Announcement

Collapse
No announcement yet.

حافلة ٌ، زاوية ٌ، وقـطار قصة / وفاء عبد الرزاق

Collapse
X
 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts

  • حافلة ٌ، زاوية ٌ، وقـطار قصة / وفاء عبد الرزاق

    حافلة ٌ، زاوية ٌ، وقـطار

    الخير والشر، الفرح والحزن، السكون والحركة، الغروب والشروق، كل نقيض له رائحة خاصة وزاوية خاصة في مساحة صغيرة في حافلة أو قطار.
    أحب اكتشاف الآخر، الاكتشاف بحثي الدائم، أملأ نفسي وأتركه يدبُّ بين أصابعي. لا يرى في الليل زرقة إلا من اخترق نقطة السواد واستشفَّ نبعاً أزرق.
    الساعة تشير إلى العاشرة صباحاً، على ظهري مسامير جاءت لتستقر ذات مساء وطاب لها المقام، حين استشفـَّتْ عيني زرقة نبع الليل ركنَ سواده في بئرها الضارب إلى الزرقة هو الآخر، في حقيبتي سكونُ نقود تبرم شفتيها لمحفظة فارغة، ربما فيها صرصار يكفي لشراء سندويش بالجبن.
    الشمس لا تظهر في بلاد الضباب لذا اعتمرتُ قبَّعة تجمع شعري وتحفظه من مطر مفاجئ، أحب الغامق من الألوان حتى الكلاب البنيّة الضاربة إلى السواد والغريب أني أعشق سماءً داكنة.
    رغم حبي للوني الداكن أحببتُ ثوبها الأحمر بزهور خضر، ورغم جهدي في اختراق الليل لاكتشاف زرقته آنسني قميصه الأزرق.
    ضرباتي الوتريـَّة على آلة الصمت واكتشافي لنوتات لم يكتشفها أحد جعلتني أصمتُ لسماعها وحدي. كلما ركبتُ حافلة أو صعدتُ مترو، حافلة مترو، مترو حافلة، هذان الثنائيـِّان سيمفونيـَّة امرأة بزيِّ جسد.
    في نظراتهما رقة ُنافذة وذهبٌ قاتم، وحفيف أشجار .
    في العاشرة صباحاً، شجرتان متقابلتان دافئ صمتهما يتسع لمتنزهات لندن.
    اتسعتُ مثلهما وكأني أبحث عن نجم طفل، ابتسمتُ حين تسللت أشعتهما إلى قلبي، شعرتُ بمتعة لا مثيل لها أن أتسع لشجرتين ببريقهما العشريني أثمرتا وبغزلهما مرَّتا على قمري الرمادي.
    قربهما وقف "بتهوفن" بل صفّ كامل منه أحاطهما ليسمع نغمتيهما، بإمكانهما الجلوس ملتصقين لكنهما فضلاً التقابل يحاوران عيونهما ويتبادلان أسئلة وأجوبة، في نقاش ، في غزل أو موعد جديد. هي جميلة بوجه مستدير وقوام نحيف وهو يميل إلى الطول بامتلاء وأكثر بياضاً منها.
    تذليل الصعوبات والتعبير عن الذات حاجة للخروج من العزلة والخوف والإحباط إلى عالم مفتوح. شجرتان أبجديَّتان اخترقتا عزلة مفروضة كتبتا بأصابعهما وشكـَّلتا حروفهما بقراءة الشفاه، الاتصال الكلي بالإشارة يفضح روحين أثملتا بعشق لغة القلب.
    في العاشرة والنصف صباحاً، قلبان يتكتكان بعَقاربهما كساعة للعشق ويرجوان قيامة.
    بدأ المطر يتساقط خفيفاً ثم ازداد بتسارع يضرب زجاج القاطرة، جلس الشاب قرب حبيبته بعد استئذانها بأصابعه وإشاراتها ضارباً على شفته ثلاث ضربات وعلى كتفه خمس، التصقا كزهرة تلمُّ أوراقها، مكثا برهة ونزلا بعد محطتين من لحظة الالتصاق، بخطوات رعشة القلب نزل خلفهما (بدرو بانس دوليون، دولابي، وغالوديه ) *
    وقت عرفتُ معنى جنـّة الله ورسُلها على الأرض أدركتُ سرَّ الخالق في خلق ملائكته بأجنحة بيضاء.
    1"بدروبانس دوليون، غالوديه"رجلا دين في الكنيسة الكاثوليكية الأول اسباني والثاني فرنسي عاشا في القرن السابع عشر قاما بتنمية التواصل الشفوي لدى الصم ونجحا في تعليم قراءة اللغة اللاتينية لشقيقين أصمـَّين حيث ظهرت في الفترة ذاتها أبجدية الأصابع.
    2" دولابي" هو الأب الذي نظم الإشارات التي يستعملها الصم ودونها في قاموس صغير وأصبحت هذه اللغة الأساسية في المدارس التي كان يشرف عليها.




    http://samypress.blogspot.com
    http://samypress.yoo7.com
Working...
X