Announcement

Collapse
No announcement yet.

أدب الطفل

Collapse
X
 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts

  • #16
    رد: أدب الطفل

    الـمجـــنون
    انصرفنا من المدرسة، وعدنا إلى بيوتنا فرحين.. كنا مجموعة من الأطفال، نتحادث ونضحك ونقفز. وفي الطريق، شاهدْنا مجنوناً، قصيرَ القامة، أسمرَ البشرة، أشعثَ الشعر، يرتدي ثوباً بالياً، يكشف عن صدره..‏
    تحلّقنا حوله، ننظر إليه بفضول، ونسخر من مظهره، بعبارات جارحة:‏
    -انظروا إلى لعابه كيف يسيل!‏
    -ما أبشعَ منظره!‏
    -إنه يسير حافياً!‏
    -ما أكرهَ رائحته!‏
    -أظنُّ أنه لم يغتسل في حياته!‏
    انفجرنا ضاحكين..‏
    وظلّ المجنونُ صامتاً، يرمقنا مدهوشاً.. أقبلْنا عليه، نغيظه ونؤذيه..‏
    نأتيه من بين يديه، ونأتيه من خلفه.. هذا يشدُّ شعرَهُ، وذاكَ ينتر ثوبه، وآخر يدفع ظهره، وهو يلتفت ذات اليمين، وذات الشمال، ولا يدري ماذا يفعل..‏
    لم نكتفِ بذلك، بل أخذْنا نقذفه بالحصى، فهرول وراءنا، يصرخ متألّماً..‏
    هرْبنا من وجهه، نركض أمامه، ونلتفت إليه.. وحينما وقف، عاودناهُ ثانية، فرماه طفلٌ، بحجر كبير، شجّ رأسَهُ، وأسال دمه، فقعد خائفاً، يمسح الجرح بكفّهِ، ويتأمّلُ يدَهُ الملطخة بالدماء، ثم يرفع بصره إلى السماء..‏
    كففنا عن إيذائه، ووقفنا نتأمّلُهُ صامتين..‏
    جاءتْ عجوزٌ، فقيرة طيّبة، وخاطبَتْنا معاتبة:‏
    -لماذا تضربونه يا أبنائي؟!‏
    -إنه مجنون!‏
    -ولكنّهُ إنسانٌ مثلكم، يأْلمُ كما تألمون.‏
    -ألا ترينَ شكَلهُ القبيح؟!‏
    -يا أبنائي.. الشكل القبيحُ لا يعيبُ صاحبه، وإنَّما فعله القبيح.‏
    نكسنا رؤوسنا خجلاً، ولم ننبس بكلمة واحدة.. وانحنتِ العجوز على المجنون، تمسح له وجهه وجرحه، ثم قبّلتْهُ بين عينيه، وسحبَتْهُ من يده، فمشى معها طائعاً، مثل حَمَلٍ وديع..‏
    تركْتُ رفاقي واجمين، وسرْتُ وراءها، لأكشفَ سرّها.. استدارَتْ نحوي، فرأيتُ في عينيها الدموع..‏
    قلت مستغرباً:‏
    -أتبكينَ على هذا المجنون؟!‏
    قالت بحنانٍ بالغ:‏
    -إنه ابني!‏
    -لا أكادُ أصدّقُ!‏
    لماذا؟‏
    -إنه.. مجنون!‏
    قالت العجوز:‏
    -وهل يولدُ المجنونُ بلا أمّ؟!‏
    قلت متعجباً:‏
    -لماذا لم تعاقبينا على ما فعلنا؟!‏
    -ولمَ العقابُ يا بني؟!. ما زلتم صغاراً.‏
    قلت نادماً حزيناً:‏
    -إنني أعتذر إليكِ، فهل تقبلين اعتذاري؟‏
    مدّتِ العجوزُ يدها، ومسحَتْ رأسي، براحتها الحانية، وقالت:‏
    -لا تحزنْ يا صغيري، إنني أعذركَ وأسامحك.‏
    ومضتِ الأمُّ الرؤوم، تسحب ابنها الحبيب إلى قلبها، وظللتُ واقفاً في مكاني، أرنو إليهما راحماً، وأقول في نفسي:‏
    -ما أكثرَ الدروسَ التي نأخذها خارج جدران المدرسة!‏

    إذا الشعب يوما أراد الحياة
    فلا بدّ أن يستجيب القــــدر
    و لا بــــدّ لليــل أن ينجلــي
    و لا بـــدّ للقيــد أن ينكسـر

    Comment


    • #17
      رد: أدب الطفل

      لمــاذا بكــى مـــازن
      حلّ الظلام.. ترك مازنٌ اللعبَ، وعاد إلى البيت خائفاً، يفكّر بعذرٍ، يقدّمهُ لوالديه..‏
      قال فرحاً:‏
      -لن ينجيني إلا الكذب!‏
      وحينما دخل البيت، تطلّعَتْ إليه أنظارُ الأسرة، فقد كان الجميعُ ينتظرونه، بصبرٍ فارغ..‏
      قال الأب:‏
      -أين كنتَ يا مازن؟!‏
      -كنتُ عند صديقي، أكتبُ وظائفي.‏
      -ولكنني لا أرى معكَ دفاتر!‏
      خجل مازن، وقال:‏
      -كنت أزور جدّتي، فهي مريضة .‏
      -جدتك خرجَتْ من عندنا منذ قليل!‏
      ازداد مازن خجلاً، وقال متلعثماً:‏
      -كنت.. كنت.. خارج البيت!‏
      انفجر الجميع ضاحكين..‏
      وانفجر الكذّابُ باكياً!‏

      إذا الشعب يوما أراد الحياة
      فلا بدّ أن يستجيب القــــدر
      و لا بــــدّ لليــل أن ينجلــي
      و لا بـــدّ للقيــد أن ينكسـر

      Comment


      • #18
        رد: أدب الطفل

        القــارب والبحــر
        كان القاربُ، يتهادى مختالاً، فوق البحر الواسع، وما لبث أنْ شمخ بأنفه، وقال:‏
        -ما أعظمني قارباً!‏
        أمتطي البحرَ الكبير، فينقلني حيثما أريد، ولا يعصي لي أمراً.‏
        قال البحر:‏


