Announcement

Collapse
No announcement yet.

زهرة دمشق لــ حبيب شماس - حكاية مركز فني (مقهى ومسرح وسينما) -

Collapse
X
 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts

  • زهرة دمشق لــ حبيب شماس - حكاية مركز فني (مقهى ومسرح وسينما) -



    حكاية صورة..... «زهرة دمشق»
    أكثر من مقهى وأوسع من مسرح

    بطاقة بريدية (كرت بوستال) أرسلت من مكتب بريد باب توما بدمشق خلال الفترة العثمانية، ويظهر في الصورة الطابع العثماني وختم البريد، وتمثل الصورة مبنى مقهى ومسرح وسينما زهره دمشق الذي كان قائماً في ساحة المرجة ويملكه حبيب شماس، وعرض فيه أول فيلم (صامت) في سورية عام 1912. تبدو على يسار الصورة (بركة ماء كبيرة) كانت تستعمل لسقاية الدواب والحيوانات التي تجر عربات الركوب التي كان مركز انطلاقها قرب المسرح، وفي أقصى يمين الصورة ترامواي خط الميدان، ومبنى مقهى ومسرح وسينما زهرة دمشق هو البناء الظاهر في صدر الصورة ويغطيه القرميد الأحمر ويظهر في أعلى البناء الأعلام العثمانية، وفي أقصى المبنى على اليمين ساعة مستديرة تشير إلى الساعة الثانية والنصف.
    الحكاية
    هي حكاية مركز فني (مقهى ومسرح وسينما) قام على أكتاف شخص واحد اسمه حبيب شماس صاحب مقهى في ساحة المرجة اسمه «زهرة دمشق» فحوله إلى مسرح واستقطب إليه أهل الفن من سورية ومصر ولبنان، ثم ما لبث أن حول مقهاه إلى دار سينما وعرض فيها أول فيلم في دمشق.. ولنبدأ الحكاية:
    تذكر كتب التاريخ أن مسرحية «الشيخ وضاح ومصباح وقوت الأرواح»، هي بداية المسرح السوري والعربي، وهي المسرحية التي قدمها أبو خليل القباني عام 1871 م بدمشق، وقدم بعد ذلك مسرحيات وتمثيليات ناجحة أعجب بها الجمهور الشامي بدمشق وقدم في سنواته الأولى نحو 40 عملاً مسرحياً ووضع الأسس الأولى للمسرح العربي وخاصة المسرح الغنائي. وقبل أبو خليل القباني عرفت سورية عروضا للمسرح لكن ليس بالشكل المعروف للمسرح الذي ظهر على يد «أبو خليل» وكان ذلك في منتصف القرن التاسع عشر مثل عروض كركوز وعواظ ورقص السماح والمولوية والحكواتي وكانت جميعها تقدم في نوادي ومقاهي دمشق وبعض الأماكن العامة...

