Announcement

Collapse
No announcement yet.

القدس قضية كل مسلم

Collapse
X
 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts

  • القدس قضية كل مسلم

    القدس قضية كل مسل


    القدس:

    القبلة الأولىالقدس في الاعتقاد الإسلامي، لها مكانة دينية مرموقة، اتفق على ذلك المسلمون بجميع طوائفهم ومذاهبهم وتوجهاتهم، فهو إجماع الأمة كلها من أقصاها إلى أقصاها. ولا غرو أن يلتزم جميع المسلمين بوجوب الدفاع عن القدس، والغيرة عليها، والذود عن حماها، وحرماتها ومقدساتها، وبذل النفس والنفيس في سبيل حمايتها، ورد المعتدين عليها. وقد اختلف المسلمون، والعرب، والفلسطينيون في الموقف من قضية السلام مع إسرائيل، هل يجوز أو لايجوز؟ وإن جاز، هل ينجح أو لا ينجح؟ ولكنهم جميعا –مسلمين وعربًا وفلسطينيين- لم يختلفوا حول عروبة القدس، وإسلاميتها، وضرورة بقائها عربية إسلامية، وفرضية مقاومة المحاولات الإسرائيلية المستميتة لتهويدها، وتغير معالمها، ومسخ شخصيتها التاريخية، ومحو مظاهر العروبة والإسلام والمسيحية منها. فللقدس قدسية إسلامية مقدورة، وهي تمثل في حس المسلمين ووعيهم الإسلامي: القبلة الأولى، وأرض الإسراء والمعراج، وثالث المدن المعظمة، وأرض النبوات والبركات، وأرض الرباط والجهاد كما سنبين ذلك فيما يلي:
    القدس: القبلة الأولى
    أول ما تمثله القدس في حس المسلمين وفي وعيهم وفكرهم الديني، أنها (القبلة الأولى) التي ظل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه يتوجهون إليها في صلاتهم منذ فرضت الصلاة ليلة الإسراء والمعراج في السنة العاشرة للبعثة المحمدية، أي قبل الهجرة بثلاث سنوات، وظلوا يصلون إليها في مكة، وبعد هجرتهم إلى المدينة، ستة عشر شهرًا، حتى نزل القرآن يأمرهم بالتوجه إلى الكعبة، أو المسجد الحرام، كما قال تعالى:{ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره}البقرة:150. وفي المدينة المنورة معلم أثري بارز يؤكد هذه القضية، وهو مسجد القبلتين، الذي صلى فيه المسلمون صلاة واحدة بعضها إلى القدس، وبعضها إلى مكة. وهو لا يزال قائمًا وقد جدد وتُعهد، وهو يزار إلى اليوم ويصلى فيه.
    وقد أثار اليهود في المدينة ضجة كبرى حول هذا التحول، ورد عليهم القرآن بأن الجهات كلها لله، وهو الذي يحدد أيها يكون القبلة لمن يصلى له، {سيقول السفهاء من الناس: ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها؟ قل: لله المشرق والمغرب، يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم} إلى أن يقول:{وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه، وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله، وما كان الله ليضيع إيمانكم}البقرة:142،143. فقد قالوا: إن صلاة المسلمين تلك السنوات قد ضاعت وأهدرت، لأنها لم تكن إلى قبلة صحيحة، فقال الله: {وما كان الله ليضيع إيمانكم} أي صلاتكم، لأنها كانت صلاة إلى قبلة صحيحة مرضية عنده.

  • #2
    رد: القدس قضية كل مسلم

    القدس أرض الإسراء والمعراج

    وثاني ما تمثله القدس في الوعي الإسلامي: أن الله تعالى جعلها منتهى رحلة الإسراء الأرضية، ومبتدأ رحلة المعراج السماوية، فقد شاءت إرادة الله أن تبدأ هذه الرحلة الأرضية المحمدية الليلية المباركة من مكة ومن المسجد الحرام، حيث يقيم الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن تنتهي عند المسجد الأقصى، ولم يكن هذا اعتباطًا ولا جزافا، بل كان ذلك بتدبير إلهي ولحكمة ربانية، وهي أن يلتقي خاتم الرسل والنبيين هناك بالرسل الكرام، ويصلي بهم إمامًا، وفي هذا إعلان عن انتقال القيادة الدينية للعالم من بني إسرائيل إلى أمة جديدة، ورسول جديد، وكتاب جديد: أمة عالمية، ورسول عالمي، وكتاب عالمي، كما قال تعالى:{وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}الأنبياء:104 ، {تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرًا}الفرقان:1 .
    لقد نص القرآن على مبتدأ هذه الرحلة ومنتهاها بجلاء في أول آية في السورة التي حملت اسم هذه الرحلة (سورة الإسراء) فقال تعالى:{سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا}الإسراء:1 . والآية لم تصف المسجد الحرام بأي صفة مع ماله من بركات وأمجاد، ولكنها وصفت المسجد الأقصى بهذا الوصف {الذي باركنا حوله}، وإذا كان ما حوله مباركًا، فمن باب أولى أن يكون هو مباركًا.
    وقصة الإسراء والمعراج حافلة بالرموز والدلالات التي توحي بأهمية هذا المكان المبارك، الذي ربط فيه جبريل البراق، الدابة العجيبة التي كانت وسيلة الانتقال من مكة إلى القدس، وقد ربطها بالصخرة حتى يعود من الرحلة الأخرى، التي بدأت من القدس أو المسجد الأقصى إلى السموات العلا، إلى "سدرة المنتهى"، وقد أورث ذلك المسلمين من ذكريات الرحلة:الصخرة، وحائط البراق.
    لو لم تكن القدس مقصودة في هذه الرحلة، لأمكن العروج من مكة إلى السماء مباشرة، ولكن المرور بهذه المحطة القدسية أمر مقصود، كما دل على ذلك القرآن الكريم والأحاديث الشريفة.
    ومن ثمرات رحلة الإسراء: الربط بين مبتدأ الإسراء ومنتهاه، وبعبارة أخرى بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى، وهذا الربط له إيحاؤه وتأثيره في وعي الإنسان المسلم وضميره ووجدانه، بحيث لا تنفصل قدسية أحد المسجدين عن قدسية الآخر، ومن فرط في أحدهما أوشك أن يفرط في الآخر.

    Comment


    • #3
      رد: القدس قضية كل مسلم

      القدس ثالث المدن المعظمة

      والقدس ثالث المدن المعظمة في الإسلام. فالمدينة الأولى في الإسلام هي مكة المكرمة، التي شرفها الله بالمسجد الحرام. والمدينة الثانية في الإسلام هي طيبة، أو المدينة المنورة، التي شرفها الله بالمسجد النبوي، والتي ضمت قبر الرسول صلى الله عليه وسلم. والمدينة الثالثة في الإسلام هي القدس أو بيت المقدس، والتي شرفها الله بالمسجد الأقصى، الذي بارك الله حوله، وفي هذا صح الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجدي هذا".
      فالمساجد كلها متساوية في مثوبة من صلى فيها، ولا يجوز للمسلم أن يشد رحاله، بمعنى أن يعزم على السفر والارتحال للصلاة في أي مسجد كان، إلا للصلاة في هذه الثلاثة المتميزة. وقد جاء الحديث بصيغة الحصر، فلا يقاس عليها غيرها.
      وقد أعلن القرآن عن أهمية المسجد الأقصى وبركته، قبل بناء المسجد النبوي، وقبل الهجرة بسنوات، وقد جاءت الأحاديث النبوية تؤكد ما قرره القرآن، منها الحديث المذكور، والحديث الآخر: {الصلاة في المسجد الأقصى تعدل خمسمائة صلاة في غيره من المساجد، ما عدا المسجد الحرام، والمسجد النبوي}(متفق عليه) ومنها، ما رواه أبوذر، أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: أي المساجد بُني في الأرض أول؟ قال:"المسجد الحرام"، قيل ثم أي؟ قال: "المسجد الأقصى".
      والإسلام حين جعل المسجد الأقصى ثالث المسجدين العظيمين في الإسلام، وبالتالي أضاف القدس إلى المدينتين الإسلاميتين المعظمتين: مكة والمدينة، إنما أراد بذلك أن يقرر مبدأ هاما من مبادئه، وهو أنه جاء ليبني لا ليهدم، وليتمم لا ليحطم، فالقدس كانت أرض النبوات، والمسلمون أولى الناس بأنبياء الله ورسله.

