلك الأدلة لمن يرغب بذلك.



    أما العقل فلا يصلح دليلاً لإثبات علاقة أخرى، لأن في الموضوع جانباً من جوانب الغيب، وهو عالم الجن والشياطين، وما دام غيبياً فلا يقبل فيه إلا الدليل النقلي، الكتاب أو السنة، ولم يرد في أي منهما إثبات لأي علاقة أخرى مما تزعمه عامة الناس كالتلبّس مثلاً، أو الزواج، أو غيره.



    أما القصص التي تُتناقَل بين الناس، والحالات المشاهدة والتي يُزعَمُ أنها تلبّس من الجانّ للإنسان، فإنّ هذا مجرد زعم يَنقُصه الدليل، واختلافنا مع أصحابها والقائلين والمستدلين بها اختلاف في التفسير ليس إلا، أي في تفسير هذا الواقع.



    وبيان ذلك:


    هذه الحالات التي تفسّرها العامة على أنها تلبّس من الجانّ للإنسان، هي في حقيقتها حالات نفسية، أو أمراض نفسية، إما نتيجة الوهم والاستمرار فيه حتى يصبح كأنه حقيقة عند من يتوهمه، ويتم علاج مثل هذه الحالات في العيادات النفسية بطرق كثيرة منها ما يسمى بالتنويم المغناطيسي. وقد تكون هذه الحالات ناتجة عن خلل عصبي يدفع بالإنسان إلى الأوهام والتخيلات، وهذا منه ما يعالج في عيادات الطب العصبي، ومنها ما ليس له علاج حتى الآن.



    والذي حدا بهم إلى اعتبار هذه الحالات على أنها تلبّس من الجن للإنسان هو بعض المظاهر التي عجزوا عن تفسيرها، ومن هذه المظاهر:
    1- اختلاف صوت المريض، كتكلّم رجل بصوت امرأة أو العكس، حتى جعلهم يظنون بأنه صوت لجني تلبّسه.
    2- ذكر المريض قصصاً وخرافات منسوبة إلى الجن أثناء عملية المعالجة.
    3- بعض القوى غير العادية التي يتمتع بها المريض في بعض الأحايين.
    4- ذكر المريض معلومات يغلب على الظن أن مثله لا يعلمها، وأدل دليل على ذلك عندهم تكلّمه بلغة لا يعرفها أصلاً.
    5- إخباره عن معلومات يُظَنّ أنها من الغيب.
    6- زعم بعضهم أنه رأى الجن، وزعم آخرين بأنهم التقطوا له صوراً. وهناك من يزعم بأنه سمع صوته، وغير ذلك من الترّهات.

  • #2
    رد: الإنس والجن وما يبنهما

    ولنناقش الآن هذه الدعاوى:


    1- من حيث اختلاف الصوت معروف علمياً أن تردد الأوتار الصوتية عند الشخص الواحد يستطيع التحكم فيه إذا أراد وضمن حدود معينة، فيستطيع الإنسان إرادياً أن يغير في تردد صوته بالترقيق والخشونة إلى حد ما، ويمكن عند بعض الناس تغيير الصوت لدرجة أن الرجل يمكن أن يتكلم بصوت امرأة والعكس أيضاً. هذا من الناحية الإرادية؛ أما من الناحية غير الإرادية فإنه من المشاهد المحسوس تغير صوت الإنسان في حالات كثيرة، ففي حالات الحزن الشديد يتغير صوت الشخص، فضلاً عن أنه في حالات المعالجة وفي حالات التنويم المغناطيسي يتغير الصوت كثيراً، نتيجة الحالة النفسية التي تصيب الإنسان حينها.
    فلا يصلح اختلاف الصوت دليلاً على أن هناك تلبّساً.




    ثم إن عجز الناس عن تفسير سبب اختلاف الصوت فبأيّ حق يزعمون أنه صوت شخص آخر؟ هذا هو التفكير العجائزي الذي يعجز عن تفسير الظاهرة فينسبها إلى الجن والشياطين، والأصل أنا إذا عجزنا عن تفسير أي أمر التوقف فيه حتى نصل إلى معلومات جديدة تتعلق به وتساعدنا على تفسيره!!



