Announcement

Collapse
No announcement yet.

رواية السماء تعود الى أهلها وفاء عبد الرزاق ( فصل إبليس جزء 2)

Collapse
X
 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts

  • رواية السماء تعود الى أهلها وفاء عبد الرزاق ( فصل إبليس جزء 2)

    فتجيبه:
    ليس لديّ أدني علم عن ما تقوله، من أين جئت بهذا الادعاء يا ظالم؟.
    وحين انخرطت في البكاء، جاء صوته متقطعاً وعقلانياً:
    - إنه افتراض، افتراض ياعزيزتي. وأنت السبب بذلك، لأني لم أعد أحظى باهتمامك كالسابق.
    عند حافة الطريق وقف رجل عجوز يهذي، بينما آخر يكلـّم نفسه وكأنه يوجه لوماً لآخر أمامه ويخاطبه زاعقاً:
    - إنّ الملكة أعطتكم أشكالكم، وأعطتكم مفهوماً لخلق دولة، لكنها لم تعطني شكلي.
    ثم أشار بإصبعه الى أحد المارة مهدّداً :
    -هذا تدبير، هذا تدبير.
    قالت السمراء:
    -إنه ليس بمجنون، اسمعي كلامه، إنه منطقي.
    ردّت عليها الشقراء :
    - سأخنقه في كابوسه.
    -مَن؟ هذا المعتوه؟
    - وليدك.
    - لكنه يحبك أنتِ، ويعبدك.
    - إنه يجد فيّ زهوه الإعلامي وزهوه الفني، أحبّيه أنت وانتظري ابتسامة بائسة من عينيه. إنه فريسة حياته الرتيبة وعجزه الجنسي، ماذا تتصورين، هل هو عاقل؟. إنه يصور عجزه برسم ثلاث مومسات، واحدة بقيت معه في مرسمه أتمّها قبلنا، ونحن. إنه يريد أن يؤكد لأصدقائه وللناس أنه رجل عادي وله عشيقات، ونحن دليل رجولته.
    ـ إنه إنسان ضعيف يا عزيزتي، وهذه القسوة لا يعشقها منك، فقد هفا قلبه لكل مسامات جلدك.
    ـ إنه كغيره أيتها الغجرية.
    ـ من تقصدين؟
    ـ هؤلاء الصرعى نتيجة تصفية حسابات الحكام لشعوبها، وتصفية أحزاب تراجعت وتعدّ عدها التنازلي متوهمة نصراً إيجابياً، ثم ضاعوا وضيّعونا معهم.
    ـ اتركيه لي أنا.. يكفيني حبه.
    ـ قولي بصراحة، هل تحبينه لأنه أسمر مثلك؟
    ـ هذا ما لا تعرفينه أنت، الحب لا يفرّق بين الألوان، إنه نبوءة الروح والجسد، وهذه اللغة بعيدة أنت عنها كل البعد.
    ـ حين يقترن الحب بالجسد يموت.
    ـ يا عزيزتي، العشاق الآن مأزومون بسراويلهم وليس في قلوبهم. الرجل قلبه سروال، ومنطقه سروال، وحلمه سروال.
    ـ هذا منطق من لم يجرّبه، هل بإمكانك فصل ضوء الشمعة من خيطها؟.
    ـ طبعاً لا.
    ـ إي هذا هو الحب، الضوء هو الروح والخيط هو الجسد، حين يحترقان تصير الأرض قافلة دخان.
    ـ الله يحمينا من دخانك.. فأنا جائعة، تعالي نشتري شيئاً لنأكله.
    ـ من أين لنا بالمال؟
    ـ سرقت بعض النقود من جيب وليد، أتذكرين ساعة أغمض عينيه، وقتها أخذت من جيب بنطاله هذه الورقة. ورغبت أن أنزع هذا الفستان وأرتدي الثوب الأخضر المعلـّق في الصورة، رغبت أن أعصى رغباته، فطوال أيام وليالٍ كان يطارد جسدي، يقطـّع أوصالي ويوصلها ثانية، يمحو ويضيف. كلهم ساديون، يتلذذون بالتقطيع ابتداء من الجسد والقلب، وانتهاء بالكرامة. المهم أن يسيل لعابهم، أما كيف، فلا يهم.
    كنت أمامه طوال الوقت جسداً لم يتعرّف عليه أحد قبله، يمحوه حين يشعر بعجزه، ويضيف اليه اللون حين يشعر بقدرته في لحم نفسه بنفسه. هل تذكرين القصائد التي كان يتلوها بصوت عالٍ؟. كنت أسمعه يقول :
    - (المرأة هي الوطن، والمرأة هي حرّية).
    - أية حرّية لا تستوفي شروطها إلا بغريزة السروال؟
    - الله، الله.. أنت اليوم شقراء وحكيمة، فيلسوفة. شكراً لك أيها الجوع الذي صنعت من المومس فيلسوفة.
