مكتبة عم محمود
قصة / سامى النجار
قصة / سامى النجار
من في المدينة لا يعرف عم "محمود " ، حتى الذين لا يهتمون بالقراءة والكتابة يعرفونه ، فهو يتبوأ مكانا مميزا في أجمل شوارع المدينة ، وأمام مكتبته مائدة كبيرة ، اصطفت فوقها الكتب القديمة .. دائما قديمة ، لكن الجميع يذهبون إليه .. فالمكتبة الصغيرة يسكنها التراث والقصص الجميلة والمغامرات المثيرة .. ولأن الكتب التي لديه جمعت من مكتبات شتى اشتراها واعتنى بها ، يبتسم وهو يضم الكتاب لصدره ، يقول:
- السعر زهيد .. صحيح أنها كتب قديمة لكن القديم هو الورق أما الكلام هو الكلام والمضمون هو المضمون فمن يقرأ يا ناس
ويميل الكل إليه ، يشترون الكتب والمجلات و المغامرات المثيرة .. والأطفال الذين لا يستطيعون شراء الكتب ، فهناك بند الاستعارة ، بقرش تأخذ الكتاب أسبوعا ، وبقرشين تأخذه أسبوعين ثم تعود لكتاب جديد .
لاحظ الناس غياب عم محمود.. ذات يوم ، لم يعد يراه أحد في مكتبته ، ثلاثة أولاد كانوا يقفون في نفس مكانه .. وحين سألنا عنهم قالوا :
- إنهم أولاده .. لقد رحل عم محمود
حزن الناس عليه كثيرا ، ثم ذهب الحزن وولى مع الأيام ، فها هم الأبناء يواصلون رحلة الأب ، والمكتبة ازدحمت من جديد وهى زاخرة بكل ألوان المعرفة من تراث وعلم وأدب .
مرت أيام وراء أيام ولاحظ الناس غياب أحد الأبناء ، ثم لاحظوا شيئا غريبا ، لقد انقلبت المكتبة إلى محل لبيع أطقم الحمامات من السيراميك الحديثة بشكل واضح ، وقل الزحام ، وراح الناس يتساءلون :
- أين أيام زمان .. أين كتب عم محمود العامرة بالفكر والإبداع .. الزهيدة في السعر .
أين .. و أين ؟!لكن شيخا وقورا كان يقف بجوار المكتبة ، يردد في صمت :
- أين الولد الثالث ؟
وردد آخرون :
- نعم .. أين الولد الثالث ؟
ومرت أيام وجاء الشيخ إلى المكتبة وقال :
- من يسره رؤية الأخ الثالث .. فليتبعني ؟
ومضى الواقفون خلفه يجتازون الدروب ويدخلون الأزقة ، وأخيرا أشار الشيخ بعصاه وقال :
- ها هو أحمد .. الابن الثالث
نظر الناس فوجدوا مكتبة صغيرة عامرة بالكتب القديمة الرائعة الملأى بالمضمون ، الزاخرة بالمعاني ، الزهيدة السعر ، وأقبلوا إليه مسرعين وما هي إلا أيام حتى زحفت المدينة إليه قال البعض :
- لقد ظهر عم محمود في أحد الأزقة
وابتسم أحمد وقال :
- كل ما تطلبونه ستجدونه لدى بند للبيع وبند للاستعارة
تمت
Comment