        -يسعدني أنْ تعترفَ بفضلي .‏
        -ليس لك أيّ فضلٍ، لأنكَ مسخَّرٌ لحملي.‏
        -أتقضي عمرَكَ على ظهري، وتنكرُ الآن فضلي؟!‏
        -اخفضْ صوتكَ، وأنتَ تحادثُ مَنْ فوقك.‏
        -أتزعمُ أنكَ فوقي، ولم يرفعْكَ غيري؟!‏
        -ما رفعني إلاّ منزلتي وقدري .‏
        قال البحر غاضباً:‏
        -إنك لمعجبٌ بنفسكَ، وما يكون لأحدٍ أنْ يتكبّرَ على ظهري‏


        قال القارب:‏
        -سأظلُّ على ظهركَ، شئْتَ أم أبيت.‏
        هاج البحرُ وثار، فصار موجُهُ كالجبال، وقذفَ القاربَ المغرور، فانطرح على اليابسة، مكسورَ الأضلاعِ، فاقدَ الإحساسِ..‏
        وحينما صحا من إغمائه، حاول أن يتحرّكَ، فلم يجدْ قدرة!‏
        أعادَ المِحاولةَ، ولكنْ دون فائدة..‏
        شعر أنّ حياته قد انتهتْ، وأصبح هيكلاً من أخشاب.‏
        قال نادماً:‏

        -لقد أهلكني الجحودُ والغرور .‏
        ونظر إلى البحر الأزرق، والأمواج الراكضة، فعاودَهُ الشوقُ والحنين، وقال محزوناً:‏
        -ما أعظمك أيها البحر!‏

        إذا الشعب يوما أراد الحياة
        فلا بدّ أن يستجيب القــــدر
        و لا بــــدّ لليــل أن ينجلــي
        و لا بـــدّ للقيــد أن ينكسـر

        Comment


        • #19
          رد: أدب الطفل

          الديــك والفجـــــر
          استيقظ حمدانُ باكراً، فأمسكَ ديكَهُ الأحمر، وربط ساقيه جيداً، ثم ألقاهُ في السلّة، ومضى إلى المدينة..‏
          وقف حمدان، في سوق المدينة، والديكُ أمامه في السلَّة، ينتظر مَنْ يشتريه.. وكلّما مرَّ به رجلٌ، فحصَ الديكَ بناظريه، وجسّهُ بيديهِ، ثم يساومُ في الثمن، فلا يتفقُ مع حمدان، وينصرف مبتعداً..‏
          قال الديك في نفسه:‏
          -إذاً ستبيعني يا حمدان:‏
          وتململَ في السلّة، يحاولُ الخروجَ، فلم يقدر..‏
          قال غاضباً..‏
          -كيف يمدحون المدينةَ ولم أجدْ فيها إلاّ الأسر؟!‏
          وتذكّرَ القريةَ والحرية، فقال:‏
          -لن يصبرَ أهلُ قريتي على فراقي، فأنا أُوقظهم كلّ صباح، و..‏
          أقبل رجلٌ من قرية حمدان، فسلّم عليه، وقال:‏
          -ماذا تعمل هنا؟‏
          -أريدُ أنْ أبيعَ هذا الديك .‏
          -أنا أشتريه.‏
          اشترى الرجلُ، ديكَ حمدان، وعاد به إلى القرية..‏
          قال الديك مسروراً:‏
          -كنتُ أعرفُ أنّ القريةَ سترجعني، لأُطلعَ لها الفجر. وحينما دخل الرجلُ القريةَ، دهشَ الديكُ عجباً..‏
          لقد استيقظ الناسُ، وطلعَ الفجر!‏
          سأل الديك دجاجةً في الطريق:‏
          -كيف طلعَ الفجرُ، في هذا اليوم؟!‏
          -كما يطلعُ كلّ يوم‏
          -ولكنني كنتُ غائباً عنِ القرية!‏
          -في القرية مئاتُ الديوكِ غيرك .‏
          قال الديك خجلاً:‏
          -كنتُ أعتقدُ انّهُ لا يوجدُ غيري‏
          قالتِ الدجاجة:‏
          - هكذا يعتقد كلّ مغرور .‏
          وفي آخر الليل، خرج ديكُ حمدان، وأصغى منصتاً فسمع صياحَ الديوكِ، يتعالى من كلّ الأرجاء، فصفّقَ بجناحيهِ، ومدّ عنقه، وصاح عالياً، فاتّحدَ صوتُهُ بأصوات الديوك.. وبزغ الفجرُ الجميل..‏

          إذا الشعب يوما أراد الحياة
          فلا بدّ أن يستجيب القــــدر
          و لا بــــدّ لليــل أن ينجلــي
          و لا بـــدّ للقيــد أن ينكسـر

