Announcement

Collapse
No announcement yet.

تحت ظـِّلِّ البياض قصة وفاء عبد الرزاق

Collapse
X
 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts

  • تحت ظـِّلِّ البياض قصة وفاء عبد الرزاق


    تحت ظـِّلِّ البياض
    قصة / وفاء عبد الرزاق

    أحلمُ دائماً كأنـّنِي كاهنة بينها وبين الله مسافة الروح، من حنين إلى حنين أرجع حيث كنتُ إنسانة عاديـَّة أقطع تذكرة "المترو"متوجهة إلى محطة "إيلنك بْروَدْوَيْ".
    متى شاءتْ تتلبـَّس الكاهنة شكلي تفرض حضورها البهي، ترتـِّل بين ذاتها وقربها من الله وتسجنني فيها وفي صلواتها الخاصة.
    قد أبدو غريبة عن الركـّاب أو لا يلتحم أحدهم بوجداني لكن من حين لحين أنتبه من شرودي، وبحركة عفوية تستقر عيناي في الشخص المقابل لي.
    صعد اثنان من إحدى المحطات لم أنتبه اليهما لأنـَّني كنتُ في حضرة الكاهنة.
    امرأة في سن الأربعين وشاب يقارب الخامسة والعشرين، المرأة اختارت المقعد المقابل لي والشاب جلس قربي.
    تمكـّنتُ من نفسي كي لا تسرقني الكاهنة وأتوه عن محطتي، أشغلت نفسي بكتابة ملاحظات عن الركـَّاب هذه عادتي أدوِّن ما أراه يشدِّني في الأماكن التي تفوح منها رائحة إنسان، متشابكة بإنسان أبيض وأسود، إنسان مسلم ومسيحي، انكليزي أو عربي هو بالنسبة لي ابن الإنسانية، الأفريقي والآسيوي وأنا إنسان له ما يبهجه ويكدّره، كلنا بجمعنا نمثل المفرد الذي اقترب مني أكثر وترك يده تلمسني بحرارتها.
    ربما صدفة لم يقصد سوءً بتصرفه، لاحظتُ ذات الأربعين تراقب حركاته بدقة وترشده بإشارات من عينها أو بإصبعها ، لم يأبه لتحذيراتها مدَّ عنقه صوب عنقي، تشمَّمَ رائحة عطري، فرك منخاره الأفطس كأنـَّه شم حليباً وساح زبدُ فمه مما اضطره لمسحه بكمِّ قميصه المقلـّم، مدَّ ذراعه خلف ظهري تاركاً رأسه على كتفي مثل طفل.
    ذات الأربعين ابتسمت لي معتذرة، بادرتها قبول اعتذارها بابتسامة مثلها.
    أحياناً الكلام لا يجدي أو لا يكفي لوصف لحظة شكر وذات الأربعين خانتها لغتها في التعبير عن دمعة ذرفتها داخل روحها، كما خانها التحكـُّم برجفة اعتلت شفتيها.
    زاد التصاقه أكثر وكطفل أيضاً ربما أقل من طفل كرضيع وشمـَّني بقوّة، هذه المرة شعرتُ بلعابه يسيل على ثوبي، بحركة لا إرادية أدرت جذعي كلـَّه إليه تعلو شفتي رجفة ثائرة كاظمة غيظها.
    ذات الأربعين وعلى ما يبدو رغبت الخروج من الإحراج لذلك قررت النزول في المحطة القادمة. ما أن أُعـْـلـِنَ عن التوقف بمحطة "وايت ستي" حتى أسرعت السيدة بسحب ابنها من يده بحدِّة لطيفة ورقـَّة حادَّة مخترقة الزحام، لكنه عوى بصوت كلب ومدَّ لسانه حتى لحس حنكه.
    عيناه تقلصتا واقتربتا لبعضهما أكثر مما كانتا عليه. هو يحاول الإفلات من يدها وهي تشدُّه إلى الخارج.عضَّ شفتيه، مطـَّهما، بوَّز، مد لسانه الطويل، حركه يميناً ويساراً، عوى عواء ثلاثة كلاب وصار بأربعة أبواز تلمظ.بوازتلمظأ
    عصَر حنكه حتى صار اشبه بكرة حمراء، أشار لي مودعاً بيده اليمنى ويسراه تسحب زنـّار بنطلونه، عوى بحدَّة وابتعد.
    البياض عميق صوته وأبيض كما العروس المزدانة مثل طاووس تحت ظــِّلِّ البياض تزف روحها لظـِّلٍّ أبيض.
    ربـّما حلمَ بعرس، أو ربـَّما رائحة عطر الأنثى أثارت عقل طفل وجسد رجل منغولي شبِق.




    وفاء عبد الرزاق فى دار البلسم للنشر بالقاهرة وفى الصور الكاتبة والمترجمة سحر جبر تشرح لنا أحدث الكتب التى ترجمتها للطفل


    http://samypress.blogspot.com
    http://samypress.yoo7.com
Working...
X