      Comment


      • #4
        رد: القدس قضية كل مسلم

        القدس أرض النبوات والبركات

        والقدس جزء من أرض فلسطين، بل هي غرة جبينها، وواسطة عقدها، ولقد وصف الله هذه الأرض بالبركة في خمسة مواضع في كتابه.
        أولها: في آية الإسراء حين وصف المسجد الأقصى بأنه {الذي باركنا حوله}.
        وثانيها: حين تحدث في قصة خليله إبراهيم، فقال:{ونجيناه ولوطًا إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين}الأنبياء:71.
        وثالثها: في قصة موسى، حيث قال عن بني إسرائيل بعد إغراق فرعون وجنوده:{وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها، وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا}الأعراف:137 .
        ورابعها: في قصة سليمان وما سخر الله له من ملك لا ينبغي لأحد من بعده، ومنه تسخير الريح، وذلك في قوله تعالى:{ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها}الأنبياء:81 .
        وخامسها: في قصة سبأ، وكيف منّ الله عليهم بالأمن والرغد، قال تعالى:{وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة، وقدرنا فيها السير، سيروا فيها ليالي وأيامًا آمنين}18. فهذه القرى التي بارك الله فيها هي قرى الشام وفلسطين. قال المفسر الآلوسي: المراد بالقرى التي بورك فيها: قرى الشام، لكثرة أشجارها وثمارها، والتوسعة على أهلها. وعن ابن عباس: هي قرى بيت المقدس، وقال ابن عطية: إن إجماع المفسرين عليه .
        وقد ذهب عدد من مفسري القرآن من علماء السلف والخلف في قوله تعالى:{والتين والزيتون. وطور سنين. وهذا البلد الأمين}التين:1-3 إلى أن التين والزيتون يقصد بهما الأرض أو البلدة التي تنبت التين والزيتون، وهي بيت المقدس.
        قال ابن كثير: قال بعض الأئمة: هذه محالّ ثلاثة بعث الله من كل واحد منها نبيًا مرسلاً من أولى العزم، أصحاب الشرائع الكبار. فالأول: محل التين والزيتون، وهو بيت المقدس، الذي بعث الله فيه عيسى ابن مريم عليهما السلام، والثاني: طور سيناء، الذي كلم الله عليه موسى بن عمران، والثالث: مكة، وهو البلد الأمين الذي من دخله كان آمنًا. وبهذا التفسير أو التأويل، تتناغم وتنسجم هذه الأقسام، فإذا كان البلد الأمين يشير إلى منبت الإسلام رسالة محمد، وطور سينين يشير إلى منبت اليهودية رسالة موسى، فإن التين والزيتون يشير إلى رسالة عيسى، الذي نشأ في جوار بيت المقدس، وقدم موعظته الشهيرة في جبل الزيتون .

        Comment


        • #5
          رد: القدس قضية كل مسلم

          أرض الرباط والجهاد

          والقدس عند المسلمين هي أرض الرباط والجهاد. فقد كان حديث القرآن عن المسجد الأقصى، وحديث الرسول عن فضل الصلاة فيه، من المبشرات بأن القدس سيفتحها الإسلام، وستكون للمسلمين، وسيشدون الرحال إلى مسجدها، مصلين لله متعبدين. وقد فتحت القدس –التي كانت تسمى إيلياء- في عهد الخليفة الثاني في الإسلام عمر بن الخطاب، واشترط بطريركها الأكبر صفرونيوس ألا يسلم مفاتيح المدينة إلا للخليفة نفسه، لا لأحد من قواده، وقد جاء عمر من المدينة إلى القدس في رحلة تاريخية مثيرة، وتسلم مفاتيح المدينة، وعقد مع أهلها من النصارى معاهدة أو اتفاقية معروفة في التاريخ بإسم "العهد العمري" أو "العهدة العمرية" أمنهم فيها على معابدهم وعقائدهم وشعائرهم وأنفسهم وأموالهم، وشهد على هذه الوثيقة عدد من قادة المسلمين، أمثال: خالد بن الوليد، وعبدالرحمن بن عوف، وعمرو بن العاص، ومعاوية بن أبي سفيان .
          وقد أعلم الله نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم بأن هذه الأرض المقدسة سيحتلها الأعداء، أو يهددونها بالغزو والاحتلال، ولهذا حرض أمته على الرباط فيها، والجهاد للدفاع عنها حتى لا تسقط في أيدي الأعداء، ولتحريرها إذا قدر لها أن تسقط في أيديهم. كما أخبر عليه الصلاة والسلام بالمعركة المرتقبة بين المسلمين واليهود، وأن النصر في النهاية سيكون للمسلمين عليهم، وأن كل شيء سيكون في صف المسلمين حتى الحجر والشجر، وأن كلا منهما سينطق دالاً على أعدائهم، سواء كان نطقًا بلسان الحال أم بلسان المقال . وقد روى أبو أمامة الباهلي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من جابههم، إلا ما أصابهم من لأواء (أي أذى) حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك"، قالوا: وأين هم يا رسول الله؟ قال: "ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس" .