          Comment


          • #20
            رد: أدب الطفل

            الــمــباراة
            أسامةُ تلميذٌ في الصفّ الرابع‏
            وأخته أسماءُ تلميذةً في الصفّ الثالث‏
            أسامةُ ذكيٌّ ومجتهد .‏
            أسماءُ ذكيّةٌ ومجتهدة .‏
            أسامةْ يحبُّ أخته، وينافسها في كلّ شيء.‏
            وأسماءَ تحبُّ أخاها، وتنافسه في كلِّ شيء .‏
            تارةً يتباريانِ في الإملاء‏
            وتارةً يتباريان في الرسم.‏
            وتارة يتباريانِ في التعبير .‏
            و..‏
            مرّةً يفوزُ أسامةُ، فتهنّئهُ أسماء .‏
            ومرّةً تفوزُ أسماءُ، فيهنّئها أسامة.‏
            وكانت أمُّهما المعلّمةُ، تعجبُ بهما، وتشجّعهما على هذا التنافس البريء..‏
            وفي هذا الصباح، استيقظ أفرادُ الأسرة ،‏
            وشرعوا يستعدّون للذهاب إلى المدرسة، فقالت أسماءُ لأخيها:‏
            -أنتَ بطيءٌ في ارتداءِ ثيابك، ولن أنتظركَ بعد اليوم .‏
            -أنا أسرعُ منكِ في ارتداء الثياب .‏
            -دائماً أنتهي قبلكَ وأنتظركَ.‏
            -أستطيعُ أن أثبتَ لكِ، أنني أسرعُ منك .‏
            -كيف؟!‏
            -نجري مباراةً في ارتداء لباسنا المدرسيّ.‏
            أعجبَ الاقتراحُ أسماءَ، فقالت متحمّسة:‏
            -أنا موافقة‏
            -ومَنِ الحكم؟‏
            وتحمّستِ الأُمُّ للمباراة، فنظرَتْ إلى ساعتها، ثم رفعتْ رأسها، وقالت:‏
            -أنا أحكمُ بينكما.‏
            جلبَتْ أسماءُ لباسها المدرسي .‏
            وجلبَ أسامةُ لباسه المدرسي .‏
            مدّ أسامةُ يدَهُ، وقبل أنْ يلمسَ ثيابه، قالتِ الأْمُّ:‏
            -أبعدْ يدَكَ، حتى أُعلنَ بدءَ المباراة .‏
            رفع أسامةُ يده، مطيعاً أَمرَ الحَكَمْ‏
            وقفَتْ أسماءُ، وأمامها لباسها .‏
            ووقفَ أسامةُ، وأمامه لباسه .‏
            أعلنتِ الأُمّ بَدْءَ المباراة، فسارعَ الاثنانِ إلى ثيابهما، يلبسانها بخفّةٍ ونشاط..‏
            وعندما لبس أسامةُ صدارة المدرسي، أدخل الزرّ الأوّلَ، في العروة الثانية، وتابع التزرير، حتى بلغ الزرّ الأخير، فلم يجدْ له عروة، ورأى صداره، طويلاً من جانب، قصيراً من الآخر!‏
            أدركَ خطأَهُ سريعاً، وأخذ يفكّ الأزرارَ، وعندما فرغ منها، بدأ يزرّها ثانية، ولكنه في هذه المرّة، تأكّدَ من صِحَّةِ البداية، فوصل إلى نهايةٍ صحيحة، ورأى طرفي الصدار متساويين.‏
            وحينما رفع رأسه، وجد أُمّهُ وأخته، تنظرانِ إليه وتبسمان..‏
            قالت أسماء:‏
            لقد خسرْتَ المباراة!‏
            قالت الأُمُّ:‏
            أخوكِ ربح درساً نافعاً.‏
            أيّ درسٍ تقصدين؟‏
            الدرس الذي تعلّمه من الزرِّ الأوَّل .‏
            أطرق الأخوانِ صامتين، يفكّرانِ في كلامِ الأُمّ، وعندما فهما ما تعنيه، أشرق الفرحُ على الوجوه، وانطلق الجميعً إلى المدرسة مسرورين، فقد أخذوا درساً قبل أنْ تفتح المدرسةُ أبوابها!‏

            إذا الشعب يوما أراد الحياة
            فلا بدّ أن يستجيب القــــدر
            و لا بــــدّ لليــل أن ينجلــي
            و لا بـــدّ للقيــد أن ينكسـر

            Comment


            • #21
              رد: أدب الطفل

              ســـــحابتان
              كان هناك سحابتانِ: سحابةُ مطرٍ، وسحابةُ دخان.. كانت سحابةُ المطر، تطوف في أرجاء السماء، فرحة مسرورة، فسمَعتْ نداءاتٍ حزينةً، تصعدُ من الأرض، تستغيث بها، وتطلبُ المطر.. سمعَتْ نداءَ الفلاحين البائسين، ونداءَ الحقول الظامئة.‏
              سمعَتْ نداءَ الأشجارِ الذابلة، ونداءَ الأنهار الناضبة.‏
              سمعَتْ نداءاتٍ كثيرةً وحزينة..‏
              حزنتِ السحابة الرحيمة، ونزلَتْ إلى الأرض، تحملُ الفرحَ والمطر.‏
              صادفَتْ في طريقها، سحابةَ الدخانِ، وهي تصعد إلى السماء، فسألتها قائلة:‏
              -إلى أين أنتِ ذاهبة؟‏
              -أنا ذاهبة إلى السماء .‏
              -مَنْ أرسلكِ إليها؟‏
              -الناسُ أرسلوني .‏
              -ألا تعرفينَ أنّ دخانَكِ يلوّثها؟‏
              -هذا أمرٌ لا يعنيكِ‏
              قالت سحابة المطر:‏
              -السماءُ وطني، ولن أدعكِ تلوّثينه .‏
              -أنا حرّةٌ، أفعلُ ما أشاء .‏
              -لستِ حرّةً، عندما تؤذين غيرك .‏
              وطال بينهما الجدال، وظلّتْ سحابةُ الدخان،‏
              متشبثةً بالعناد، فغضبَتْ سحابةُ المطر، وصبَّتْ ماءها الغزير، على سحابة الدخان..‏
              وتعارك المطرُ والدخان، فانتصرَ المطرُ، وتلاشى الدخان..‏
              ونزل المطرْ إلى الأرض، ولكنّه كان مطراً أسود!‏
              نظر الناسُ إليه، وقالوا مستنكرين:‏
              -مطر أسود!.. ما أبشعه!!‏
              قال المطر، وهو محزون:‏
              -لا تلوموني، ولوموا أنفسكم.‏

              إذا الشعب يوما أراد الحياة
              فلا بدّ أن يستجيب القــــدر
              و لا بــــدّ لليــل أن ينجلــي
              و لا بـــدّ للقيــد أن ينكسـر

