Announcement

Collapse
No announcement yet.

الحروف الشعورية غير الحلقية (( حرف الصاد -حرف الضاد )) - دراسة (( حسن عباس ))

Collapse
X
 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts

  • الحروف الشعورية غير الحلقية (( حرف الصاد -حرف الضاد )) - دراسة (( حسن عباس ))

    الحروف الشعورية غير الحلقية (( حرف الصاد -حرف الضاد )) - دراسة (( حسن عباس ))

    الفصل الخامس

    الحروف الشعورية غير الحلقية



    الحاسة الشعورية:

    لقد سبق أن تحدثت في الفصل الثالث من الباب الثاني بإيجاز عن دور التقمُّص الشعوري للأحداث والأشياء بمعرض قيام العربي بإبداع أصوات الحروف العربية. كما تحدثت أيضاً عن دور الاستبطان الشعوري للأصوات بمعرض قيامي باستيحاء معانيها. وبالمطابقة بين خصائص الحروف العربية ومعانيها على واقع المعاجم اللغوية أثناء دراستها، تبين لي كما لاحظ القارئ أن العربي قد اعتمد في مطلعه الحضاري على التوالي أسلوبين اثنين للتعبير عن معانيه. هما: كيفية النطق بالحرف إيماء وتمثيلاً ومن ثم صدى صوت الحرف في نفسه إيحاء.
    أولاً- في كيفية النطق بالحرف إيماء وتمثيلاً:

    للاهتداء إلى معاني كل حرف من هذه الزمرة من الحروف الإيمائية التي أبدعها العربي في المرحلة الزراعية، كان لابد لنا في دراستها أن نتقمص الأحداث والأشياء المعبَّر عنها، ومن ثم نُجري المطابقة بينها وبين كيفية النطق بصوت كل حرف منها، من (حركات الفم أو اللسان أو الأسنان أو الشفاه أو فك الحنك، أو النفَس) وذلك للكشف عن الرابطة التمثيلية المرئية المشتركة بينهما، وهذه الرابطة الإيمائية التمثيلية بين الحدث أو الشيء، وبين طريقة النطق بصوت كل من هذه الحروف، هي التي حددت المعنى العام للكثير من المصادر التي تبدأ أو تنتهي به، كما مر معنا في حروف (الميم و اللام، والفاء والشين...)....
    ثانياً- في صدى صوت الحرف إيحاء ومحاكاة:

    للاهتداء إلى معاني كل حرف من هذه الزمرة من الحروف التي أبدعها العربي في مرحلة الرعي، كان لابد لنا من استبطان صوته لاستيحاء خصائصه، وذلك للمطابقة بين موحياته الصوتية وبين خصائص الحدث أو الشيء أو الحالة النفسية المعبّر عنها، وهذه الرابطة الإيحائية السمعية بينهما هي التي كانت تحدِّد المعنى العام لمعظم المصادر التي تبدأ أو تنتهي به، كما مر معنا في حروف: (الدال والكاف والباء والجيم والطاء والراء والزاي والقاف).
    ثالثاً: في المزج بين الأسلوبين:

    على أن العربي قد اعتمد في مراحل رعوية راقية الخصائص الصوتية للحروف الإيمائية بالذات، وذلك للتعبير إيحاء عن كثير من معانيه، وإن ظل يعتمد خصائصها الإيمائية أحياناً للتعبير عن معانيه المستجدة، كما لاحظنا ذلك في حروف (الثاء والذال والميم واللام والفاء....)، مما زاد دراستها تعقيداً.
    أما الحروف الشعورية فقد اقتصر العربي على اعتماد خصائصها الصوتية إيحاء ومحاكاة للتعبير عن معانيه، من دون اعتماد طريقة النطق بها في حركات إيمائية تمثيلية. على أن العربي قد اعتمد كيفية التلفظ بأصواتها من حيث التشديد والتفخيم والإشباع، أو من حيث الترقيق والترخيم والخنخنة، وذلك لتلوين معانيها، كما سيأتي.
    ونظراً لتنوع الخصائص الصوتية لمعظم الحروف الشعورية تبعاً لكيفية التلفظ بأصواتها، فإنه لابد أن يقع التناقض في هذه الخصائص. وهذا التناقض لابد أن ينعكس أحياناً على معاني المصادر التي تشارك فيها هذه الحروف، دون أن يكون ثمة أي مبرر له من تدخل أصوات حروف أخرى، إلا الاختلاف في كيفية التلفظ بها كما سيأتي.
    ولذلك رأيت أنْ أُكثِر مِنْ سَرْدِ المصادر بمعرض الكشف عن مختلف الخصائص الصوتية لكل من الحروف الشعورية تبعاً لكيفية التلفظ بصوته. كما رأيت أن أتتبع هذه الحروف جميعاً في آخر المصادر، وأن أتتبع معظمها في أواسطها أيضاً. وذلك للتحقق من أصالة خصائصها الصوتية في معاني المصادر على أوسع نطاق، فيكون للقارئ حصيلة غنية بالمفردات قلما تواتيه الفرص للاطلاع على غرائب صيغها ومعانيها.
    ولئن كنت سأقتصر على سرد الأمثلة بما يتوافق معناه منها مع الخصائص الصوتية للحرف الشعوري موضوع الدراسة، فإن القارئ سيجد أن لخصائص أصوات الحروف المشاركة التي سبق لي دراستها، المزيد من الفضل في توضيح كثير من معاني الأمثلة موضوع الاستشهاد، كما سيجد أن كثيراً من الأمثلة قد سبق الاستشهاد بها بمعرض دراسة حرف كنت قمت بدراسته، هذا وسأعمد إلى تذكير القارئ أحياناً بالحرف المساعد مع التنويه بخاصيته الصوتية ذات العلاقة، وذلك كدرس تطبيقي على استخلاص معاني الألفاظ من أصوات حروفها.
    ولما كان الحديث عن الشعور كحاسة سادسة يدخل في نطاق علم النفس، فلقد رأيت أن أرجئ الحديث عنه في فصل خاص، إلى مابعد دراسة أصوات الحروف الشعورية، ذلك للإفادة منها في تتبع مختلف الحالات الشعورية التي عاناها العربي سابقاً بمعرض إبداع أصوات هذه الحروف ونعانيها نحن اليوم بمعرض استيحاء معانيها. وذلك لنرى كيف يتحول الشعور من حالات نفسية باطنية إلى أداة يعي بها ذاته، كحاسة سادسة لها طبيعتها الخاصة.
    1- حرف الصاد

    مهموس، رخو، يشبه رسمه في السريانية صورة الصبي. يقول عنه العلايلي: إنه (للمعالجة الشديدة)، وهو قريب من واقعه ولكنه قاصر.
    هذا الحرف إنما هو تفخيم لحرف السين وصفيريٌّ مثله، إلا أنه أملأ منه صوتاً، وأشد تماسكاً، فهو من أصوات الحروف كالرصاص من المعادن رجاحةَ وزنٍ، وكالرخام الصقيل من الصخور الصمَّاء صلابة ونعومة ملمسٍ، وكالإعصار من الرياح، صرير صوت يقدح ناراً.
    ولقد منحته هذه الخصائص الصوتية شخصية فذَّة طغى بها على معاني معظم الحروف في الألفاظ التي تصدرها، ليعطيها من نقاء صوته صفاء صورة وذكاء معنى، ومن صلابته شدة وقوة وفاعلية، ومن طبيعته الصفيرية مادة صوتية نقية ماكان أصلحها لمحاكاة الكثير من أصوات الناس والحيوانات وأحداث الطبيعة.
    فمن مئة وخمسة وأربعين مصدراً تبدأ بحرف الصاد في المعجم الوسيط، كان منها ستة وعشرون مصدراً تدل معانيها على أصوات يتوافق معظمها مع خصائصه الصوتية. هي:
    صأى الفرخ (صاح). صحِل صوته (بُحَّ وخشُن). الصخَب. صخّ الحجرُ (صوّت عند القرع). صدح الطائر (رفع صوته فأطرب).الصدى. صرخ. صرّ صريراً (صوّت). صرصر (صاح بصوت شديد متقطع). صرف الباب صريفاً (صوّت). الصفير. صفّق بيديه. صعِق الحيوان صعْقا (اشتد صوته). صفصف العُصفور (زقزق). صقب الطائر (صوّت). صقع الديك صقيعاً وصُقاعاً (صوّت). صلصل الشيء (صوَّت بترجيع). صلق صلّقا (صاح مولولاً). صلّ السيف صليلاً (صوّت صوتا ذا رنين). صمصمت القنفذ (صوّتت) صنج (ضرب الصنج) صهصه بالقوم ( زجرهم ليسكتوا) صهل الفرس. صات صوتاً (صاح). صار صورا (صاح). صاح صيحاً وصِياحاً (صوت في قوة).
    وكان منها عشرون مصدراً تدل معانيها على الصفاء والنقاء مادياً ومعنوياً، بما يتوافق مع خاصية الصفاء في صوته. منها:
    الصباح. صحّ الشيء (برئ من كل عيب أو ريب). صحصح الأمر (تبين). الصحو. الصِّدق. الصراحة، ذهبٌ صَرْد (خالص). شراب صِرف (غير ممزوج بغيره) الصفح. الصفاء. الصقيل. الصلاح. الصلاة. الصوم.
    وكان منها ثمانية وأربعون مصدراً تدل معانيها على الشدة والصلابة وقوة الشكيمة، بما يتوافق مع هذه الخصائص في صوته. منها:
    صؤل البعير (اشتد هيجانه). صبر (تجلد ولم يجزع). صحنه (ضربه). صخد اليوم (اشتد حرّه). الصخرة. صدّه. صرمه (قطعه). الصعوبة. صفده (شدّه وأوثقه). صكّه (دفعه بقوة). صلته بالسيف (ضربه). الصلد (الصلب). الصلدم (الصلب المتين). صمح اليوم (اشتد حرُّه). الصُّمود. صمل صملا وصُمولا (اكتنز وصلب). الصِّنديد (الشريف الشجاع). الصولة. أصمى الصيد (أصابه فوقع بين يديه). الصيصة (الحِصن). صال عليه (سطا عليه ليقهره). صاد الوحش (قنصه).
    وكان منها عشرون مصدراً قد أضفى الصاد بعذوبة صوته ونقائه على معانيها لمحة من صفاء ونقاء ورقة وشعر. هي:
    الصبابة (الشوق)، صبا إليه (حنَّ وتشوق). الإصبع. الصاحب. الصِّراط. الصَّدغ. الصغير. أصغى إليه (أحسن الاستماع). الصمخة من النساء (الغضّة). الصِّنْو (النظير). لون أصهب (أصفر ضارب إلى الحُمرة). أصاخ إليه (استمع). الصّناعة. الصياغة. صاك الطيبُ (عِبق). صيّأ. النخيلُ (ظهرت ألوان البِسْر). تصنّف الشجر (بدأ ورقه وتنوع). صفّ القوم (انتظموا في صف واحد). الصيف.
    وكان منها عشرة مصادر تدل معانيها على بعض العيوب النفسية والجسدية، دونما تشويه أو فجور أو قذارة. هي:
    صأصأ الرجل وتصعصع (جبن). تصعلكت الإبل (طرحت أوبارها). صعفق (ضؤل جسمه). صعِل (كان دقيق الرأس والعنق). صلِج (صار أصمَّ). صلِخ (ذهب سمعه). صلِف (تكبر وثقلت روحه). صنّت الرائحة وصنمت (خبُثت، لتدخل النون المخنخنة، كما سيأتي.
    وهكذا قد طبع هذا الحرف بخصائصه الصوتية (78.5%) من معاني المصادر التي تبدأ به، وهي نسبة عالية تؤهله للانتماء إلى زمرة الحروف القوية.
    وقد يتساءل القارئ:
    لماذا صنفت حرف الصاد في زمرة الحروف الشعورية، ولم أصنفه سمعياً، مادام هو في الأصل صفيري الصوت؟

