قصة ( قرنفل ) - بقلم : عفراء نبيه إسكندر الحسن
قرنفل
دلفت عفراء من سيّارة الرّوضة متأبّطة محفظتها الجلديّة ، كانت فارغة إلاّ من بقايا بسكويت ، لوّحت بيدها البضّة ، ردّت الآنسة التحيّة ،عبرت الرّصيف وهي تغرّد كعصفورة الصّباح ، دخلت على والدها تنساب الأنغام من شفتين كوردة قرنفل :
" صار عندي
بيت و بستان
وتفاح وخوخ
ورمّان ....
يا أولادي ....
اللّه كريم
مابيترك واحد جوعان "
كان والدها قابعاً في ركن البيت يرقب عودتها وهو يرتشف الشّاي السّاخن ، قذف لفافة التّبغ من النّافذة كي لا تراه . وصلت إلى سمعه ألحان الأغنية ، شعر بفرح عارم يغمر قلبه وقال بعد أن قبّل وجنتيها :
- أنت على حقّ يابنيّتي.
- حسناً ... لم أنا على حقّ ؟
- أقّل المطالب أن يملك المرء بيتاً يحميه من عوامل الطّبيعة .
- أين بيتك؟
- سأحصل عليه بعد التقاعد.
لا يدري من أين جاءت طفلته المشاغبة بهذه القريحة وراحت تمطره بالأسئلة ، كان يستطيع أن يرّد على بعضها ويتهرّب من بعضها الآخر لأنّ عالم الطّفل كبير فقال لنفسه : " الأمر في غاية الصعوبة " .
صمتت قليلاً لكنّها سألته:
- لماذا لا ترّد على أسئلتي؟...
قال لنفسه : " عذراً يابنيّتي ليس من السّهل على المرء أن يقنع الأطفال ثمّة أسئلة لا يعرف الأب جوابا عنها...".
لاذت بصدره ومسحت بأصابع ناعمة على عنقه وسألته سؤالاً جعله صغيراً أمامها قالت :
- نصف مرتبّك يأخذه صاحب البيت .
- لا عليك .....
- هل نحن فقراء ؟.
- لا.....
- لماذا بيتنا صغير ؟
لم يرد عليها ، فجأة هرعت إلى الدّولاب وأخرجت منه بعض المجسّمات , وأخذ ت تبني من القطع جداراً ، وبقيت على هذه الحال حتّى رسمت بناية على غرار بناية جارهم الضّخمة ، وبحركة طفوليّة حدّقت في وجهه وقالت :
- سأكون مهندسة و سأبني لك بيتاً.
وأشارت بإصبعها إلى المجسّمات ، ضحك والدها من أعماقه ، وضمّها إلى صدره ، وسرّ لنفسه : " من أين لك أيّتها العفريتة هذه الأفكار ؟! " .
أخذت تمطره بالأسئلة ، فتجاوزت التّبريرات ، حاول أن يصرفها عن أسئلة تتدفق كشلاّل , ورأى نفسه مضطّراً لأن يعدها بأنّه سيبني لها بيتاً في وسط حديقة تعجّ بالأزهار , ملأى بأعشاش العصافير . شعرت عفراء بالسّعادة , وراحت تحلم ويكبر الحلم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذه القصص من مجموعتها (( يقظتي الذهنيّة ))
بقلم : عفراء نبيه إسكندر الحسن *
ابنة الروائي : نبيه إسكندر الحسن - الإدارة -