          Comment


          • #6
            رد: القدس قضية كل مسلم

            الاستسلام الفلسطيني

            ان الاستسلام الفلسطيني الذي دفع إليه تسرب الوهن إلى بعض الأنفس، والبأس إلى بعض القلوب و الشعور بالمرارة من تخاذل الكثيرين من العرب، وارتماء بعضهم في أحضان الأمريكان، وسقوط السوفيت، والإحساس بالرعب من الوحش الأمريكي، وتحيزه الدائم لربيبته إسرائيل، واستطالة طريق الجهاد، وكثرة تكاليفه، وضحاياه، كل أولئك سارع بدفع عدد من القادة الفلسطنين إلى قبول ( السلام الأعرج) الذي عرضته إسرائيل، تحت عنوان (الأرض مقابل السلام) . يعنون أن تتخلى إسرائيل عن الأرض الفلسطينية والسورية واللبنانية التي احتلها عام (1967 م) في مقابل سلامها، بحيث لا يناوشها أحد ولا ينازعها. باختصار: هذا القول يعني: أرض العرب في مقابل سلام إسرائيل.
            أي يردّون إلينا أرضنا المحتلة لينعموا بالسلام، معنى هذا: أن الأرض التي أخذوها بقوة السلاح وبالدم والعنف أمست ملكا لهم، وأمسى لهم الحق عليها، وهم يتنازلون عنها ليفوزوا بالسلام!
            وقَبِل العرب المفاوضات على هذا الأساس الأعوج، وأعطوا إسرائيل السلام، ولكنها لم تعطهم شيئا، باعت لهم (الترام)! كما تحكي الحكايات عن القاهري الماكر والصعيدي الساذج.
            ما معنى سلام يترك المشاكل الكبرى الأساسية كلها معلقة:
            مشكلة القدس
            مشكلة الاستيطان
            مشكلة اللاجئين
            مشكلة الحدود
            هذه المشكلات الخطيرة معلقة مؤجلة، لا تبحث إلا في نهاية المفاوضات، ولم يسأل أحد: وإذا لم نتفق عليها في النهاية فماذا يكون الموقف؟
            والحقيقة أن هذه المشاكل كانت معلقة ومؤجلة عند العرب، ولم تكن مؤجلة ولا معلقة عند إسرائيل، فقد أعلن اسحاق رابين عشية توقيع الاتفاق في 0أوسلو) قائلا ومصرحا: جئتكم من أورشليم ( القدس) العاصمة التاريخية والأبدية والموحدة لشعب إسرائيل!
            وكذلك لم يؤجل موضوع الاستيطان، بل ظل مستمرا في أكثر من مكان في فلسطين، إلى أن فجرته المحاولة الصريحة الجريئة بإنشاء مستوطنة (هارحوما) في جبل أبو غنيم وكذلك في رأس العامود في القدس الشرقية، ولا يزال الاستبطان يتوسع وينمو، في حين لا يسمح للفلسطينيين أهل البلد وأصحاب الدار، بأي نمو أو توسع.
            وكم رأينا بأعيننا البيوت تهدم على مرأى ومسمع، لأن إسرائيل لم تسمح بها. ولن تسمح يوما.
            إن الفلسطينيين اليوم أدركوا أن إسرائيل تخدعهم وتلعب بهم، وأن انسحابها الجزئي المحدود جدا لم يكن إلا خدعة كبيرة، وأنها تستطيع أن تعود إلى احتلال المواقع التي أخْلتها في ساعات قلائل، وان زمام الأمور كلها بيديها، وأن لا حول لهم ولا طول، وأن السلطة التي منحتها إسرائيل لهم سلطة وهمية، هدف إسرائيل منها: إن تضرب الفلسطينيين بعضهم بعض، وأن تسلط بعضهم على بعض، وأن يكون بأسهم بينهم شديدا، لتقف هي متفرجة على صراع الأخ مع أخيه، وأن بندقية الفلسطيني لم تعد موجهه إلى صدر غاصب أرضهم بل إلى فلسطيني مثله. وهذا مراد إسرائيل.
            ولما لم يتحقق لإسرائيل كل ما تريد، طلبت بصراحة من السلطة: تدمير حماس، وتحطيم كل قوة لها، وإعانة إسرائيل عليها. وهذا شرط أساسي وضروري اليوم للعودة للجلوس على مائدة السلام المزعوم.
            إن إسرائيل ماضية في خطتها وإصرارها على تهويد القدس، وهي خطة ليست بنت اليوم ولا وليدة الأمس. وقد حددت هدفها، ورسمت سياستها، ومارست تنفيذها، بمحاصرتها بالمستوطنات، والعمل الدائب على تفريغها من أهلها العرب، مسلمين ومسيحيين ووضع العوائق والعقبات في سبيل نموّهم وامتدادهم عمرانيًا وبشريًا، والوقائع كلها شاهدة قاطعة، والعرب لا يملكون إلا الشجب والاحتجاج والاستنكار، وهذه كلها لا تجدي فتيلاً، ولا تحيي قتيلاً، ولا تشفي عليلاً. لقد احتج العرب على مستوطنة أبو غنيم، واحتجوا على احتلال بيت رأس العامود، ولكن احتجاجاتهم ذهبت أدراج الرياح.
            لم يبق من شئ تخافه إسرائيل إلا الشباب الذين حملوا رؤوسهم على أكفهم، بائعين أرواحهم لله، لا يبالون أوقعوا على الموت أم وقع الموت عليهم، من الذين أقلقوا إسرائيل بعملياتهم الاستشهادية، وقذفوا الرعب في قلوب أبنائها، وأطاروا النوم من أجفانهم، ولا يفل الحديد إلا الحديد.
            لهذا قامت إسرائيل – على أعلى مستوى فيها- بالانتقام من هؤلاء الأبطال، فقتلت الدكتور الشقاقي، والمهندس يحيى عياش، وشرعت أخيرا في قتل خالد مشعل، بسلاح كيماوي متطور، وفي بلد معاهد لهم، هو الأردن، ليعلم الجميع أن هؤلاء قوم لا عهد له ولا ذمة، كما قال تعالى في أسلافهم:{ الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة وهم لا يتقون}الأنفال:56
            وهم من قديم يقتلون كل من يقف في طريقهم أو ينتقدهم، أو يكشف أحابيلهم، من مدنيين وسياسين ومفكرين، فقد قتلوا اللورد موين، وقتلوا الكونت برنادوت، وقتلوا المفكر الإسلامي الدكتور اسماعيل الفاروقي وزوجته أشنع قتلة، هذا ما تقوله الوقائع ، ولا يزالون يهددون ويتوعدون كل من يقول كلمة لا تعجبهم، حتى الرسائل الأكاديمية أو البحوث العلمية، التي تتحدث عن مذابح النازية معهم، وتحاول أن تبين حجمها الحقيقي، لا يسمح لها أن تبرز وترى النور، حتى إن كاتبيها يتعرضون للمساءلة والمحاكمة بله المضايقة والإيذاء والتهديد، وآخرهم المفكر الفرنسي المعروف روجيه جارودي.
            إن الذين ظلوا يحملون روح الشعب الفلسطيني المجاهد، وعناد مقاومته، واستعداده للتضحية، إنما هم تلك الفئة المؤمنة التي وهبت حياتها وكل ما تملك من نفس ونفيس، لتحرير الأرض المقدسة ومسجدها الأقصى. إنما هم أبناء حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وإخوانهم وأعوانهم في (الجهاد) المقدس ومن يشد أزرهم من أبناء الشعب. إنهم الذين باعوا أرواحهم لله ليشتروا الجنة، ولقد ابتلوا وأوذوا وسجنوا وعذبوا في سبيل الله، فصبروا وصابروا ورابطوا، ( فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين. وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين) آل عمران: 146 ـ 147
            وظني أن الاستسلام الذي جر إليه الفلسطينيون لن يستمر، فقد طفح الكيل، وبلغ السيل الزبى، وأوشك الصبر أن ينفد، وحينئذ لا يكون أمام هؤلاء إلا عودة الانتفاضة الشاملة أشد وأقوى مما كانت، ويفرض الواقع الجديد نفسه، وتنضم السلطة إلى الشعب، ويقف الجميع في وجه العدو صفًا واحدًا كالبنيان المرصوص. وصدق الشاعر:
            إذا لم يكن إلا الأسنة مركب فما حيلة المضطر إلا ركوبها!

