Announcement

Collapse
No announcement yet.

محمد عفيفي مطر.. الشعر يحفظ الحياة من الانحلال في الموت

Collapse
X
 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts

  • محمد عفيفي مطر.. الشعر يحفظ الحياة من الانحلال في الموت



    محمد عفيفي مطر.. الشعر يحفظ الحياة من الانحلال في الموت



    من ينبوع لغوي فلسفي كان يكتب قصيدته، قصيدة تجيء بعد عملية احتراق لم يحترق أحدٌ كما احترق هو فيها. لأنَّه لا يريد أن يكرِّر الكلام، لا يريد الكلام أن يُسجن في اللغة؛ يُسجن في الجسد، لا يريد أن تُسجن الحواس في الجسد. فماذا نفعل في الجسد إذا سجنَّا الحواس فيه؟؟؟ ماذا نفعل في الساكن؛ في الشكل إذا سكنَ المتحرِّك سكنَ المعنى؟.
    في حياته عاشَ النبذَ والعزل والإقصاء لأنَّ شعره شعر معرفة؛ شعرٌ فيه كشفٌ ومعاينة، فالرجل سيِّد فكره لا ينحني ولا يجثو على ركبتيه رغم قوِّة وفجائعية الكارثة التي تعيش في أعماقه. محمد عفيفي مطر شاعر ليس كأيِّ شاعر وإن جاء إلى الشعر من جبال الحكمة والفلسفة الباردة، لأنَّه كان يكتب قصيدته في لحظات الصحو العقلي وليس الخدر وإن أثقل ذلك على حواسه، لأنَّه كيف يطفئ نيران أفكاره المتصاعدة؟ كيف يلغي حضوره المعرفي والوجودي؟ كيف يتجاوز النفي؟ كيف لاتكون القصيدة امتداداً لكيانه فيكون وليس لا يكون، يُبدع ذاته كما يبدع قصيدته. ‏
    البدايات ‏
    من يقرأ شعره منذ ديوانه الأوَّل «من دفتر الصمت» 1968 فـ«الجوع والقمر» 1972 وكلاهما صدرا أوَّل ما صدرا في دمشق وليس في القاهرة، وحتى ديوانه «احتفاليات المومياء المتوحشة» 1992، والذي كتبه إثر خروجه من السجن إلى آخر قصيدة كتبها.. هو مع شعر يحرِّر الفكر من قمع القامع وبطش الباطش: (الحق قد يقال مرتين: /فمرة يقوله العراف/ ومرة يقوله السياف). مع شعرٍ مضاد للرومانسية ومضاد للعواطف، مضاد لإحراق العقل في أتون الشعور، مع إنَّه صاحب قلب لايتوقَّف عن الحب. فالعواطف في هدوئها أو في ثورانها لاتبدع إلا عماء القوى، فلا نرى مانرى مع أنَّ لاشعر إلا في استثارة واستفزاز العاطفة. لذا سنقرأ عواصف جنونية في شعره قد تشيلنا وتطير بنا فنصاب بالتهاب الشعر؛ بحمىَّ الشعر. ‏
    محمد عفيفي مطر كان يكتبُ- كتبَ شعره بحدسٍ ورؤية نبوئيتين، لأنَّه كان يكتبُ، كان يشعرُ عن حدس الصيرورة؛ عن حدس التكوُّن. فالشعر يحفظ الحياة من الانحلال في الموت، والشعر وحده وليس الرواية أو المسرح هو من ينقذ ماهو مقدَّس فينا فلا نموت، لأنَّه من بين كل الآداب يتحوَّل إلى روح، روح تحوِّل الوجود كلَّه إلى شعر فيموت ما يفنى وينبعث ما يبقى. ‏
    شعر ومعرفة ‏
    عفيفي مطر حامل شعرٍ ومعرفة؛ شعر لا يمكن تسكينه ولا يمكن تدجينه، ومعرفة لا ثبات لها لأنَّها معرفة مكاشفة ومحاككة. لذا نرى طاقة الوجد عنده لا حدود لها، فنرى الحزن وقد صارت شظاياه تعرج معرفة- حزن ولكن من فولاذ بالغ القسوة، قسوة الأصدقاء الذين خانوه، قسوة الجثث الشعرية والنقدية والروائية والفكرية التي كانت تحيط به، تحيط بنا وهي مصابة بعماء الحواس فتتصدَّر المشهد الثقافي. جثثٌ لعبيدٍ وليس سادة يدخلون معه في صراعٍ رهيب ليقتلوا فيه قوَّة زحف الشعر، قوَّة زحف الدراما، قوَّة زحف الإبداع فلا يحقِّق تلك الذروة البطولية ذاك السمو الجليل، فيطردونه- يودون أن يغتالوه ليتخلَّصوا من عبقريته.خبثٌ وحقد ونكران للشموخ والبطولة ليعيش في عزلةٍ، عزلةٍ مقدَّسة؛ فهو الرجل الغريب- لكن بعظمة حدسه المفعم حماسة للحرية وللشعر فإما أبيض أو أسود، إما مستقيماً أو معوجاً، فالشاعر يريد أن يعيش حياة لا نهائية - ليس الخلود، ولكن أن يعيش الحياة بكبرياء، أن يعيش الفكر شعراً خالصاً، وأن يعيش الشعر فكراً خالصاً فهل بلَّغ؟. ‏
Working...
X