Announcement

Collapse
No announcement yet.

رواية السماء تعود الى أهلها فصل ابليس جزء 8 وفاء عبد الرزاق

Collapse
X
 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts

  • رواية السماء تعود الى أهلها فصل ابليس جزء 8 وفاء عبد الرزاق

    ذات صدفة وهو يكمل ثوبها الأحمر الى حدّ الأكمام، سمعته يحاور أحد أصدقائه عبر الهاتف، فنان مهووس بالنساء مثله، استنتجت أن ذلك المحاور يحدثه عن موديلاته العاريات، وكيف أنه استمتع بأنوثة الطبقة البورجوازية، وحسد الانتعاش الاقتصادي، وكان وليد يردّ عليه : ليس الجنس الوحي الوحيد، بل الخصوصية وامتلاء الذات، يا أخي النساء هنّ الحرب والسلام.
    لحظتها رأته كقساوة الشمس في ظهيرة قيظ، وكمن يعوم وظله في السراب.
    في احايين كثيرة يتشبث بقوة كاذبة يتصدى بها لضعفه ، يحاول ان يعيد له اعتباره ويراهن على أسئلة تنقذه من نفسه ،لكنه حين تخور قواه، يعود الى ألوانه بثلاث زجاجات من البيرة ويحتسيها دفعة واحدة ، يغمض عينيه من دخان سجارة يزفر فيه سنوات علقت بالذاكرة ويسأل لنفسه :
    - كيف كنت شيوعياً،أكنت معارضاً لإرادتك أم لمؤسسات زائفة ؟
    ثم يرسم في الهواء ظلا يطارد أصابعه ويرجع يتغزل بساق شقرائه أو زندها أو نهدها، أما ذات الشعر الأسود، فلا يستهويه منها إلا مزج الألوان، حين تنتابه نوبة الرسم ، مما جعلها تلعن مدير السجن على عدم بتر يده الأخرى، ثم تعود تستغفر ربها طالبة له دوام الصحة والعافية.
    في مساء ممطر، رنّ جرس الباب، كان وليد يتكوّر على نفسه ويهتزّ كطفل مذنب . لكــــــن الجرس رن عشر مرات، مما جعل وليـــــد يضجر صائحا:
    - دخيل الله مَن؟
    أجابه الطارق بصوت أجشّ :
    - قلب بشري خنقه شبح الليل والمطر وقذف به على بابك.
    ـ مرحباً، تفضل مراد، ما الذي ذكرّك بنا الليلة؟
    ـ قلبي في يباس، وجئت أطرّيه عندك.
    ـ هل أجلب لك بيرة؟
    ـ لا.. أحب أن أسمع شعراً، فأنا اليوم أكثر الشعراء اغتراباً.
    ـ هل أصابتك لعنة عشق جديد؟
    ـ بل أنا توّاق لحزن أغسل به حزني، لربما أتطبّب بما هو دائي.
    نط ّ وليد حافياً وتناول كتاب جبران من مكتبة معـلـّقة على الحائط: اسمع ما يقوله جبران:
    (يا إله النفوس الضائعة، أيها الضائع بين الآلهة، اسمعنى أيها القدر الرحيم الساهر على نفوسنا التائهة. أصغ لي، فإنّي أعيش بين البشرية المشوشة).
    مدّد مراد رجليه على الأريكة، ونام مسترخياً:
    - الله، الله، يا جبران. أيها الإله الضائع سجّل، سجل وحشتي بسجلك ولا تستغرب إن قلت لك سئمت مسرتي، وسئمت انتظاري لها، لقد بلغ بي الكبر وكبرت عزلتي؛ لمَ لم تقرأني في سطورك وأنت الذي قلت؛ اقرأ؟
    - شيطان وكافر؟. ما الذي دهاك؟
    - جرعة المرارة كانت أكبر مني، كل العذاب الذي ذقته في حياتي (صمت برهة ثم تابع): نحن الشعراء تعساء الله على الأرض، حتى أحقر نقطة في الحياة تحتقرنا، وفي النهاية نموت.
    قدم له وليد زجاجة بيرة :
    ـ أعرف أنك ورّطت نفسك كعادتك، ألم أقل لك لا تمشِ على حبل؟
    ـ تقصد حبل الصراط المستقيم؟ ما ذنبي إذا فُطرت على الحق وقوله وفعله؟
    ـ ها.. انظر أطراف يدي، كم نزفت في السجن وأنت شاهد على ذلك. استمعت الى دبيب الحشرات على جسدي من أجل قيامة أخرى،من أجل أن أقول للضائعين انتبهوا، حان الوقت ، وآخر المطاف أمريكا تتربّع على صدورنا، وتقول لي صراط مستقيم، يا أخي لا صراط ولا مستقيم، آخرها محرقة.
    ـ هذا حرام ، على مهلك يامراد .
    ـ أؤكد لك أني أكفّر عن ذنب الشيطان حين أحرَق مراد الذي بداخلي .
    المسيح قال : (أنا هو خبز الحياة ) وصُلب، فكيف نحن أولاد الكلب؟ نحن مصلوبون منذ لحظة المضاجعة، وتصوّر المسكينة أمي وأمك تنتفخ بطنها ولا تدري أنها ستلد مصلوباً، نحن بحاجة الى شريعة خاصة بالمصلوبين*