            Comment


            • #7
              رد: القدس قضية كل مسلم

              العجز العربي

              أما العجز العربي الذي نراه ونلمسه ، فليس هو بالقدر الذي لا مهرب منه. إنما هو أمر طارئ لا بد أن يزول.
              وأظهر أسباب هذا العجز هو التفرق، الذي أصاب دول العرب، منذ شرخ (كامب ديفيد) واتفاقيته التي أخرجت الشقيقة الكبرى: مصر، من المعركة المصيرية للأمة، وقد استغل في ذلك: تخلي العرب عن مصر، وعدم وقوفهم معها ومعاونتهم لها، وقد خاضت أربع حروب من أجل فلسطين كلفتها الكثير من المال والرجال.
              وزاد هذا التفرق بعد ( حرب الخليج ) الثانية، التي مزقت العرب شر ممزق، وخسروا فيها تضامنهم ووحدة مواقفهم، كما خسروا أموالهم، حتى استدانت البلاد الغنية، بل خسر كثير منهم حرية إرادتهم واستقلال قرارهم، إلى حد احتلال أراضيهم. كان هذا كله بضربة واحدة ـ ضربة معلم كما يقال ـ وكان الرابح الواحد في ذلك هو إسرائيل، وأمريكا وحلفاؤها، الذين تخلصوا من أسلحتهم القديمة في أرضنا، وجربوا أسلحتهم الجديدة في شعوبنا، وهدموا ديارنا بفلوسنا، وبطلبنا، وخربوا بيوتنا بأيدينا، ليعودوا فيشيدوها من جديد بأموالنا أيضًا.
              وقد انقسم العالم العربي في هذه القضية انقساما لم يحدث مثله في قضية أخرى، لما فيها من تداخل وتعقيد، فإن الذي يرفض التدخل الأجنبي كأنما يؤيد الاحتلال العراقي للكويت، والذي يقبل التدخل العسكري الأمريكي والغربي كأنما يؤيد تدمير العراق، ويساند الاحتلال الأجنبي للمنطقة!
              وضاع الرأي الوسط الذي ينكر الاحتلال ويطالب بالجلاء، كما ينكر التدخل الأجنبي المكثف المسيطر، سواء بسواء. وهو ما نادت به مجموعات من أهل العلم والفكر من المصريين نشروا بيانهم على صفحات الأهرام وغيره ( ضمن المقال الأسبوعي للكاتب الكبير الأستاذ فهمي هويدى )
              المهم أن العالم العربي منذ ذلك اليوم المشؤوم قد تصدع بنيانه، ولم يجد من يرمّمه إلى اليوم، رغم مناداة كثير من العقلاء بوجوب تخطي هذه الأزمة، التي لا يجوز أن تحكمنا عقدتها أبد الدهر، ، وهو ما يفرضه الدين والقومية، والأخلاق والمصلحة المشتركة، بل ما يفرضه وجودنا ومصيرنا، إن أردنا أن يكون لنا وجود ومصير في هذا العالم، الذي لم يعد فيه مكان للكيانات الصغيرة، ولا للكيانات المتفرقة والمبعثرة، ولهذا رأينا المتفرقين تاريخيا يتحدون ويتناسون الماضي ونزاعاته وثاراته، استجابة لنداء المصلحة المتبادلة، كما هو شأن الاتحاد الأوروبي.
              ولكننا نرى اليوم بشائر لا يمكن تجاهلها، وهي وقوف العالم العربي كله ضد الولايات المتحدة التي تريد توجيه ضربة عسكرية للعراق، إن هذه الوقفة العربية ضد التألّه الأمريكي، يدلنا على أن هذه الأمة لن تموت.

              الوهن الإسلامي
              :
              وإذا كان العجز العربي عرضا لا يدوم، فكذلك الوهن الإسلامي، إنه أمر يعرض للأمم كما تعرض الأمراض للجسم الصحيح، لا يلبث أن يعالج منه ويشفى.
              وكم أصابت هذه الأمة من آفات وأمراض، في أدوار من التاريخ، حسب أعداؤها أنها لن تبرأ منها، وأنها هي القاضية والقاتلة. ولكنها خرجت منها كما يخرج الذهب من النار، أشد صفاء، وأكثر لمعانا.
              وحسبنا من ذلك: غزوات الصليبين من الغرب، وهجمات التتار من الشرق، في فترة ضعف من الأمة، وتفرق بين أقطارها، وغفلة من حكامها، حتى سقطت قلاعها أمامهم أول الأمر، وتحكموا في رقاب أهلها، وأقاموا لهم ممالك وامارات، وبقى (المسجد الأقصى) أسيرا في أيدي الصليبين (تسعين عاما) كاملة.
              ثم هيأ الله رجالا لم يكونوا من جنس العرب، ولكن عرّبهم الإسلام، منهم التركي مثل عماد الدين زنكي، وابنه نور الدين محمود، والكردي مثل صلاح الدين الأيوبي، وغيرهم مثل سيف الدين قطز والظاهر بيبرس من قادة المماليك.
              فعاد الصليبيون يجرون أذيال الخيبة، ودخل التتار في دين الله أفواجا.
              وفي العصر الحديث احتل الاستعمار الغربي الزاحف ديار الإسلام، من إندونيسيا إلى المغرب، وحسب جنرالاته العسكريون، وزعماؤه السياسيون، ـ ومن ورائهم المبشرون والمستشرقون ـ أن هذه الديار قد دانت لهم إلى الأبد، حتى إن بعضها اعتبروها جزءا من أوطانهم كما في الجزائر. ثم ما لبث الإسلام الذي يدينون به أن أيقظهم من رقود، وحركهم من جمود، ونفخ فيهم من روحه، فكانت (معارك التحرير) في كل بلد، وكان للدين القدح المعلى في الإيقاظ والتحريك والتجنيد والتجميع، وآخر ملحمة مع الاستعمار كانت ملحمة ثورة التحرير الجزائرية من سنة 1954 حتى نالت استقلالها سنة 1961 .
              لقد نبهنا الرسول المعلم على سبب الوهن الذي يصيب الأمة، وبين أنه سبب نفسي وأخلاقي، وذلك في الحديث الذي رواه أحمد وأبو داود عن ثوبان "يوشك أن تتداعى عليكم الأمم من كل أفق، كما تتداعى الأكله على قصعتها، قالوا: أمن قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن. قالوا: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت "
              هذا هو سر الوهن وعلّتة : حب الدنيا وكراهية الموت. فإذا غيرت الأمة ما بنفسها، ولم تعد الدنيا أكبر همها ومبلغ علمها، ولم تعد تبالي: أوقعت على الموت أم وقع الموت عليها، هنالك يغير الله ما بها، ويبدل حالها من ضعف إلى قوة، ومن ذلة إلى عزة، ومن هزيمة إلى نصر وتمكين .
              وأرى بشائر ذلك قد بدت وتجلت في هذه الصحوة الإسلامية المعاصرة التي جددت العقول بالمعرفة، والقلوب بالإيمان، وأثرت في شباب الأمة ـ ذكورا وإناثا ـ تأثيرًا يشبه تأثير الغيث في الأرض الهامدة، حتى إذا نزل عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج .
              وقد بينا في دراسة سابقة لنا :
              أن الأمة المسلمة تملك مقومات القوة والرقى والسيادة من: الثروة البشرية (مليار وثلث من البشر) والثروة المادية ( من سهول وجبال ومعادن وبحار وأنهار . . الخ) والثروة الحضارية من خلال موقعها في ملتقى القارات، ومنبت الحضارات ومهبط الرسالات. في أرضها نبتت الحضارات الفرعونية والفينيقية والآشورية والبابلية والفارسية . . . ) بالإضافة إلى الحضارة الإسلامية العربية. وفيها نشأت الرسالات السماوية الكبرى: اليهودية والمسيحية والإسلام.
              هذا إلى الثروة الروحية الكبرى، التي تتميز بها دون الأمم، فهي وحدها التي تملك رسالة الشمول والتوازن والعمق، المتمثلة في رسالة الإسلام .
              وقد بدأت بعض شعوب هذه الأمة وأقطارها في النهوض ومحاولة كسر حاجز التخلف الذي وضعت فيه الأمة زمنا طويلا، وإن مع اليوم غدًا، وإن غدًا لناظره قريب.