    مسرح زهرة دمشق
    قام حبيب الشماس الذي اشتهر بدمشق باسم أبو خليل الشماس، بتوسيع مقهاه، «زهرة دمشق» الذي تم إنشاؤه بين عام 1899م بعد مغادره الإمبراطور غليوم، وعام 1908 م، ومن ثم أضاف إليه صالة لعروض المسرح، واستقطب مسرحة أهل دمشق والفنانين العرب، ولم يقتصر مسرح «زهره دمشق» على تقديم الروايات والمسرحيات إنما كان يرافقها الموشحات والتقاسيم وأعمال الخفة والسحر. وعرف من الأعمال التي قدمت على خشبة هذا المسرح رواية «عائده» التي قدمها سلامة حجازي وفرقته بناء على طلب جمعية الاتحاد والترقي عام 1909 م لمساعدة مدرسة مدحت باشا الخيرية، وفي نحو عام 1910 اشتهر رجل يلقب بـ«الخواجة لمبو» بعروضه التي كان يقدمها على مسرح هذه السينما والتي تشمل ألعاب الخفة وتقليد الأصوات والشخصيات، وكانت تستقطب المتفرجين الذين يرون فيها جانباً كبيراً من الطرافة والعظمة.؟ ونشرت جريدة المقتبس إعلاناً طريفاً عن مسرح وسينما زهرة دمشق، والعروض التي يقدمها وذلك في أحد أعدادها الصادرة عام 1914 م، حيث يعطينا فكرة واضحة عن أسلوب الإعلان آنذاك، ويوضح النشاط الذي يقوم به هذا المسرح ويقول الإعلان: «إذا كنت مصاباً بضيق الصدر ومتراكمة عليك الهموم أو يوجد عندك ملل وضجر أو مهما كان طارئاً عليك من الحوادث فإنه لدى مشاهدتك تمثيل ذلك الجوق الوحيد الذي أتى مؤخراً إلى دمشق يذهب عنك الضجر والملل وينشرح صدرك لما تشاهد من الروايات التمثيلية والفكاهية والألعاب المضحكة، هذا وخصوصاً عندما ترى رجلاً يبلغ من عمره أربعين سنة وطوله (ذراع) فقط ذلك الرجل الوحيد المسمى المسيو (شيشو)، مع رفيقته المغنية (لابل فيوليت)، الحائز عدة نياشين من أوروبا. وغناء فرنساوي وتلياني وألماني ثم رقص ياباني من جميع الجهات وصيني واستانبولي من طرف المداموزيل (ليس) والمداموزيل (ريكي) (المغنية التليانية) والخواجة مورانغو المتنكر الفرنساوي الشهير المقلد جميع الهيئات النسائية. ويتخلل الفصول مناظر سينماتوغرافية جديدة وبديعة للغاية. فعليه نرجو حضرات مشرفينا الأكارم حضور هذه الليالي العديمة المثال، وخصوصاً أن هذا الجوق الوحيد لا يقيم أكثر من شهر في هذه الحاضرة. ومن يشرف ير صدق المقال والسلام ختام».
    وفي شهر كانون الثاني من عام 1914 م أقيم على مسرح «زهرة دمشق» عرض مسرحي «أجمل وأظرف الروايات العصرية والاختراعات الفنية التي لم يسبق عرضها» وذلك دعما ولإعانة الأسطول العثماني، وتهكم خالد العظم على هذه المسرحية حين قال: (واجتمعت الألوف في مسرح الزهرة لمشاهدة رواية ألفها بعض الشبان، كالوا بها للباشا أنواع الشتائم وقذفوه بشتى التهم).
    والواقع أن هذه الرواية أُبرزت على المسرح بعد خروج الأتراك من البلاد العربية. أما في عهد حكمهم بسورية، فكان جمال باشا يُستقبل استقبال الملوك الفاتحين ويكيل له الشعراء والأدباء المديح شعراً ونثراً، حتى إن أحدهم وهو السيد خير الدين الزركلي ألقى أمام صورة جمال باشا في حفلة افتتاح جريدة الشرق قصيدة مطلعها: (احنوا الرؤوس ورددوا النظرات هذا مثال مفرِّج الكربات فشبهه بالباري عز وجل. وكانت أكف الجميع تدمى من كثرة التصفيق).
    وهذه المسرحية قدمت عام 1919 م من قبل نادي (الاتحاد والترقي) الذي أسسه عبد الوهاب أبو السعود وكتبها معروف الأرناؤوط، وحضر العرض الأول الأمير فيصل، وقاده جيشه (الجيش العربي) وأعيان وكبار رجال دمشق.
    وعرف من العروض التي قدمت على خشبه هذا المسرح في شهر آب عام 1925 م، رواية «شمشون ودليلة» وهي مسرحية غنائية ناطقة باللغة العربية الفصيحة من إنتاج شركة مصرية اسمها شركة ترقية التمثيل العربي التي أسسها طلعت حرب باشا وعدد من أصحاب الأموال في عشرينيات، وأوائل ثلاثينيات القرن العشرين وبدأت الشركة عملها فكوّنت فرقة تمثيلية على رأسها ثلاثة أشخاص من عائلة عكاش هم «عبد اللـه وزكي وعبد الحميد» لذا عرفت هذه الشركة بدمشق باسم شركة عكاش وشركاهم، وكانت أسعار الدخول إلى هذه المسرحية: ليرة عثمانية ذهب لوج لأربعة أشخاص، و1 مجيدي كرسي في الصالون. كما قدمت في نفس العام على هذا المسرح رواية «طارق بن زياد الفاتح العظيم». وكانت تخصص أماكن في صالة المسرح للعائلات، وتشجيعاً من إدارة المسرح للمواطنين لحضور العروض المسرحية كانت تؤمن لهم النقل بـ«الترامواي، والاوتومبيلات» مجاناً.. وقيل أن الفنانة بديعة مصابني (1892 - 1974) عملت في هذا المسرح كـ«غرسونة».