              Comment


              • #22
                رد: أدب الطفل

                الســــاعة الذهبيــــة
                انصرفَ التلاميذُ من المدرسة، وسار الصديقانِ، أحمدُ وغزوان، في طريق واحد..‏
                قال غزوان:‏
                -تعالَ إليَّ اليومَ، لندرسَ معاً‏
                -متى أجيء؟‏
                في الساعة الرابعة .‏
                وافترق الصديقانِ، فذهب كلُّ واحدٍ إلى بيته..‏
                وفي الموعد المحدّدِ، استقبل غزوانُ، صديقة أحمد، وأخذ يحدّثهُ، عن زملاء المدرسة، فيغتاب هذا، ويعيبُ سلوكَ ذاك..‏
                قال أحمد، محاولاً إنهاءَ الحديث:‏
                -ألا نبدأُ بالدراسة؟‏
                -الوقتُ أمامنا طويل.‏
                -الوقتُ من ذهب، وعلينا أن ننفقه فيما يفيد.‏
                -ألم يعجبْكَ حديثي؟!‏
                سكتَ أحمدُ خجلاً..‏
                وتابع غزوانُ الكلام، فتحدّثَ عن إخوته، وألعابهم، وخلافاتهم، و..‏
                شعر أحمد بالصداع، وألقى نظرة على ساعته، فوجدها تشير إلى الخامسة، فرفع رأسه، وقال غاضباً:‏
                -أتدري ماذا أضعْتُ عندك؟‏
                -ماذا أضعْتَ؟‏
                -أضعْتُ ساعةً ذهبيّة!‏
                فوجئَ غزوانُ، ونهض مسرعاً، يبحثُ عنِ الساعة، فوق المكتب، وبين الدفاتر، و..‏
                أحمدُ يراقبه صامتاً..‏
                لم يعثرْ غزوانُ على شيء، فقال يائساً:‏
                -لم أجدِ الساعة‏
                -لن تجدها، مهما بحثت‏
                ونظر غزوانُ إلى صديقه، فرأى ساعته في معصمه!‏
                قال ساخراً:‏
                -أهذه ساعتك الضائعة!؟‏
                الساعة الضائعة غير هذه .‏
                -وهل هي من ذهب؟‏
                -نعم، إنها من ذهب .‏
                وانقطع الكلام، وساد الصمت، وظلّ اللغزُ غامضاً.. أحمد لم يكذبْ، فقد أضاعَ ساعةً ذهبية.‏
                وغزوان لن يجدَها، مهما بحث عنها!‏
                -ما الساعة الذهبية التي أضاعها أحمد؟!‏
                أطرق غزوان، يفكّرُ حائراً..‏
                فكّروا معه قليلاً، فقد تصلون قبله إلى الجواب.‏

                إذا الشعب يوما أراد الحياة
                فلا بدّ أن يستجيب القــــدر
                و لا بــــدّ لليــل أن ينجلــي
                و لا بـــدّ للقيــد أن ينكسـر

                Comment


                • #23
                  رد: أدب الطفل

                  المعلمـــة الصغــــيرة
                  رنّ جرسُ الدرس..‏
                  أسرعَتِ التلميذاتُ إلى الصفّ، وجلسْنَ في المقاعد هادئاتٍ، ينتظرْنَ قدومَ المعلِّمَة..‏
                  كانت معلِّمةُ الصف، تناهزُ الخمسين من عمرها، ولكنها لا تزال حازمة، لا تتغاضى عن الشغب، ولا تسامحُ في التقصير، شعارها الجدُّ والنظام، في الدراسة، وفي الدوام، كأنها ساعة عاقلة.‏
                  -لماذا تأخّرَتِ اليوم؟!‏
                  قالت تلميذة:‏
                  -المعلّماتُ مجتمعاتٌ في الإدارة‏
                  -متى ينتهي الاجتماع؟‏
                  -لا ندري!‏
                  فرحَتْ ليلى الصغيرة، وبدأَتْ تتململُ في مقعدها، تميلُ ذاتَ اليمين وذات الشمال، ولا تستقرُّ على حال.. إنها طفلة شقراء مرحة، ماهرة في التمثيل، وتقليد الآخرين، فنالت محبّةَ زميلاتها، بما لديها من دعابة ومزاح.‏
                  انتهزَتْ ليلى الفرصة، وغادرت مقعدها..‏
                  وقفَتْ في مكان المعلِّمة، على المنصّة القريبة من السبّورة.. وضعَتْ على عينيها نظّارة، مثل نظارة معلمتها، وحنَتْ ظهرها قليلاً، ثم تنحنحتْ، وقالت تقلِّد المعلِّمة:‏

                  -بناتي الطالبات!.. مَنْ تذكِّرني بدرسنا السابق؟‏
                  انجذبَتْ إليها العيونُ والقلوب، وارتفعَتْ عدّةُ أصابع.. قلبَتِ المعلّمة الصغيرة، شفتها السفلى، ثم هزّتْ رأسها وقالت بصوت راعش:‏
                  -أريدُ أصابعَ أكثر.. كيف نأخذ درساً جديداً، وقد نسينا درسنا القديم؟!‏
                  كانت التلميذات ينصتْنَ لها مسرورات، والإعجاب ظاهر على الوجوه والعيون.‏
                  وفجأة..‏
                  تحوّلَتْ عنها العيون، وكسا الذعرُ الوجوه، وغطّتِ الكفوفُ الأفواه..‏
                  التفتَتْ ليلى، لتكشف الأمر، فأبصرتْ معلِّمتها، ذاتَ النظارة، واقفة في الباب!‏
                  انعقد لسانها حيرة، واحمرَّ وجهها خجلاً، فأطرقَتْ رأسها، لا تدري ماذا تفعل..‏
                  مرّتْ لحظاتُ صمتٍ ثقيل، ثم أفلتَتْ ضحكاتٌ محبوسة، من هنا وهناك..‏
                  رفعَتْ ليلى رأسها، ونظرَتْ إلى معلِّمتها خلسة، فرأتها تبتسم!‏
                  كانت ابتسامتها شمساً مشرقة، أضاءت نفسها المظلمة، وقشعَتْ عنها غيومَ الخوف والحزن..‏
                  عادت إليها شجاعتها، وقالت معتذرة:‏
                  -أنا آسفة!‏
                  -لا داعي إلى الأسف يا بنتي!‏
                  -سامحيني على مافعلت.‏
                  -لستُ عاتبةً عليكِ‏
                  -هل أذهب إلى مقعدي؟‏
                  قالتِ المعلِّمة:‏
                  -لن تذهبي إلا بشرط.‏
                  -ما هو؟‏
                  -أن تنضمّي إلى فرقة التمثيل في المدرسة‏
                  قالت ليلى فرحة:‏
                  -موافقة!‏
                  ضحكَتِ المعلِّمة، وقالت:‏
                  -اذهبي الآن إلى مقعدك، أيتها المعلِّمة الصغيرة! أسرعَتْ ليلى إلى مقعدها، وهي تكاد لا تصدّق، غير أنها أصبحَتْ على ثقة تامة، أنّ المعلِّمة هي أُمّها الثانية!‏

