4
- تقرأ ولا تكتب! .. معقول يا شمس النهار ؟! .. حافظ للقرآن ولا تكتب حتى اسمك؟ هذا والله عجباً !!.
ثم طلب مني بعد أن انتهى من عقد قراني .. أن اذهب إليه في الكتّاب ليعلمني القراءة والكتابة .. في البداية فرحت كثيراً .. العلم نور .. لكنني سرعان ما تراجعت وقلت لنفسي : كيف ؟ أي كتابة أتعلمها وأنا في هذا السن ؟ ويا ليتني ذهبت إلى الشيخ وتعلمت !!
حكاية
تعليم سلطان
وذات ليلة جاءنا الشيخ أبو المجد .. وكنت جالساً مع أبي نور الدين .. فسعدنا به كثيراً.. فزيارته لأبي تثير البهجة في نفوسنا .. سلم على أبي وجلس إلى جواره .. وبلا مقدمات أخذ ينقل لنا رغبة سلطان وحبه لتكملة مشوار التعليم .. وأنه هو أيضاً مؤيده في ذلك .. خاصة وأن مدينة المحلة الكبيرة .. بعيدة كل البعد عن الحرب .. عند ذلك أردف أبي قائلاً :
دع ولدك يا شمس يكمل تعليمه .. من يدرى .. ربما أصبح طبيباً فيعالجني من هذا الربو اللعين .. أو عالماً كبيراً كجده الشيخ أبو المجد .
واستعنت بالله وألغيت فقط فكرة المسكن بالمدينة .. لكنني كنت كل يوم بعد صلاة الفجر اصحبه إلى المدرسة في مدينة المحلة الكبيرة .. في ضوء مشعلي .. ولا أعود إلا معه في الظهيرة .. كانت معاناة سببتها لي وله الحرب .. إذ أننا في أحياناً كثيرة كنا نذهب إلى المدينة سيراً على الأقدام .. ويا ليتها دامت تلك الأيام .. لقد تعلمت خلالها كيف أكتب الحروف الأبجدية.. إذ كان كل يوم يعلمني سلطان حرف أو حرفين .. حتى اشتدت الحرب وزادت كوارثها .. عندما سمعنا أن أمريكا ستضرب جميع المدن الكبيرة .. التي ستقف ضد مصالحها بالقنابل الذرية .. وجلست أنا وأمه نضرب أخماسا في أسداس .. نفكر في حيلة نقنع بها سلطان كي يكتفي بما تعلم .. وبعد جدال طويل معه .. استطعت أن أقنعه بحيلة أنني احتاجه معي في فلاحة الأرض .. خاصة بعد وفاة جده نور الدين .
وانتهت الحرب لما أخبرنا الشيخ بأن الألمان قد هزموا في العلمين .. وهيئ لنا أن الأعياد قد عادت .. وأن أزهار جديدة ستولد .. وأن الدنيا سيعود إليها صفاؤها ونقاؤها .. وها هو سلطان يعد نفسه من جديد وبإصرار على تكملة مشوار التعليم .. وها أنا أعد نفسي لأكمل معه المشوار وأتعلم الكتابة .