    دفعت شعرها الأشقر الى ظهرها، باعدت بين الزرّين الذين تركهما وليد مفتوحين، استخرجت قلم روج من جيبها، أدارت وجهها الى زجاج واجهة محل تقف قربه، وطلت شفتيها.
    ـ من أين حصلتِ على قلم الروج؟
    ـ كان على الطاولة في الصالة، تركه وليد منذ أن زاره فارس عبد الودود قبل شهر. اشتراه من (برتبللو) بثلاثة جنيهات، وتركه على الطاولة، أتدرين لماذا؟ ليثبت لزائريه وهم قـلـّة أنه غير عاجز جنسياً، وأن صاحبته نسيته عنده البارحة، لقد شاهدته عندما دخل عليه صديقه بعد أسبوع من زيارة فارس، دون سابق موعد. يا ربّي لقد نسيت اسمه هذا الأشرم، هل تذكرين سمعته يقول لوليد إن شفته شُرمت من التعذيب في السجون؟.
    - إي، لاعليك، تذكرت، اسمه محسن.
    ـ أكملي.
    - تظاهر أمام محسن أنه اكتشف القلم صدفة، وأبدى ارتباكه، وخبأه في غرفة نومه، بينما تغافل محسن المسكين عن ارتباك صاحبه ودخل المطبخ ليعدّ الشاي لنفسه.
    ـ لكن هل تكفينا هذه الورقة؟ إنها بعشرة باوندات فقط؟
    ـ لنجرّب.
    دخلتا مقهى في بداية الشارع بعد أن عبرتا الى الجهة الأخرى، فاحت رائحة الشاي الساخن والقهوة والمعجنات والسجائر. جلست السمراء الى إحدى الطاولات، بينما تقدمت الشقراء للشراء، فاختارت قطعتين من الكيك وكوبين من الشاي. ثم مدّت يدها لتستفسر عن الباقي. اعتذر البائع الذي تمايل كأنثى، ووضع يده على صدره قائلاً:
    Sorry, the price of cheese cake is 2.50.
    عادت لصاحبتها مبتسمة:
    - خذي، لا نملك غير هاتين القطعتين. كلي على مهلك لتمتلئ معدتك، وتحتفظ بالأكل لمدة أطول.
    على بعد من طاولتهما جلس رجل يلبس نظارة رمادية الإطار، يحتسي القهوة المضغوطة. لمحته يحدّق اليها طول الوقت، ويخصّها بنظرة جذابة بين الحين والآخر حين يرفع النظارة، وما إن تستقر عيناه على نهديها حتى يرتدي النظارة ثانية، وفي إحدى المرات غمزها بطرف عينه.
    بعد أن انتهتا من وجبتهما، خرجتا لا تعرفان الى أين أو في أي شارع هما. اهتزّت الشقراء في وقفتها، فترجرج النهدان، ومع أول استدارة لها سمعته يسألها:
    - هل بإمكاني أن أقدّم خدمة؟ سأكون ممتناً لو قبلتما دعوتي.
    قطعة الكيك لم تشبع الشقراء، فابتسمت برضا، لكزتها السمراء، لكن لم تطعها وأجابته على الفور:
    - نحن بحاجة الى خدمة، ومثلك قليل يا سيدي، عفواً.. ما اسم هذه المنطقة؟
    - (ماربل آرج )، هلاّ تفضلتما الى سيارتي؟
    أجابته الشقراء :
    - هذا أفضل، وأين سيارتك؟
    - تلك السوداء (وأشار الى سيارة جميلة لامعة).
    جلست الشقراء قرب الرجل، في الكرسي الأمامي، تركت السمراء تجلس في الخلف. أعجبتها السيارة من الداخل، مقاعد مخملية رمادية اللون، خدمات لا توصف، الحواشي مذهّبة.
    ـ لا بدّ أنك رجل ثري.. (ثم استدركت)؛ لكنك كنت تجلس في مقهى متواضع.
    فتحت المرآة التي أمامها، وجدت السمراء قد اغرورقت عيناها بالدموع، وبدتا كلؤلؤتين على ساحل الرمش الأسود الكثيف. نظر هو في المرآة الأمامية، وخاطب السمراء :
    - تبدين جميلة بالدموع. ثم انصرف عنها بلباقة العارف شغله:- ما اسمك يا شقرائي الفاتنة؟
    ـ لا أعرف.
    ـ وما اسم صاحبتك؟
    ـ لا نعرف.
    ـ هـــم.. فهمت، لا تريدان الإفصاح عن هويتكما، هذا من حقكما. أما أنا فقد تعرّفت على أميرات حقيقيات وأمراء، لا يهمني إن كان الاسم حقيقياً أم.
    قاطعته السمراء وهي تمسح دموعها :