              Comment


              • #8
                رد: القدس قضية كل مسلم

                التفرد الأمريكي

                وأما التفرد الأمريكي بالنفوذ والهيمنة على العالم، حيث غدت هي القطب الأوحد. والعلم المفرد، في توجيه السياسة الدولية، وفق مصالحها وأهوائها، وتسخير الأمم المتحدة وأجهزتها ومؤسساتها لخدمة أهدافها ورغباتها. التي لا يجوز لأحد الخروج عنها، أو التمرد عليها، وإلا كان العقاب له بالمرصاد، اقتصاديا وسياسيا، بل وعسكريا عند اللزوم. . أقول: هذا التفرد ليس قدرا مفروضا على البشرية، يجب أن تتقبله طوعا أو كرها، صوابا أو خطئا، عدلا كان أو جورا. إنما هو وليد ظروف معينة مرت بالعالم قابلة لأن تتغير.
                ومن سنة الله: أن القوي لا يظل قويا أبد الدهر، وأن الضعيف لا يظل ضعيفا أبد الدهر، وكم رأينا من قوي أصابه الضعف، وضعيف أدركته القوة، وكم من عزيز ذل، وذليل عز، وفي التاريخ الحافل، وفي الواقع الماثل: نماذج وأمثلة لا تخفى.
                كما أن من عدل الله تعالى وحكمته في خلقه: ألايدع قوة واحدة تتحكم في خلقه، وتفرض عليهم سلطانها رغبا ورهبا. بل من سنته تعالى: التدافع بين الناس، حيث يدفع ظلم بعضهم ببعض، وشر بعضهم ببعض، وإلا لتسلط عليهم الطغاة والجبارون فأهلكوهم، أو ساموهم سوء العذاب. يقول تعالى: ( ولولا دفع الله الناس بعضهم بعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين ) البقرة : 251
                وقال سبحانه: ( ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرًا ) الحج: 40
                وعلى ضوء هذه السنة قام الاتحاد السوفيتي الشيوعي عدة عقود بمدافعة التجبر الأمريكي -الأوروبي- الرأسمالي، وأدى ذلك إلى قدر من التوازن استفادت منه الشعوب الضعيفة والأوطان المهضومة، وإن كان كل من الطرفين الشيوعي والرأسمالي ظالما في نفسه، ولكن الله يدفع ظالما بظالم. كما قال الشاعر :
                وما من يد إلا يد الله فوقها ولا ظالم إلا سيبلى بظالم!
                ومن هنا كان المسلمون قديما يدعون الله قائلين: اللهم اشغل الظالمين بالظالمين، وأخرجنا من بينهم سالمين.
                ومن الأمثال المأثورة: إذا اصطلحت الهرة والفار خربت دكان البقّال.
                فمن مصلحة البشر ـ وخصوصا الضعفاء منهم ـ اختلاف الأقوياء الظالمين وتعارض مصالحهم. وليس من مصلحتهم أن يتفقوا، فإن اتفاقهم نقمة واختلافهم رحمة. كما ليس من مصلحتهم أن ينفرد أحدهم بالقوة، ويزول خصومه من الميدان.
                وبمقتضى هذه السنة لا بد أن تظهر قوة، أو قوى جديدة أخرى تنازع أمريكا وتغالبها وتدافعها، حتى لا تفسد الأرض، وربما كان من دلائل ذلك: الاتفاق الروسي الصيني، الأخير والشهير، الذي يؤذن ببروز قوة جديدة، ربّما لم تتكامل الآن كل أدوات قدرتها التي تنافس بها أمريكا، ولكنها ـ على الأقل ـ تملك قوة عسكرية وبشرية هائلة، في مقابل التفوق التكنولوجي والاقتصادي الفارع الذي تتمتع به الولايات المتحدة الأمريكية.
                وإذا كان من شأن التفرد الأمريكي ألا يستمر، فكذلك شأن التحيز الأمريكي الدائم لإسرائيل، فهو موقف غير أخلاقي، وغير إنساني، وغير مبرَّر. وأحسب أن الشعب الأمريكي المضلل عن الحقيقة بصُنع الإعلام المكثف الذي يوجهه ويسيطر عليه اللوبى اليهودي في أمريكا، سيأتي يوم تنكشف فيه الغشاوة عن عينيه، ويرى الحقيقة مجردة بلا تمويه ولا تزييف، ويومئذ لن يكون مع الظالم ضد المظلوم، ولا مع الغاصب ضد المغصوب، ولا مع اللص ضد صاحب الدار.

                Comment


                • #9
                  رد: القدس قضية كل مسلم

                  الغياب العالمي

                  وكذلك يقال في الغياب العالمي، فهو ـ في الواقع ـ أثر للتسلط الأمريكي على العالم، بسيف المعز وذهبه. وعدم وجود زعماء أقوياء يقولون كلمة الحق، ولا يخافون لومة لائم، ولا ظلم ظالم. فقد بات العالم قرية عمدتها رئيس الولايات المتحدة. ووزير الدفاع الأمريكي هو شيخ خفرائها، ووزير الخارجية الأمريكي هو شيخ البلد فيها.
                  حتى أوروبا لم يعد لها تأثير يذكر في سياسة العالم وقضاياه الكبرى، وإن حاولت بعض دولها أن يكون لها موقف تميز عن أمريكا، كما نرى فرنسا أحيانا.
                  أما كتلة ( عدم الانحياز ) فلم يعد لها علم مرفوع، ولا صوت مسموع.
                  إن العالم الذي ربا عدد سكانه على ستة مليارات أصبح (أحجارا على رقعة الشطرنج) تحركها أصابع أمريكا حيث تشاء، لا تبالي بفيل ولا حصان ولا (طابيه) بل لا تعبأ بوزير ولا ملك. فهي تحي منهم من تشاء وتميت من تشاء، وقتما تشاء.
                  هل سيبقى العالم لعبة في يد أمريكا إلى الأبد؟ مستحيل: وهل يستمر هذا الغياب العالمي طويلا؟ ما أظن ذلك .
                  إن الظروف المساعدة لإسرائيل – عالميًا وإسلاميًا وعربيا وفلسطينيا- لن تبقى إلى الأبد، فالدهر قلب، والدنيا دول، ودوام الحال من المحال، وصدق الله إذ يقول:{وتلك الأيام نداولها بين الناس}آل عمران :140.
                  ومن المبشرات العاجلة: ما قضت به محكمة العدل الدولية في قضية (لوكربى) التي اتخذت ذريعة ضد ليبيا، وقد كان حكم المحكمة صفعة للولايات المتحدة وبريطانيا، وانتصارا للجمهورية الليبية، مما يوحي بأن في الزوايا خبايا، وأن في العالم رجالا أحرارا، لا يشترون، ولا يخافون.
                  ربما انتقدنا بعض رجال السياسة، واتهمونا ـ نحن علماء الدين ورجال الفكر الإسلامي ـ بأننا ( رومانسيون) نعيش في مثاليات ونسبح في بحار الأماني والأحلام، ولا نرضى بالواقع. وقد قال علي بن أبي طالب لابنه: إياك والاتكال على المنى، فإنها بضائع النوكى ( الحمقى).
                  وقال الشاعر :