    وهم في طريق عودتهم إلى الشقة بعد وجبة غداء دسمة ، زحفت يد صابر الى الشعر الأشقـــــر ، تجاوزت حدودها وامتدت إلى العنق، انزلقت نحو الصدر، ظلّ التوق مباحاً، خطّ خطاً مستقيماً، استسلمت الشقراء لمداعبته، وراح يخاطب السمراء:
    - أعرف ان لك عناد البحر، لكن ارتدي ثوباً شفافاً، ابرزي مفاتنك ودعي شعرك يثور ثورته الغجرية. لقد اشتريت لك أغلى الملابس ، أكنت تحلمين بثوب من (فالنتينو) ، أو ساعة من (فرساتشي)، ألك حقيبة يد(بألفين باوند)؟
    - داعب يدها :
    - لديّ من يقدر الجمال النافر.
    أطلق زفيراً عميقا ً وأشار باصبعه :
    - خُذيها نصيحة منى، اضحكي على الحياة قبل أن تضحك عليك، أنت أيتها النافرة من الضلع الأعوج، يا كل النساء بامرأة.
    هزت رأسها استنكارا ً:
    ـ أنت قوّاد، وأنا جميلة لنفسي وبنفسي وسأرتدي أقراطي وأساوري لأتحرّر من عقل رجل يشتهي غزو الجسد. أيها الأعور، أنتم أطلقتم على حواء لقب الضلع الأعوج، أتدري لماذا؟ لأنكم تخافونها، تخافون سجودكم تحت قدميها. حمّلتم حواء ذنب الكون، ونسيتم ضعفكم أمام الغواية.
    دنا منها لكي يطيّب خاطرها، فنفرت:
    - سأرتدي بإرادتي ما يحلو لي وأتجمّل لنفسي.
    - طيب، المهمّ أن تكوني جميلة المظهر، وفاتنة.
    قبل أن تبرحا صالة الشقة، رجاهما صابر أن تتحليا باللباقة، وأعــاد عليهما مرتين :
    - القلوب والآذان صوب جيوبهم، فهمنا؟
    ردّت عليه الشقراء بتوتر:
    - أتعبتنا يا أخي بوصاياك، هل انت ابن الشيطان؟
    جلستا صامتتين، كمن يضع خطاً فاصلاً للشر. اخترقت الشقراء الصمت :
    - إذا كان من تأخذنا اليه شيطانا ًمثلك فأنا أؤكد لك أني سأجعله يتوب. لا يلتقي شيطانان في مكان واحد، سأجعله يغدق علي بعطاياه لأصبح لبوته المفضلة، وبهذا أكون قد روّضته، فيهزّ جيبه كلما اهتـزّ وسطي وأغمضت عينيّ عن خطيئـة شيطان لـه مسبحة وسجادة.
    - كيف عرفتِ أنه شيطان بمسبحة؟.
    - سمعت البارحة طقطقة المسابح الثمينة في سهرتك.
    في الطابق الخامس، من إحدى العمارات الفخمة في شارع (ريجنت) قبل أن يُطرق باب الشقة رقم (105)، كان الخدم يراقبون وصول الزائرين من العين السحرية.
    في المدخل أربع خادمات عربيات بزي موحّد، وقفن ضاحكات مهلـّلات :
    - يا هلا.. يا هلا.
    وعلى نحورهنّ قلائد ذهبية متشابهة، فالزي موحدٌ في كل شيء، الملبس والأحذية والذهب وحتى ترتيب الشعر. قادتهم إحداهن الى الصالة، هبّت رائحة البخور وروائح المسك الطبيعي التي عجـّت في كل مكان.
    تنبّهت السمـــــــــراء الى السجاد الإيراني الفاخر ، أما الأخرى فأشارت الى صاحبتها لتنظر الى ثريات صغيرة في جانبي الشقة، وثريا كبيرة مطلية بماء الذهب في السقف، وأغمضت عينيها كطفل يريد التمسّك بلعبة أغوته، كانت غايتها الاحتفاظ بمنظر الثريا المصنوعة من الكريستال الخالص. أما صابر، فقد ذاب كفصّ ملح.
    جلستا تمسّدان الأرائك والمزهريات والتحف الثمينة، على كرسيين مصنوعين من الخشب المحفور.
    إلى الجانب الآخر طاولة مستديرة وضع عليها شرشف من الدانتيل الأحمر المشغول بخيوط فضية، وفوق الطاولة عُلـّقت مرآة من الفضة الخالصة.
    كان يدور في خلد السمراء قلق يثير شكوكها لذا شعرت كأن سيفًاّ مسلطاً على رقبتها ، أحياناً تأتي الأفعال لا إرادية ، إذ لا يملك الإنسان إلا أن يشك في كل شيء.
    على حذر من الجميع, اتخذت لها ركنا منعزلا فثمة غموض في هذا المكان . سارت الشقراء في الصالة مدققة في كل ما تقع عيناها عليه، ثم رجعت الى مكانها مسرعة، حالما دخلت إحدى الخادمات حاملة كأسين من العصير الطازج.
    http://samypress.blogspot.com
    http://samypress.yoo7.com
Working...
X