Announcement

Collapse
No announcement yet.

بهيجة مصري إدلبي وعامر الدبك في روايتهما «ألواح من ذاكرة النسيان» - رولا حسن

Collapse
X
 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts

  • بهيجة مصري إدلبي وعامر الدبك في روايتهما «ألواح من ذاكرة النسيان» - رولا حسن


    المشهد الروائي النسوي السوري
    صاحبات الرواية المشـتركة


    رولا حسن




    بهيجة مصري إدلبي وعامر الدبك في روايتهما «ألواح من ذاكرة النسيان»



    لطالما كان تاريخ الرواية المشتركة ملتبساً، حيث يبدو النجاح هنا كائناً ضبابياً أما الفشل فيمد أرجله كإخطبوط ملقياً اللوم على كل طرف كلما أدار أياً منهما ظهره للآخر،

    وقد كانت تجربة جوزيف كونراد مع مواطنه فورد مادوكس فورد دليلاً على هذا اللبس وذاك القلق فقد كان من أصعب المسائل على الحل اكتشاف من كان النور الهادي وراء تعاونهما، وقد تشاركا في كتابة ثلاث روايات هن على التوالي: «الورثة»1901م ,«رومانس»1903م,«طبيعة الجريمة»1924م.
    استعارات..!
    لقد كانت تجربة بهيجة مصري إدلبي وعامر الدبك سورياً في مجال الرواية المشتركة «ألواح من ذاكرة النسيان» الصادرة عن دار الفكر المعاصر – بيروت 2002م عملاً يجدر الالتفات إليه، علماً أنه حاز جائزة أحسن رواية للعام 1998م، كمخطوط ومنحت الرواية مكافأة المستوى الثاني من الجائزة وليس لأنهما امتلكا الجرأة على الخوض في مجال بقي لفترة طويلة عالماً لا يجرؤ على الاقتراب منه أحد، وإنما لأنهما حاولا من خلال الدخول فيه تقديم عمل روائي يستعير من الأنواع الأدبية المختلفة (الشعر والقصة والمقالة والرسالة والمذكرات والوثيقة التاريخية والأسطورة.. ) ما يخدم الخطاب الروائي وفكرته.
    تحكي الرواية تاريخنا المعاصر وإن كانت تتكئ في ذلك على قصة حب تجمع بين الدكتورة السورية الأصل «سورين» والدكتور العراقي «سامر» أثناء عملهما في بعثة للتنقيب في العراق عن مدينة أوروك وملحمة جلجامش الموجودة في المدينة قبيل الغزو الأمريكي للعراق واحتلالها.. لم يكن مهماً اكتشاف المدينة وبواباتها بقدر ما كان مهماً برأي الكاتبين إلقاء نظرة على الماضي وصولاً إلى فهم الحاضر.. الحاضر الذي أظهرته الرواية «حاضراً تنتهكه الحروب ويسعى إلى قتل الإنسان وتدميره حيث يغص بالجثث، فالقنبلة الذرية دمرت الإنسان لأجيال لاحقة لا يمكن حصرها، وقضت عليه من أجل مصلحة أشخاص قليلين، حيث يمكن النظر وببساطة إلى كل التدمير المجاني من دون هدف سام ففيتنام وفلسطين مهد الأنبياء أصبحت مهداً للدماء، والعراق دمرته الحروب المتتابعة والحصار ولا ترى الرواية منقذاً وخلاصاً إلا باحترام الإنسان حيث تدعو الرواية إلى استنكار الحروب والدعوة إلى الأمن البشري والإنساني