                  ولا تكن عبد المنى، فالمنى رؤوس أموال المفاليس!
                  وأود أن أقول لهؤلاء: إن من شأن الإنسان الحي أن يتخيل وأن يحلم، وعلى قدر همة المرء وطموحه تكون أحلامه صغرًا وكبرًا.
                  وما لنا لا نحلم، وقد حلم اليهود فبلنا بإقامة دولتهم، وقد أقاموها في ديارنا، ولم يكن هناك أي شيء على الأرض يدل على ذلك، وقد عاشوا حتى غدت أحلام الأمس حقائق اليوم.
                  فما علينا إذا حلمنا بالانتصار على عدونا، واستعادة أرضنا وحقنا، حتى تكون أحلام اليوم حقائق الغد، ولا سيما وحقائق الوجود، ووقائع التاريخ، وسنن الله في الكون كلها تؤيدنا.
                  كل ما ينقصنا هو ( إرادة الصمود والتحدي) والتحرر من اليأس والضعف، والثورة على الرضا بالهون، والعيش الدون، والقدرة على أن نقول بملء فينا، وبأعلى صوتنا: لا ثم لا.
                  إننا إذا قلناها ـ مجتمعين ـ صارخة مدوية، عالية متحدية، ستزلزل قلوب أعدائنا ويكون لها ما بعدها. إن كل ما نريده اليوم: أن ننتصر على ضعف أنفسنا، وأن نستعيد ثقتنا بالله تعالى، ونستجيب لقول الله تعالى: { فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون، والله معكم ولن يتركم أعمالكم} محمد: 35

                  Comment


                  • #10
                    رد: القدس قضية كل مسلم

                    مقدمة

                    في الثاني من سبتمبر 1997 دعيت من قبل (مجمع البحوث الإسلامية بلندن) للمشاركة في مؤتمره العلمي الأول عن (القدس) وألقاء كلمة فيه بهذه المناسبة. فحضرت وقلت في بداية كلمتي:
                    في هذه السنة (1997م) تتزاحم ذكريات مهمة وبارزة تخص قضيتنا الأولى: قضية القدس وفلسطين.
                    في هذه السنة تمر ذكرى مرور قرن (100سنة) على عقد المؤتمر الصهيوني الأول في "بازل" بسويسرا برياسة "هرتزل" عام 1897م، وظهور المؤسسة الصهيونية العالمية.
                    كما تمر ذكرى (80) ثمانين عامًا على مرور وعد بلفور المشؤوم بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين (نوفمبر 1917م).
                    وكذلك ذكرى نصف قرن على قرار تقسيم فلسطين (1947م) الذي كان تمهيدًا لقيام إسرائيل (1948م).
                    وأيضًا ذكرى مرور ثلاثين سنة على احتلال القدس والضفة الغربية وغزة سنة (1967م) بعد حرب الأيام الستة المعروفة في 5 حزيران (يونيو) 1967م.
                    وأخيرًا ذكرى مرور عشرين عامًا على زيارة الرئيس السادات إلى إسرائيل (1977م)، التي مثلت بداية الخلل في وحدة الموقف العربي تجاه إسرائيل.
                    ونحن الآن نجني ثمار هذه الأحداث المريرة، وأشد هذه الثمار مرارة: محاولة إسرائيل "تهويد القدس" العربية الإسلامية، وفق تخطيط معلوم، ونهج مرسوم، وعلى مرأى ومسمع من أكثر من مائتين وخمسين مليونًا من العرب، ووراءهم أكثر من مليار من المسلمين. وعلى الرغم من قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي. وبمساندة وتأييد من أمريكا القوة الأولى والوحيدة، والمتألهة في العالم اليوم.
                    ولا تزال إسرائيل تتابع (حفرياتها) تحت المسجد الأقصى، وتنشئ مدينة سياحية تحته، فيما زعموا. وقد سمعت في مؤتمر القدس المذكور من الأخ الشيخ رائد صلاح، رئيس بلدية أم الفحم في فلسطين المحتلة، ورئيس الحركة الإسلامية هناك، أنه أتيح له الاطلاع على هذه الحفريات، ورأى المسجد الأقصى مهددًا بالانهيار في وقت غير بعيد.
                    وهذا يؤكد ما قلته وأعلنته مرارًا من أن إسرائيل تعرف متى ينهار المسجد، وهي محددة له وقتًا معينًا، توقع فيه ذلك وتعلنه، وهي ستختار الوقت المناسب لهذا الفعل، بحيث يكون العرب والمسلمون مشغولين في هموم أخرى تلهيهم عن هذا الخطب الجسيم، أو تجعل احتجاجهم عليه مجرد صراخ لا يرد حقًا، ولا يقاوم باطًلا! ويكون العالم أيضًا مشغوًلا بخطب آخر،قد تكون إسرائيل أو الصهيونية العالمية هي صانعته ومدبرته.
                    وهكذا تتعرض القدس العربية الإسلامية: مدينة المقدسات، وأرض النبوات، وبلد الإسراء والمعراج، ودار المسجد الأقصى، الذي بارك الله حوله والذي هو عند كل مسلم بمنـزلة سواد العين، وسويداء القلب. تتعرض هذه المدينة للتهويد المبيت، والانتهاب المخطط، والالتهام المدبر، ويتعرض المسجد الإسلامي المعظم للخطر المؤكد، بما يقع تحته وحوله من حفريات مستمرة، تهدف في النهاية إلى إزالته، وإقامة هيكل اليهود المزعوم على أنقاضه.
                    الهدف واضح وصريح، والخطة معلومة، والعمل معلن، اتفق عليه اليهود جميعا، أيا كان انتماؤهم واتجاههم: دينيين كانوا أم علمانيين، من حزب (الليكود) الصريح المتعجرف، أم من حزب ( العمل) المناور المراوغ.
                    ومع هذا لازلنا نركض ونسابق الريح، سعيًا إلى سلام بائس، لا يقيم لفلسطين دولة، ولا يعيد إليها مشردًا، ولا يرد إليها قدسها وعاصمتها، ومع هذا الغبن الفاحش، والظلم المبين، تركل إسرائيل، ويركل بنيامين نتنياهو السلام المزعوم بقدميه، رضي القتيل ولم يرض القاتل!
                    وهكذا كلما تنازلنا عن حق مؤكد لنا، أصرت إسرائيل على باطل مدعى لها، وهي في كل يوم تأخذ منا ما تريد، ونحن لا نأخذ نقيرًا ولا قطميرًا، إلا وعودًا مزعومة، أشبه بما قال الشاعر:

                    كانت مواعيد عرقوب لها مثلا وما مواعيدها إلا الأباطيلفلا يغرنك ما منت وما وعدتإن الأماني والأحلام تضليل
                    بل الواقع أن إسرائيل في عهد الليكود أمست تضن علينا حتى بالوعود، وإن كانت سرابًا. فهي تتبجح بالرفض المطلق، ولا تخاف ولا تستحي. وقد قال رسول الإسلام:
                    " إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت! "
                    إن إسرائيل تستكبر وتبغي في الأرض بغير الحق، لأنها لم تجد من يردها ويقفها عند حدها .
                    فهي تريد سلاما من منظورها هي ، ووفق مصلحتها، وتبعا لاستراتيجيتها التوسعية، وأطماعها الإقليمية، المتمثلة في إسرائيل الكبرى: من الفرات إلى النيل، ومن الأرز إلى النخيل! ولكنها قد تخفي ذلك أو تسكت عنه في وقت ما، تبعًا لسياسة (المراحل) التي تجيدها إسرائيل من قديم.
                    ولقد ساعدت الظروف العالمية والإقليمية والمحلية القائمة اليوم، إسرائيل على هذا التجبر والطغيان الذي نشهده، وتتمثل تلك الظروف في الاستسلام الفلسطيني، والعجز العربي، والوهن الإسلامي، والغياب العالمي، والتفرد الأمريكي، والتحيز الأمريكي أيضًا .
                    ولكن هل تضمن إسرائيل أن تبقى هذه الظروف المساعدة لها باقية إلى الأبد؟ وهل أخذت صكًا على القدر الأعلى أن تبقى الرياح في الاتجاه الذي تهوى؟
                    نحن بقراءة سنن الله في الكون، وقراءة التاريخ من قبل، واستقراء الواقع في عالمنا: نؤمن بأن الدنيا تتطور، وأن العالم من حولنا يتغير، بل يتغير بسرعة غير محسوبة ولا متوقعة، كما رأينا في انهيار الاتحاد السوفيتي، وفي ظهور الاتحاد الأوروبي، وفي ظهور قوى اقتصادية جديدة في العالم. وهو ما عبر عنه الناس عندنا من قديم فقالوا: دوام الحال من المحال. وما عبر عنه القرآن في صورة سنة كونية عامة، فقال: {وتلك الأيام نداولها بين الناس} آل عمران: 140 قال ذلك في أعقاب غزوة أحد التي انكسر فيها المسلمون في عصر النبوة، وقدموا فيها سبعين من أغلى شهدائهم، بعد انتصار مبين قبلها في غزوة بدر، التي سمى القرآن، يومها {يوم الفرقان يوم التقى الجمعان} الأنفال: 41

                    Comment


                    • #11
                      رد: القدس قضية كل مسلم

                      هل نعادي إسرائيل لأنها سامّية؟


                      أود أن أُبين هنا بوضوح: نقطة مهمة، كثيرًا ما يشوبها الغموض أو الالتباس في أذهان كثير من الناس، ولا سيما من المتدينين المسلمين. وكثيرًا مما تستغلها إسرائيل في دعايتها الصهيونية، لكسب الرأي العام ـ وخصوصًا الغربي ـ إلى صفها.
                      هذه النقطة تتعلق بأسباب المعركة بيننا وبين اليهود وحقيقتها، فما هذه الأسباب التي أشعلت نار الحرب بيننا وبين اليهود في فلسطين، قبل أن تقوم إسرائيل في سنة 1948 م وبعد قيامها إلى اليوم؟

                      هل نعادي إسرائيل لأنها سامّية؟
                      هل سبب العداوة والحرب المستعرة بيننا ـ نحن العرب والمسلمين ـ وبين إسرائيل: أنها دولة سامية؟
                      والجواب: أن هذا أبعد ما يكون عن تفكير المسلمين، ولا يتصور أن يرد هذا بخواطرهم؛ لسببين أساسيين:
                      الأول: أننا ـ نحن العرب ـ ساميون، ونحن مع بني إسرائيل في هذه القضية أبناء عمومة، فإذا كانوا هم أبناء إسرائيل ـ وهو يعقوب ـ ابن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام، فنحن أبناء إسماعيل ابن إبراهيم عليهما السلام.
                      ولا تستطيع إسرائيل أن تزايد علينا في ذلك، ولا أن تتهمنا بأننا أعداء (السامية) التي تتاجر بها في الغرب، ونشهرها سيفًا في وجه كل من يعارض سياستها، أو ينـتقد سلوكياتها العدوانية واللاأخلاقية ، بل اعتبر القرآن المسلمين كافة أبناء إبراهيم {هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم} الحج:78
                      والثاني: أن المسلمين عالميون إنسانيون بحكم تكوينهم العقدي والفكري، وليسوا ضد أي عرق من العروق أو نسب من الأنساب، وقد علمهم دينهم أن البشرية كلها أسرة واحدة، تجمعهم العبودية لله، والبنوة لآدم، كما قال تعالى: {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، إن الله عليم خبير} الحجرات:13
                      وقال رسولهم الكريم: "أيها الناس، إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، كلكم لآدم، وآدم من تراب" رواه أحمد.
                      على أن اليهود اليوم لم يعودوا كلهم ساميين، كما يزعمون، فقد دخل فيهم عناصر شتى من سائر أمم الأرض، كما هو معروف عن يهود (مملكة الخزر) وغيرهم. وهذا طبيعي، فاليهودية ديانة، وليست جنسية.

                      Comment


                      • #12
                        رد: القدس قضية كل مسلم

                        هل نعادي إسرائيل لأنها يهودية؟


                        وإذا كانت (السامية) ليست واردة في أسباب حربنا وعداوتنا لإسرائيل، فكذلك (اليهودية) باعتبارها ديانة ليست هي السبب.
                        إن اليهودية في نظر المسلمين (ديانة كتابية) من الديانات السماوية، جاء بها رسول الله موسى الذي اصطفاه الله برسالاته وبكلامه، وأنزل عليه التوراة فيها هدى ونور، وهو من أولى العزم من الرسل، وفي القرآن نقرأ قوله تعالى: {قال: يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي، فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين. وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلاً لكل شيء، فخذها بقوة وأمر قومك يأخذوا بأحسنها} الأعراف:144 ـ 145
                        والقرآن اختار لليهود والنصارى (لقبًا) يوحي بالقرب والإيناس منهم، وهو (أهل الكتاب) ويناديهم بذلك (يأهل الكتاب) ويعنى به: التوراة والإنجيل، إشعارًا بأنهم ـ في الأصل ـ أهل دين سماوي، وإن حرفوا فيه وبدلوا

