Announcement

Collapse
No announcement yet.

بين التراث والحداثة تشكيليون شباب في «الإمارات: عمل فني»

Collapse
X
 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts

  • بين التراث والحداثة تشكيليون شباب في «الإمارات: عمل فني»



    تشكيليون شباب بين التراث والحداثة في «الإمارات: عمل فني»
    وحدة المضمون وتنوع الأدوات

    عمر شبانة
    ولادات دائمة تشهدها حركة الفن التشكيلي الإماراتي بتجديد دمائها، والدفع بتجارب جديدة من رحم التجربة حديثة العمر، التي يجري التأريخ لها بالسبعينات مع ولادة الدولة الاتحادية، أي مع رواد هذه الحركة ومؤسسيها. فخلال ما يزيد عن أربعين عاما تبلورت حركة تشكيلية ذات ملامح بارزة، ملامح تتعلق بالرغبة في التجديد، ولكن في إطار الهوية المحلية وعناصرها الأساسية المتمثلة في رموزها التقليدية، وما يمثل العادات والتقاليد من صور فنية تشكل نوعا من التجريب في إطار التواصل. ويلفت الانتباه ابتداء مدى التطور الذي يحرزه التشكيل في الإمارات، وهو ما تؤكده الكثير من التجارب الجديدة، مع غنى في التيارات والتوجهات التي يشتغل الفنانون ضمنها، بما يظهر الواقع الذي يتحركون فيه وينقلونه كل بأدواته وأسلوبه ورؤيته، ليتكون لدينا مشهد بصري ذو دلالات يمتزج فيها الواقعي بالفانتازي، والتقني باليدوي الجميل.
    في هذا الإطار تأتي التجارب التي تشارك في معرض “الإمارات: عمل فني” الذي تحتضنه صالة غاليري آرا في دبي، (انطلق في الخامس من يونيو الجاري، ويستمر حتى الأول من سبتمبر القادم)، ويضم أعمالا لسبعة فنانين إماراتيين، ويمثل كما تقول الغاليري “الطبعة السنوية الثانية من “دولة الإمارات العربية المتحدة/ عمل فني”، ونحن نعيد ثقافة الأمة وتراثها وتقاليدها من خلال الفن. من الروابط العائلية الضيقة وجمال الكثبان الرملية، إلى طعم هش من القهوة العربية ودفء رائحة البخور وسواها”، حيث عرضت مجموعة من الفنانين استخدام قدراتهم الإبداعية لتعطيك طعم ما تعنيه الإماراتية”، معرض يأتي من أجل “تسليط الضوء على الفنانين ومجموعة من المفاهيم الفنية التي تصور التراث ثقافتها وتقاليدها التي تعتبر مهمة لكل واحد منهم: دولة الإمارات العربية المتحدة بأنها “عائلة واحدة، منزل واحد”، وتوثيق العامية الإماراتية مقابل اللغة الإنجليزية، والتعبير عن الدفء ورائحة البخور التي تستخدم عبر الأجيال. وهذه هي بعض المفاهيم التي قدمت في طبعة 2012 من “دولة الإمارات العربية المتحدة عمل فني” من خلال المجموعات.
    أهمية هذا المعرض أنه يأتي ضمن برنامج “ذي آرا غاليري” الذي يهتم بتجارب الفنانين الشباب من الإماراتيين، الاهتمام الذي كان بدأ بمعرض أول يحيل عنوانه إلى عوالمه قبل التعرف على أعماله الفنية المشاركة. ففي ذلك المعرض الأول بعنوان “إماراتي: أعمال إبداعية”، وقفنا عند الموضوع المشترك الذي يقدمه لنا الفنانون الإماراتيون الشباب، ولقاء الجميع في “تمثيل” دولة الإمارات وعوالمها القديمة والجديدة، وهم جميعاً يستلهمون التراث العريق للبلد بأبرز عناصره ورموزه، ويستحضرونها في أعمالهم التي كان يغلب عليها التصوير الفوتوغرافي بالديجيتال، ولا يغيب عنها فن التصميم والغرافيك والكولاج، وتحضر فيها الحروفية بصور مختلفة. وفيه كان يجترح الفنانون الشباب رؤى جديدة، وقراءات فنية جديرة بالتوقف مطولا أمامها، وهي ترسم صورا من هذه البلاد وتراثها العربي والمحلي، ليعكسوا صورة الإمارات في عيون أبنائها الشباب، عبر تنويعات فنية تثري المشهد الفني الذي يتسع يوما بعد يوم باستضافة تجارب جديدة تستفيد مما تحقق، وتضيف رؤيتها وأسلوبها الجديد. وبذلك فهي تقدم صورة جديدة بعناوين مختلفة.
