السلام عليكم ورحمة الله
ذكريــــــــاتي
في أحايين كثيرة أغمض عيني وأترك روحي تتجول بي في الماضي البعيد أو القريب، بسرعة البرق تأخذني في جولة عبر الأزمنة والأمكنة وأتخيل نفسي في حوار وجلسة مع أناس كانوا أو لازالوا، وأجد نفسي أضحك من موقف أحدهم.
تأخذني روحي وتطير بي إلى عالم الطفولة والدراسة فأجلس إلى قاعة الدرس وأشارك وأحاول أن أنتبه أكثر لأستاذي حتى لا يفوتني شيء، لكن وشوشات صديقاتي تحيل بيني وبين الفهم حينا والانصات أحيانا.
وبعدها نمشي أنا وهي عبر ممرات سرت فيها يوما فأجلس بعض الوقت تحت الشجرة التي كانت مكاني المفضل للمذاكرة، رغم أن أغلب وقتي يمر في الحديث والضحك مع صديقاتي.
وبعدها نمشي أنا وهي عبر ممرات سرت فيها يوما فأجلس بعض الوقت تحت الشجرة التي كانت مكاني المفضل للمذاكرة، رغم أن أغلب وقتي يمر في الحديث والضحك مع صديقاتي.
تنهض روحي مسرعة وأتبعها طبعا فهي من تعرف الطريق فهذه رواياتها وهي التي تحدد الأمكنة والوقت اللازم للبقاء والرحيل.
تطير بي إلى يوم تخرجي وكم بكيت لفراق أصدقائي وصديقاتي ،كان بكائي له سبب وهو الخوف من عدم رؤيتهم مرة أخرى وهكذا كان، فلم أعد أرى أحدا منهم لكن روحي معي تعيدني دائما إليهم.
أجلس قرب والدي وهو يحتسي فنجان القهوة الصباحي، يطلب مني الصمت لأن هناك إعادة لخطاب الملك يجب أن يتتبعه باهتمام، وعند الانتهاء، أطلب منه أن يشرح لي ماذا فهم من الخطاب فيصمت وكأن على رأسه الطير ولا أسمع له صوتا إلا صوت احتساء القهوة.
وأجدني أقف أمام جثته، مسجى أمامي دون حراك، بعد أن كان يدك الأرض بمشيته وصوته يجلجل من بعيد وكأنه لم يكن يوما.
تمسح روحي عني دمعة حارة نزلت وتضع قبلة على خدي وتشير لي إلى صورة أخرى من صور الماضي الحبيب، صورة سماع بشارة نجاحي في الباكلوريا بعد فقداني الأمل والفرحة العارمة التي أحسست بها والكل يعانقني فقد كانت الباكلوريا عندنا هي حجر العثرة الكبير من اجتازه يرتاح.
أشرد في تفكيري فتربت على كتفي لتعيدني للواقع /الحلم، لأرى نفسي أكتب خطاب حب لأول في حياتي، فأمزقه وأعيد كتابته، أحسست بالخجل وتبسمت هي من خجلي، فذاك الخطاب لم يصل أبدا لصاحبه.
تأخذني روحي بعيدا، إلى ذاك اليوم الذي تقدم لخطبتي ابن عمي وغضب والدي منه فهو يريد لابنته أن تتسلح بسلاح العلم ويكون لها عمل يقيها ذل الحاجة والسؤال ويعطيها قيمة في الحياة.
آه يا والدي كم كانت أحلامك عادية ومشروعة لكنها ولدت في زمن لم تعد فيه الأحلام تجدي نفعا.
أخذتني روحي وطوت بي المسافات، يوم كبرت وتخرجت وجاءني عريس، جاء عندما كان العراق تحت النار وكانت الصدور مشتعلة غضبا وحزنا على عراقنا الحبيب.
حضر العريس، وطلب الرؤية الشرعية، كان أخي يجلس معنا وهو يتحدث وسألته عن العراق، كمحاولة مني زجر الخجل وإبعاده حتى يتسنى لي معرفة هذا الزائر. كانت صدمتي كبيرة، عندما وجدته لا يهتم للأمر وكأن العراق وأهله بلد في كوكب آخر.
ثم بدأ يفرض شروطه مجحفة: لا عمل، لا خروج، لا تلفزيون، لا ، لا، لا...
كان يتحدث وأنا أتذكر رواية نجيب محفوظ " سي السيد والست أمينة" يتحدث بنبرة الواثق، الواثق من أنه وجد أخيرا ضالته ولم يتبق له سوى فرض الشروط.
كنت أنظر إلى أخي فأجد ابتسامة على شفتيه، فهو يعرفني ويعرف تلك النظرة وتلك الشرارة التي انعكست منها، يعرف أنني أكره سي السيد وأكره لعب دور
"الست أمينة" .
"الست أمينة" .
نظر إلي ووجد وجهي يأخذ ألوانا مختلفة فعرف أن الانفجار في الطريق فطلب مني الخروج، وطلب من "سي السيد "أن يعطينا مهلة للتفكير كنوع من الكياسة وحسن الخلق.
عاد العريس مجددا ليأخذ الموافقة، كان يختار دائما الحديث الخطأ والوقت الخطأ فقد جاء في يوم القبض على صدام حسين، كنت في قمة الحزن، ولولا ستر الله وكياسة أخي، لكنت غيرت أحداث رواية نجيب محفوظ بما هو أفظع.
أحست روحي أنني توترت، فرجعت بي إلى طفولتي ولعبي مع صديقاتي ودميتي حسناء والتي كنت أستمتع بتمشيط شعرها في كل ساعة وحين حتى جعلتها
" صلعاء" ضحكت كثيرا من ذاك المشهد، مشهد دميتي الحسناء ذات الشعر الذهبي الذي لم تنعم به طويلا.
" صلعاء" ضحكت كثيرا من ذاك المشهد، مشهد دميتي الحسناء ذات الشعر الذهبي الذي لم تنعم به طويلا.
لا أعرف لماذا كلما أشتري دمية وأمشطها تفقد شعرها، رغم أننا لم نكن نعرف بعد السلع الصينية التي عاثت في أسواقنا فسادا.
تذكرت يوم علمت بمرض والدتي بداء السرطان والحزن الشديد الذي ألم بي، والخوف الشديد عليها من قدرالله ولن أنسى ذاك الطبيب الذي وضع يده على كتفي وبدأ في قول حديث ربما قاله آلاف المرات وكأنني أسمعه للمرة الأولى في حياتي
" الأعمار بيد الله"
وليس المرض من بيده أرواح الخلائق.
" الأعمار بيد الله"
وليس المرض من بيده أرواح الخلائق.
كنت أقاطعه وأقول أنه "سرطان" فكان يطمئنني ويقول أنه أصبح يعالج ولم يعد بالمرض الخطير. وهذا ما فهمت بعد مكوثنا أنا ووالدتي في المستشفى لشهور ولله الحمد والمنة فقد تجاوزنا المرحلة معا وبسلام.
أخذتني روحي في زورق عبر بحار من الذكريات المفرحة حينا والمحزنة أخرى، لكن الوقت حان لأرجع للواقع و أصحو من شرودي رغم أنني أتمنى أن أبقى بعيدة عنه.
لكن لكل رحلة بداية ونهاية حتى ولو كانت مجرد جولات قصيرة في عالم الذكريات
Comment