    -أم ماذا؟ نحن لسنا أميرات، ولا نعرف اسماً لنا؛ وهذه حقيقة.
    ابتسم، وانطلق بسيارته مسرعاً. ثم تباطأ وهو يتطلع الى ساقي الشقراء، وهي تراقبه بدورها حين كان يمدّ يده ببطء نحوها، فرفعت فستانها بصورة تبدو عفوية، واضعة ساقاً على ساق. امتدت يده الى المقعد الأمامي ولامست كتفها، وراح يلعب بخصلات شعرها، ويمرّر أصابعه على رقبتها. ولما توقفوا عند الإشارة الضوئية، طلب منهما قبول دعوته قائلاً :
    - اليوم أحتفل بعيد ميلادي، وسأكون مسروراً لو قبلتما دعوتي.
    - لمس وجه الشقراء، التي لم تخفِ فرحتها، ولم تطلب منه التوقف عن مداعبتها، بل راحت تظهر له الموافقة الفورية، وتغريه بمزيد من المداعبة.
    واستدارت الى صاحبتها، التي أشارت اليها بالرفض، ثم غمزتها. لم تترك الشقراء مجالاً للرد، وقالت:
    - نحن موافقتان، أين تقع شقتك؟
    - نحن متجهون اليها، إنها في (نايتسبريدج)، وهي منطقة راقية جداً، فيها أرقى المحلات وأرقى الزبائن (وغمز الشقراء).. ها قد وصلنا.
    ـ عذراً، ما اسمك ومن أي بلد أنت؟ سألته الشقراء بدلع ظاهر.
    ـ أنا من بلاد الله، اليست البلاد العربية من بلاد الله؟
    (وفتح باب السيارة) :
    - تفضلا.
    ـ تشرّفنا بمعرفتك، المهم أنك تفهم لغتنا.
    قالت السمراء:
    - لكنه لا يذكرني بوليد.
    ـ مين وليد؟
    ـ لا عليك، إنه شخص ما.. هل أعجبك شعري الأشقر، لاحظت اهتمامك به؟
    ـ بل جمالك كله أعجبني، أنت كنز يا..
    أجابته:- لا اسم لي.
    ضحك.. وقال؛ فهمت، معذرة، عفوكما.
    رافقهما الى مدخل البناية، صعدوا الى الطابق الثالث، الشقة (203). أدخل مفتاحه في الباب، شمّت السمراء رائحة بخور منبعثة ودخلت مع الشقراء بهدوء. علـّق الرجل مفتاحه على الطرف الأيمن لمرآة في المدخل، وفي الجانب الآخر ظهرت مرآة أخرى بإطار من الفضة الخالصة.
    صالة واسعة بأثاث فخم، سجاد عجمي، لوحات زيتية.
    أخذت الشقراء حريتها في التجوال داخل الشقة، كما أعطت لنفسها الحق للتدقيق في محتوياتها، سواء المطبخ والصالة وغرف النوم الثلاث. جرّبت الجلوس على الأسرّة ذات الأغطية الجذابة والثمينة، دخلت الحمّامات، تفحّصت الصابون وزجاجات العطر المتنوعة، جربتها واحدة واحدة، رشّت على جسمها خلطة من تلك العطور. دخلت إحدى غرف النوم، قرأت اسم زجاجة عطر (خلطة عربية) وبين قوسين دهن عود، ، وعند الباب أشار الى الشقراء:
    ـ سأوفر لك كل ما تحبين.. (وبحث في وجه السمراء عن سؤال، وتابع):
    - سأحضر لك بيكاسو الى هنا إذا رغبت.
    دخل غرفة ليست بعيدة عن الصالة.. اقتربت الشقراء من السمراء وسألت:
    - ما بالك متجهمة؟ لقد حصلنا على من يرعانا، أكل وشرب ومكان للنوم، ماذا تريدين أكثر؟
    ـ أريد وليداً.
    - دعي وليدك، واستمتعي بما جئنا من أجله.
    خرج الرجل يرتدي ملابس منزلية، دشداشة عربية واسعة ذات لون بيج وقماش من النوع الفاخر.
    ـ ها.. ماذا تفضلن على الغداء، هل تحبان الأكل اللبناني أم الإيراني أم الهندى؟
    http://samypress.blogspot.com
    http://samypress.yoo7.com
Working...
X