    تجارب يتجاور فيها الحديث والقديم، الحداثة والتراث، وتتحاور كلها حوارات ثقافية فنية جديدة، فتنتج هذه الأعمال التي تتجاور فيها عناصر فنية وموضوعية تنتج منها روح خاصة، هي روح هذا الجيل الجديد بما يمتلك من أفكار وثقافة ووعي على العالم ينتج ما نرى من تجارب. نحن أمام دماء جديدة تدخل المشهد بقوة، وتسعى بقوة أيضا إلى فرض حضورها ودورها في تجديد المشهد. وهذا دليل الحيوية والحراك الدائمين، بما يمنح شعورا بتعاقب الأجيال واختلاف الأسئلة والإشكاليات وطبيعة المساهمة المطلوبة، لخلق مناخات مختلفة وذائقة متمردة. ولا بد من عرض قدر من التفاصيل التي يشتغل الفنانون والفنانات في إطارها.
    عناصر التراث والبيئة
    واليوم، وفي معرض “الإمارات: عمل فني” الذي يمثل الجزء الثاني من مشروع الغاليري، نقف على تجارب ست فنانات- رسامات وفنان- مصور فوتوغرافي واحد، في لقاء ينطوي على نقاط اتفاق تتعلق بالمضمون العام وتفاصيله، بقدر ما تنطوي عليه من اختلافات في الوسائل والأساليب التي تجسد هذا المضمون المتمثل في الشخصية الوطنية والهوية المحلية والموروث الإماراتي بعناصره المادية العريقة. فأعمال الفنانين السبعة تبرز مجموعة من العناصر، تنتمي إلى عالم الصحراء والأزياء المحلية، يبرز البرقع والوجوه بملامحها وأشكالها المألوفة، في عدد من اللوحات، كما تحاول بعض الفنانات إبراز الجوانب الأنثوية في عملهن.
    الفنانات المشاركات هن: علياء المالك، العنود العبيدلي، ميثاء المري، شمسة العبار، شمسة بن دسمال، ثريا إسماعيل، ووفاء القصيمي. والفنان الوحيد هو حمد الفلاسي. هم من الجيل الشاب الذي ولد في الثمانينات والتسعينات، في عهد الطفرة التي عصفت بالمنطقة على أصعدة الحياة كافة، هو جيل العولمة والانفتاح على العالم الخارجي، بعد الاختلاط بعشرات الجنسيات والثقافات الوافدة بملامحها وتأثيراتها، وهو قد تعرض لكل الرياح فقرر مقاومتها بأسلوبه وأدواته.
    فمنذ عنوان المعرض “الإمارات: عمل فني”، يضعنا الفنانون الشباب، أمام المضمون الرئيس الذي يشتغلون عليه في أعمالهم الفنية المتنوعة في أدواتها وتقنياتها، حيث صور من التعامل مع التراث الإماراتي وعناصره، كل من زاوية نظره الخاصة، محاولين رسم ملامحه الأساسية، بما يؤكد ارتباط جيل جديد من الفنانين بموروثهم وثقافتهم، فيجعلون من “الإمارات” عملا فنيا مشتركا، لكنه عمل تتفاوت مستويات مكوناته، ويختلف كل من الفنانين في الثيمة التي يشتغل عليها، إلا أنها جميعا تعبر عن جوانب من ذلك الموروث. هو التنوع في إطار الوحدة، تنوع يجسد الغنى الذي ينطوي عليه المشهد التشكيلي المحلي.
    الأدوات والأسلوب والمضمون
    التنوع يظهر في مواد العمل وأدواته وأسلوب التعامل معها، وباستثناء الفوتوغرافي حمد الفلاسي الذي يستخدم التصوير الرقمي، فجميع الرسامات يلجأن إلى المواد التقليدية المألوفة من ألوان وأحبار ووسائط متعددة، في أعمال تختلف من حيث الأحجام، لكن غالبيتها تميل إلى الحجم الكبير وتتنوع الأعمال في درجة الاهتمام بالتجربة اللونية على حساب التكوينات والعناصر الفنية وجزئيات العمل الأخرى، في حين تميل أعمال أخرى للتركيز على المضمون في صورة مباشرة حينا ورمزية حينا آخر وتجريدية حينا ثالثا، مع بروز لعنصر التصميم الغرافيكي واستخدام الحرف والخط والشعر العربي في عدد من الأعمال.
    حمد الفلاسي طبيب له اهتمام شخصي بالتصوير الفوتوغرافي والشعر المحلي، وفي عمله “جزء لا يتجزأ” يبرز مدى اهتمامه بالبيئة، من خلال التقاط المشاهد المحيطة به، الكثبان الرملية ونوع محدد من الشجر عبر كاميرا رقمية هي وسيلته للتعبير عن أفكاره ورؤاه، لكنه لا يكتفي باللقطة الخام، بل يعمل على معالجتها بأسلوبه الخاص، لتبدو قريبة من العمل التصميمي ويضيف إليها أبياتا من الشعر النبطي المحلي مكتوبة بالخط العربي الحديث. عمل يقدم فيه تصويرا لسبع شخصيات وشجرة وسط الكثبان الرملية، لكنه يبتعد عن المباشرة باتجاه قدر من التجريد من خلال الفكرة التي يريد التعبير عنها، محتفظا بملامح أساسية من هذه الشخصيات، خصوصا ما يتعلق بالزي المحلي. إنه كما يقول يفضل أن تطرح أعماله رسائل غير محددة ومبهمة تدفع بالمشاهد إلى تحديد تفسيره الخاص لها.