    لقد بلغت المصادر التي تدل معانيها على أصوات في الجداول السابقة (26) مصدراً بنسبة (18%) مما لا نظير لذلك لدى أي حرف سمعي آخر. بينما اقتصر نصيب المشاعر الإنسانية منها على أربعة مصادر. هي:
    الصبابة (الشوق). صبا إليه (حنَّ وتشوق). صأصأ الرجل وتصعصع (جبُن).
    فكان حظ المشاعر الإنسانية من حرف الصاد أقل منه في كثير من الحروف غير الشعورية. ورداً على هذا التساؤل أقول:
    لقد صنّفت هذا الحرف الصفيري شعورياً، لجمال صوته وعذوبة موسيقاه، ولما يثيره في النفس من إيحاءات النقاء والصفاء والطهارة والبراءة والعِزة وقوة الشكيمة.
    مشاعر إنسانية مرهفة لم يتعرَّفها الإنسان العربي إلا في مرحلة بطولية من مراحله الرعوية الراقية، فأبدع صوت هذا الحرف، بتفخيم السين للتعبير عن هذه المعاني والمشاعر المستجدة. ليكون حرف الصاد بذلك من أنبل الحروف.
    وهكذا رفعت حرف الصاد من الطبقة السمعية على الرغم من صفيريته، إلى مرتبة الحروف الشعورية لما يتمتع به صوته من أصالة ونبالة وروح فروسية. وللقارئ أن يعيده إلى زمرة الحروف الصوتية إن رغب في ذلك. وما أحسبه سيرغب.


