المرأة وصنع الحدث
منقول
عبثا يحاول البعض الانتقاص من قدر المرأة في صنع الحدث ، بينما الشواهد تكاد لا تعدّ التي تبرهن على عكس قناعاتهم ، لا في زماننا هذا حصرا بل منذ قدم التاريخ .
ربما فقدت المرأة بعضا من حضورها المؤثر في مجتمعات لها خصوصيتها لسبب من الأسباب ، بيد أنها لم تفقد تأثيرها في صنع الحدث أو المساهمة في صنعه ، وذلك من منطلق كونها كيانا فاعلا بنسبة ما ، داخل بيئتها ، سواء من حيث كونها زوجة أو أما أو ابنة وسوى ذلك .
وللمرأة في المجتمعات كافة ، بغض النظر عن المكانة التي يحتلها هذا المجتمع أو ذاك ، وبغض النظر أيضا عن المستوى الاقتصادي أو الثقافي الذي يتحلى به ، فإن ما لا يمكن لأحد أن يتجنب الاعتراف به هو أن المرأة تبقى المجال الذي تنمو في رحابه الفسيحة الكائنات البشرية منذ لحظة الولادة حتى اكتمال نموها وقدرتها على أن يكون لها وجود في حاضرها ومستقبلها بنسبة ما تزيد أو تقلّ . ومن هنا تكتسب المرأة مكانتها في المجتمع، وتحديدا بمقدار ما تعطيه له تأكيدا لسعيها كي تكون علامة فارقة حقا بين الأمس واليوم، وكذلك في الغد الآتي ، وعلى غرار الذين تركوا بصماتهم في بيئاتهم ، وربما أيضا خارجها ، قبل أن يرحلوا عن دنياهم.
إن المرأة ، بوصفها كيانا ذا قدرة فائقة على العطاء ، من غير المعقول أن تبقى خارج دائرة الفعل إن هي شاءت أن تفيد من قدراتها كي تعمل ، بإرادتها الذاتية ، من أجل ارتقاء مجتمعها بالعلم والمعرفة. وضمن هذه المعادلة ، تتساوى النساء في اعتقادنا أينما وجدت ، كونها كيانا خلق لأداء أدوار متعددة لا لأداء دور واحد كتربية طفلها والسهر على راحة شريك حياتها وصون سمعة الأسرة وما إلى ذلك من أنواع الالتزام بمتطلبات أداء وظيفة ما بحد ذاتها . ومن ذلك ، على سبيل المثال لا الحصر ، أن تجسّد شخصيتها بوصفها كيانا مكملا لا كيانا تابعا للرجل مغمضة العبن أو مسلوبة الإرادة ، وخصوصا في المجالات التي تكون فيها قادرة على الفعل والعطاء .
ومهما كان للرجل في المجتمعات المتزمتة قليلا أو كثيرا من رأي حول دور المرأة وموقعها في المجتمع الذي تنتمي إليه بحكم الولادة ، فإنها تبقى كيانا من المستحيل، لا بل من المستبعد أيضا ، أن ينهض أي مجتمع كان من دون مشاركتها ، على قاعدة الند للند في صنع الحدث ، وعموما حين يكون الحدث مرتبطا بمستقبل الأسرة وقبل ذلك حين تكون المرأة ذاتها قابلة للتفاعل مع تبعات الحدث وتداعياته في أعقاب انعكاسه على أرض الواقع .
وفي السياق المتصل، لا تختلف المرأة العربية عن المرأة الأجنبية ، بحكم النشأة ، إلا بمقدار ما هي قادرة على استيعاب دورها في الحياة ، كأن ترضى بالبقاء في موقع الآخذ أو الانتقال إلى موقع المعطي ، وبالتالي الانتقال إلى موقع الفعل لا البقاء في موقع الانفعال. قد تتأثر هذه المعادلة بنوع الثقافة، وقبل ذلك بنوع التربية وما يتصل بها من عادات وتقاليد ، ولكنها تبقى في إطار العلاقة بين المرأة والرجل في بيئتهما على نحو خاص ، علامة من غير الممكن تخطيها . ومن هنا تكتسب النظرة إلى المرأة بوصفها كيانا بشريا ، تكتسب واقعيتها وموضوعيتها ، وإلا فقد المجتمع ، أي مجتمع يخاطر بتخطي دور المرأة لديه ، فقد هويته الإنسانية لا هوية المواطنة في بلده فحسب .
Comment