    2- أما تكلّم المريض بصوت يقول إنه الجنيّ فلان أو الجنية فلانة فليس في قوله هذا دليل، لأنه إذا تكلّم العاقل الواعي وقال: أنا الجنيّ فلان كذبناه ولم نصدّقه، فما بالهم يصدقون فاقد الوعي في قوله؟
    أما لماذا يقول ذلك، فلأن الفكرة مسيطرة على ذهن المريض، وهي عنده مسلمة من المسلمات، وهو يظن أن سبب مرضه هو أن جنياً تلبّسه، أو جنية دخلت فيه، وهو عندما يخضع للمعالجة يكون أبرز ما لديه هذه الفكرة فسرعان ما تقوم نفسه بنسج قصة تناسب دعواه، فيعطي الجني المزعوم اسماً وأوصافاً وعلاقات وغير ذلك. وهذا هو التبرير الذي هو أحد آليات الدفاع عن النفس كما يذكر علماء ما يسمى بعلم النفس، فيبرر ضعفه بسيطرة قوى خفية وغيبية عليه، ليسد في ذلك عجزه ونقصه وضعفه، وكان الأولى به أن يسدّ ذلك بالإيمان المطلق بالله تعالى وبقدرته....




    3- أما تمتّع المريض بقوى غير عادية، فهو معروف عند علماء ما يسمى بعلم النفس، إذ تتجمّع قوى الإنسان النفسية والجسمية في أمر واحد، فتظهر على أنها أكبر مما هو معتاد عليه عند غيره من الناس السليمين، فلا يصلح هذا دليلاً على وجود جنيّ فيه وأن هذه القوة قوة الجنيّ وليست قوة الشخص نفسه.



    4- أما ذكر المريض معلومات لا يعرفها وبخاصة إذا تكلّم لغة أخرى لا يعرفها أصلاً، فهو في الحقيقة يعرفها ومختزنة لديه، لكنه لا يتذكرها في وعيه العاديّ، وفي عيادات الطب النفسانيّ يتكلّم المريض بأشياء كثيرة ومنها لغات أخرى سبق له اختزانها ولكنه لا يستخدمها في وعيه بل لا يتذكرها. وهو ما يسمى بالاستبطان، أي اكتشاف مؤثرات مختزنة في داخل (لا وعي( الإنسان، تؤثر في نفسيته، سبق أن مرّ بها في طفولته، أدّت إلى التأثير عليه ولا يدري أنها هي المؤثرة فيه، ولا يتذكرها. ويستطيع الطبيب النفسانيّ عن طريق التنويم المغناطيسي استخراج كثير مما هو مختزن في ذاكرة المريض منذ زمن طويل، حتى لو كانت نشرة أخبار بلغة أخرى سمعها في إحدى القنوات أو الإذاعات.


    فهذا أيضاً لا يصلح دليلاً على أنّ المتكلم هو غير الشخص المريض.



    5- وأما إخباره بأشياء يظنّ بأنها من الغيب، فمن قال بأن الجنّ يعلمون الغيب؟ القرآن الكريم نفى بشكل صريح وقاطع علم الجن خاصة بالغيب، قال تعالى: (فلمّا خَرَّ تَبَيَّنت الجنُّ أنْ لوْ كانوا يعلمونَ الغيبَ ما لبثوا في العذاب المُهين(، سورة سبأ، 14. فلا يمكن القبول بأن هناك من يعلم الغيب لا من الجنّ ولا من الإنس، والله وحده عالم الغيب لا يطلع على غيبه أحداً إلا من ارتضى من رسول.



    6- أما زعم بعضهم أنه رأى الجن، وزعم آخرين بأنهم التقطوا له صوراً. وأنّ هناك من يزعم بأنه سمع صوته، وغير ذلك فلا يعدو كونه أوهاماً، فالله تعالى يقول: (إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم(، الأعراف، 27.


    ثم إن هذا الزعم مناقض للواقع لمناقضته واقع التفكير، فما المعلومات السابقة التي عندنا عن صورة الجن أو صوته أو شكله أو حياته؟ فالذي يزعم بأنه رأى الجنّ نقول له: وما هي صورة الجن التي تختزنها في ذهنك لتطابقها مع الواقع الذي شاهدته؟ أم أن الأمر لا يعدو كونه صورة ذهنية صنعتها من النصوص الشرعية، كما ساهمت القصص والخرافات والأساطير والشائعات في رسم هذه الصورة الذهنية لديك؟


    ما دام الجن غيباً فهو واقع غير محسوس، أي لا يمكن لأي حاسّة من حواس الإنسان أن تقع عليه. والمسألة مسألة أوهام وتخيلات.



