قصة ( يقظتي ) - بقلم : نبيه إسكندر الحسن
يقظتي
تجوّلت في أنحاء الحديقة ثمّ عادت إلى غرفة والدها ، أخذت تبحث عن كتاب ، تعودت أن تقرأ كتاباً قبل النوم، كان والدها مسؤولاً عن يقظتها الذهنيّة حين قال :
- يا بنيّتي حان الوقت .
أدركت ما رمى إليه , لقد أخذت نصيبها من قراءة القصص التي وجدتها في مكتبة والدها، ما تأخّرت قطّ .... لأنّها وجدت أنّ الوقت ثمين جدّاً ، عليها أن لا تضيّع دقيقة دون فائدة .
سحرتها الفكرة ، جعلتها أكثر طموحاً ، عرفت أنّ الفكرة تستحقّ الاهتمام ، و وجدت في الكتابة طريقاً ينير غياهب الظلام ، شعرت بشيء من السّرور ، رغم أنّ محاولاتها الكتابيّة لم تجد طريقاً للنشر ، لكنّها لم تشعر بالخيبة ، كانت تسأل والدها :
- ما رأيك بهذه النصوص؟
- رائعة ....
حاولت أن تسلك الطريق الذي سلكه . لقد قضى جلّ سنوات عمره في القراءة ، و لم ينسَ حصّة الرّياضة عند الصّباح ، و لأنّه كان مسؤولاً عن يقظتها الذهنيّة ، هرعت إليه ، وقفت أمامه بضع دقائق لم تقل شيئاً ، كان يجلس في شرفة تطلّ على النّهر ، حين أطالت النّظر إليه ، تأمّلها مليّاً ثمّ سألها :
- ما وراءك ؟
- جئت أسألك متى بدأت الكتابة ؟
- قرأت عشرات الكتب ... و كنت أتحرّق لهفة بحثاً عن كتاب يستحقّ القراءة .
حدّقت إليه من أعلاه إلى أسفل قدميه وقالت :
- و أنا قرأت اثني عشر كتاباً و اثنتي عشرة قصّة .
هزّ رأسه قائلا :
- حسناً .
ظهر على وجهه السّرور, نهض وربّت على كتفها , ثمّ دلف إلى حديقة البيت قصد شجرة الياسمين, جلس في ظلّها , وطلب منها أن تعدّ له فنجانا من القهوة , زحف دخان اللفافة على امتداد شجرة تمشطّّها أشعّة الشّمس , وقفت أمامه , لم تنبس بحرف , فلم تعكّر صفوه, هذه الدّقائق يقضيها بالتفكير, ضاقت ذرعاً , زحمت الأسئلة مخيّلتها , فلم تستطع كبح جماح نفسها : " سأصرح بما يجول في داخلي".
حشدت كلّ قواها , وبصوت خافت سألته:
- هل قضيت معظم أوقاتك في المطالعة؟
- لا.. كلّ شيء في وقته جميل .
- لم أفهم.
- يا بنيّتي ثمّة وقت للرياضة , ووقت للمطالعة , وساعات للراحة معكم.
أخذت بحكمته وتنبّهت للأمر, ووضعت برنامجاً جديداً , بعث في مخيّلتها شيء جعلها تستغل كلّ دقيقة تملؤها فائدة , وترجع في المسائل الصّعبة إلى من يحطها بعطفه , ومعرفته. وهكذا مرّت الأيّام .... وذات ليلة غالبها النوم, شعرت أنّ بحراً من أفكار يصطخب في مخها , وثمّة أحرف تصرخ في أذنيها كنبوءة , كانت في شوق للكتابة , وكان قلبها يخفق بنصائح والدها , من خلاله عرفت كيف تستطيع أن توسّع مداركها , فجأة كانت تلعب على شاطئ البحر تراءى لها والدها على متن مركب يصارع الأمواج , شعرت بخوف شديد ، صلّت لأجله , فجأة تحطّم المركب , وأصبح والدها في عرض البحر, يصارع الموت , ثمّة موجة حملته إلى شاطئ الأمان , كفّ قلبها عن خفقان مؤلم , وتنفست ملء رئتيها , واندفعت إليه ، ارتطم رأسها بالجدار, دعكت عينيها, والتفت يميناً وشمالاً , ضحكت من الخوف , وهرعت إلى غرفته , كان يجلس على الكرسيّ , يحبّر خاتمة نصّ لتوّه , وأمامه فنجان القهوة , تركت صورته في نفسها أجمل انطباع , قبّلته على جبينه, وقصصت عليه الحلم.
ربّت على كتفها وقال :
- أسرعي اكتبيه إنّه باكورة أعمالك..
