قصة ( وجل ) - بقلم : نبيه إسكندر الحسن
وجل
طفلة نشيطة متفوقة على أقرانها ، طوت ربيعها الخامس ، تحبّ حكايات والدها عن أزهار المروج و النّحل و الفراشات ، ترى في شخص والدها أسطورة ، كانت تطوّقه بذراعيها ، وتهدأ حين يقصّ عليها حكايات من العالم ، تنظر في وجهه بعينين زرقاوين كماء البحر في أيّام الرّبيع ، دخلت عليه مكفهرّة الوجه على هدبها لؤلؤتان ، سألته بلهجة طفليّة :
- حقّاً يا بابا ؟
أجهشت بالبكاء ، قبّل خدّها و مسح على شعرها الأشقر الّذي بدا كسنابل قمح قائلاً :
- نعم يا عينيّ بابا .
صمتت مليّاً ثمّ قالت :
- ما هو السّاد ؟
- عرف ما يجول بخاطرها ، حاول أن يخفف عنها الخوف ، أمسكها من ذراعيها ، رفعها إلى كتفه و راح يضحك كعادته من أجل أن يعيد البسمة إلى وجهها الجميل ، و ربّما ليؤكّد لها بأنّه يتمتّع بالبصر على عكس ما وصفه خالها الخسيس ، و قبل أن تنطق بالأمر قال :
- يا بنيّتي لا تخافي .
- إنّه أخبرني بثقة .
- ليس هو أكثر من غرّ ... و لا يرى أبعد من أنفه . هؤلاء كثر ... إنّهم خفافيش الّليل.
- لم أفهم .
- لا يظهرون إلاّ في الظّلمة .
شعر من ملامح وجهها أنّها صدّقته و عادت إلى سرورها ، و طلبت منه أن يقصّ الحكايات كعادته ، فاستجاب لها و أخذ يقصّ عليها حكاية نسجها من بنات أفكاره فقال :
ذات يوم حلم أنّ المبشّر جاءه في المنام فسأله :
- من أنت ؟
- أريد مصلحتك ... لكن إيّاك أن تخبر أي إنسان بالأمر .
فجأة رسم بمخيّلته صورة المبشّر ، تراءى له كصورة تطلّ من القمر ، يشعّ النّور من وجهه ، قامته معتدلة ، عيناه بلون الرّبيع ، كان يحمل بأصابعه ( مشرطاً ) دقيقاً حادّا ، يرتدي ثياباً بيضاء فضفاضة ، تعجّب الرّجل لرؤيته فسأله :
- من تكون يا سيّدي ؟
- إبراهيم .
- يا إلهي ! .... أيكون هو ؟ كلّ شيء يؤكّد ذلك ، تبدو على سحنته مكارم الأخلاق .
- لم يكن يدري الرّجل أنّه أخلد إلى النّوم من تأثير زرقة المخدّر في غرفة العمليّات ، و أيّ مكان نظيرها في مثل هذه السّويعات حين يستلقي المرء على سرير حوله اليمامات البيضاء ، يرتجف خوفاً من مشارطها ، لكنّه يهدأ حين يسري المخدّر في عروقه ـ فلا يحسّ بشيء ، هذا ما حدث للرجل ، لم تمض إلاّ ساعات قليلة حتّى يستيقظ على ابتهال زوجه و أولاده يدعون له بالشفاء ، و فجأة فتح عينيه فلم ير أحداً ، و في اليوم التّالي جاء المنقذ و نزع العصبة عن عيني الرّجل ، فصفّق فرحاً حين أى الصّور واضحة فقال :
- يا لسليمان الحكيم ! ...
وجل
طفلة نشيطة متفوقة على أقرانها ، طوت ربيعها الخامس ، تحبّ حكايات والدها عن أزهار المروج و النّحل و الفراشات ، ترى في شخص والدها أسطورة ، كانت تطوّقه بذراعيها ، وتهدأ حين يقصّ عليها حكايات من العالم ، تنظر في وجهه بعينين زرقاوين كماء البحر في أيّام الرّبيع ، دخلت عليه مكفهرّة الوجه على هدبها لؤلؤتان ، سألته بلهجة طفليّة :
- حقّاً يا بابا ؟
أجهشت بالبكاء ، قبّل خدّها و مسح على شعرها الأشقر الّذي بدا كسنابل قمح قائلاً :
- نعم يا عينيّ بابا .
صمتت مليّاً ثمّ قالت :
- ما هو السّاد ؟
- عرف ما يجول بخاطرها ، حاول أن يخفف عنها الخوف ، أمسكها من ذراعيها ، رفعها إلى كتفه و راح يضحك كعادته من أجل أن يعيد البسمة إلى وجهها الجميل ، و ربّما ليؤكّد لها بأنّه يتمتّع بالبصر على عكس ما وصفه خالها الخسيس ، و قبل أن تنطق بالأمر قال :
- يا بنيّتي لا تخافي .
- إنّه أخبرني بثقة .
- ليس هو أكثر من غرّ ... و لا يرى أبعد من أنفه . هؤلاء كثر ... إنّهم خفافيش الّليل.
- لم أفهم .
- لا يظهرون إلاّ في الظّلمة .
شعر من ملامح وجهها أنّها صدّقته و عادت إلى سرورها ، و طلبت منه أن يقصّ الحكايات كعادته ، فاستجاب لها و أخذ يقصّ عليها حكاية نسجها من بنات أفكاره فقال :
ذات يوم حلم أنّ المبشّر جاءه في المنام فسأله :
- من أنت ؟
- أريد مصلحتك ... لكن إيّاك أن تخبر أي إنسان بالأمر .
فجأة رسم بمخيّلته صورة المبشّر ، تراءى له كصورة تطلّ من القمر ، يشعّ النّور من وجهه ، قامته معتدلة ، عيناه بلون الرّبيع ، كان يحمل بأصابعه ( مشرطاً ) دقيقاً حادّا ، يرتدي ثياباً بيضاء فضفاضة ، تعجّب الرّجل لرؤيته فسأله :
- من تكون يا سيّدي ؟
- إبراهيم .
- يا إلهي ! .... أيكون هو ؟ كلّ شيء يؤكّد ذلك ، تبدو على سحنته مكارم الأخلاق .
- لم يكن يدري الرّجل أنّه أخلد إلى النّوم من تأثير زرقة المخدّر في غرفة العمليّات ، و أيّ مكان نظيرها في مثل هذه السّويعات حين يستلقي المرء على سرير حوله اليمامات البيضاء ، يرتجف خوفاً من مشارطها ، لكنّه يهدأ حين يسري المخدّر في عروقه ـ فلا يحسّ بشيء ، هذا ما حدث للرجل ، لم تمض إلاّ ساعات قليلة حتّى يستيقظ على ابتهال زوجه و أولاده يدعون له بالشفاء ، و فجأة فتح عينيه فلم ير أحداً ، و في اليوم التّالي جاء المنقذ و نزع العصبة عن عيني الرّجل ، فصفّق فرحاً حين أى الصّور واضحة فقال :
- يا لسليمان الحكيم ! ...