Announcement

Collapse
No announcement yet.

الشاعر سلمان داود محمد - الأعمال الشعرية الكاملة - 1 -

Collapse
X
 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts

  • الشاعر سلمان داود محمد - الأعمال الشعرية الكاملة - 1 -


    سلمان داود محمد .. يطوي نصف قرن من الشعر والألم!
    أردت التحدث عن الإنسان والشاعر الذي نحت الشعر شكله وسلوكه، فأعطيت بقدر ما اسعفني به اجتهادي وتجربتي بحكم رفقة العمل لسنين غير قليلة معا.

    ميدل ايست أونلاين
    بقلم: عبدالامير المجر

    أيها المتخمون هناك، والمتخمون هنا، ان الناس تموت جوعاً

    في بداية اختلاطي بالوسط الثقافي، مطلع التسعينيات، تعرفت الى أصدقاء كثر، شعراء وقصاصون وروائيون، وغاوون كثر أيضاً! ممن أدمنوا الجلوس في المقاهي، بعد ان جعلوا مهمتهم تناول الآخرين، بالمدح والذم، على هواهم طبعا، لان الوسط الثقافي كان يمارس (الديمقراطية) على طريقته الخاصة، قبل مجيء الديمقراطية الاميركية!

    وكنت كثيرا ما اسأل الاصدقاء عن شاعر أعرفه بالاسم دون ان أتعرف اليه شخصيا، وعرفت ان هذا الشاعر (ينزوي) في مكتب صغير اسمه (غيوم) يمارس فيه طقوسه الشعرية، ويكسب منه رزقه براحة وهدوء بعيداً عن صخب المقاهي!
    لم يطل الوقت كثيراً، حتى قادتني المصادفة، صحبة صديق مشترك لسلمان داود محمد ولي، ووجدت نفسي اتسلق درج البناية الشهيرة في مدخل شارع الرشيد من جهة الباب الشرقي، قبالة المطعم التركي، لأدخل فيما بعد مكتباً صغيراً، هو (مكتب غيوم)، الذي كان عبارة عن مشغل ثقافي صغير، يمارس فيه سلمان داود محمد عمله وشعره، والمشغل يعكس (برجوازية) الحصار بامتياز! فهو يحتوي على جهاز إستنساخ ومستلزمات طباعة بدائية أخرى، تعينه على اصدار ما كان يعرف بـ (كتب الاستنساخ) التي تصدر وقتذاك للذين يرومون اصدار كتبهم، بعد ان ضاقت بهم وبمطبوعاتهم السبل والمطابع معاً!
    بدأت بعد تلك الزيارة، علاقة صداقة، ظل عنوانها بالنسبة لسلمان، الهم الشعري، الذي يشغله عن هموم كثيرة، ربما كان يحاول الهرب منها، أو من الحياة المختنقة حينذاك الى فضاء الشعر الذي يمنحة الكمية الكافية من الاوكسجين ليديم عجلة جسده عن التوقف، لاسيما انه من المدمنين على حب العراق، ولم تفلح معه محاولات الطلاق التي عمل بعض أصدقائه عليها، لينفصل عنه بطريقة (شرعية) أو غير شرعية، كآخرين، ليلقى بجسده في أحد المنافي التي كانت بوابتها الوحيدة في تلك السنين، عمان، وفي العام 1995 أصدر سلمان داود محمد مجموعته الشعرية الأولى (غيوم أرضية) عن مكتبه (غيوم)، وصلتني نسخة منها لاكتشف من خلالها عن كثب معاناة هذا الكائن المرهف، حد التطرف، وهو ينظر لما حوله، بعد ان حوّل الحصار حياة العراقيين الى لوحة سوريالية، أجهد سلمان نفسة ان يعيد قراءتها شعرياً ليدرأ بعض الألم عن نفسة، حتى خيّل لي وقتها، اني اراه يمسك بسيف من خشب ويصرخ .. ايها المتخمون هناك، والمتخمون هنا، ان الناس تموت جوعاً ..
    ثم يهجم على طريقة المحاربين القدامى باتجاه الذين تسببوا بالحصار واداموا عجلته التي تسحق الناس امامه، وهو ينظر لذلك من مشغله الصغير في الطابق الثاني من تلك البناية، حتى ضاقت به الحيل، فقرر الهجوم بالمجموعة الاولى من دون ان يفلح بكسر حتى باب واحد من ابواب اصحاب القرار، فعاد بشرف المحاولة، وبعض الجروح التي ستكون زاده هذه المرة في صولة أخرى، كان خلالها يرتجز ويقول .. هذه علامتي الفارقة.. فهل من مبارز! ولانه اعزل، و محمول على جبل من ضباب شعري، عاد وهو يحمل بين كفيه جروحا أخرى لتكون عدته لايام قادمة، كان يقضيها في مشغله الماثل في المكان، مثل قلعة رومانية يؤم اليها السوّاح من هواة الشعر ومحترفيه! ليقص عليهم حكاية غزواته التي لم تغير شيئا من معادلة القوة التي خذلته مرتين، وهو يحاول ان يغير قوانين العالم ومواثيق الامم المتحدة وقرارات مجلس الامن، وهذه الاخيرة نفسها لم تفلح في كبح القوة الاميركية عندما قررت احتلال العراق وتدمير معقل سلمان داود محمد ، ليكف عن (صولاته) المتكررة!
    وفي فضاء مشبع برائحة البارود وزئير الهمرات، كان عليه هذه المرة، ان يستعد لصولة اخيرة، بعد ان طوى نصف قرن من عمره، اكلت اغلبه الحروب والحصارات والاحتلالات، فكانت مجموعته الاخيرة (ازدهارات المفعول به) التي صدرت، هذه المرة عن دار الشؤون الثقافية في العام 2007 ليعلن وامام الاميركان انه وعلى الرغم من كل ما لحق به في صولاته السابقة، ما زال حياً مزدهراً بالاوجاع والألم والامل أيضاً!
    لم أشأ التحدث عن شعر سلمان داود محمد، لانه يتحدث عن نفسه والألم العراقي فيه، اشهر من ان يشار اليه، لكني أردت التحدث عن سلمان، الانسان والشاعر، الذي نحت الشعر شكله وسلوكه، فأعطيت بقدر ما اسعفني به اجتهادي وتجربتي بحكم رفقة العمل لسنين غير قليلة معا، وصفاً يمكن تسميته، بمقطع عرضي من حياة الصديق سلمان داود محمد، الذي أعرف ان اخلاصه للشعر جعل منه عنده، قضية حياة، استحقت منه هذه الصولات المفعمة بالحب والشعر، والتي أيضا استحقت منا ان نشير اليها بهذه السطور الخجولة ونحن نقف ازاء اكتظاظها المشع، بعد ان صدرت مؤخراً بكتاب تحت عنوان (الاعمال الشعرية)، وكأنه يقول، ها أنذا بعد نصف قرن من الشعر، فاحصوا ما بجسدي من جروح!
    لقد رحل الحصار ورحل بعده الاميركان، وظلت قصائد سلمان داود محمد، شاهداً على مرحلة مثيرة من تاريخ شعب يستحق الحياة ويستحق ان يحتفي بابنائه الذين قاتلوا الجوع بالكلمة وبالشعر، لان البقاء للكلمة وحدها.
    الكتاب صدر عن (دار ميزوبوتاميا) وجاء بـ (215) صفحة وبالقطع المتوسط.

Working...
X