Announcement

Collapse
No announcement yet.

الشاعر المصري محمد فريد ابو سعدة

Collapse
X
 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts

  • الشاعر المصري محمد فريد ابو سعدة

    الشاعر المصري محمد فريد ابو سعدة بعد تعافيه

    من جلطة قلبية : الشعر لم يعد معنيا باكتشاف العالم!

    محمود قرني:






    القاهرة ـ ' القدس العربي' تعافى الشاعر محمد فريد أبو سعدة من جلطة قلبية ألمت به في الشهر الماضي. وقد قضى فترة نقاهة لمدة أسبوعين عاد بعدها الى ممارسة نشاطه المعتاد كدا، بروحه المرحة الطافحة بالضحك والتسامح، مؤكداً أنه سيواصل مشروعه رغم أنف من لم يسمّهم. وفي الحقيقة كانت هذه فرصة للاستماع الى أبي سعدة وإعادة مطارحته السؤال رغم أننا لانحتاج الى مناسبة يمكن ان ننسب هذا الحوار. فصاحب الحوار أصدر ما يربو على عشرة دواوين شعرية وخمس مسرحيات ومن هنا فان الحوار معه يمكن أن يكون بلا مناسبة. فمحمد فريد أبو سعدة أحد أبرز شعراء جيل السبعينيات في مصر وهو من القلائل الذين استمروا فاعلين في هذا المشهد، وفي حوارنا معه نحاول ان نقف على نقاط تمايزاته عن أقرانه وعن أسباب عدم انتسابه إلى الجماعتين الشهيرتين، ' اضاءة' و ' أصوات'، ومدى تأثير ذلك عليه. وفي المقابل يحدثنا أبو سعدة عن جماعة ' كتاب الغد' التي كان ينتمي اليها في بداية السبعينيات، وهي الجماعة التي أسسها الدكتور عبد المنعم تليمة وكانت تسعى إلى أن تكون نقابة حقيقية للكتاب والفنانين. ويحدثنا الشاعر أيضاً عن تأثراته الأولى بصلاح عبد الصبور وأمل دنقل ثم ادونيس ومحمد عفيفي مطر وكيف امتلك بعد ذلك صوته الخاص، وكيف كان ينظر لجماعتي ' اضاءة' و' أصوات' على انهما تضمان شعراء أغراراً في سن الشباب لم يكن الانتساب إليهما شيئاً مغرياً، وكيف أن عدم قيامه بسداد مئة جنيه لجماعة ' أصوات ' لطبع احد دواوينه هو السبب الذي حال دون حصوله على عضوية الجماعة. فوق ذلك فإن أبو سعدة يتهمنا بأننا لم نستطع استيعاب مشروعه الذي قدمه في المسرح الشعري وأكد أن سؤالي حول هذا الموضوع ينم عن عدم قراءتي لمشروعه المسرحي. وهو كلام صحيح الى حد كبير وان كنت قرأت قليلاً من هذه الأعمال الا أن الانصراف الحقيقي عن قراءة المسرح الشعري برمته مرجعه قناعة أخرى بعدم جدوى مثل هذا النوع الكتابي، وهو امر لا يخص أبو سعدة وحده ولكنه يخص كل هذا المنجز برمته.
    وقد أصدر أبو سعدة خمس مسرحيات هي ' ليلة السهروردي الأخيرة'، ' حيوانات الليل'، ' مساء ثقيل'، ' روليت عائلي'، ' عندما ترتفع الهارمونيكا'، ' العاب ليلية'. كذلك أصدر عدداً من الدواوين الشعرية منها ' السفر الى منابت الأنهار'، ' الغزالة تقفز في النار'، ' صعوداً الى السهو'، ' جليس لمحتضر'، ' ذاكرة الوعل'، ' مكاشفتي لشيخ الوقت'، وأخيرا ديوانه المتميز الصادر عن دار المحروسة ' سيرة ذاتية لملاك' الى جانب بعض الدواوين الأخرى.