    سينما زهرة دمشق
    عرفت سورية السينما لأول مره في مدينة حلب عام 1908م، حيث أقامت مجموعة من الأجانب القادمين من تركيا عرضاً سينمائياً في أحد مقاهي مدينة حلب. أما البداية الفعلية للعروض السينمائية فكانت بدمشق عام 1912 عندما أقدم حبيب الشماس بتقديم مجموعة من العروض السينمائية في مقهاه «زهرة دمشق» في محاولة منه لاستقطاب أكبر عدد ممكن من الزبائن إلى المقهى وتقديم فن جديد على سورية، وابتكر أسلوباً جديداً في لفت نظر أهل دمشق للدخول إلى مسرحة من خلال جوقة موسيقية تعزف أمام مدخل الصالة قبل عرض الفيلم.. وفعلا استطاع الشماس أن يجتذب إلى مقهاه (السينما) أعيان دمشق الذي أدهشوا بهذه العروض السينمائية رغم بدائيتها حيث كانت تدار الأفلام بشكل يدوي وهي في نفس الوقت عروض صامتة، وقام الشماس بتعديل بناء المسرح عام 1918 وأضاف إليه صالة السينما، ويقول جان الكسان عن إنشاء سينما زهرة دمشق: (اتصل صاحب المقهى مع الميكانيكي اليوناني الأصل الذي كان يدير آلات سينما جناق قلعة واسمه «سالو» واتفق معه على إنشاء سينما زهرة دمشق، ضمن المسرح الملحق بالمقهى، وبوشر بالعمل بنفقات بسيطة جدا، أي ثمن آلة عارضة من طراز «باته» وغرفة خشبية للآلة شيدت في الجهة الخلفية من المسرح، ووضعت ستارة من القماش الأبيض على المسرح، واستعملت المقاعد الخشبية الخاصة بالمقهى لجلوس الرواد..).
    أقيمت الصالة فوق المقهى الذي يحمل التسمية ذاتها، وأصبح المبنى مؤلفا من ثلاثة طوابق، وكانت السينما تتسع إلى 800 متفرج، وكان الرواد يصعدون إليها على سلم خشبي، وكانت الجوقة الموسيقية تعزف أمام مدخل الصالة قبل عرض الفيلم بساعة لجذب الرواد، ثم تنتقل إلى الداخل وتجلس أمام الستارة لتعاود العزف بين الفينة والأخرى، وعرفت هذه السينما أيضاً باسم (سينما باتييه) نسبة إلى شركة باتييه صاحبة أول فيلم عرضته هذه الصالة، ومن أشهر العروض التي كانت تقدمه هذه السينما هي الأفلام البوليسية الفرنسية والأفلام الفكاهية لماكس لاندر الفرنسي الذي كان من أشهر الممثلين الهزليين في ذلك الحين، وبعض الأفلام العربية حيث عرض فيها فيلم «الوردة البيضاء» لمحمد عبد الوهاب، وكان حدثاً استثنائياً في حياة المدينة آنذاك.
    ومن أول الأعمال المسرحية التي عرضت على مسرح «زهرة دمشق» بعد خروج الاحتلال التركي من دمشق عام 1918 مسرحية «جمال باشا السفاح»، وكما هو معروف جمال باشا أحد القواد الأتراك، وصاحب المشانق التي علق عليها الأحرار من سورية ولبنان، وكتب هذه المسرحية، معروف الارناؤوط على جناح السرعة، وحضر العرض الأول لها قدوم الأمير فيصل بن الشريف حسين وضباط الجيش العربي وأعيان ورجالات دمشق.

    نهاية الحكاية
    كان لمبنى مقهى ومسرح وسينما زهره دمشق دور كبير ومميز في الحياة الدمشقية، فهو المقهى الذي يؤمه أهل دمشق وضيوفها من كتاب ومفكرين ومواطنين عاديين، فمر عليه فنانون ومسرحيون وكبار الأعيان من البلاد السورية والعربية، وكان المكان الذي عرض فيه أول فيلم سينمائي بدمشق، كان هذا المبنى من أهم مراكز الاحتفالات الرسمية والشعبية السورية، ففي الثامن من آذار عام 1920 م خصصت بلدية دمشق مبنى مقهى ومسرح وسينما زهرة دمشق للمتفرجات من السيدات اللواتي شاركن في الاحتفالات التي أقيمت بدمشق آنذاك واستمرت لمدة ثلاثة أيام احتفالا بإعلان استقلال البلاد السورية وتتويج الملك فيصل عليها.
    تعرض هذا المبنى لحريق كبير عام 1928 م إثر حريق هائل أتى على سينما النصر بأكملها ولحق الحريق قسما من دار «زهرة دمشق»، وعلى إثر ذلك أوقف نشاط هذا الصرح الحضاري واستغل المكان بإقامة مطعم ومقهى وكباريه إلى أن هدم في مطلع الخمسينيات من القرن الماضي وبني مكانه بناء القباني وجزء من فندق سمير.
    كان مقهى ومسرح وسينما زهره دمشق وصاحبه الشماس من الدعائم الأساسية لبناء المسرح والسينما السورية، واستمر أبناء حبيب الشماس في السير بالطريق الذي اختطه لهم والدهم ففي عام 1924، افتتح ابنه توفيق سينما «الكوزموغراف» في منطقة البحصة، وعُرفت فيما بعد بسينما «أمية». ومن أشهر عروضها الفيلم السوري (المتهم البريء) وهو أول فيلم من إنتاج سوري وقد عرض عام 1928 ونال شهرة كبيرة، كما ساهم أبناء الشماس في إنشاء صالتي «العباسية» و«دمشق» بمشاركة أبناء (قطان وحداد)، وكانوا من أوائل الذين أدخلوا السينما الناطقة إلى صالات دمشق.

    شمس الدين العجلاني أثينا
Working...
X