Announcement

Collapse
No announcement yet.

رواية السماء تعود الى أهلها وفاء عبد الرزاق ( فصل فكرة اللون جزء 6

Collapse
X
 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts

  • رواية السماء تعود الى أهلها وفاء عبد الرزاق ( فصل فكرة اللون جزء 6

    بعد حمّام دافئ، فتح صدره لهواء الشرفة، صرخته اليوم أكبر من صدره، وجدها تهتزّ مع الشجر على مرأى من الهواء لسعته البرودة، زرّر بلوزته الرمادية ضامّاً صدره اليه، قبل أن يغلق النافذة أخذ نفَساً عميقاً، وأغلقها بهدوء، أعدّ كوباً من الشاي، استخرج رسائل قديمة وصوراً قديمة لأهله، تضاعف حجم السؤال حين وجد صورته في الناصرية، ابتسم لنخيلها:
    - أيتها الجميلة يا ناصريتي الموقرة، سأحفرك في مجرى الروح.
    - احمرّت عيناه، وتغضّنت وجنتاه، تطلـّع الى المنفضة، وجد السيجارة قد أكلت نفسها. خطا نحو مرسمه فرحاً : أيتها اللوحة خُذيني اليك.
    سألته الحبيبة: لا بدّ أن أطير على جناحيك.

