Announcement

Collapse
No announcement yet.

لمصلحة من ؟! الكم الهائل من طوفان الدراما التلفزيونية - بقلم: عدنان علي

Collapse
X
 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts

  • لمصلحة من ؟! الكم الهائل من طوفان الدراما التلفزيونية - بقلم: عدنان علي

    لمصلحة من ؟! الكم الهائل من طوفان الدراما التلفزيونية

    بقلم: عدنان علي

    طوفان الدراما.. لمصلحة من ؟


    أنى وليت وجهك لا حديث سوى عن المسلسلات التلفزيونية ونجومها و"الانجازات " و"النجاحات" التي حققتها واكتسحت بها الساحات والعقول. وفي مجمل المحطات التلفزيونية العربية، وبالأخص محطاتنا السورية، يطالعنا النجوم ضيوفا أو مقدمي برامج، و(هذه وظيفة جديدة بدؤوا يزحفون نحوها فرادى وزرافات)، وهم يعرضون ويستعرضون أدوارهم المنتقاة دوما بعناية ودراية بما يخدم المجتمع والوطن، بعيدا، لا سمح الله، عن أية اعتبارات مادية. ومنذ بداية كل مقابلة حتى ختامها، يكيل المقدم المديح لضيفه النجم، ناعتا إياه بما لذ وطاب من أوصاف وريادة وكأنه فتح الأندلس، أو اخترع الذرة. أما إذا كان المقدم ممثلا أيضا فلا بد أن نشهد حفلة مديح متبادل، لا يحتاج المرء إلى قدر كبير من النباهة ليلحظ أنها لا تخلو من التكاذب والغمز واللمز بحق بعضهما البعض.
    كما تتبارى محطاتنا التلفزيونية في إعداد المسابقات والترويج للمهرجانات وحفلات التكريم للمسلسلات وأبطالها، ليس طوال شهر المسلسلات (رمضان ) وحسب، بل بعده لردح من الزمن أيضا.
    ولعل السؤال الذي لا بد أن يطرحه كل عاقل على نفسه.. هل استوت حياتنا بكل جوانبها الأخرى على الصراط المستقيم، وبات همنا الوحيد هو مستوى هذا المسلسل، وأداء ذاك الممثل؟ وهل خلت مجتمعاتنا ممن يستحقون ولو ربع الاهتمام الذي يستولي عليه قسرا أهل الدراما ؟ أليس بيننا الطبيب والمهندس والعامل والفلاح والآخرون الذين قد لا نستطيع العيش بشكل سوي دون خدماتهم، في حين أن خدمات الاخوة الفنانين ليست بهذا الإلحاح، وثمة مجتمعات عديدة، تعيش حياة طيبة، بغياب أو ضعف هذه الحركة الفنية الهائجة.
    طبعا، ليس مرمى هذا الحديث التهوين من دور الدراما في إنعاش الحراك الاجتماعي والثقافي والسياسي في سورية والمنطقة العربية، بل تصويب وترشيد التعاطي الإعلامي مع هذه القضية، كي لا نحرقها كما حدث في قضايا سابقة عديدة، على قاعدة كل ما زاد عن حده، انقلب إلى ضده.
    لا شك أن الدراما عملية متكاملة تشمل عدة حلقات من كتابة النص الى التمثيل والانتاج وصولا الى التسويق، وهي بهذا المعنى صناعة تدر عوائد على القائمين عليها، والى هذا الحد تكون الأمور مقبولة ومشروعة مثل كل مشروع آخر، ولكن عندما تجري محاولات تبدو أحيانا عشوائية او استنسابية لاضفاء أبعاد كبرأأىأكبر أو مبالغ فيها على هذه العملية التجارية في أصلها، ومهما حملت من جرعات توعوية، انما يتم الافتراء على الواقع، ونكون أمام محاولة للتلطي بالقضايا العامة الكبرى، من أجل تمرير مصالح أضيق من ذلك بكثير.
    هذا الطوفان الإعلامي ليس في صالح الفنانين أنفسهم الذين قد تغريهم كثرة الظهور الإعلامي، إلا أنها تجعلهم مملين ويفقدون تدريجيا متابعة جمهورهم. كما أنه ليس في مصلحة المحطات التلفزيونية، حتى ضمن مقاييس الاستثمار الإعلامي والإعلاني لبضاعة رائجة، لأن كثرة العرض سيفقد هذه البضاعة بريقها، ويهبط بحديث الفنانين إلى النميمة وصغائر الأمور، ويجعل حضورهم على الشاشة طاردا وليس جاذبا للمشاهد. وهو في المحصلة، ليس في مصلحة الدراما نفسها التي لا تتطور جديا إلا من خلال بذل جهود أكبر لتقوية وتمتين حلقاتها المختلفة، بدءا من الإنتاج وصولا إلى التسويق، وليس من خلال هذا الصخب الإعلامي الموسمي، وغير الرشيد أحيانا، والذي لا يلبث أن ينكفئ، ليتحول عند أول انتكاسة إلى نواح وعويل وتراشق بالألفاظ .
    لا تزال الدراما السورية صناعة ناشئة، وتحتاج إلى استثمارات وجهود كبيرة وواعية لمأسستها وإرساء تقاليدها، أكثر مما تحتاج إلى ضجيج إعلامي إنشائي نوزع فيه قصائد المديح والرضا عن الذات، وهو ضجيج لا يسمن ولا يغني سوى في إشباع شهوات بعض الباحثين عن انتصارات ونجاحات سريعة حتى لو كانت وهمية.
Working...
X