                  إذا الشعب يوما أراد الحياة
                  فلا بدّ أن يستجيب القــــدر
                  و لا بــــدّ لليــل أن ينجلــي
                  و لا بـــدّ للقيــد أن ينكسـر

                  Comment


                  • #24
                    رد: أدب الطفل

                    الــــورد والعوســــج
                    عاشت شجيراتُ الورد، أمام بيتٍ صغير، على طرف القرية، وكانت صاحبة البيت العجوز، تحبّ وردَها كثيراً، وتوليه كلّ عناية، وتسقيه كلّ يوم، وعلى الرغم من ذلك، لم يكن الورد سعيداً..‏
                    -لماذا؟‏
                    -لأنّ الأولادَ يقطفون منه خلسة، والحيوانات تدوس فوقه، وتتلف بعضه.‏
                    عاش الورد في حزن وخوف‏
                    فكّرتِ العجوزُ في أمره، فاهتدَتْ إلى الحل، وغرسَتْ أشجار العَوْسَج حول الورد..‏
                    وعندما كبر العوسج، أحاط بالورد الجميل، شاهراً أشواكه الحادة، كأنه صفّ من الجنود المسلّحين..‏
                    حاول الأولادُ اختراقه، فأدمى أناملهم، وانصرفوا يائسين..‏
                    ومدّتِ الحيواناتُ أفواهها، فوخزها شوكه، وارتدّتْ غاضبة.‏
                    فرح الوردُ بحياته الآمنة، فملأ المكانَ عطراً وسحراً..‏
                    وذات صباح مشرق، تفتّحَتْ وردةٌ صغيرة، فرأتْ دنيا جميلة..‏
                    غسلَتْ وجهها الأحمر بقطرات الندى، وشرعَتْ تميل مختالة، وترنو حولها، فرأت قربها، شجرة عوسج..‏
                    نفرَتْ من شكلها، وخاطبَتْها ساخرة:‏
                    -ما اسمك أيتها الشجرة الغريبة؟‏
                    -أنا شجرة العوسج.‏
                    -ما هذه الحِرابُ التي تحملينها؟!‏
                    -هذه أشواكي .‏
                    -ما أقبح شكلكِ بهذه الأشواكّ!‏
                    -لا أستطيع تغيير شكلي، يا صغيرتي الجميلة!‏
                    -إذا كان شكلك قبيحاً، فلمَ تعيشينَ قرب الورد الجميل!؟‏
                    قالت شجيرة الورد، وقد نفذ صبرها:‏
                    -تعيش قرب الورد الجميل، لتحمي جماله من الأذى .‏
                    -بأيّ شيءٍ تحميه؟!‏
                    -تحميه بهذه الأشواك، التي تسخرين منها .‏
                    -الورد لا يعتدي عليه أحد .‏
                    وانقطع الحوار فجأة، حينما مدّ ولدٌ يده، ولوى عنق الوردة ليقطفها، فبدأت ترتجف مذعورة.. هاجمَتِ العوسجةُ الولدَ، وطعنته بأشواكها الحادّةِ، فأبعدَ يدَهُ مسرعاً، وانصرف متألّماً، يفرك ساعده، وينفخ عليه..‏
                    قالت شجيرة الورد:‏
                    -شكراً لكِ أيتها العوسجةُ الطيّبة!‏
                    خجلَتِ الوردةُ الصغيرة، واعتذرَتْ إلى شجرة العوسج، فسامحتها العوسجة، وقالت لها:‏
                    -لن أدعَ أحداً يعتدي على شكلكِ الجميل.‏
                    قالت الوردة الصغيرة:‏
                    -وأنا لن أنكر -بعد اليوم- فعلَكِ الجميل.‏

                    إذا الشعب يوما أراد الحياة
                    فلا بدّ أن يستجيب القــــدر
                    و لا بــــدّ لليــل أن ينجلــي
                    و لا بـــدّ للقيــد أن ينكسـر

                    Comment


                    • #25
                      رد: أدب الطفل

                      النقطـــتان
                      التقَتْ نقطتانِ، فوق صفحةٍ بيضاء..‏
                      وبعد أن تبادلتا التحية، قالت إحداهما للأخرى:‏
                      -ما أجملَ هذه الصفحة!‏
                      -تعالي، لنسير عليها .‏
                      -إذا سرنا عليها، ستمتلئُ خطوطاً .‏
                      -وما الضرر في ذلك؟‏
                      -نفسدُ الصفحةَ، فلا تصلحُ لشيء .‏
                      -اطمئنّي يا صديقتي.. سنرسم خطوطاً لها معنى.‏
                      -ماذا تقصدين؟‏
                      -اتبعيني، وسترين .‏
                      -أنا متعبة الآن .‏
                      -انتظريني إذاً، حتى أعود .‏
                      -سأنتظركِ.‏
                      سارتِ النقطةُ الصغيرة، فوق الورقة البيضاء، راسمة وراءها، خطاً أزرق، ينحني تارة، ويستقيم أخرى..‏
                      كانت خطواتها قصيرة، وطريقها طويلة، فأعياها المسير، ولكنها لم ترجع يائسة، بل ظلّتْ ماضية فيما عزمَتْ عليه، حتى بلَغتْ طرف الورقة، فاتجهَتْ نحو الأسفل، ثم انعطفَتْ راجعة، ترسم خطاً جديداً، يبعد عن الخط السابق، وظلَّتْ تحثُّ الخطا، حتى وصلَتْ إلى المكان الأوّلِ، الذي انطلقَتْ منه، فوجدَتْ صديقتها في انتظارها..‏
                      قالت لها، وهي تلهث:‏
                      -انظري ما صنعْتُ على الورقة!‏
                      تأمّلَتْ صديقتها، الشكل المرسوم، وما لبثت أنْ قالت:‏
                      -هذه خارطةُ الوطن العربي!‏
                      -هل أفسدْتُ بها الصفحة؟‏
                      -لقد أحسنْتِ يا صديقتي، فاستريحي حتى أكملَ العمل.‏
                      -ماذا ستفعلين؟‏
                      -سأرسمُ الحدودَ، بين الدول العربية‏
                      -إيّاكِ أنْ تفعلي!‏
                      -لماذا؟‏
                      -لن نضعَ حدوداً بين الأشقّاء .‏
                      فكّرتِ النقطةُ فيما سمعَتْ، ثم قالت مسرورة:‏
                      -ما أعظمك يا صديقي!‏
                      تبادلَتِ النقطتانِ النظرات، وارتفع منهما هتافٌ واحد!‏
                      -لن نرسم الحدود.‏
                      -لن نرسم الحدود .‏
                      فرحَتِ النقطتانِ، وتعانقتا طويلاً..‏
                      شعرتا بسعادة كبيرة، وكرهتا العودة إلى الانفصال لقد صارت النقطتانِ الصغيرتان، نقطةً واحدةً كبيرة:‏