    لم يسمعها، هيّئ له أن صوت "علية" مرّ قرب ريشته المغموسة في اللون الأحمر، سال وجه أمه من الفرشاة، دهش حين وجد الوجه يبتسم له قائلاً:
    - جِدْ نفسك يا بني، جدها. هيا ارسم، مازال في الوقت متسع، ومازال في العمر نفَسٌ لعزف ناي.
    ضرب جبينه براحته اليمنى:
    - مازلت تحلم يا وليد، هاك ما يكفي من اللون، خُذ ما يكفي من النسيان ، ما يكفيك من الذكــّر وارسم.
    بعد أن شعر بالجوع يعصر معدته، تطلع الى ساعة يده، وجدها تشير الى السادسة مساء. لم يعبأ بالوقت الذي مرّ، ولم يعِـر للجوع أهمية ،إستسلم للألوان، اهتدى إلى شعاعها ، راح يهذي كمن يحادث شخصا حقيقياً :
    - سأرسمكِ كما رأيتك في الحلم أيتها الشقراء، مومسٌ بحفنة امرأة.
    - سمرائي أين ساعدك الجميل، سأرسمه صيحةً تعرّي إطارك، واعذريني فقد قلت سأرسمك وأجسّد شقرائي، هذه حكمة الرجال حين يصبحون عبيداً لسراويلهم. أرسمكما لتمثلا الحرب، وسأردّه الى ضميره وضمير سادته واعذريني حبيبتي "علية"، لن تموتي حرباً إثر حرب، لقد حفرتك في مجرى الدم، لا تقوليّ؛ يهذي أو يثرثر.
    شمّ رائحة نساء مختلفة المصدر، عجين أمه، شيلتها. بعثر ملابسه أرضاً بعد أن داهمته سخونة الرائحة، صوت أنثوي يصبّ بمصبّات الجسد. اقتربت منه حورية سمراء، دنت من رقبته وقبّلتها، شقراء ضمّت رأسه بين نهديها، دارت به دوامة مومس، بينما مومس ثانية تتبادل معه سكرته، تعيد له النصف الخالى من العمر، وتسكره معها ثانية.
    لم يدرِ ِ كم مضى من الوقت، لكنه حين أفاق الى نفسه، اكتشف أنه جالس في ركن قريب جداً من اللوحة المربعة الشكل. غمس فرشاة جديدة باللون الأصفر: شعرك كالحصان سأتركه يلتفّ على عنقك، الفجر يخاف من القمر، أنتِ قمري.
    فتح ثلاثة أزرار من ثوبها، فبانت استدارة النهدين البضّين:
    - ويحك يا وليد أمازلت تحدّث لوحاتك؟،
    غيّر طبعك هذا، وإلا أكلتك الألوان؛ لن تحتاج لوليد آخر.
    مرّر إصبعه بين نهديّ الشقراء بينما السمراء ظلـّت تراقبه، وعيناها تكادان تأكلانه. سحب كـمّ فستانها، ليظهر الكتف عارياً محدثا لوحته:
    - في الناصرية حين يتعرّى الكتف يعني يا قاتل يا مقتول، والدماء تصل الرُّكب، فالعار لا بدّ أن يُغسل. أما في لندن فالأكتاف العارية ببلاش، والنـهود النافرة على قفا من يشيل.
    أحسّ بثقل قدميه، تحرك ببطء باتجاه التلفاز، سمع صوتاً يناديه:
    - عيناك متورمتان يا وليد، خُذ قسطاً من الراحة.
    رجع ووقف قبالة الصورة، أغمض عينيه، تذكر انه اشترى زجاجة عطر غالية الثمن (Givenchy) لغانية رافقها ثلاثة أيام ، وحين وجدته غير قادر عن احياء ميّت بين فخذه تركته هاربة من فشله .
    جلب العطر الى شقراء اللوحة، الأنثى وحدها تنصت لهمسه الخفي ، رآها بالقرب منه تسيل نظراتها عليه ، التصق بها ورشه على عنقها، اقترب من شحمة أذنها وقبّلها عليها، اشتعل مصباح جسده، احتاج لاحتراق، سمع صوت المطر وهو يعانق الأشجار، ابعده عن سطوة الجسد، لكن رائحة الانثى اتجهت صوبه، اقتربت منه، شمّ أنفاسها، بذل جهداً لمقاومتها.. رمت شالها البرتقالى، بحركتها العفوية تفتقت أزرار ثوبها، تحرّك الثدي الأيمن وضغط على خدّه، ثوب أزرق وجسد بض، عناق الضدّين، تآمر عليه.
    أطبقت السمراء شفتيها على شفتيه، وطبعت قبلة حلوة، لكن عينيه شاخصتان باتجاه حلمة وردية وثدي نفر من ثوبه الأزرق.
    صلـّى فؤاده بمحراب الأنثى، لصق وجهه في سُرّة الشقراء، وبحركة عفوية أبعد عنه ذات الرداء الأحمر. يرتاح لصوت أعماقه، نادى شقراءه :
    - خلـّصيني منك.
    أسكتته بإشارة من إصبعها الرقيق الملمس، التمع جسدها في الظلمة: ماذا ستفعل بالسمراء؟
    ـ فقط ضربات فرشاة.
    سمع صوتاً آخر يناديه باسمه، كلـّمه وليد في صمته:
    - ويحك وليد، صرتَ تـكلـّم نفسك. الله يلعن الوحدة ، وتتهيأ أيضا ؟
    رشّ لوناً ذهبياً على إطار الصورة المركون أرضاً:
    - الشقراء رمزٌ للغواية.
    تردّد الصوت ثانية؛ وليد.. وليد.
    ـ يا رب أنا لم أكلـّم نفسي إذاً مَن أنتما؟ هل أنتما من الجن؟
    ـ وهل لرجل مثل وليد وثقافته أن يؤمن بالجن؟
    ـ نحن امرأتاك، اقترب من اللوحة.. هل تسمعنا جيداً؟ نريد أن نعقد معك اتفاقاً.
    ـ عن أي اتفاق تتحدثان؟
    فرك عينيه، وفرك أذنيه، كي يُبعد عنه التهيّؤات. سمعهما مرة ثانية، وثالثة وعاشرة:
    ـ نريد الخروج من عالمك، لنا رغبة في التجوال والطواف في شوارع لندن.
    ـ لكنكما مجرد ألوان، نساء من ألوان.
    ـ نعرف ذلك.. امنحنا حريتنا ولو لمرة واحدة، ألستَ تحبّ الحرية وتحبّ المرأة المتمردة؟
    ـ إننا نعلن العصيان عليك، ونتمرّد على إطارك الذي هيأته، كما نتمرد على سجن أفكارك.