    ولكن ماذا عن حرف الصاد في نهاية الألفاظ؟

    بالرجوع إلى المعجم الوسيط عثرت على مئة وثمانية عشر مصدراً تنتهي بالصاد، كان منها خمسة عشر مصدراً تدل معانيها على الشدة والصلابة والقوة. منها:
    أصّت الناقة (اشتد لحمها). جصّ في الربِّاط (تأوه من شدة ربطه به). حصّ الفرس حصصا (اشتد عدوه في سرعة). دعصه بالرمح (طعنه به). عاص الأمر عوصاً (التوى فخفي وصعُب). قعصه (طعنه بالرُّمح). وهص الشيءَ (رماه رمياً عنيفاً).
    وكان منها أربعة مصادر للصفاء واللمعان. هي:
    بصّ بصيصاً (لمع وتلألأ). خلص (صفا وزال كدره). عرصت السماء (دام برقها). محص البرق (لمع). ولا شيء للأصوات. وقد سبق تعليل هذه الظاهرة الغريبة في حرف (الزاي) فليرجع القارئ إليه.
    ولاشيء منها للمشاعر الإنسانية، وهذا كان متوقعاً، فليس الصاد في نهاية المصادر أوحى منه بالمشاعر الإنسانية في مقدمتها.
    وهكذا هبطت نسبة تأثير حرف الصاد في معاني المصادر التي تنتهي به إلى (16%) فقط.
    وكانت مفاجأة غير متوقعة، لما في صوته من موحيات الشدة الصلابة والصقل والصفاء. بل لوحظ أن معظم المصادر التي تنتهي به قد تأثرت معانيها بالخصائص الصوتية للحروف التي تقع في مقدمتها، كما في النماذج التالية:
    دعصه بمعنى طعنه (للدال والعين). قعصه بمعنى طعنه بالرمح (للقاف). بخص عينه بمعنى فقأها (للباء). رعص، اضطرب (للراء). رقص (للراء) غاص (للغين). فرص الثوب شقه طولاً (للفاء)، لمِص العسل، لعقه بطرف إصبعه (لحرف اللام). مصّ (للميم).
    مما يدل على أن العربي كان يلفظ الصاد في المواقع الخلفية مخففاً مرققاً، بلا تفخيم، كعادته مع أصوات الحروف التي تقع في نهاية الألفاظ.
    ثم أخيراً، ماذا عن حرف الصاد في وسط المصادر؟

    بالرجوع إلى المعجم الوسيط عثرت على خمسة وثمانين مصدراً يتوسطها حرف الصاد، بعد استبعاد مضعَّف العين منها لورود حرف الصاد فيها في نهايتها، وقد سبقت دراستها في هذا الموقع.
    وكما كان الحال في المصادر التي تنتهي بالصاد، فإن معاني معظم المصادر التي يتوسطها هذا الحرف قد تأثرت بالخصائص الصوتية للحروف المشاركة ولاسيما ماوقع منها في أوائلها كما في الأمثلة التالية:
    بصع الماء (رشح قليلاً: الباء للحفر والنفاذ). حصد الزرع (قطعه: الدال للشدة المادية). خصل الشيء (قطعه : الخاء هنا للتخريب، كما سيأتي). رصف الشيء (ضمّ بعضه إلى بعض: الراء للتكرار). عصفت الريح (اشتد هبوبها: العين للشدة كما سيأتي). فصم الشيء (شقه: الفاء للفصل والشق والتوسع). قصب الشيء (قطعه: القاف للقوة والانفجار الصوتي، والباء للحفر). عصلب الرجل (كان شديد العصب: العين للشدة واللام للتماسك). لصب الجلد ولصغ ولصِق (بمعاني لزق: اللام للالتصاق). مصر الناقة (حلبها بأطراف أصابعه: الميم للمص والانجماع، والراء للتحرك والتكرار). نصع (صفا ووضح: النون للنقاء والعين للعيانية كما سيأتي). هصر الشيء وهصمه (كسره: الهاء للتخريب والراء للتحرك والتكرار).وصل الشيء بالشيء (ضمه به وجمعه ولأمه: اللام للالتصاق). وصم العود (صدعه من غير فصل والمعنى هو محصلة الصاد للشدة والصلابة، والميم للانجماع).
    ولقد كان من هذه المصادر سبعة وعشرون مصدراً لمعاني الشدة والفعالية والقطع والكسر، قد تأثر سبعة عشر منها بخصائص الحروف المشاركة، كما لحظنا ذلك في بعض الأمثلة السابقة.
    وكان منها ستة لمعاني الصفاء والنقاء والوضوح، قد تأثر أربعة منها بالحروف المشاركة. هي:
    أصُل النسب أصالة (شرُف: للصاد). البصر: الباء للنفاذ والراء للتحرك). أفصح الصبح (بدا ضوءه وظهر: الفاء للانفراج، والحاء للرقة والجمال). لصف لونه (برق وتلألأ: للصاد). نصح المعدن والقلب وسواهما (خلص من الشوائب: النون للنقاء والحاء للرقة والجمال). نصع (صفا ووضح: سبق تعليلها أعلاه).
    وكان منها مصدر واحد للأصوات: هو قصف الرعد (اشتد رعده: القاف للقوة والانفجار الصوتي). ولا شيء للمشاعر الإنسانية.
    ومما يدعو للدهشة، أننا لم نعثر في هذه المصادر جميعاً على أي معنى من معاني البذاءة أو القذارة أو النتانة أو الفحش، أو مما يدخل في مضمار التشوهات النفسية والعقلية والجسدية سوى مصدر واحد، هو: (هصا هصواً (أسَنَّ وكبر)؛ للهاء المختصة أصلاً بالعيوب النفسية والجسدية كما سيأتي:
    فلئن كانت الحروف العربية قد أثرّت في معاني معظم المصادر التي يتوسطها حرف الصاد، فإن هذا الحرف قد حماها جميعاً وحصنها من كل ماهو ناب وقبيح من المعاني، ليكون حرف الصاد بذلك من أنبل الحروف العربية.
    2- حرف الضاد