    أما الحالات التي يرويها المعالجون بالقرآن، والتي تشاهد عندهم، ويرويها الناس ويتناقلونها، وتمتلئ بها الكتب والصحف، فلا بد من فهم واقعها وبيانه ثم الحكم عليه، وقبل ذلك دعوني أعرّج على ما يستخدمه الأطباء النفسانيون ويسمونه بالتنويم المغناطيسي لأني وجدت علاقة بين الحالتين.

    Comment


    • #3
      رد: الإنس والجن وما يبنهما

      التنويم المغناطيسي:

      طريقة من طرائق العلاج النفساني، وآليتها تتم في غرفة خاصة معدة لهذا الغرض، تخلو من المشوشات والأشياء اللافتة للنظر، وذات إضاءة خافتة، ليقوم الطبيب بتركيز انتباه المريض إليه وإلى تعليماته وأسئلته، فيستلقي المريض وأمامه بندول يتحرك أمام عينيه يمنة ويسرة، ويطلب إليه الطبيب تركيز النظر فيه، ويطلب منه الطبيب أن ينام، ويهيئ له أنه قد نام، ويطلب فيه امتثال أوامره حتى يتحكم فيه بعد النوم، فيتمكن من إيقاظه بعد الانتهاء من الجلسة، فينام المريض، ولكن ليس كالنوم العادي، إنه التنويم الذي يسمونه المغناطيسي، (على فكرة: لا علاقة لهذا النوم بالمغناطيسية، لكن مكتشفيه الأوائل في العقدين الأخيرين من القرن التاسع عشر كانوا يستخدمون المغناطيس فظنوا أن له علاقة، وتبين بعد ذلك أن لا علاقة للمغناطيس في هذا النوع من النوم).




      وحقيقة النوم المغناطيسي هو إفقاد المريض وعيه العادي الذي يسيطر عليه الدماغ الأيسر، والتحكم في الدماغ الأيمن الذي فيه مركز الذاكرة والأحاسيس النفسية كما يقول علماء النفس.



      وبعد حصول حالة النوم المغناطيسي يقوم الطبيب بتوجيه الأسئلة إلى المريض، ليكشف عن مخزوناته السابقة والقديمة، ليعرف الأشياء المؤثرة في نفسيته، ويستنتج سبب مرضه النفسيّ.



      ويستطيع الطبيب التحكم حتى في مشاعر المريض وأحاسيسه، ومن الحالات التي يذكرونها في ذلك، أن قال طبيب لمريض منوّم مغناطيسياً: سأضع على ساعدك درهماً ساخناً جداً، وقام بوضع درهم (قطعة معدنية) بارد على يده، وما هي إلا لحظات حتى تغير لون الجلد تحت القطعة المعدنية واحمرّ وبدا كأنه محروق. ثم إن المُنَوَّم مغناطيسياً لا يتذكر ما قاله ولا ما جرى معه بعد استيقاظه. ثم إن أي طبيب لا يستطيع تنويم أي شخص لا يوافق على أن يُنَوَّم.



      هذا هو التنويم المغناطيسي، ولكن ما علاقته بالمعالجة بالقرآن؟


      نتيجة معايشتي للعديد من حالات المعالجة، وملاحظتي لما يجري فيها تبيّن لي أن ما يجري في عمليات المعالجة بالقرآن لدى المعالجين إنما هو تنويم مغناطيسي، حيث يحرص المعالج بالقرآن على الحصول على أكبر تركيز من المريض، ولا يسمح بتشتيت بصره أو سمعه، ولا أي حاسة من حواسه، ويتلو عليه آيات القرآن بصوت مؤثر يجعله ينام مغناطيسياً، وحينها يفقده وعيه، ويغيّب دماغه الأيسر كما يجري في التنويم المغناطيسي، ويتحكم في دماغه الأيمن، ثم يقوم بعملية الاستبطان، والكشف عن مخزون المريض من المعلومات، ويكشف عن كل الأوهام والتخيلات التي عشعشت في دماغ المريض، وبما أن المعالج غالباً ما يؤمن بتلبّس الجنّ فإنه يستمر في استدراجه إلى أن يستكمل الصورة التي نسمعها ويتناقلها الناس من أنه الجني فلان دخل بسبب كذا ووظيفته كذا، ودينه كذا، وينسج خياله قصة كاملة تصلح لأن يتسلى بها الناس.



