Announcement

Collapse
No announcement yet.

قصة ( فيض من خداع ) - بقلم :عفراء نبيه إسكندر الحسن

Collapse
X
 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts

  • قصة ( فيض من خداع ) - بقلم :عفراء نبيه إسكندر الحسن

    قصة ( فيض من خداع ) - بقلم : نبيه إسكندر الحسن


    فيض من خداع
    وقفت على الرّصيف أنتظر الحافلة الّتي ستنقلني إلى حيّنا ... كان الرّصيف مكتظّاً ، لم أدر كيف لفت انتباهي رجل أشعث.... متهدّل الشّاربين ، يرتدي ثياباً رثّة ، كان ينظر إلى بائع الفول و هو يبتسم ابتسامة ماكرة و عيناه تحدّقان في صحن الفول .
    مدّ يده إلى جيبه ، أخرج قطعة من النّقود ، نظر إليها مليّاً ثمّ أعادها إلى جيبه ، كرّر هذه الحركة عدّة مرّات ، و بقي لدقائق لم يصرف عينيه عن حبّات الفول ، كان شديد الحيرة فيما ينبغي أن يفعله ، فقال للبائع بلهجة مازحة :
    - من فضلك .... معدتي تقرقر .
    - أهلاً بك ...
    ناوله صحناً من الفول .
    نظر إلى حبّات الفول طويلاً ، تناول حبّة ، نظر إليها ثمّ التفت يميناً و شمالاً قبل أن يضعها في فمه ، وأخذ يمضغها بهدوء ، و بدا مهموماً مضطرباً و هو يلتفت حوله ، وحين جاء على آخر حبّة من الفول ، أخرج قطعة نقود بيد مرتجفة ، و قبل أن ينقدها للبائع أيقظه صوت أحدّ أصحابه . ما إن وقع بصره على صاحبه حتّى وثب إليه و أخذه بين ذراعيه و قال :
    - جئت في الوقت المناسب ، ما رأيك بصحن من الفول ؟
    ردّ عليه صاحبه :
    - لا .... شكراً .
    - إنّ ذلك غير ممكن ... أتسمع ؟
    أخذ الرّجل يشرح فوائد الفول لصاحبه حتّى استجاب لطلبه ... فأسرع الرّجل و طلب من البائع صحنين ، فأقبل الرّجل مع بسمة على الشّفتين وراح يتناول الفول على مهل خشية أن تتحوّل دعوته إلى مشكلة لا يحمد عقباها و أخذ يطيل النّظر إليه ، كان صاحبه بهيئة عدم اكتراث وهو يتناول الفول حتّى جاء على آخر حبّة في صحنه ، و لأنّه كان على عجل من أمره .... حمد ربّه و أنقد البائع ثمن صحنين من الفول ، وهمّ بالانصراف قال الرّجل الأشعث:
    ـ لا تنسى أنّ تعطيه ثمن الصّحن الأوّل .
    و قبل أن ينصرف تأمّل كلّ منهما الآخر و هما يفكّران بأشياء عميقة ، توارى صاحبه مهتاجاً ، فأسرع الرّجل و تناول الفول بشراهة و هو يسرّ لنفسه : " هكذا يفعل الأذكياء .... و إلاّ من أين لي أن أجمع النّقود " !
    حملت تصرفه على محمل الجدّ ، و أخذت أطيل النّظر إليه و قلت لنفسي : " إنّه رجل فقير " .
    قبل أن أصل إليه عبر الشّارع ، كنت شديدة الحيرة فيما ينبغي أن أفعله ، فلم أدر كيف اقتفيت أثره ، و رأيته يدخل داراً واسعة ، تريّثت قليلاً و قلت في نفسي : " لعلـّه دخل على صاحب الدّار يستجديه ".
    هرعت إلى حانوت مجاور و سألته عن الرّجل الّذي خرج من الحانوت لتوّه :
    - أرجوك أن تعطيه هذا المبلغ .
    سألني البقـّال :
    - هل أنت دائنة ؟
    - لا ... إنّه رجل فقير .... هذا كلّ ما في الأمر .
    انفجر الرّجل ضاحكاً .... تفل جانباً و قال :
    - يا بنيّتي .... إنّ الّذي أثار شفقتك يملك ثلاث عمارات غير هذه الدّار الواسعة ، أمّا أمواله في البنوك فلا تعدّ و لا تحصى .
    ضحكت من كلّ قلبي .... لفّـتني الحيرة فيما ينبغي أن أفعل ، فتركت نفسي على سجيــّتها و قلت : " هذا ضرب من فيض من خداع " .
Working...
X