    يقول عنه العلايلي: إنه (يدل على الغلبة تحت الثقل) تعريف مبهم.
    لقد حمل هذا الحرف لقب اللغة العربية، فقيل (لغة الضاد)، وقد أسند بعضهم هذا اللقب إلى الحديث الشريف:(أنا أفصح من نطق بالضاد). إلاّ أن الشراح لم يثبتوه. أما المتنبي فقد أثبته في قوله:
    لا بقومي شرُفتُ بلْ شرُفوا بي



    وبنفْسي فَخُرت لا بجُدودي


    وبهمْ فخرُ كلِّ مَنْ نطقَ الضاَ


    دَ وعوذُ الجاني وغوثُ الطريدِ.


    وما أحسب أن المتنبي هو الذي أبدع هذا اللقب. فمسألة صعوبة النطق بالضاد الأصيلة قد أثيرت قبل المتنبي بزمن طويل، كما سيأتي:
    الاختلاف في نطق الضادّ:

    لقد اختلف علماء اللغة العربية في مخرجها وشِدَّتها اختلاف العرب أنفسهم في كيفية النطق بها.
    يُستفاد من البحث الذي خصَّصه الدكتور أنيس في كتابه (الأصوات اللغوية) بهذا الصدد، إن الضاد القديمة، وإنْ كانت مجهورة كالضاد الحديثة (يهتز مع صوتها وترا الحنجرة)، فإنها قد تطورت من الرخاوة إلى الشِّدة.
    فالضاد التي تلفظها مصر هي اليوم أشبه بالدال. والضاد السورية مفخمة وأشد انفجاراً. أما في العراق فيلفظونها ظاء رخوة، علماً أن التلفظ بالضاد ظاء كان لغة كثير من القبائل العربية. ونُقل عن الأصمعي قولُه: "إنَّه تتبع لغات العرب كلها (أي لهجاتهم)، فلم يجد فيها أشكل من الفرق بين الضاد والظاء) (الأصوات اللغوية ص54).
    النطق بالضاد القديمة:

    يُستفاد من وصف الخليل بن أحمد الفراهيدي أن العُضوين المكوِّنين للنطق بالضاد القديمة ينفصلان انفصالاً بطيئاً نسبياً، فحلّ الانفجار البطيء في صوتها محل الانفجار الفُجائي، ولهذا السبب قال ابن الجوزي في كتابه (النشر في القراءات العشر): (إن الضاد انفردت بالاستطالة ، وليس في الحروف مايعسُر على اللسان مثله، فألسنة الناس فيه مختلفة)، (الأصوات اللغوية ص 51).
    كما أكد علماء اللغة القدامى: (أنَّ النَّفسَ مع الضاد القديمة بعد خروجه من الحنجرة يتخذ مجراه من الحلْق إلى الفم، إما عن يسار الفم عند أكثر الرواة، وإما عن يمينه عند بعضهم، أو عن كلا الجانبين على رأي سيبويه): (المرجع السابق ص 49).
    ونظراً لتداخل صوتي الضاد والظاء في اللهجات العربية، فإن نهاية مخرج الضاد القديمة لابد أن يكون قريباً جداً من بداية مخرج الظاء. لتكون الصعوبة البالغة في نطق الضاد القديمة تتلخص في امتداد مخرجها حتى بداية مخرج الظاء، مع البراعة في الفصل بينهما، وهذا ماجعل إتقان التلفظ بها فائق الصعوبة، فكان لا مثيل لها في لغات العالم، مما يؤهلها لحمل لقب اللغة العربية، على رأي معظم علماء اللغة العربية وادبائها.
    ولهذا السبب من الصعوبة الفائقة في نطقها تراجع العراقيون وغيرهم من القبائل العربية القديمة بمخرجها قليلاً باتجاه الفم حتى استقر في مخرج الظاء، كما تراجع المصريون بمخرجها أكثر حتى استقر قرب مخرج الدال. أما السوريون فقد تقدموا بمخرجها قليلاً نحو الحلّق. إشباعاً وتفخيماً، فكان صوتها أشد انفجاراً من الضاد الأصل.
    وهكذا ضاعت الضاد القديمة من على ألسنة العرب، ولم يعد لها وجود على الإطلاق.
    الخصائص الصوتية للضاد:

    لابد لهذه الخصائص أن تختلف باختلاف مخرجها على المدرج الصوتي. فإذا لفظت الضاد مُفخمة شديدة الانفجار كما في سورية كانت تفخيماً للدال، لتصبح بذلك أعلى منه نبرة وأملأ صوتاً وأكثر تلوناً بإيحاءاته الصوتية.
    وصوت الضاد في حالة التفخيم والتشديد يوحي بالصلابة والشدة والدفء كأحاسيس لمسية، وبالفخامة والضخامة والامتلاء كأحاسيس بصرية، وبالضجيج كإحساس سمعي، وبالشهامة والرجولة والنخوة كمشاعر إنسانية.
    وإذا لفظت بما يشبه الدال المرققة كما في مصر كانت ضاداً مخففة بنطقها وخصائصها الصوتية، وبذلك تكون أقل إيحاء بالشدة والقساوة من الدال ذاتها، ولا مايوحي بالفخامة والضخامة والضجيج، ولا بأية مشاعر إنسانية كما لحظت ذلك في حرف (الدال).
    ولكن ما موقف المعاجم اللغوية من هذه اللهجات الثلاث؟

    إذا كنا لا نعرف اليوم كيف كانت الأجيال العربية الأولى تنطق بالضاد القديمة، فإننا بالرجوع إلى معاني الألفاظ التي تشارك فيها نستطيع أن نرجح أيّ اللهجات الثلاث (المصرية، أم السورية، أم العراقية) هي الأقرب إلى الأصل؟
    بالرجوع إلى المعجم الوسيط عثرت على خمسة وتسعين مصدراً تبدأ بحرف الضاد، كان منها أحد عشر مصدراً تدل على أصوات ضجيجية بما يتوافق مع صوت الضاد السورية، هي:
    ضأضأ (جلب وصاح). الضوضاء. الضُّباح (صوت الثعلب). ضجّ (جلب وصاح من مشقة أو فزع) ضحِك. ضرط. ضعْ (اسم صوت لزجر الإبل). ضغضغ الادرد اللقمة (لاكها ومضغها فسُمع له صوت). ضغا ضغاء وضغوا (صاح من الألم). ضوضى (صاح وجلب).
    كما كان منها اثنان وخمسون مصدراً تدل معانيها على الضخامة والشدة والامتلاء، بما يتوافق مع موحيات صوت الضاد السورية، منها:
    ضأزه (جار عليه). الضباب. ضبج (ألقى نفسه على الأرض من ضرب أو تعب) ضبر (جمع قوائمه ووثب). ضجع (وضع جنبه على الأرض). الضجم (الأكول). الضخم. ضدَّه في الخصومة (غلبه). ضَدِيَ ضدا (امتلأ غضباً). ضرجه (شقه). ضرحه (شقه). الضرر الضِّرس. الضِّرع (مَدَرُّ اللبن لإناث الحيوان، لضخامته). الضِّرغام (الأسد). الضِّراك (الغليظ الشديد العصب). ضرِىَ ضراوة (اشتد). ضزنه (غلبه على مافي يده). ضعضع البناء (هدّمه حتى الأرض). ضغطه. ضغمه (عضه شديداً بملء فيه). الضِّغْن (الحقد الشديد). ضفر وضفز (وثب وعدا). ضكضك (أسرع في مشيه). ضكَّه (ضغطه بشدة). الضليع. الضّنْك (الضيق). ضهده واضطهده (أذلَّه وظلمه). ضار ضوراً (اشتد جوعه). ضاره ضيراً (أضرّ به). ضازه ضِيزاً (ظلمه). الضيق. الضُّماضِم (الأسد الغضبان، والأكول النَهم لا يشبع). ضنأت المرأة وضنت (كثُر نسلها). الضاهر والضهر (أعلى الجبل). ضاج الوادي ضوجاً (اتسع). ضان ضوناً (كسر نسله وولده).
    وكان منها أربعة وعشرون مصدراً تدل معانيها على الرقة أوالنضارة أو الضعف، بما يتوافق مع الخصائص الصوتية للضاد المصرية، وإن كانت الضاد السورية أكثر انسجاماً مع أصوات الحروف التي يتألف منها معظم هذه المصادر. منها:
    ضؤل (صغر). الضائق (الضعيف اللين، والحسن الجسم من غير امتلاء). ضأى (ضؤول جسمه ودق). الضحُّ (الشمس، أو ضوؤها على الأرض). ضحضح الأمر (تبين). ضحل الغدير (قل ماؤه). ضحا ضحوا (برز للشمس). ضلّ (خفي وغاب). اضمحل (ضعف) ضمر ضموراً (هزل وقل لحمه). ضَنِيَ وضنا وضناء (اشتدَّ مرضه حتى نحل). ضاع الشيء ضوعاً (تحرك فانتشرت رائحته). ضَوِى ضَواً (ضَعُفَ ) الضياح (اللبن الرقيق الكثير المياه). ضاع ضياعاً (فقد وأُهمل). ضعف (هزل). ضاء الشيء (أنار وأشرق). ضاف إليه (دنا ومال واستأنس به).
    وهكذا بلغت نسبة المصادر التي تتوافق معانيها مع صوت الضاد المفخمة الأقرب إلى اللهجة السورية (66.3%) بينما بلغت نسبةالمصادر التي يمكن أن تقبل الضاد المصرية المخففة، بشيء من التسامح (25.2%) . وبذلك ترجح اللهجة السورية في الضاد على اللهجة المصرية عدداً وكمّاً وكيفاً، بما مجموعه (91.5%).
    ولكن ماذا عن الضاد في نهاية المصادر؟