                      إذا الشعب يوما أراد الحياة
                      فلا بدّ أن يستجيب القــــدر
                      و لا بــــدّ لليــل أن ينجلــي
                      و لا بـــدّ للقيــد أن ينكسـر

                      Comment


                      • #26
                        رد: أدب الطفل

                        خَــوْخَــــة
                        غزوان طفلٌ صغير، في الرابعة من عمره، فيه صفة ذميمة، كثيراً ما أغضبَتْ أمّه..‏
                        -أتريدونَ معرفةَ هذهِ الصّفة؟‏
                        لن أبوحَ لكم بها، بعد قليل تكشفونها، عندما تعرفون، ما فعل غزوان اليوم، فقد كان جالساً، بجانب المدفأة، وبين يديه كتابٌ، يقلبُ صفحاته، ويتفرّجُ على صوره الملوّنة..‏
                        شاهدَ صورةَ خوخةٍ، نظر إليها طويلاً، ثم حمل كتابه، وذهب إلى أُمّهِ، وقال:‏

                        -ما هذه؟‏
                        -خوخة.‏
                        -كيف طعمها؟‏
                        -طيّبٌ لذيذ.‏
                        قال غزوان:‏
                        -أريدُ خوخة‏
                        -في الشتاء، لا يوجد خوخٌ يا حبيبيّ‏
                        -أريد خوخة.‏
                        عندما يأتي الصيف، سأشتري لكَ خوخاً كثيراً.‏
                        -أريد خوخة‏
                        جلبَتِ الأُمُّ برتقالةً، أعطَتْها ابنها، وقالت:‏
                        -هذه البرتقالة، أطيبُ من الخوخة.‏
                        أكلَ غزوان البرتقالة، ثم ركض إلى أُمِّهِ، وقال لها:‏
                        -أريد خوخة‏
                        جلبَتْ له أُمّهُ، تفاحة حمراء، أعطتْه إياها، وقالت:‏
                        -هذه التفاحة، أطيبُ من الخوخة.‏
                        أكل غزوان التفاحة، ثم ركض إلى أُمِّهِ، وقال لها:‏
                        -أريد خوخة.‏
                        جلبَتْ له أُمّهُ، موزةً صفراء، أعطتْهُ إياها، وقالت:‏
                        -هذه الموزة، أطيبُ من الخوخة.‏
                        أكل غزوان الموزة، ولحس فمه بلسانه، ثم ركض إلى أمه، وقال لها:‏
                        -أريد خوخة.‏
                        ضاقَتِ الأُمّ به ذَرْعاً، وقالت غاضبة:‏
                        -لا يوجد خوخ.. لا يوجد خوخ!‏
                        -أريد خوخة.‏
                        حارتِ الأُمُّ في أمرها، وعجزَتْ عن إرضاء ابنها، فتركته يبكي، وذهبت إلى عملها.. بعد وقت يسير.. انقطع البكاء!‏
                        هرعتِ الأمُّ، لتعرف الأمر، فوجدَتْ غزوان، يغطُّ في النوم..‏
                        تنفّسَتِ الأُمُّ الصعداء، وجاءت بغطاء، فغطَّتْ به ابنها، ثم وقفَتْ على رأسه، ترنو إليه بحنان، فسمَعْتهُ يقول، وهو نائم:‏
                        -أريد خوخة.. خوخة!‏

                        إذا الشعب يوما أراد الحياة
                        فلا بدّ أن يستجيب القــــدر
                        و لا بــــدّ لليــل أن ينجلــي
                        و لا بـــدّ للقيــد أن ينكسـر