    وهنا نص الحوار:
    شعرية محمد فريد أبو سعدة حققت انتقالات مختلفة بين التفعيلة والنثر. فالمسافة شاسعة تقريباً بين ' الغزالة تقفز في النار' و ' صعوداً الى السهو'. كيف ترى هذه الانتقالات؟
    نعم في تجربتي الشعرية التي بدأت بـ ' السفر الى منابت الأنهار' ولم تنته بعد بـ ' سيرة ذاتية لملاك'، انتقالات مختلفة ويمكن للطائر المحلق أن يرصد هذه الحركة من الديونسيوسية الى الأبولونية في تجربتي، وفي هذا التحول التدريجي تخلت التجربة عن عناصر وابرزت اخرى وان تمسكت على الدوام باللغة الحسية والحبك السردي. لا شك في أن هذا التحول كان قريناً بتحولات الوعي، فاذا كانت مهمة الشاعر ـ فيما مضى ـ هي اكتشاف الانسجام في الفوضى عبر مؤالفة الأصوات كما في الايقاع الخليلي فان مهمة الشاعر الآن ـ فيما أرى ـ لم تعد قاصرة على تجميل العالم أو تسويغه باكتشاف النظام في الفوضى وانما مهمته اكتشاف الفوضى في النظام أي البدء بالعالم كما هو عليه ودون أي تصور مسبق. من خلال هذا الوعي أصبح في امكاني وضع الموسيقى في مواجهة الميلودي ووضع الجموع في مواجهة الجماعة، بجملة واحدة كانت تجربتي تتحرك من مركزية الصوت ومركزية الذات ومركزية الجماعة الإيديولوجية الى تعددية ترفد الصوت بالموسيقى والأنا بالآخر والجماعة بالثقافات المغايرة.
    اعتمدت في البداية لغة خاصة يمكن القبض عليها في القاموس الشعري الصوفي، كانت الذات أكثر تشظياً وكان الشعر كذلك. هل كانت شعريتك تأتي تأسياً بخطى الرواد في هذا السياق لا سيما مطر وادونيس؟ وما هي المؤثرات التي وجهت تجربتك؟
    تخيلت الشعر امرأة تقودني كضرير فأرى ما لا ترون وأسمع ما لا تسمعون. لقد قادتني خلال تجربتي كلها حاستا السمع والبصر وكنت أعتقد أن الشعر تشكيل جمالي للزمن عبر تقطيعه بالصوت، وتشكيل جمالي للمكان عبر الصورة، أي ما يسمي الآن بالسينوغرافيا مضافاً اليها ايقاع الصوت. كنت ارى أن اكتشاف صورة شعرية تزاوج بين الألفة والدهشة والبصر والبصيرة هي مهمة شعرية بامتياز وهي كذلك بالطبع ولكنها لم تعد كل شيء. كنت مولعاً بالسينما بل وحلمت ان أكون مخرجاً فقد سحرتني منذ صباي الباكر بهذه اللغة التي كأنها الخيال دون ترجمة، سحرني الايقاع الذي تمضي به المشاهد: السرعة والبطء، القطع والمزج، القرب والبعد، الصمت والايماءة، الموسيقى والكلام وكان السؤال الذي أرقني منذ بدأت الشعر: هل يمكن للشعر أن يغتني ويتسع عبر هذه الجماليات؟ وكنت رساماً ( تخرجت من كلية الفنون) أحلم بالقصيدة التي تقول نفسها كما تفعل الأيقونة أو كما تفعل لوحة الطبيعة الصامتة دون تعليق يضطر اليه الشاعر فيبدو كلاماً فائضاً عن الحاجة! هذه بعض المؤثرات التي شكلت تجربتي. وفيما يتعلق بالآباء فسوف تجد في قصائدي الأولي صوتي صلاح عبد الصبور وامل دنقل لكن تجربتي كانت قد مضت واسئلتي قد بدأت وازدادت رغبتي في خلوص بيت لي. كان هذا قد حدث عندما قرأت ادونيس ومطر. في حمى البحث عن الهامش التقيت بالنفري والبسطامي والسهروردي وابن عربي وبهرني هذا الشطح الصوفي اذ كان يرفد دراستي للسوريالية بتجليات غير مسبوقة واقدم من الحركة الأوروبية وقد استفدت من الشطح في تشكيل الصورة الشعرية، أما اللغة فأعتقد أنني عبر ميلي الطبيعي للاقتصاد والاحكام وبساطة التركيب كنت أمضي الى المنجم الذي نحتوا منه ولا آخذ ما تساقط منهم!
