قصة ( مصلحة ) - بقلم: نبيه إسكندر الحسن
مصلحة
استيقظت مع زقزقة عصافير الفجر ، كانت مصممة على قرار لا تحيد عنه قيد أنملة ، غير حافلة بالمخاوف ، مادام والدها يدرأ عنها الأخطار ، تأتى لسمعها سعال شديد ، بعث الرعب في قلبها ، ولجت الغرفة ألقت تحية على والدها وسألته :
- خير إن شاء لله .
- لا شيء ...نوبة سعال ستزول .
رحلت بأفكارها بعيدا ، وكم تمنت لو كانت صديقتها معها لتخلصت من توتر شديد . فجأة ظهرت الشمس من خلف الأفق لتشعل الدفء في أرجاء الكون ، نظرت إلى ساعة الجدار ،كانت العقارب تزحف بشكل رتيب ،تهلل وجهها بالفرح حين أعلن المنبه وتوقفت العقارب على الرقم التاسع بينما عقرب الثواني مازال يثب بجنون لا مثل له ، ودعت والدها واندفعت إلى الشارع ، سارت بخطى حثيثة حتى كراج الحافلات ، صعدت إلى جوف الحافلة ، كان المعاون ينادي :
- راكب واحد عالشام .
جلست في المقعد ، أحست بأن المسافة تتقلص ، هاهي داخل الحافلة التي ستشق عباب الهواء وتطوي الطريق طيا بغية أتصل إلى محافظة دمشق حيث يقيم عمّها مع عياله ، منذ أيّام وعدت ابنة عمّها أن تقضي أسبوعا من العطلة الصّيفيّة في ضيافتهم ، كان مقعدها وراء امرأتين في عقدهما الرّابع ، أدركت من خلال حديثهما أنّهما مثقفتان ، سألت إحداهما صديقتها :
- ثمة حادثة مؤثرة في صفحة مجتمع
- لا ...أين؟..
- في صحيفة يوم الأمس ؟
- ما الخبر ؟.
ـ تنوّيه عن فتاة من أسرة فقيرة تربو على عشرة أنفار .
- ما الحكاية ؟.
-أصرّت الفتاة أن تساعد والدها الّذي كان ينتزع اللقمة الشّريفة من عرق جبينه.
- حسنا .
كانت المرأة المتحدثة تعرف الموظفة عن كثب منذ مدة تعينت في دائرة حكوميّة مرموقة ، هي شريفة نزيهة ، يبدو أنّها كانت تحذو حذو والدها ، لا تقبل الرّشوة ، و تعمل بكلّ ما يمليه عليها الواجب ، حضر تاجر من محافظة أخرى لإلى الدائرة بصدد العمل ، تربطه المصلحة بهذه الدائرة ، بذل جهدا كبيرا لإغرائها، وحين نال إعجابها قالت لنفسها : " مال ... عزّ .... جاه .... جمال " .
كان يتردد إلى مكتبها , كلما سنحت له الفرصة حتى اشتدت بينهما عرى الصداقة , طلب منها أن تقبل دعوته إلى غداء في مطعم راق ، ودون تردد لبّت دعوته ، وبعد وجبة الطّعام , قدّم لها هديّة ثمينة و مبلغ من المال كدفعة أولى من نفقات الزّواج إذا ما لبّت طلبه .
قاطعتها صديقتها :
ـ ما قصدك ؟...
- عروض مناقصة ...
- هل وافقت ؟
-أجل... اتّصل معها هاتفيّاً إلى البيت لكي تعطيه الأسعار، استجابت لطلبه ... وفي اليوم التالي رست عليه المناقصة .
في ذات اليوم سألته الفتاة :
- ( متى ستطلب يدي من أهلي ) ؟.
- لقد عدلت عن فكرة الزواج ...
- علام ؟.
- لا ...لا أريد لامرأة تتحكم بحياتي .
أجابته :
- و عروض المناقصات ؟
ـ الأمر بسيط .
ضغط على كبسة المحمول ،سمعت الحوار الذي دار بينهما بخصوص أسعار العروض.
بادلته نظرات استفسار ، اندمجت حرارة قلبها بالألم ، نفذت إلى رأسها شعرت بدوار ، هوت على الأرض ، تفجر الدم من انفها ليرسم دبلة حمراء .