      وكما قلنا قبل قليل إذا قال العاقل الواعي بأنه الجني فلان أو إن الجني فلان تلبّسه فإنا لا نصدقه، فلماذا نصدق ذلك المريض المنوم مغناطيسياً الفاقد لوعيه ولإرادته ولتصرفاته، ولا يستطيع التحكم في ما يقول أو يفعل، بل كل ما يصدر منه هو ما يستدرجه إليه المعالج، وما يطلبه منه المعالج؟ وأكبر دليل أنه في أكثر الحالات أن المريض لا يجيب من أول مرة، بل بعد إلحاح المعالج وتكرار السؤال عليه والضغط عليه بالتهديد بالحرق أو القتل أو غير ذلك من دعاوى المعالجين، وأنّ المريض يكون خائفاً وذلك لفقدان السيطرة والوعي، وهو رهن إشارة المعالج.



      أما إمكانية الشفاء في هذه الحالات فكبيرة بإذن الله تعالى، شأنها شأن حالات التنويم المغناطيسي، لأن الغالب في سبب المرض هو مؤثرات نفسية، يقوم كل من الطبيب النفساني والمعالج بالقرآن بالكشف عنها، وتخليص المريض من آثارها النفسية بكثرة جلسات المعالجة، فيحس المريض بالراحة نتيجة الاستبطان، ويزول تأثير تلك الهواجس والأوهام والتخيلات عليه. خاصة وإنه بعد المفاوضات بين المعالج والجنيّ المزعوم فيه ليخرج منه وفي النهاية إما أنه يوافق على الخروج، أو يحرقه أو غير ذلك فيرسخ في ذهن المريض أنه قد زال سبب مرضه، وتتهيأ نفسيته ليعود لممارسة حياته الطبيعية لأنه يظن أن الجني الذي فيه قد خرج، وفي حقيقة الحال أن الفكرة التي كانت عنده تغيرت، فبعد أن كان لديه مفهوم أن هناك من يؤثر عليه وهو في داخله أي يتلبّسه، صار عنده مفهوم جديد، وهو عدم وجوده فامتزج بالطاقة الحيوية لديه، وأصبح هو المؤثر بدلاً من المفهوم الأول الذي أدى إلى مرضه.
      إذن الذي تغير عند المريض هو المفهوم، ولم يجر عليه أي تغير مادي من دخول أو خروج مزعومين.




      هذه هي حقيقة التلبّس المزعوم، وهذه هي الأدلة على ما يقولون، وهذه أدلتنا، حاولت فيها الإيضاح إلى أكبر حد ممكن، مع محاولة الاختصار لعدم سعة المقام للإطالة.


      استدراك



      في ما كتبته عن علاقة الإنس بالجن، وشرح واقع المعالجة بالقرآن عند المعالجين؛ فإني لا أتهم أحداً من المعالجين بكذب أو خداع للناس، فإن أكثر المعالجين بالقرآن من تلبّس الجن مقتنعون بما يفعلون، ولكنهم -للأسف- توارثوا الفكرة دونما تمحيص، وأضيف أيضاً أن منهم من لا يتقاضى أجراً على عمله ألبتة، ومنهم المخلصون في عملهم.



      ولكن -كما قلت- توارثوا الفكرة دون تمحيص، أو محاكمة لهذه الفكرة، وربما اتبعوا بعض العلماء السابقين في عملهم كابن تيمية مثلاً، فقد أقر -رحمه الله- المعالجة بالقرآن، وذكر عدداً من قصص المعالجة بالقرآن لأشخاص يُقال بأنهم تلبسهم جني أو جنية.


      ويستندون إلى قول الإمام أحمد -رحمه الله- عندما سأله ولده عن الذين ينفون تلبّس الجان للإنسان، فقال -رحمه الله-: (يا بني، إنهم يكذبون، ها هو ذا يتكلم على لسانه)، والله تعالى أعلم بصحة هذه الرواية عن الإمام أحمد.
      وفي حال صحتها فإن لها بحثاً آخر.



      المهم أني حاولت بيان الواقع بما ثبت لدي مع عرض هذا الواقع على العقيدة الإسلامية وأفكارها، ولم أقصد الإساءة إلى أحد.


      انتهى

      Comment

      Working...
      X