    انتقلت بعد ذلك الى قصيدة النثر. لا اعرف اذا كان ذلك استفادة من منجزها الجديد أم ان تجربتك ذهبت في سياق تطورها الطبيعي. كيف ترى مشهد قصيدة النثر الآن؟
    في الثلاثينيات من القرن الماضي كان التخلخل الذي أصاب القصيدة العمودية قد أدى في النهاية ـ وعبر ولادة مؤلمة ـ الى ظهور توأمين في وقت واحد هما ( قصيدة التفعيلة) و( قصيدة النثر) ولأن قصيدة التفعيلة تحمل جينات الأب الموروث فقد تم قبولها بعد عنت بينما رفض الاعتراف بقصيدة النثر باعتبارها شعراً لقيطاً! كانت مجلة ' شعر' قد أسست ـ منذ الخمسينيات ـ لهذه القصيدة المتمردة ومع اختفاء المجلة انطلقت اضاءة 77 لتمارس الدور نفسه بل ولتخرج القصيدة من الغيتو اللبناني لتتنفس الهواء تحت سماوات أخرى، أي ان الظهور العلني والواسع لقصيدة النثر حدث سبعيني بالأساس ليس في مصر فقط بل وفي الشعرية العربية كلها منذ اول السبعينيات، وحتى قبل ظهور الجماعات كان شعراء هذا الجيل يكتبون قصيدة النثر، وكان البعض، وأنا منهم، يميلون الى التركيب والمزج بين هيمنة الصوت وهيمنة المشهد. هكذا ببساطة كانت تجربتي تذهب الى البحر عبر تنزهها في النيل!
    أنت احد شعراء ما يسمى بجيل السبعينيات لكنك لم تكن أحد الأسماء الطنانة بحكم عدم وجودك في جماعتين رائجتين هما ' أصوات' و' اضاءة '. كيف ترى المشهد السبعيني الآن وما تمخضت عنه المقدمات النظرية التي سبقته؟
    نعم أنا أحد شعراء جيل السبعينيات في مصر لكنني كنت أكثر تحققا منهم، كنت عضواً في ( جماعة كتاب الغد)، قصائدي تذاع من البرنامج الثاني في عهد بهاء طاهر، وأنشر قصائدي في ملحق ' المساء' الأدبي أيام عبد الفتاح الجمل، ونشرت لي مجلة ' الطليعة' قصيدة ' السفر الى منابت الأنهار' في ملفها الشهير عام 1973 جنباً الى جنب مع عفيفي مطر. كنت معروفاً أكثر، الأمر الذي لم يجعل انضمامي الى مجموعة من الشبيبة أمراً مغرياً، لقد طلبوا مني قصائد لـ ' إضاءة 77' ونشر بعضها بالفعل وكان من الممكن ان احسب على ' أصوات' لو دفعت المئة جنيه التي طلبها عراب الجماعة لإصدار ديواني الأول ولكنني رفضت. لم تكن بياناتهم جديدة بالنسبة إليّ فقد كنت في هذه السنوات أقرأ أصولهم عند ادونيس وحاوي وانسي الحاج والماغوط وجبران كما كنت وما ازال على علاقة وطيدة بأحد آبائهم الروحيين وهو د. عبد المنعم تليمة الذي كان واحداً من مؤسسي ' كتاب الغد'، لقد مر على هذه السبعينيات اكثر من ربع قرن ولم يبق من الدعاوى سوى ما كان تعبيراً حقيقياً عن الروح الجديدة التي زلزلت الشعر وجعلته بالتأكيد غير ما كان عليه قبلنا كما لم يبق تحت خيمة الجماعات سوى آحاد اذا أضفنا اليها فريد أبو سعدة ومحمد صالح أصبحنا امام ستة شعراء هم كل ما تبقى من هذا الجيل. سأستعير جملة من مقال حلمي سالم المنشور في ' الحياة' اللندنية عن ديواني ' جليس لمحتضر': ولكن اولئك الشعراء ـ أنا وآخرين ـ قاوموا العزل خارج الدائرتين، بل كونوا دوائرهم الابداعية التي فرضت نفسها في الساحة الشعرية بجهدهم المتواصل وبتنوع عطائهم الشعري وتجدده في الوقت الذي لم تمنح خيمتا الدائرتين شرعية لبعض المتوسطين الذين انضووا تحت عباءة الجماعات المسلحة.
