Announcement

Collapse
No announcement yet.

اسرائيل ودروس الانسحاب

Collapse
X
 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts

  • اسرائيل ودروس الانسحاب

    قد يكون من قبيل المصادفة فقط تزامن الذكرى العاشرة للإنسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان، مع المناورة الكبرى للجبهة الداخلية التي تقوم بها إسرائيل حالياً للتدرب على كيفية مواجهة المدنيين الإسرائيليين هجوماً بالصواريخ من سوريا ولبنان وغزة. لكن ليس صدفة بقاء لبنان كمصدر للقلق الإسرائيلي حتى بعد مرور عشرة أعوام على مغادرة آخر جندي إسرائيلي الأرض اللبنانية وإغلاق بوابات العبور بين إسرائيل والجنوب، وترسيم الحدود الدولية بين البلدين.
    المراجعة الإسرائيلية لدروس الإنسحاب من طرف واحد من لبنان هذا العام بدت متأثرة بأكثر من عامل في طليعتها مرور الزمن الذي أثبت لا جدوى عدد من المقاربات الأمنية التي طبعت العقيدة القتالية الإسرائيلية؛ والتغييرات الإقليمية التي طرأت على إسرائيل والمنطقة منذ ذلك الحين.
    فاليوم على سبيل المثال ثمة إجماع داخل إسرائيل بأن فكرة الحزام الأمني وإبقاء الجيش الإسرائيلي لمدة 18 عاماً دفاعاً عنه كانت فكرة خاطئة. فلا الحزام استطاع أن يمنع سقوط صواريخ الكاتيوشا على المستوطنات الشمالية في إسرائيل؛ ولا وجود الجيش الإسرائيلي في الجنوب منع قيام «حزب الله» أو كبح العمليات ضدهم وضد إسرائيل، بحيث باتت مهمة الجنود الإسرائيليين خلال الأعوام التي سبقت الانسحاب هي الدفاع عن حياتهم وعن مواقعهم العسكرية في الحزام، وليس الدفاع عن أمن إسرائيل.
    وعلى الرغم من كل الانتقادات الإسرائيلية التي وجهت الى قرار الانسحاب وكيفية تنفيذه، فثمة اقتناع اسرائيلي اليوم أن الإنسحاب بحد ذاته كان خطوة صحيحة، وهو أفضل بكثير من الإنسحاب من طرف واحد الذي نفذه أرييل شارون صيف 2005 من قطاع غزة. فمما يميز الإنسحاب الأحادي من لبنان أنه جرى بتنسيق دولي غير معلن، مما جعل القوات الدولية طرفاً في مراقبة الحدود بين البلدين وتطبيق وقف النار، ورصد التجاوزات. هذا في حين جاء الانسحاب من غزة من دون أي تنسيق لا مع الفلسطينيين ولا مع الأطراف الدولية مما انعكس سلباً على الوضع فيها.
    الدرس الأساس الذي يتحدث عنه الإسرائيليون اليوم في مراجعتهم لإنسحابهم من لبنان، هو الانعكاسات السلبية لعجز الجيش الإسرائيلي عن حسم المواجهات العسكرية التي جرت ضد «حزب الله» قبل الانسحاب. ففي رأي موشيه سنيه الذي شغل منصب نائب وزير الدفاع الإسرائيلي عام 2000، أن الفشل في المواجهات شكل هزيمة إسرائيلية في مواجهة المحاولات الإيرانية لإلحاق الهزيمة بإسرائيل عبر «حزب الله». وهذا الذي ما زالت إسرائيل تدفع ثمنه حتى اليوم، وحرب 2006 أفضل تعبير عن ذلك.
    هناك من يحمل مسؤولية القرار المتسرع للإنسحاب الأحادي من لبنان الى حركات الاحتجاج الشعبية على الحرب وفي طليعتها حركة الأمهات الأربع التي شكلتها أمهات فقدن أبناءهن في لبنان. لكن إذا وفر الانسحاب الثمن الدموي للبقاء طوال 18 عاماً في لبنان، والذي كان بمعدل 26 قتيلاً إسرائيلياً في العام، فإن حرب 2006 جعلت الثمن في جانب الجيش الإسرائيلي خلال 33 يوماً مضروباً بستة أضعاف.
    لولا وقوع حرب 2006، لظهر الإنسحاب الإسرائيلي من لبنان كخطوة أكثر نجاحاً في نظر الإسرائيليين. ولكن ما آل إليه الوضع على الحدود الشمالية بعد عام 2000، وبصورة خاصة بعد وقف اطلاق النار في آب 2006، ووجود عدد مضاعف من الصواريخ لدى «حزب الله» موجهة نحو التجمعات السكانية الكبرى في إسرائيل، والصعود الكبير في نفوذ إيران في المنطقة من طريق حلفائها: «حماس» و»حزب الله» والتحالف العسكري الوثيق الذي يربط سوريا بإيران، وسعي إيران الحثيث للحصول على السلاح النووي؛ كل ذلك وغيره يلقي بظلال قاتمة على ذكرى الإنسحاب من لبنان.
    فإذا كان الإسرائيليون اليوم مجمعين على أن الإنسحاب من لبنان كان ضرورياً؛ فإنهم من جهة ثانية يرون أن عجزهم عن حسم المواجهة عسكرياً مع»حزب الله» كانت له انعكاساته السلبية الكثيرة على قدرة الردع الإسرائيلية، وتالياً على مكانتهم في المنطقة. وهم لا ينخدعون بالهدوء الذي يسود اليوم الحدود مع لبنان، فالكل يدرك أن أي حادثة قد تلهب هذه الحدود من جديد.
    رندى حيدر
    النهار اللبنانية
Working...
X