    تقدمت السمراء اليه :
    - أرجوك.
    قبّلته على جبينه.. ارتعش لدبيب القبلة في بدنه.
    تحسّست الشقراء بطنه:
    - أرجوك.
    قالتها بصوت خفوت يسيل لعاب الذكور له، ومدّت يدها تمسّ عضوه من خارج البنطال. قال لها:
    - الى أين تذهبين، إنه معطـّل؟
    أشارت الى السمراء بفكّ أزرار قميصه، وأخذته بين ذراعيها:
    - لا بدّ أنك تعيش في أحلام اليقظة.
    استسلم لها وهي تنزع ثوبها الأزرق، وتقف أمامه عارية وفتحت زنـّاّر بنطلونه، اهتزت الأشجار قرب النوافذ، واهتزّ معها زجاج الشبابيك حين سمعها تهمس في أذنه:
    - كم أنت جميل يا وليد.
    رغم استغراب السمراء مما يجري وما فعلته دون قصد منها، ارتاحت لأوامر الشقراء، جرّته من يده، وأجلسته على الأريكة، ثم جلست على ركبتيه، حرارة جسده تُشعل جسدها، أدنت طرف أنفها من أنفه، شمّت أنفاسه، واعترفت بعشقها.
    شفتاه افرجتا بذهــول، واســترجع آخر حرفين سمعهما من كلامها (I love you). إنه بلا زوجة، بلا "علية" الحبيبة، وبلا شهقة يفرز فيها سائل ذكورته. إنه مجرد قطعة من أثاث الشقة، وخرائط لا ورق ولا جدران ولا حول لها لترسم نفسها.
    أدارعينيه حول محتويات الشقة، طاولة صغيرة، أريكة قديمة، سرير مخذول، مسجل وبعض أشرطة مبعثرة، تلفاز، ثلاجة، لوازم مطبخ. وهو وألوان تتجول حسب إرادته، ورول من قماش الكنفز، وخشب ومسامير. قال لها:
    - اقرصيني،اقرصيني ، أريد أن أعرف إن كنت في يقظتي أم..
    - وضعت إصبعها على شفتيه كي لا يكمل، وارتمت على صدره، سمراء بشعر أسود طويل وثوب أحمر وثديين نافرين، وتركته يكتشف جسد الشرق: جلدكِ ناعم، ناعم.. يا.
    تركها وفتح ذراعيه للشقراء:
    - وجلدكِ أيضاً، أنت غريبة اليفة.
    استكشف محاكاة أخرى للجسد، نقاط خفيفة بيضاء علقت بأصابعه، بينما علق لون أزرق في شعر صدره ورقبته، إذ مازال اللون طرياً لم يجفّ، كما أن هناك جزءاً من ثوب السمراء مازال أبيض لم يصبغه بالأحمر. الدهشة والحب واللاواقع واللامعقول والشال البرتقالى، شلـّوا تفكيره، لكنّ الشقراء وهي تعبث وتلعب بشعره، ثم تنحني الى شعر أسفله، علقت بأصابعها بعض شعيرات راحت تنفخها في الهواء، وتطلب منه السماح لها بالخروج الى شوارع لندن. فردّ عليها دون أن يعرف سبب خضوعه لها : سأفعل لكن بشرط :
    ـ اشترط، نحن موافقتان على شروطك كلها (بصوت واحد).
    ـ أمنحكما اثني عشر يوماً، على أن تعودا قبل تمام الساعة الثانية عشرة ليلاً، ولن أقبل التأخير ولو دقيقة واحدة. لقد حجزت القاعة، وحدّدت يوم العرض بعد ثلاثة عشر يوماً من الآن.
    ـ نوافق.
    ركضتا فرحتين، دخلت الشقراء غرفة نومه وخرجت مسرعة، أمسكت السمراء من يدها؛ هيا.. هيا.. قبل أن يرجع في قراره.
    ركض خلفهما، وأعطى السمراء كارتاً فيه عنوانه واسمه، مشى حافياً على أرض المطبخ، سخّن ماء ووضع فيه كيساً من ورق الشاي، لم يكن مقتنعاً بما سمع ورأى، ولما سمع حركة، ركض مسرعاً الى شقرائه، قبّلها من وجنتها وضمّها الى صدره:
    - احترسا، ففي الخارج غابة من ذئاب. (وشدّ على يدها):
    - لا تنسى أني أعبدك.
    ردّت عليه السمراء: وأنا كذلك، أحببتُك منذ أن كنتُ فكرة تدور في رأسك.
    رجع الى كوب الشاي، وضع قليلاً من السكـّر، وتذكر أنه لم يطلق عليهما أي اسم. التفت راجعاً، لم يجد أحداً. وحين لم يجد غير انكسار الضوء على النافذة، عاد الى الثلاجة، استخرج ثلجاً ووضعه في قدح كان فوق الثلاجة، صبّ الويسكي عليه، وشربه دفعة واحدة. ثم سكب الشاي في مغسلة المطبخ، ضرب رأسه وجبينه، وترك السيجارة تحرق أصابعه، وراح يلوم نفسه :
    ـ كيف تركتهما تغادران؟ لماذا ضعفت لرجائهما؟ وكيف طرأت لهما فكرة الخروج؟
    - ويحكَ لستَ بالكفء للعشق، لامرأتين فيهما طفولة ألوانك.
    تذكر أن لديه حبوب (فاليوم)؛ فتناول حبّـة من (دوز العشرة)، وهو يردد :
    - ما أغباك يا وليد، فاليوم ووسكي، ستنام نومة أهل الكهف.
    ألم حاد في قدميه، انتقل الى كل عضو من أعضاء جسده، ضغط بيده على عضوه الذكري، آلمه كثيراً:
    - أتؤلم الرجولة؟ خاطبه واستمرّ ضاغطاً:
    - لا ترفع علَمك، دعه في سباته.. حين اختمرت رجولتي كنتُ أخبّئ علمي بين فخذي لئلا يفضحني أمام أمي وأختي، تركته يضمّ رأسه بملابسي الداخلية التي نزعتها وغسلتها ثم نشرتها تحت السرير، وغادرت مسرعاً الى المدرسة، حيث وصلت متأخراً، كان علَم المدرسة مرفوعاً والأولاد تجلـّوا بالنشيد الوطني:
    موطني موطني. كنت أخفي عضوي عن والدتي استحياء، واليوم أخفي وجهي عن عضوي استحياءً.


    http://samypress.blogspot.com
    http://samypress.yoo7.com
Working...
X