    يعتقد ستيفن سبندر أن الشعر كان يمثل طفولة البشرية وبدائيتها كذلك فهو موصوم بأنه ضد الحضارة وعليه يتوقع انقراضه.. هل يعزز مثل هذا القول شعار أننا في زمن الرواية ؟
    بالطبع يمكن موافقة ستيفن سبندر اذا ما كان يعني القصيدة البسيطة كالطفولة البشرية لكن الشعر ككائن حي قد طور نفسه ليجابه عالماً معقداً كالذي نعيش فيه وربما ما نراه من هوس التجريب في هذا الفن يكون دلالة على ان الشعر كالانسان يتطور عبر التحدي والاستجابة. بالطبع القصيدة البسيطة هي لحن ـ مهما كان جميلاً ـ لا يملك شيئاً أمام السيمفونية وهي كوخ يبهت امام الكاتدرائية ولكن لماذا لا ننتبه لما يحدث في الشعر الآن. لقد وسع نفسه وأذاب تخومه لتلتقي بتخوم اخرى هي تخوم السينما والمسرح والموسيقى والعمارة؟ لقد وجدت الفنون لتبقى وهي في سبيل البقاء قادرة على القيام بتحولات مدهشة وعليك أن تقرأ ' ذاكرة الوعل' و ' مكاشفتي لشيخ الوقت' بل وحتى ' جليس لمحتضر' لتدرك سعيي لاقتناص العالم والشباك التي أقترحها لذلك. أما عن مسألة زمن الرواية فسوف احيلك الى الكتاب الأول الذي أصدرته سلسلة المحاولات النقدية التابعة لمجلة ' ورشة الرواية' والذي عرضه في ' الحياة' اللندنية محمد برادة وفيه يحاول أكثر من عشرين روائياً الاجابة على سؤال: الرواية لأجل أي شيء؟ وذلك في سياق الرد على من ينظرون لموت الرواية لأنها تغرق في التفاصيل ولا ترتقي الى التعبير عن المطلق!
    كتبت المسرح الشعري في لحظة تراجع فيها حضوره كلياً، هل تعتقد أن اللحظة تقبل بهذه الشعرية الملحمية التي انتهت مع صناعة البطولات التاريخية الأولى وما أسفرت عنه من ملاحم؟
    يبدو أن اعمالي لا تقرأ بشكل جيد، سؤالك ينم عن هذا، فتجربتي مع المسرح مبكرة جداً. مسرحيتي الأولى ـ التي لم تنشر حتى الان ـ انتهيت من كتابتها في 1970 ومسرحياتي الخمس نشرت في 95 و97 مع ان آخرها كتب في 1987 أقول هذا لأؤكد لك أنني لم اكتب في لحظة تراجع حضور المسرح التي هي عليه الآن. هذا من جهة ومن جهة اخرى فان كلامك عن الشعرية الملحمية ينصب في الأساس على مسرحية وحيدة هي ' ليلة السهروردي الأخيرة' التي صدرت عام 2002. ما اود أن أضيفه هو انني في المسرحيات الخمس: ' حيوانات الليل'، ' مساء ثقيل'، ' روليت عائلي'، ' عندما ترتفع الهارمونيكا'، ' ألعاب ليلية'، كنت أختار شخصياتي من الحياة، من المهمشين والمنكسرين، كنت اجرب شعرية جديدة لا تقوم على ما للتاريخ من سحرية جاهزة وانما تقوم على طبيعة الأزمة التي تواجه الانسان هنا والآن، بمعني انني كنت اراهن على اكتشاف الشعري من هذا الجحيم، من كسر الألفة ومن التوتر الناجم عن تعري الشخصيات في مواجهة الآخرين، لكن احداً لم يقرأ بجدية تجربتي في المسرح، ولعلي لا اكون مبالغاً اذا قلت أنها على الرغم من استفادتها من صلاح عبد الصبور الا انها قطعت شوطاً أبعد وفي اتجاه مختلف.