    بالرجوع إلى المعجم الوسيط عثرت على ثلاثة وستين مصدراً، كان منها مصدر واحد يدل على صوت. هو: الحبض (الصوت الضعيف). ولا غرابة في هذه الندرة، كما أسلفت.
    وكان منها خمسة وثلاثون مصدراً تدل معانيها على الشدة والضخامة والامتلاء، يما يتوافق مع الضاد السورية. منها:
    بُضّ البدن (امتلأ ونضُر). بعضه البعوض (عضّه). بهضه (شقّ عليه). جرضه (خنقه). حضّه (حثّه). رضّه ورضرضه (دقّه). ركض. رمِض اليوم (اشتد حرّه). خاض الماء (دخل فيه ومشى). عضّ. فضّ اللؤلؤة (خرقها).فاض الماء. الفيوض (الواسع). قرضه (قطعة بالمقراض) قضّ الجدارَ (هدّه بعنف). قاض البناء (هدّمه). نهض (قام يقظاً). هضَّت الإبل (أسرعت). هاض الشيء (كسره). وفض (عدا مسرعاً). النحض (اللحم المكتنز). الهِنْبضُ (العظيم البطن).
    وكان منها ثمانية عشر مصدراً تدل معانيها على الرقة أو النضارة أو الضعف بما يتوافق مع الضاد المصرية. منها:
    باض بَوْضاً (حسن وجهه بعد كلف). حرِض الثوب (بليت أطرافه). خفض (حط بعد عُلوٍّ). رحض الثوب (غسله). غمُض (خفي). غاض الماء (غاب في الأرض). المحض (الخالص من كل شائبة). المرض. نبض (تحرك في مكانه). نضَّ الماء (سال قليلاً). نفض الكرم (تفتحت عناقيده). ومض البرق (لمع خفيفاً).
    أما المشاعر الإنسانية فكان لها مصدر واحد هو معض من الأمر (غضب وتألم) بما يتوافق مع الضاد السورية.
    وهنا ترجح أيضاً كفةُ اللهجة السورية على المصرية بنسبة (57%) إلى نسبة (28.6%) مع الإشارة إلى أن معظم المصادر التي تدل معانيها على الرقة والضعف، تتوافق أصوات حروفها مع الضاد السورية، لا المصرية، فكانت نسبة تأثيرها في معاني المصادر هنا (87.33%).
    ثم بملاحقة الضاد في وسط المصادر، عثرت على ثلاثة وثمانين مصدراً، كان منها ثمانية وأربعون مصدراً تدل معانيها على الشدة والقوة الضخامة والامتلاء، بما يتوافق مع معطيات الضاد السورية في الشدة والتفخيم. منها:
    بضع اللحم (قطعه). حضأت النار (التهبت). خضخض الشيء (حركه ورجرجه). خضمه(قطعه وأكله بجميع فمه، للرطب). قضمه (كسره بأطراف أسنانه، لليابس). رضحه (دقّه بحجر وكسره). عضب الشيء (قطعه). عضبر الكلبُ (استأسد) عضل به الأمر (اشتد واستغلق). الغضافر (الأسد). تفضّح (توسع). قضبه (قطعه). قضعه (قهره). لضمه (عنف عليه وألحّ). نضخ الماء (اشتد فورانه). مضغ الطعام.الهضبة. هضَّت الإبل (أسرعت). وضم القوم (تجمعوا وتقاربوا).
    وكان منها خمسة وعشرون مصدراً تدل معانيها على الرقة والضعف والأناقة بما يتوافق إلى حد ما مع موحيات الضاد المصرية. منها:
    الخُضرة. خضِل (ندي وابتل). الرُّضاب (الريق). الرَّضاع. رضيه (اختاره وقبله). غضَّت المرأة (رقَّ جلدها وظهر دمها). نضح (رشح). نضُر (كان ذا رونق وبهجة. وضؤ (حسنُ وجمُل ونظُف). وضح الأمر (بان).
    ولم أعثر على أي مصدر يدل على صوت.
    وكان للمشاعر الإنسانية خمسة مصادر تتصف معانيها بالشدّة والحدّة والسلبية بما يتوافق مع الضاد السورية. هي:
    خضع. أضّه الأمر (حزنه وجهده). أضم عليه (أضمر حقده). الغضب. مضَّه (آلمه).
    لترجح بذلك الضاد السورية على المصرية بنسبة (63.9%) إلى (30%). ليبلغ معدل النسب الثلاث )(61.7%) لصالح الضاد السورية و (28%) لصالح الضاد المصرية بما مجموعه (90%) وتلك نسبة عالية جداً تجعله في مقدمة الحروف العربية قوة شخصية. وبذلك تكون الغلبة من حيث الكمية العددية إلى جانب الضاد السورية.
    ولكن ماذا عن الكيفية أيضاً؟

