Announcement

Collapse
No announcement yet.

انتعاش اقتصادي في الضفة الغربية .. بأي ثمن؟! * ياسر الزعاترة

Collapse
X
 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts

  • انتعاش اقتصادي في الضفة الغربية .. بأي ثمن؟! * ياسر الزعاترة

    اشتكى رئيس وزراء "تصريف الأعمال" في الضفة الغربية من صعوبة شق طرق تصل مدينة رام الله بالمدينة الحديثة التي يجري بناؤها (اسمها روابي) ، وهو ما دفع وسيدفع الحكومة الإسرائيلية إلى تقديم بادرة حسن نية للمبعوث الأمريكي ميتشيل تتمثل في إخلاء أراض يسيطر عليها مستوطنون من أجل شق طرق تصل المدينتين معا ، وذلك كجزء من بوادر حسن نية أخرى من بينها نقل الصلاحيات الأمنية للسلطة في مدن جديدة ، فضلا عن الإفراج عن معتقلين (غالبا ممن شارفت أحكامهم على الانتهاء) ، ورفع بعض الحواجز الجديدة.

    في الضفة الغربية انتعاش اقتصادي حقيقي يشكل محور أحاديث الناس ، وقد لاحظ صحفي إسرائيلي كيف تكاثرت سيارات "الجيب" الضخمة في "مدينة الانتحاريين" ، (مدينة جنين) ، وكيف استطاعت السلطة تجنيد الآلاف من الناشطين في آليات عملها المختلفة (الأمنية والمدنية) ، مع العلم أن ذات المدينة تشهد بناء ضاحية حديثة أخرى على طريقة "روابي" ، بمسمى ضاحية الجنان.

    كل ما يجري في الضفة الغربية يشير بوضوح إلى أن مخطط (دايتون - بلير) يسير حثيثا باتجاه إعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل انتفاضة الأقصى نهاية أيلول من العام 2000 ، حيث كانت السلطة تسيطر على أجزاء من الضفة الغربية ، خصوصا مناطق التجمعات السكانية الكبرى (أ و ب) ، وكانت على وشك المضي في برنامج التمدد نحو مناطق (ج) لولا فشل المفاوضات في كامب ديفيد صيف ، تموز عام ,2000

    في تلك الأثناء كان الانتعاش الاقتصادي باديا على الوضع في الضفة ، مع أن جزءًا لا بأس به منه كان مركّزا في أوساط السلطة والقريبين منها ، بينما كانت فوائده أقل بين الفئات الأخرى ، وهو الجانب الذي يجري تجاوزه في المرحلة الجديدة ، حيث يعمل "فياض" على جعل الانتعاش أوسع انتشارا بين فئات المجتمع ، مع أن معادلة الانفتاح غالبا ما تصيب فئات دون أخرى ، حيث يبقى الكثيرون أسرى الرواتب والمخصصات المحدودة ، والتي تغدو بلا قيمة من الناحية النفسية عند رؤية ما أصاب الآخرين من "بركات" الانفتاح.

    الأوروبيون والأمريكان ، وعبر مندوبهم "توني بلير" يعملون بجد على تهيئة الأجواء للعملية الاقتصادية الناشئة في الضفة ، سواء عبر سيل المنح والمعونات ، أم عبر التدخل لدى الطرف الإسرائيلي من أجل تقديم تسهيلات لحركة المال والاستثمار في "المناطق".

    نفتح قوسا هنا لنقول: إننا لسنا ضد تحسين حياة الناس ، ولكن على أن يأتي ذلك ضمن برنامج دعم الصمود ، وبأموال عربية وغير عربية ليست مشروطة ببرنامج السلام الاقتصادي الذي يرفضه البعض بالكلام فقط.

    الإسرائيليون بدورهم لا يتصرفون تحت الضغوط ، إذ أن ما يجري هو مشروعهم الحقيقي. هو مشروع السلام الاقتصادي بحسب نتنياهو ، وهو مشروع الحل الانتقالي بعيد المدى بحسب تسمية شارون ، وهو مشروع الدولة المؤقتة بحسب تسمية آخرين. وفيما أعلن سلام فياض أنه بصدد إعلان الدولة نهاية العام القادم ، فقد أوضح رئيسه أن ذلك لن يحدث من جانب واحد ، والسبب أن إعلانا من هذا النوع من شأنه أن يجعل الصراع محض نزاع حدودي بين دولتين لا أكثر ، وهو بدوره معني بأن يواصل التأكيد على التزامه بالثوابت.

    الرئيس دعم خطوات بناء مؤسسات الدولة دون تردد ، وهي خطوات ستفضي عمليا إلى وضع مؤقت سيتحول بالتدريج إلى دائم مع بعض التعديلات المحدودة ، من دون الإقرار بذلك ، إذ سيبقى التفاوض قائما ، بينما يجري تطبيع الشارع الفلسطيني على التطورات الجديدة ، وحيث لا صدام مع الاحتلال بأي شكل.

    والحق الذي ينبغي الاعتراف به هو أن دخول حماس انتخابات التشريعي ، ومن ثم الحسم العسكري قد ساهما في تسهيل هذه المهمة التي يعمل عليها فياض ورئيسه بمساعدة دايتون وبلير. وإذا قيل إنها أنقذت غزة من هذا البؤس ، فليتذكر القائلون بذلك أن الصراع الحقيقي هو على الضفة الغربية والقدس وما تبقى من فلسطين (98,5 في المئة) ، وعموما فإن اليأس الذي شاع في الساحة الفلسطينية بسبب الصراع الداخلي ، سيجعل الانقلاب على هذا البؤس أصعب من المرة الماضية بعد قمة كامب ديفيد عام ,2000

    لكن المؤكد أن الشعب الفلسطيني ، ورغم ذلك كله ، لن يلبث أن ينقلب على هذه الصفقة ، بخاصة بعد أن يتبين حقيقتها بشكل أكثر وضوحا ، ويتأكد من أنها محض بيع للأرض والكرامة بالقوت اليومي وبعض الرفاه الاستثنائي لفئات محدودة ، وهو انقلاب ، سيرتبط من دون شك بتطورات في المشهد العربي والدولي ، أكثر انسجاما مع فكرة المقاومة وبرنامجها.
Working...
X