    عوالم وملامح أساسية
    الربط بين الفن والشعر يتكرر بصورة مختلفة في عمل الفنانة وفاء القصيمي، فهي شاعرة وفنانة في مجال الخط العربي، وفي لوحتها “كرم لا يقاوَم” تتجلى هذه العلاقة بين الفنون الثلاثة، الشعر والرسم والخط، في علاقة متوازنة يحضر فيها اللون بالخط الحديث والحروف والكلمات والعبارات ذات الإيحاءات الشعرية، حيث
    الفن بالنسبة للبعض ليس مجرد مشاعر الفنان، بل هو نافذة لمشاعر كل المشاهد الخاصة بها والتفسيرات والجمال في الفن التي تكمن في المعاني التي لا حصر له.
    أما ميثاء المري التي ولدت في دبي عام 1995 وطالبة الفن والتصميم، فتقدم في لوحة “سبعة عشر- سيرة ذاتية” عملا واقعيا أقرب إلى التصوير، لكنه تصوير شاعري لوجه الفتاة الشابة بألوان شفافة، بما يكشف عن عوالم داخلية. وقريبا من هذه الثيمة، تقدم الفنانة ثريا إسماعيل التي تركز على ملامح معينة في الوجه، وهي هنا في لوحة بعنوان “كحل” تركز على العين والرموش لتبرز صورة من صور أدوات الزينة القديمة، وهي تستخدم فنها لتصوير العواطف العميقة، والسلوكيات، ووجهات نظر حياتية مختلفة، والتقاط الأشياء الصغيرة في الحياة التي تمر بها كل يوم. وتقول إنها تستخدم أنواعا مختلفة من وسائل للعمل في الاستوديو، الرسم، التصوير الفوتوغرافي، وسائل الإعلام المختلطة، والمنشآت. لأنها تحب أن تلعب مع نسيج خلق التناقض بين الأسطح الملساء والثابت، في حين تستخدم أيضا الأرقام والصور الظلية، والألوان لتمثيل مفهومها.
    شمسة محمد العبار خريجة من الجامعة الأميركية في دبي القابضة وحاصلة على شهادة البكالوريوس في الفنون الجميلة/ في الاتصالات البصرية، وتخصص في التصميم الجرافيكي. وهي متخصصة في العلامات التجارية شمسة، تصميم الطرد، تصميم الكتب، وتصميم الملصقات. تستلهم العبار عادة الأشياء الجميلة من حولها، كما أنها تحاول دائما أن تجد الجمال في الأماكن الأكثر غرابة. وهي تعمل ضمن ما يقارب التصميم والنقش والتطريز على القماش مستلهمة نقوش الحناء المعروفة في تقاليد الأفراح المحلية. وتتجه العبار خاصة لمجال التصميم وخلق أنماط جميلة. إنها تعتقد أن خلق هذه الأنماط هو وسيلة لتجميل العمل الفني. وهي تستخدم ثقافتها وتقاليدها في معظم أعمالها، ويرجع ذلك أساسا لأنها تمثل لها قيمها.
    شمسة بن دسمال الفنانة الشابة وجدت حبها للإبداع في سن مبكرة جدا. وخلال سنوات عملها في وقت لاحق في مدرسة ثانوية وجدت الإبداع في أشكال مختلفة من الفن. وتستخدم الفنانة شمسة بن دسمال وسائط مختلفة على لوحة من قماش في عمل غرافيكي يحمل عنوان “خميس”، ويمثل وجها وغترة حمراء. وتعمل علياء المالك على ما تسميه مشروع “أسرة واحدة” القائم على إظهار أسلوبها في تقديم صورة الأسرة الإماراتية المصغرة أو الأسرة الكبرى، فهي تتحدث في ألوان التطريز والنسيج عن انصهار الإمارات السبع في وحدة كلية. بينما تشتغل العنود العبيدلي على تصوير الفرقة الموسيقية لشرطة أبو ظبي من خلال ألوان الأكريليك على القماش، في عمل يميل إلى تجسيد العازفين والراقصين.
    خلاصة أولية
    التجارب السبع ترسم ملامح لا تختزل المشهد التشكيلي الشبابي، بقدر ما هي محاولة لاختزال توجهات أساسية في هذا المشهد الغني، المتنوع والمتعدد والمختلف من غير جهة، توجهات تعبر عن مدى انفتاح الفنانين على المدارس والتيارات.
    المعرض يبرز حجم مشاركة الفتاة الإماراتية في رسم المشهد التشكيلي، وبصرف النظر عن التفاوت في مستوى الأعمال المشاركة في المعرض، فإن حجم المشاركة ونوعية عدد منها يبشر بدخول دماء جديدة إلى خريطة التشكيل الإماراتي وتقديم إضافات مهمة لهذا المشهد، ما يؤكد تواصل الأجيال والتفاعل بينها، ومدى الإفادة التي يحققها الجيل الجديد وهو يواصل الرسالة المتعلقة بحضور الهوية وعناصرها ورموزها على نحو يمنح العمل الفني هويته وخصوصيته.
Working...
X