يقظتي
تجوّلت في أنحاء الحديقة ثمّ عادت إلى غرفة والدها ، أخذت تبحث عن كتاب ، تعودت أن تقرأ كتاباً قبل النوم، كان والدها مسؤولاً عن يقظتها الذهنيّة حين قال :
- يا بنيّتي حان الوقت .
أدركت ما رمى إليه , لقد أخذت نصيبها من قراءة القصص التي وجدتها في مكتبة والدها، ما تأخّرت قطّ .... لأنّها وجدت أنّ الوقت ثمين جدّاً ، عليها أن لا تضيّع دقيقة دون فائدة .
سحرتها الفكرة ، جعلتها أكثر طموحاً ، عرفت أنّ الفكرة تستحقّ الاهتمام ، و وجدت في الكتابة طريقاً ينير غياهب الظلام ، شعرت بشيء من السّرور ، رغم أنّ محاولاتها الكتابيّة لم تجد طريقاً للنشر ، لكنّها لم تشعر بالخيبة ، كانت تسأل والدها :
- ما رأيك بهذه النصوص؟
- رائعة ....
حاولت أن تسلك الطريق الذي سلكه . لقد قضى جلّ سنوات عمره في القراءة ، و لم ينسَ حصّة الرّياضة عند الصّباح ، و لأنّه كان مسؤولاً عن يقظتها الذهنيّة ، هرعت إليه ، وقفت أمامه بضع دقائق لم تقل شيئاً ، كان يجلس في شرفة تطلّ على النّهر ، حين أطالت النّظر إليه ، تأمّلها مليّاً ثمّ سألها :
- ما وراءك ؟
- جئت أسألك متى بدأت الكتابة ؟
- قرأت عشرات الكتب ... و كنت أتحرّق لهفة بحثاً عن كتاب يستحقّ القراءة .
حدّقت إليه من أعلاه إلى أسفل قدميه وقالت :
- و أنا قرأت اثني عشر كتاباً و اثنتي عشرة قصّة .
هزّ رأسه قائلا :
- حسناً .
ظهر على وجهه السّرور, نهض وربّت على كتفها , ثمّ دلف إلى حديقة البيت قصد شجرة الياسمين, جلس في ظلّها , وطلب منها أن تعدّ له فنجانا من القهوة , زحف دخان اللفافة على امتداد شجرة تمشطّّها أشعّة الشّمس , وقفت أمامه , لم تنبس بحرف , فلم تعكّر صفوه, هذه الدّقائق يقضيها بالتفكير, ضاقت ذرعاً , زحمت الأسئلة مخيّلتها , فلم تستطع كبح جماح نفسها : " سأصرح بما يجول في داخلي".
حشدت كلّ قواها , وبصوت خافت سألته:
- هل قضيت معظم أوقاتك في المطالعة؟
- لا.. كلّ شيء في وقته جميل .
- لم أفهم.
- يا بنيّتي ثمّة وقت للرياضة , ووقت للمطالعة , وساعات للراحة معكم.
أخذت بحكمته وتنبّهت للأمر, ووضعت برنامجاً جديداً , بعث في مخيّلتها شيء جعلها تستغل كلّ دقيقة تملؤها فائدة , وترجع في المسائل الصّعبة إلى من يحطها بعطفه , ومعرفته. وهكذا مرّت الأيّام .... وذات ليلة غالبها النوم, شعرت أنّ بحراً من أفكار يصطخب في مخها , وثمّة أحرف تصرخ في أذنيها كنبوءة , كانت في شوق للكتابة , وكان قلبها يخفق بنصائح والدها , من خلاله عرفت كيف تستطيع أن توسّع مداركها , فجأة كانت تلعب على شاطئ البحر تراءى لها والدها على متن مركب يصارع الأمواج , شعرت بخوف شديد ، صلّت لأجله , فجأة تحطّم المركب , وأصبح والدها في عرض البحر, يصارع الموت , ثمّة موجة حملته إلى شاطئ الأمان , كفّ قلبها عن خفقان مؤلم , وتنفست ملء رئتيها , واندفعت إليه ، ارتطم رأسها بالجدار, دعكت عينيها, والتفت يميناً وشمالاً , ضحكت من الخوف , وهرعت إلى غرفته , كان يجلس على الكرسيّ , يحبّر خاتمة نصّ لتوّه , وأمامه فنجان القهوة , تركت صورته في نفسها أجمل انطباع , قبّلته على جبينه, وقصصت عليه الحلم.
ربّت على كتفها وقال :
- أسرعي اكتبيه إنّه باكورة أعمالك..