مصلحة
استيقظت مع زقزقة عصافير الفجر ، كانت مصممة على قرار لا تحيد عنه قيد أنملة ، غير حافلة بالمخاوف ، مادام والدها يدرأ عنها الأخطار ، تأتى لسمعها سعال شديد ، بعث الرعب في قلبها ، ولجت الغرفة ألقت تحية على والدها وسألته :
- خير إن شاء لله .
- لا شيء ...نوبة سعال ستزول .
رحلت بأفكارها بعيدا ، وكم تمنت لو كانت صديقتها معها لتخلصت من توتر شديد . فجأة ظهرت الشمس من خلف الأفق لتشعل الدفء في أرجاء الكون ، نظرت إلى ساعة الجدار ،كانت العقارب تزحف بشكل رتيب ،تهلل وجهها بالفرح حين أعلن المنبه وتوقفت العقارب على الرقم التاسع بينما عقرب الثواني مازال يثب بجنون لا مثل له ، ودعت والدها واندفعت إلى الشارع ، سارت بخطى حثيثة حتى كراج الحافلات ، صعدت إلى جوف الحافلة ، كان المعاون ينادي :
- راكب واحد عالشام .
جلست في المقعد ، أحست بأن المسافة تتقلص ، هاهي داخل الحافلة التي ستشق عباب الهواء وتطوي الطريق طيا بغية أتصل إلى محافظة دمشق حيث يقيم عمّها مع عياله ، منذ أيّام وعدت ابنة عمّها أن تقضي أسبوعا من العطلة الصّيفيّة في ضيافتهم ، كان مقعدها وراء امرأتين في عقدهما الرّابع ، أدركت من خلال حديثهما أنّهما مثقفتان ، سألت إحداهما صديقتها :
- ثمة حادثة مؤثرة في صفحة مجتمع
- لا ...أين؟..
- في صحيفة يوم الأمس ؟
- ما الخبر ؟.
ـ تنوّيه عن فتاة من أسرة فقيرة تربو على عشرة أنفار .
- ما الحكاية ؟.
-أصرّت الفتاة أن تساعد والدها الّذي كان ينتزع اللقمة الشّريفة من عرق جبينه.
- حسنا .
كانت المرأة المتحدثة تعرف الموظفة عن كثب منذ مدة تعينت في دائرة حكوميّة مرموقة ، هي شريفة نزيهة ، يبدو أنّها كانت تحذو حذو والدها ، لا تقبل الرّشوة ، و تعمل بكلّ ما يمليه عليها الواجب ، حضر تاجر من محافظة أخرى لإلى الدائرة بصدد العمل ، تربطه المصلحة بهذه الدائرة ، بذل جهدا كبيرا لإغرائها، وحين نال إعجابها قالت لنفسها : " مال ... عزّ .... جاه .... جمال " .
كان يتردد إلى مكتبها , كلما سنحت له الفرصة حتى اشتدت بينهما عرى الصداقة , طلب منها أن تقبل دعوته إلى غداء في مطعم راق ، ودون تردد لبّت دعوته ، وبعد وجبة الطّعام , قدّم لها هديّة ثمينة و مبلغ من المال كدفعة أولى من نفقات الزّواج إذا ما لبّت طلبه .
قاطعتها صديقتها :
ـ ما قصدك ؟...
- عروض مناقصة ...
- هل وافقت ؟
-أجل... اتّصل معها هاتفيّاً إلى البيت لكي تعطيه الأسعار، استجابت لطلبه ... وفي اليوم التالي رست عليه المناقصة .
في ذات اليوم سألته الفتاة :
- ( متى ستطلب يدي من أهلي ) ؟.
- لقد عدلت عن فكرة الزواج ...
- علام ؟.
- لا ...لا أريد لامرأة تتحكم بحياتي .
أجابته :
- و عروض المناقصات ؟
ـ الأمر بسيط .
ضغط على كبسة المحمول ،سمعت الحوار الذي دار بينهما بخصوص أسعار العروض.
بادلته نظرات استفسار ، اندمجت حرارة قلبها بالألم ، نفذت إلى رأسها شعرت بدوار ، هوت على الأرض ، تفجر الدم من انفها ليرسم دبلة حمراء .