    أسطورة جلجامش

    قسمت الرواية إلى أقسام عدة (صندوق الرقيم، النبوءة، أوراق من ذاكرة الكائن، أوراق لم تكتمل، رسائل الحاضر إلى الغائب، الدكتور سامر، سر الذي رأى المتضمنة عدداً من الألواح، جدكم جلجامش، والكابوس.)
    وإن كانت تتكئ بمجملها على أسطورة جلجامش الحاكم الجندي لمدينة أوروك، فعندما طغى جلجامش وتجبر وصار يستأثر بكل فتاة يحبها توسل شعب أوروك إلى الآلهة أن تخلق منافساً يقهره، فخلق الرب أورور شخصاً وسماه أنكيدو، ولكن أنكيدو وجلجامش صارا صديقين بعد المعركة التي دارت بينهما، ومن أبرز مغامراتهما المشتركة رحلتهما إلى غابة الأرز البعيدة حيث ذبحا الوحش خمبابا، وعندما استهان جلجامش بحب الربة عشتار جعلت أنو تخلق ثوراً وأوشك الثور أن يصرع جلجامش لو لم يجهز صديقه أنكيدو على الثور، وينقذه فدبت الربة المرض في أنكيدو وجعلته يموت وأملاً في إعادة أنكيدو وخوفاً من الموت على نفسه ترك جلجامش مملكته ليتعلم أسرار الخلود. ومن هذه الرحلة يرسل جلجامش عبر رؤيا الدكتورة سيرين رسالته إلى الحاضر قائلاً: «احملي رسالتي هذه إلى عالمكم وقولي لهم أوقفوا الدمار أوقفوا الحروب،

    انشروا السلام في كل مكان تدركوا الخلود ولا تكونوا مثل وحوش الفلاة يأكل بعضكم بعضاً، احمليهم أيتها المرأة التي من نسلي إلى حقيقة الحضارة كما حملت أختك كاهنة الحب هذا الرجل أنكيدو إلى إنسانيته، أيتها المرأة أنت تحملين سر إنسانية الإنسان.»
    استدعاء التاريخ

    استدعت الرواية خطاب التاريخ الماضي لإنشاء خطاب الرواية الراهن وإنشاء منطقة وسطى بين التاريخ والأدب، يؤلف بينهما أو يجمع بينهما أن كلاً منهما خطاب سردي، إلا أن التاريخ في الرواية وكما في أي رواية هو خطاب نفعي يسعى إلى الكشف وبكل جرأة ٍعن القوانين المتحكمة في تتابع الوقائع في حين أن الأدب والرواية بشكل خاص هو خطاب جمالي تقدم فيه الوظيفة الإنشائية على الوظيفة المرجعية. ومع ذلك فإن الرواية وإن غلب عليها الجانب المتخيل على الجانب المرجعي، ولم تستطع أن تنزل الأحداث والشخصيات في إطار زماني ومكاني قوامه المشاكلة الذي يعد شرطاً في هذا النوع من الروايات بحسب الناقد التونسي د.محمد القاضي.
    تنوعت مستويات الخطاب السردي في الرواية فاستثمر الكاتبان الشعر والوثيقة التاريخية والأسطورة لإنشاء خطاب روائي يكون قادراً على تلبية متطلبات الكاتبين في مشروع من الجدة بحيث يقدم الأفضل والأكثر حداثة.

    التوغل في الماضي

    ولم يكن سعي الرواية إلى التوغل في الماضي مع الإبقاء على تلك الخيوط التي تربطه بالحاضر، لا بل في ذلك نوع من المحاولة للإضاءة على الحاضر ومشكلاته.. شؤونه وشجونه من دون التملص أو الهروب من أي منها وهذه المسألة بالذات كان قد نظر إليها الأخوان فونكور من زاوية التتابع فقالا: «إن الروائي هو مؤرخ الحاضر».
    وهكذا التفتت الرواية إلى الماضي من خلال قضايا الحاضر ومشكلاته لا بل جعلتنا نعيش التاريخ متجدداً باعتباره قبل تاريخ الحاضر وأضفت حياة شعرية على القوى الاجتماعية والتاريخية التي جعلت من خلال مسير طويل حياتنا على ما هي عليه. بالرغم من كل الآراء المتضاربة عن الرواية، إلا أني أعتقد أنها دخلت العالم الروائي من بوابة التجريب، لتجرب مناخات وعوالم جديدة، واكتشفت مستويات لغوية تتجاوز نطاق المألوف في الإبداع السائد عبر تعليقات نصية متشابكة ومتراسلة، وهي في هذا كله استطاعت أيضاً، أن تضيء على قضايا مهمة في واقعنا الراهن الثقافي والاجتماعي والسياسي، لعل أهمها الواقع العربي وأزماته السياسية – أزمة المثقف مع الواقع – أزمة المرأة المبدعة في العالم الثالث إضافة إلى أهم ما يمكن أن يطرح، وذلك لدرجة حساسيته وهو العلاقة الجدلية للماضي بالحاضر.
Working...
X