                        Comment


                        • #13
                          رد: القدس قضية كل مسلم

                          اليهود أقرب إلى ملة إبراهيم من النصارى


                          بل أزيد على ذلك فأقول: إن اليهود ـ من الناحية الدينية ـ أقرب إلى المسلمين في كثير من الأمور، من النصارى المسيحيين، لأنهم أقرب منهم إلى ملة إبراهيم عليه السلام، سواء في العقيدة أم في الشريعة.
                          فإن النصارى غيروا كثيرًا من أصول الدين وفروعه، على حين احتفظ اليهود ببعض هذه الأشياء مما ورث من ملة إبراهيم أبي الأنبياء عليه السلام.
                          فاليهود لا يقولون بالتثليث الذي يقول به النصارى، ولا يؤلهون موسى كما يؤله النصارى المسيح عيسى عليهما السلام .
                          وإن وقع اليهود في تشبيه الخالق بخلقه، كما يبدو ذلك بجلاء لكل من يقرأ أسفار التوراة، وحديثها عن الألوهية.
                          على أن كل ما يؤمن به اليهود فيما يتعلق بالألوهية والنبوة، يؤمن به المسيحيون، لأن التوراة وملحقاتها (كتاب مقدس) عندهم.
                          ويزيدون على اليهود ما انفردوا به من تأليه المسيح أو القول بالتثليث.
                          واليهود يختنون أبناءهم على سنة إبراهيم عليه السلام كما يختن المسلمون، والنصارى لا يختنون.
                          واليهود يشترطون الذبح لحل أكل الحيوانات والطيور. كما يفعل المسلمون، والمسيحيون لا يذبحون لأن (بولس) قال لهم: كل شيء طاهر للطاهرين!
                          واليهود يحرمون الخنزير، كما يحرمه المسلمون في حين أحلّه النصارى.
                          واليهود يحرمون التماثيل التي تصنع للملائكة أو للأنبياء والقديسين، كما يحرمها المسلمون، في حين لا يحرمها النصارى، ولذلك امتلأت كنائسهم ومعابدهم بهذه الصور والتماثيل من كل حجم ولون.
                          فلو كنا نحارب اليهود من أجل العقيدة، لحاربنا النصارى المسيحيين أيضًا.
                          ومن أجل هذا يتبين لنا خطأ بعض عوام المتدينين الذين يتوهمون أن الحرب القائمة بيننا وبين اليهود حرب من أجل العقيدة، ومعنى هذا: أننا نقاتل اليهود، لأنهم يهود كفروا برسالة محمد، وحرفوا كلام الله عن موضعه، وشوهوا حقيقة الألوهية في كتابهم، فقد شبهوا الخالق بالمخلوق، كما شبه النصارى بعدهم المخلوق بالخالق، ولوثوا صورة الرسل والأنبياء . . . إلى آخر ما هو معروف عنهم، مما حكاه القرآن من قتلهم الأنبياء بغير حق، وتطاولهم على الله حتى قالوا: يد الله مغلولة، وقالوا: إن الله فقير ونحن أغنياء!
                          وهذه النظرة التي قد تخطر في بال بعض الناس خاطئة تمامًا، فاليهود كما رأينا يعتبرهم الإسلام أهل كتاب، يبيح مؤاكلتهم، ويبيح مصاهرتهم، وقد عاشوا قرونًا بين ظهراني المسلمين، لهم ذمة الله تعالى، وذمة رسوله، وذمة جماعة المسلمين، وقد طردهم العالم، ولفظهم لفظ النواة، من أسبانيا وغيرها، ولم يجدوا صدرًا حنونًا، إلا في دار الإسلام، وأوطان المسلمين، ولم يفكر المسلمون يومًا أن يحاربوا اليهود.
                          بل هم قد بلغوا في بعض الأقطار الإسلامية من النفوذ والغنى والقرب من الخلفاء والأمراء مبلغًا عظيمًا، جعل بعض المسلمين يغبطونهم عليه أو يحسدونهم، وقال في ذلك الشاعرالمصري الساخر الحسن بن خاقان:

                          يهود هذا الزمان قد بلغوا غاية آمالهم وقد ملكواالمجد فيهم، والمال عندهمو ومنهم المستشار والملك!يا أهل مصر، إني نصحت لكم تهودوا، قد تهودّ الفلك!


                          Comment


                          • #14
                            رد: القدس قضية كل مسلم

                            سوء موقف اليهود من دعوة الإسلام


                            وربما كان سبب اعتقاد كثير من المسلمين أن اليهود أسوأ في العقيدة من النصارى: هو سوء موقف اليهود من دعوة الإسلام، ومن رسول الإسلام، عليه الصلاة والسلام. كما يتجلّى ذلك في موقف يهود المدينة: بني قينقاع، وبني النضير، وبني قريظة.
                            فهو موقف في غاية السوء والعداوة للدين الجديد، والنبي الجديد، رغم أنهم كانوا يبشرون قبل ذلك بنبي قد قرب زمانه، وكانوا يهددون جيرانهم من العرب ـ الأوس والخزرج ـ أنهم سيؤمنون به، وينضمون إليه، ويقتلونهم معه قتل عاد وإرم. ويبدو أنهم كانوا يظنونه من بني إسرائيل، فلما وجدوه من بني إسماعيل، منعهم البغي والحسد أن يؤمنوا به.
                            وجاء في ذلك قول الله تعالى: {ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا، فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به، فلعنة الله على الكافرين. بئسما اشتروا به أنفسهم: أن يكفروا بما أنزل الله بغيا أن ينـزل الله من فضله على من يشاء من عباده، فباؤوا بغضب على غضب وللكافرين عذاب مهين. وإذا قيل لهم: آمنوا بما أنزل الله، قالوا: نؤمن بما أنزل علينا، ويكفرون بما وراءه وهو الحق مصدقًا لما معهم} البقرة: 89 ـ 101
                            ومع كفرهم برسالة محمد، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم، بعد الهجرة، عاهدهم وأقام معهم اتفاقية تقوم على التعايش والتناصر معًا، وكتب معهم (الصحيفة) الشهيرة التي اعتبرها الكثيرون بمثابة (الدستور) الذي يحدد العلاقة بينهم وبين المسلمين. كما يحدد علاقة المسلمين بعضهم بعض.
                            ولكنهم سرعان ما غلبت عليهم طبيعتهم في نقض العهود، وتعدي الحدود، والكيد للرسول وأصحابه والانضمام إلى الوثنيين في حربهم للرسول، حتى تحالفت بنو قريظة مع المشركين المغيرين على المدينة، الذين أرادوا استئصال شأفة المسلمين، وإبادة خضرائهم.
                            وكان لا بد أن يقع الصدام بين الفريقين، الذي انتهى بجلاء بني قينقاع، وإجلاء بني النضير، وقتل مقاتلة بني قريظة، وقتال أهل خيبر.
                            ونزلت آيات القرآن في سور: البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والحشر وغيرها، تندد بموقف اليهود وشدة عداوتهم للمسلمين، كما في قوله تعالى: {لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا} في حين تبين قرب مودة النصارى للمسلمين، حيث تقول الآية نفسها: {ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا، الذين قالوا: إنا نصارى، ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون} المائدة: 82
                            ولهذا تجد الذين دخلوا في الإسلام من اليهود معدودين، نتيجة لتعصبهم وغرورهم وزعمهم أنهم شعب الله المختار، على حين دخلت شعوب كاملة من النصارى في الإسلام، مثل الشام ومصر وشمال أفريقية والأناضول وغيرها.
                            ثم كان من كيد اليهود للمسلمين بعد ذلك ما يحفظه التاريخ، وما ترك أثره العميق في أنفس المسلمين.

                            Comment


                            • #15
                              رد: القدس قضية كل مسلم

                              السبب الحقيقي لمعركتنا مع اليهود


                              والواقع أن المعركة بدأت بيننا وبين اليهود، بسبب واحد لا شريك له، وهو: أنهم اغتصبوا أرضنا ـ أرض الإسلام، أرض فلسطين ـ وشردوا أهلنا، أهل الدار الأصليين، وفرضوا وجودهم الدخيل بالحديد والنار، والعنف والدم . . تكلم السيف فاسكت أيها القلم! وستظل المعركة قائمة بيننا وبينهم ما دامت الأسباب قائمة، وسيظل الصلح مرفوضًا إذا كان مبنيًا على الأعتراف بأن لهم حقًا فيما اغتصبوه من الأرض، إذ لا يملك أحد أن يتنازل عن الأرض الإسلامية، إنما يمكن إقامة هدنة بيننا وبين إسرائيل، لفترة من الزمن، تقصر أو تطول، يكف فيها الطرفان عن الحرب، ويسود فيها الأمن، وتتبادل بعض العلاقات مع بعض.
                              أما مبدأ (الأرض مقابل السلام) فهو مبدأ غريب حقًا، فرضه منطق القوة الغاشمة للعدو، لا غير. لأن الأرض أرضنا، لا أرضه، حتى يتفضل بتنازله عنها، مقابل سلامه!
                              وحتى هذا السلام الأعرج، رفضته إسرائيل في النهاية. فهي تريد أن تأخذ ولا تعطي شيئًا.

                              Comment

                              Working...
                              X