    اقتربت بشكل ما من المؤسسة الثقافية ثم اختلفت معها. بين الاختلاف والاتفاق تكمن أسرار ـ لا شك ـ ما هي وكيف ترى دور المؤسسة الثقافية لدينا؟
    في أوائل السبعينيات كنت في جمعية كتاب الغد وكان شعارها الأساسي ( نحو اتحاد وطني ديمقراطي مستقل للفنانين والكتاب والأدباء) وقد سجن بعض الأعضاء من جراء نضالهم في سبيل ذلك. لكن منذ تولي د. جابر عصفور أمانة المجلس الأعلى للثقافة تحول المجلس الى سرادق هائل يضم كل التيارات الفكرية والسياسية والابداعية، حتى انك قد تتساءل من الذي لم يتعامل مع المجلس؟! لقد رأيت آبائي الروحيين ينخرطون في العمل ولم يكن هناك من يقول قل ولا تقل مما قوّى قناعتي بأننا نمارس دورنا في شروط أفضل، كانت اللجان وهي كثيرة تحتشد بمبدعين حقيقيين بل وتجدد دماءها باختيار أعضاء من أجيال مختلفة. أعرف ان وجود الرموز الكبيرة والشريفة هو تبييض لوجه السلطة ولكن ما الضرر اذا كسبت هي هذا وكسبنا نحن شرطاً أفضل لخطابنا الخاص الذي يناوئ عند الضرورة خطاب السلطة؟! قبلت الدخول في لجنة الشعر عندما رشحني لذلك د. عبد القادر القط وهو لورد ليبرالي جميل. واستمر الأمر حتى اختلف الشرط وحدث الصدام فعندما القى صنع الله ابراهيم بقنبلته وجدت نفسي أكتب اول بيان تأييداً لموقفه النبيل ورحت آخذ توقيعات كل من رأيته من رموز الكتابة في مصر والعالم العربي، ثم ارسلت البيان الى جريدتي ' القدس 'و' الحياة' وغيرهما. كان الحرج الذي وجدت فيه السلطة نفسها والارتباك الذي أذهلها قد أسقطا القناع وأسفرا عن وجه كريه لم تستطع حتى ذلاقة لسان جابر عصفور أن تستدركه أو تقلبه لصالحها بحجج واهية من قبيل: لماذا اذن أخذ جائزة العويس أو لماذا عمل في امريكا؟ فسد العقد منذ هذه اللحظة، اذن اصبح هنا من يقول لنا ( قل ولا تقل) وبعد شهر واحد من هذا الموقف تم تشكيل اللجنة في ميعادها ولم اكن أنا ومحمد بدوي ومحمد عبد المطلب ضمن التشكيل، فقد وضع بدلاً منا كمال نشأت وعبد المنعم عواد يوسف وآخرون، ثم جعلوا الرئاسة لأحمد حجازي الذي انتهي من الشعر منذ اكثر من عشرين عاماً والمناوئ الأول لأوسع التيارات الشعرية المعاصرة حضوراً.
    أظن ان الجيل الذي تنتمي اليه أصبح صاحب شعرية متبلورة الى حد كبير بحكم اعتبارات موضوعية وسنية. ترى ما هي الأسماء التي اسفر عنها هذا الجيل؟ أرجو ان تبرهن على اختيارك؟
    يمكن القول ان اعادة النظر في الرؤى المستقرة وطرح الأسئلة كان الهوس الحقيقي الذي ميز السبعينيين وقادهم الى خلخلة النموذج وهدمه، فعلى مستوى اللغة تم المزج بين الشريف والمبتذل فيها، وعلى مستوى الايقاع تم المزج بين الايقاع الخليلي وموسيقى النثر، وفي البناء تم التخلي عن القصيدة البسيطة لصالح القصيدة المركبة، كل ذلك في اطار رؤية تنتصر للشفاهي والمسكوت عنه أو المحذوف ( لا للعلم به ولكن للخوف منه)! طرح السبعينيون بجرأة مفهوم الشعر نفسه في قصائدهم وهدموا ثنائية الشكل والمضمون اذ صار الشكل معنى في ذاته ومن هنا كان التوسع في التجريب توسعاً في مواءمة القصيدة لوقتها، وحتى القضايا الكبرى تراجعت في المواءمة بين الجمالي والسياسي لتدخل النص من الأبواب الخلفية. بالطبع عرف المشهد الشعري قبل ثلاثين عاماً أكثر من عشرين شاعراً لكن العدد الآن تقلص حتى اصبحنا لا نرى حضوراً سوى لستة شعراء هم: حلمي سالم، رفعت سلام، محمد صالح، محمد سليمان، وعبد المنعم رمضان. وللأسف فإن واحداً أو اثنين من هؤلاء يمكن أيضاً أن يفاجئنا بالتوقف.