    بالرجوع إلى جميع المصادر التي شاركت الضاد في تراكيبها في مختلف المواقع منها، يتضح أن معظم معانيها يتوافق مع الخصائص الصوتية للضاد المفخمة لا المرققة. فمعظم المصادر التي تدل معانيها على الشدة والضخامة والامتلاء والصلابة والنضارة والأصوات والمشاعر الإنسانية، لا تقبل الضاد المصرية قطعاً، وذلك للتعارض الكائن بين موحيات صوتها وبين تلك المعاني.
    كما أن الجداول الثلاث التي صنفت مصادرها لصالح الضاد المصرية، وإن كانت معانيها تقبلها بشيء من التسامح، فإن جميع مايدل منها على الرقة والنضارة والأناقة، هي أقبل للضاد السورية، لما في صوتها من موحيات النضارة والأناقة والفخامةـ، كما في:
    الضحى. ضوع العطر، الضوء. المحض، النبض، ومض البرق، الخضرة، الخضيلة (الروضة الندية). الرُّضاب. النضارة. الوضوح....
    ومنه يتضح أن الأجيال العربية الأولى إذا لم تكن قد لفظت الضاد بمثل فخامة وشدة الضاد السورية، فإنها لم ترققها قطعاً كالضاد المصرية، فترقيق صوت الضاد وتخفيضه من شأنه أن يحولها إلى دال قاحلة، لا أناقة فيها ولا نضارة ولامايوحي بأي شعور إنساني.
    ومنه يتضح لنا صحة ماذهب إليه علماء اللغة القدامى، من أن الضاد القديمة الضائعة كانت تلفظ بصوت يجمع بين النضارة والأناقة والفخامة بشيء من القلقلة الرشيقة.
    وقد يتساءل القارئ هنا أيضاً: لماذا لم تُصنَّف الضاد في زمرة الحروف السمعية، لما في صوتها من موحيات الضجيج؟ وقد كان هناك أحد عشر مصدراً تبدأ بالضاد تدل معانيها على أصوات، بينما لم يكن منها سوى ثلاثة للمشاعر الإنسانية. هي: ضجر (ضاق وتبرم). ضَدِيَ ضداً (امتلأ غضباً).الضغينة (الحقد الشديد).
    وأجيب عن هذا التساؤل):
    لقد صنّفتُ الضاد شعورية، لما يوحيه صوتها من المشاعر الإنسانية. فلتفخيم الضاد لابد من اعتماد التجويف الأنفي أثناء خروج صوتها. ليأخذ بذلك طابعاً متميزاً من الغُنَّة، تلطف من ضجيجه، وتُضفي عليه شيئاً من النضارة والرشاقة.
    ولذلك فإن صوت الضاد بفخامته ونضارته وغُنّته، إنما هو أوحى أصوات الحروف قاطبة بمشاعر الشهامة والمروءة والشمم . ولا أدلّ على ذلك من أن الأصوات الغنائية التي تعتمد في غنتها التجويف الأنفي، إنما هي أشد أصوات الطرب إثارة لمشاعر النخوة والرجولة والعواطف القومية، كما في صوتي فايدة كامل في أغنية (يانيل)، واسمهان في أغنية (حنَّا روينا سيوفنا من القوم).
Working...
X