Announcement

Collapse
No announcement yet.

رواية السماء تعود إلى أهلها وفاء عبد الرزاق ( فصل فكرة اللون ) 11

Collapse
X
 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts

  • رواية السماء تعود إلى أهلها وفاء عبد الرزاق ( فصل فكرة اللون ) 11

    فصــــــــل
    فكرة اللون

    أنتَ طائر نفسك
    وفخّ نفسك
    وصدر نفسك
    وأرض نفسك
    وسماء نفسك.

    ( جلال الدين الرومي )











    في جهة العمر، تعبر حفنةٌ من السنين، بلا هوية تتحسس قيدها في اختصار الهواء، تشرب قهوتها كطائر غالبه النعاس.
    لوحة مخدوشة لفنان معتزل الحياة، تشاركه عزلته منفضة سجائر، ضباب يترنح بسكرة الذبح، من المدن والشوارع والأرض، لوحة خشبية نُقش عليها (شقة رقم 202) كان من المفترض أن تـُدق على باب الشقة من الخارج. وبملل طريد تكوّر الوقتُ على شكل دائرة، وعجز وليد عن إضافة لمسة فنية لشقة فقيرة الأثاث. بقيت لوحة رقم الشقة مرمية على الأرض و منذ شهور، بالتكرار اليومي الممل وإيقاع رتابة أكثر منه مللاً يقضي وليد معظم وقته، ويعدّ على أصابعه احتمالات أيامه الباقية في كأس الحياة.
    موكيت أزرق باهت اللون لقدِمه، أريكة لونها أبيض ، (صوفا بيد) ، مصنوعة من الخشب الرخيص، طاولة طعام صغيرة لا تسع أكثر من كرسيين، في المطبخ رفـّان مستطيلان، المطبخ جزء من الصالة، فضاء لتسعة أمتار بمثابة قبر، على الرفوف بعض علب من الفول والحمـّص، كيس من البصل مفتوح وكيس بطاطا مفتوح أيضاً.
    حبتا بطاطا قرب فوهة الكيس معرّقتان بعروق خضراء، علب فارغة من البيرة مرمية بفوضوية قرب الصوفا.
    بالنسبة لوليد يكفيه سد رمق، لذا لا تحتوي ثلاجته على أكثر من شرائح جبن وخبز وثلاث تفاحات مكرمشات الجلد، اللون والشاي وقليل من سد رمق، هو الزهو بالنسبة اليه، علـّمه السجن على ضمور البطن وعلى التقشف.
    مسجـّل صغير أسود اللون ولقِدمه يخرج الصوت منه شبه مبحوح، كثيراً ما يجلس جلسته المفضلة حيث يضع ساقاً على ساق ويخطط في مخيلته صورة للوحة جديدة. لم يعتد الخروج إلا نادراً، وأغلب الأحيان لشراء أبسط حاجياته.
    يهاتف أصدقاءه ويطمئن عليهم، وإذا ألحّوا عليه بالخروج يرضخ لإلحاحهم، ثم يعتذر هاتفياً بعد نصف ساعة.
    لوحاته أكثرها تعبيرية، قدره اختار له الفن، على عكس ما كانت ترغب به أمه، إذ تمنّت له أن يصبح طبيباً يمدّها بالطمأنينة ساعة وقوع المرض، رغم أنه لم يرفض لها طلباً وإن كلـّفه حياته، فإنه كان يطمئنها ويداعب ضفيرتيها السوداوين:
    ـ ابنك يعالج المرض باللون يا أمي.

    ***



















    حين لم تفهم قصده راح يسألها ويفسّر لها في الوقت نفسه:
    ـ لدينا طبيب مختص بالقلب، وآخر مختص بالعيون، أليس كذلك يا أم وليد؟.
    ـ إي والله يمّـه ما تقول إلا الصح.
    ـ وأنا طبيب ألوان، أعالج مرضاي بالألوان وليس بالدواء.
    ـ الله يسلمك يمّـه من كل شر، أكو صيدلية تبيع الألوان؟ (ثم تبدّل لهجتها التساؤلية): المهم طبيب وبس، حتى يصيحو لي أم الدختور وليد.
    ـ وبَسْ يا حلوة وليد.
    ـ وحتى تداوي أهل ديرتنا، كلهم بعوزتنا يا يمـّه، حتى الموظف ما قادر ياكل خبز، شلون البياعة والماعدها ولي، الله يخليك إلهم*
    من بين الجامعات والكليات المتعددة اختار كلية الفنون، وعليه أن يعزم على الترحال، والسفر الى بغداد. تفادياً لعوزه باعت أمه قلادة مهرها بثلاثين ديناراً، وهي تعرف أن قيمتها أكثر من ذلك، فلطالما سمعت من عمتها أم زوجها أن (خشلها ) ثمين وثقيل الوزن. وهي تتطلـّع بوجه الصائغ، تفقدت يدها، إذ سبق لها أن باعت اسورتها لعوز، امتلأت أعماقها صرخة وإصراراً، لا حاجة لها بها، الغالى للغالى. أجبرت خاطرها بمحاولة خداع نفسها أنه أقل من ثلاثين ديناراً، من فرط غيرة عمتها منها تتصور أن قلادتها ثمينة.



    ***



    http://samypress.blogspot.com
    http://samypress.yoo7.com
Working...
X