                        Comment


                        • #27
                          رد: أدب الطفل

                          إبــرة الطــبيب
                          رنّ جرسُ المدرسة، وانطلقَ التلاميذُ إلى الباحة، يركضون ويلعبون، يضحكون ويصرخون.. وظلّ أحمدُ في الصفِّ، يرتِّبُ كتبَهُ، وأصواتُ زملائه، تملأُ أذنيه..‏
                          وفجأة.‏
                          انقطعَتِ الحركةُ والأصوات!‏
                          قال أحمد مدهوشاً:‏
                          -أمرٌ عجيب.. ماذا حدث؟!‏
                          خرج مسرعاً، ليعرفَ السبب..‏
                          شاهد التلاميذَ مجتمعين، يمدُّون عيونهم إلى باب الإدارة..‏
                          انضمّ أحمدُ إليهم، ينظر حيثما ينظرون.‏
                          رأى رجلاً غريباً، يلبس رداءً أبيض .‏
                          -مَنْ هذا؟‏
                          -طبيبٌ من المدينة .‏
                          -ولمَ جاء إلى مدرستنا؟!‏
                          -ليضربَ التلاميذَ بالإبر‏
                          -لماذا؟‏
                          -يقولون إنها لقاح ضدّ المرض .‏
                          -أيّ مرض؟‏
                          -لا نعرف اسمه.‏
                          صمَتَ أحمدُ، وأخذ يراقبُ الطبيبَ، فرآه يجهِّزُ الإبرة .‏
                          خاف أحمد من وخزها، وأضمر في نفسه أمراً.‏
                          صفّ المعلّمُ التلاميذَ. وجعلوا يتقدّمون إلى الطبيب، واحداً إثر آخر..‏
                          كان أحمد مختبئاً، يحبس أنفاسه، ويسترق السمعَ، فلا يصلُهُ إلا أصواتٌ خافتة، وكلماتٌ غامضة.‏
                          مكث صامتاً يترقّب..‏
                          وأفلتَ التلاميذُ، وتعالتِ الأصوات، و.. أخرجَ أحمدُ رأسَهُ، ونظر مستطلعاً.. لقد انصرف الطبيب، وانتهى كلُّ شيء.‏
                          نهض أحمد فرحاً، يقول في نفسه:‏
                          -لم يدرِ بي أحد!‏
                          واختلط برفاقه، يستمع إلى حوارهم..‏
                          -كنتُ خائفاً من الإبرة‏
                          -ولمَ الخوف؟!.. إنها مثلُ وخزةِ الشوكة‏
                          -هل تؤلمك الآن؟‏
                          -لم أتألّمْ غيرَ دقيقة .‏
                          -ظننْتُ أنه سيأخذ ثمن الإبرة .‏
                          -ليس معنا قرش واحد!‏
                          -أخذناها مجاناً وانتهينا .‏
                          -وماذا ستفيدنا؟‏
                          -إنها تقي أجسامنا من المرض .‏
                          سمع أحمد هذا الكلام، فخجل من جبنه، وندم على هروبه، ولكنّ الندمَ لا يفيد، فبعد أيام، أصابه المرض، فانقطع عن المدرسة، ولبث في البيت..‏
                          قال والده، وهو يلمس جبينه:‏
                          -لم ينتفعْ باللقاح اللعين!‏
                          وقالت والدته، وهي محزونة:‏
                          -يجب أنْ نأخذَهُ إلى الطبيب.‏
                          -لا أملكُ إلا عشرين ليرة .‏
                          -وأنا معي ثلاث عشرة ليرة .‏
                          وقالت أخته الصغيرة:‏
                          -وأنا معي خمس ليرات .‏
                          قال الأب:‏
                          -لا حولَ ولا قوّة إلا بالله.‏
                          وقال أحمد في سرّه:‏
                          -لقد تعلّمْتُ درساً لن أنساه..‏
                          الألم القليل قد يُنتجُ راحةً كبيرة .‏
                          والمعلِّمُ هذه المرّة هو: إبرة الطبيب!‏

                          إذا الشعب يوما أراد الحياة
                          فلا بدّ أن يستجيب القــــدر
                          و لا بــــدّ لليــل أن ينجلــي
                          و لا بـــدّ للقيــد أن ينكسـر

                          Comment


                          • #28
                            رد: أدب الطفل

                            شــــجرة اللـــوز
                            أمامَ بيتنا الجميل، حفرَ والدي حفرةً صغيرة.. أخرجَ لوزةً يابسة، رفعها بإصبعيه، وقال:‏
                            -ما هذه يا أحمد؟‏
                            -لوزة صغيرة .‏
                            -لا تنسَ ذلك .‏
                            -لن أنسى أبداً.‏
                            وضع والدي اللوزة، في قَعْر الحفرة، وردمَ فوقها التراب..‏
                            -لمَ وضعْتَ اللوزة في التراب؟!‏
                            -لنحصلَ على لوز كثير.‏
                            -مِنْ أين؟‏
                            -مِنْ هذهِ اللوزة.‏
                            -كيف؟!‏
                            -اسألِ الأرض .‏
                            -لم أفهم!‏
                            -ستفهم فيما بعد.‏
                            ***‏
                            مضَتْ شهور..‏
                            انشقّ الترابُ، وظهر رأس أخضر، أخذَ يكبر ويكبر، حتى صار شجيرةً صغيرة، طريّةَ الأغصان، ناعمةَ الأوراق.‏
                            ودارَ الزمان..‏
                            وأصبحتِ الشجيرةُ الصغيرة، شجرةَ لوزٍ كبيرة.‏
                            زارها الربيعُ، وزيَّنَها بالأزهار.‏
                            ما أجمل اللوزة!‏
                            أنا وإخوتي نلعبُ في ظلالها .‏
                            والنحلُ تمتصُّ رحيقَ أزهارها .‏
                            والطيرُ تغرّدُ على أغصانها .‏
                            وبيتنا يزدادُ جمالاً بجمالها‏
                            ***‏
                            وفي أواخر الصيف، قطفنا منها لوزاً كثيراً، أكلْنا منه طوالَ فصلِ الشتاء..‏
                            وتذكّرْتُ اللوزةَ الصغيرة، التي طمرها والدي في الأرض، منذ بضع سنوات، فسألته حينذاك:‏
                            -لمَ وضعْتَ اللوزةَ في التراب؟!‏
                            -لنحصلَ على لوزٍ كثير‏
                            -مِنْ أين؟‏
                            -مِنْ هذه اللوزة‏
                            -كيف؟!‏
                            -اسألِ الأرض .‏
                            ولكنني الآن.. لن أسألَ الأرض، فقد عرفْتُ كلّ شيء، لوسألْتُ الأرضَ، لما حصلْتُ على جواب..‏
                            الأرضُ تعرفُ العطاءَ، ولا تعرفُ الكلام. فما أكرمكِ أيتها الأرض!‏
                            أعطيناكِ لوزةً صغيرة، فأعطيتنا شجرةً كبيرة، ولوزاً كثيراً..‏

                            إذا الشعب يوما أراد الحياة
                            فلا بدّ أن يستجيب القــــدر
                            و لا بــــدّ لليــل أن ينجلــي
                            و لا بـــدّ للقيــد أن ينكسـر