    قصيدة النثر الآن اصبحت ملكاً لأجيال مختلفة فهي المنجز المنسوب لرواد وشبان وما بينهما. ترى هل هناك ملامح مختلفة لهذه القصيدة لدى الأجيال المتعاقبة، وما هي مرجعية هذه الاختلافات؟
    التصق بجيل الثمانينات تعبير ظالم هو انه ( جيل مدشوت) وأنه مجرد قنطرة بين السبعينيات والتسعينيات، ربما يعود ذلك الى الصخب الذي صاحب جيلنا واستنسخه التسعينيون، وربما لأن الأعمال الأولى لجيل الثمانينيات لم تكن بالفعل واعدة أو قادرة على طرح جماليتهم بالقوة اللازمة. على أي حال لقد بدأت تتكشف ملامح هذا الجيل مع خفوت صخب التسعينيين ومع تبلور بعض التجارب المميزة بين ابناء هذا الجيل. وفيما يتعلق بقصيدة النثر فقد ساهم السبعينيون في تقديمها وظلت موشومة بانشغالاتنا الجمالية بينما راحت تجعل من نفسها تعبيراً جمالياً عن المهمشين في حياتهم اليومية فقط، وتحذر ـ حذر الموت ـ أن ترتفع بوقائع هذه الحياة الى رؤية أكبر فهي حساسة تجاه الواقع السياسي والاجتماعي للذات، وشيئاً فشيئاً مع التسعينيات راحت تنحو نحو الكوزموبوليتانية والتجرد من خصوصية المكان والزمان حتى يمكن القول انها أصبحت قصيدة طائرة لا خصوصية لها وكأنها استجابة ما لدعاوى العولمة!
    كنت عضواً في لجنة الشعر في المجلس الأعلى للثقافة ـ لكنك لم تقدم المطلوب من شاعر محسوب على الطليعة الشعرية.. ترى ما هي الأسباب وما هو شعورك الآن وأنت خارج اللجنة؟
    أنا شاعر من شعراء الطليعة في هذه اللجنة لكننا كنا محاصرين بشيوخ لم يكتبوا او يقرأوا منذ أكثر من عشرين عاماً. آخر ما يتذكرونه هو امل دنقل الذي قفل على أصابعهم الباب ومضى. ينبغي أن تعرف اننا بذلنا جهداً كبيراً بالفعل لكن الأسوأ ظل مع هذا قائماً. كسبنا معركة التصويت على القرارات لكننا خسرنا معركة عمل مضبطة للجلسات لمعرفة تحفظات أو اعتراضات الأعضاء على هذا الأمر او ذاك مما جعلنا نبدو في عيون الآخرين وكأننا شلة واحدة من البيض الفاسد. هل تدرك اننا استطعنا تغيير ( أو تجميد) نص في اللائحة يجعل بعض الشعراء اعضاء في اللجنة بحكم مناصبهم في جهات أخرى مثلاً كان ابراهيم عيسى دائم العضوية في لجنة الشعر لأنه رئيس ( جمعية شعراء العروبة) وبعد رحيله جاءت نور نافع لتحل محله في اللجنة باعتبارها حلت محله في الجمعية. هل تعلم ان المؤتمر الثاني للشعر العربي لم ينعقد ( وقد لا ينعقد أبداً) لأننا قررنا جائزة قدرها 50 ألف جنيه على غرار جائزة الرواية وقتها، فظل صيادو الجوائز والسفريات من اللجنة يسوفون الامور بحجة أن الجائزة ستذهب الى العرب؟ هل تعرف ان مشاريع كثيرة توقفت لأنها مع التصويت تخسر أمام اغلبية محافظة، مثلاً ترجمة نصوص من الشعر المصري المعاصر بالاتفاق مع دار نشر أوروبية أو اقامة مؤتمر لقصيدة النثر أو اصدار مجلة فصلية عن اللجنة أو ترشيح شعراء من خارج اللجنة لتمثيل الشعر المصري في المهرجانات الدولية؟ لقد كان آخر ما اقترحناه هو ألا يستمر شاعر في اللجنة أكثر من دورة او دورتين لضمان تجديد التمثيل الشعري وطلب بعض الشعراء بالفعل ومنهم بدر توفيق إعفاءه من الدورة القادمة. أعتقد أن تمثيلاً عددياً متساوياً لتيارات الشعر الثلاثة والمواءمة في كل تيار بين الأجيال الفاعلة فيه يمكن أن تكون نقطة البداية في اصلاح جذري للجنة الشعر.

    إذا الشعب يوما أراد الحياة
    فلا بدّ أن يستجيب القــــدر
    و لا بــــدّ لليــل أن ينجلــي
    و لا بـــدّ للقيــد أن ينكسـر
Working...
X