                            Comment


                            • #29
                              رد: أدب الطفل

                              الثلـــــج
                              تربَّعَ الثلجُ على قمّةِ الجبل، وألقى نظرةً إلى الأراضي الواطئة، ثم ضحكَ مغروراً، وقال:‏
                              -أنا فوق الجميع:‏
                              نادَتْهُ رَبْوةٌ قريبة:‏
                              -أيُّها الثلجُ العظيم، إنني ظامئة فأغثْني .‏
                              -لن أغادر القمة، فابحثي عن غيري .‏
                              -في جوفي بذورٌ صغيرة، ستموتُ من العطش .‏
                              -فلْتمتْ‏
                              -إذا ماتَتْ سيموتُ الربيع.‏
                              -فلْيمتْ .‏
                              حزنتِ الربوةُ كثيراً، فقال لها النهرُ الطيّبُ:‏
                              -لا تحزني أيتها الربوة الصغيرة، سأمنحك مياهي، حتى آخرِ قطرة.‏
                              فرحَتْ الربوةُ، وبدأَتْ ترشفُ من النهر، وتُرضعُ بذورها الصغيرة.‏
                              بعد أيام..‏
                              قلّتْ مياهُ النهر، وكاد يجفُّ ويموتُ، فذهبَ إلى الثلج، وقال:‏
                              -أيها الثلجُ الجليل، لقد شحّتْ مياهي، فجئْتُ طالباً عَوْنك .‏
                              -ولمَ تطلبُ العَوْنَ منِّي؟!‏
                              -لأنّكَ قريبي‏
                              -كيف؟!‏
                              -أنتَ ماءٌ، وأنا ماء‏
                              -لا أشبهكَ، ولا تشبهني، فابتعدْ عنّي. انصرف النهرُ يائساً حزيناً..‏
                              سمعَتِ الشمسُ حوارهما، فغضبَتْ من غرور الثلج، وزفرَتْ زفرةً حارة، ثم سلّطَتْ أشعتها الحامية على الثلج، فأخذ يذوبُ شيئاً فشيئاً، ليرجعَ ماءً، كما كان، فقال مدهوشاً:‏
                              -يا للعجب.. إنني أتحوّلُ إلى ماء!‏
                              استمرّ الثلجُ يسيل، قطرات تتبعها قطرات، كأنها دموع غزيرة، يذرفها الثلج، وهو ينسحب من القمة، وينزل رويداً رويداً.. وحينما وصل إلى الأراضي الواطئة، ساحَ في كلّ اتجاه، هائماً على وجهه، لا يدري أين يستقرُّ، فهرع إلى النهر الطيّبِ، واستنجدَ به ليؤويه، فقال النهر:‏
                              -أهلاً بكَ يا عزيزي:‏
                              وسرعان ما احتضنه بين ضفّتيهِ، فاتّحدَ ماءُ النهر، وماءُ الثلج..‏
                              وسار النهرُ دفّاقاً غزيراً.‏
                              يجودُ بمائهِ، وهو طروب.‏
                              فارتوتِ الربوةُ، وارتوى السهل.‏
                              ونَمَتِ البذورُ، واستطالَتْ سوقها‏
                              ثم ودَّعَتْ جوفَ الأرض، وخرجَتْ إلى النور.‏
                              فوُلِدَ الربيع.. جنَّة ألوانٍ وعطور..‏

                              إذا الشعب يوما أراد الحياة
                              فلا بدّ أن يستجيب القــــدر
                              و لا بــــدّ لليــل أن ينجلــي
                              و لا بـــدّ للقيــد أن ينكسـر

                              Comment


                              • #30
                                رد: أدب الطفل

                                العنكــــبوت
                                كانتِ النملةُ الصغيرة، تصعدُ جدارَ البيت، وعندما بلغَتْ زاويته، شاهدَتْ بيتَ عنكبوت..‏
                                اقتربَتْ منه تتفحَّصُهُ، فرأَتْ نسجه دقيقاً، وخيوطه واهية، وفي ناحية منه، كمنتِ العنكبوتُ، ساكنةً هادئة..‏
                                تأمّلَتْها زمناً طويلاً..‏
                                لم تبارحْ مكانها!‏
                                رفعتِ النملةُ رأسها، وقالت للعنكبوت:‏
                                -ألا تخرجينَ من بيتك؟!‏
                                -ولمَ الخروج؟‏
                                -لتعملي كما نعمل.‏
                                أنا لا أعمل‏
                                -وكيف تكسبين قوتكِ؟!‏
                                -أكسبه وأنا قاعدة هنا.‏
                                -كيف؟!‏
                                -استريحي جانباً، وانظري ما أفعل.‏
                                مكثتِ النملةُ، لترقبَ ما سيجري..‏
                                بعد حين..‏
                                جاءت ذبابةٌ، تطنُّ وتطيرُ، وهي مسرعة طائشة، فعلقَتْ بشبكة العنكبوت..‏
                                اهتزَّتْ خيوطُ الشبكة.. أحسَّتِ العنكبوتُ بالفريسة، فغادرَتْ مكمنها، واندفعَتْ نحوها، وأخذَتْ تلفُّها بخيوطٍ تفرزها..‏
                                كافحتِ الذبابةُ لتفلتَ، فلم تستطعْ خلاصاً، فجعلَتْ تصرخ:‏
                                -ارحميني أيتها العنكبوت!‏
                                ضحكتِ العنكبوتُ ساخرةً، وظلَّتْ تكفِّنها بخيوطها، حتى سكنَتْ حركتها..‏
                                أنشبَتْ فيها أنيابها، وبدأَتْ تمتصُّ دماءها، حتى صارت جوفاً فارغاً..‏
                                ألقتْ بها بعيداً، ومضتْ إلى مكمنها، منفوخةَ البطن، تنتظر فريسةً جديدة.‏
                                دنَتْ النملةُ إليها، فقالتِ العنكبوت:‏
                                -عرفْتِ كيف أكسبُ قوتي؟‏
                                -لقد عرفْتُ‏
                                -هل أعجبكِ؟‏
                                -لا.‏
                                -لماذا؟‏
                                -لأنه ظلمٌ واحتيال‏
                                -وكيف تكسبين أنتِ قوتكِ؟‏
                                قالت النملة:‏
                                -أكسبهُ بالجدِّ والعمل.‏
                                -ولكنَّ العملَ شاقٌ!‏
                                -الكسبُ الشريفُ، لا يكون إلا بالعمل. أدارتِ النملةُ ظهرها، فقالت العنكبوت هازئة:‏
                                -أين تسكنين يا عاملتي الصغيرة؟‏
                                -بيتي قريبٌ من هنا‏
                                -أتسمحين لي بالسكن معكِ؟‏
                                -لا.‏
                                -لماذا؟‏
                                قالتِ النملةُ، وهي تنصرف:‏
                                -البيتُ النظيفُ، لا يسكنُهُ العنكبوت.‏

                                إذا الشعب يوما أراد الحياة
                                فلا بدّ أن يستجيب القــــدر
                                و لا بــــدّ لليــل أن ينجلــي
                                و لا بـــدّ للقيــد أن ينكسـر

                                Comment

                                Working...
                                X