Announcement

Collapse
No announcement yet.

مدينة فاس ورحلة في ((المدبغة أو دار الدباغ )) - فوزية طالوت المكناسي

Collapse
X
 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts

  • مدينة فاس ورحلة في ((المدبغة أو دار الدباغ )) - فوزية طالوت المكناسي

    مدينة فاس ورحلة في ((المدبغة أو دار الدباغ )) - فوزية طالوت المكناسي


    دار الدباغين - مدينة فاس


    فوزية طالوت المكناسي

    منقول




    ما زلت اذكر حينما كنت بعد صغيرة، كان والدي الذي يكن لمدينة فاس محبة خاصة ممزوجة بحنان كبير، يصطحبني للتنزه عبر متاهات الأزقة الضيقة لهاته المدينة النشيطة بفضل صناعها وتجارها، كان الجو مليء بالصخب، بالعطور و بالألوان، وسط تيار مستمر من حشد كثيف ، يجعلني اكتشف الأماكن، يروي لي حكايتهم، الأوقات الرائعة وعهود المجد التي عايشوها على مدى القرون والسلالات الحاكمة في الماضي...
    الأماكن التي كان يحبها كانت كثيرة، و لكن مكان واحد بالتحديد بقي عالقا بذاكرتي لما له من خصوصية فريدة، لم يكن مكانا ثقافيا أو علميا و لا صرحا تاريخيا، ولكنه كان مكانا مميزا عن باقي الأمكنة، كنا نذهب إليه لتحية صاحبه و هو قريب لوالدي، هذا المكان هو مدبغة باب "بوجلود".


    صورة هذا المكان بقيت محفورة في ذاكرتي، الطريقة التي نظمت بها هاته البراميل المحفورة في الأرض، كانت تسحرني لغرابتها و لخياليتها، وأنا طفلة كنت أحس أني مشدوهة إلى صورة هاته البرك الملونة الزرقاء و الحمراء و الصفراء أو بلونها الأمغر، أما الجلود الممتدة لتجف كانت تحيل مخيلتي الطفولية إلى لغز هائل عديد الألوان، حتى الحمار الذي كان يحمل على ظهره هذا الجبل الكبير من الجلود كان يبدو لي مضحكا، أما الرائحة فقد كانت قوية جدا لدرجة أنها تلحق بك حتى بعد مغادرتك.


    المدبغة أو دار الدباغ، هو مكان مفتوح يضم أعمال دباغة الجلود التقليدية.
    الدباغة هو نشاط حرفي هام في الصناعة التقليدية المغربية، فهي تعد الجلد لصناعة المنتجات الجلدية المختلفة.
    و تتجلى أهمية هاته الحرفة في كون المغرب كان ومنذ أمد بعيد احد اكبر البلدان من حيث تربية المواشي كما إن الغابات التي يتوفر عليها تهيأ له منتجات الدباغة، فجلود الماعز و الآلاف من الأغنام و الأبقار والجمال التي تذبح، تعطي المواد الخام بكميات كبيرة و لكن الأكثر استعمالا هي جلود الماعز و الضأن لأنها أكثر مرونة.
    إن المغرب منح اسمه لهذه الصناعة في اللغة الفرنسية، فصارت تقنيات صنع الجلد تدعى:
    La maroquinerie

    يعد الدباغون أول حلقة حيوية في سلسلة صناعة الجلد، إنها حرفة ألفية، تتميز بعدد من التقنيات التي تجري داخل فضاء مفتوح، بالقرب من مصدر مياه، حيث تحفر المدابغ في تجويفات أرضية تستخدم لتنظيف و تشطيف و لصباغة الجلود.
    يمر إعداد الجلد من سلسلة تقنيات معقدة، تتطلب عملا طويلا يتفاوت بحسب نوع الجلد المعالج، وتعد ثلاث حيوانات موردا أساسيا للجلد و هي الأغنام و الأبقار و الماعز.
    تنقح الجلود أولا في أحواض ساخنة مملوءة بالماء، في الجير الهامد ثم في الجير الحي، و يقوم الدباغ بمراقبة كل هاته المراحل عن كثب.
    أما الخطوة الثانية فهي الغسل، إذ تغطس الجلود في أحواض الماء لإزالة الشوائب العالقة بها و كذلك من الملح المستخدم للحفاظ عليها وتساعد هاته المرحلة أيضا على نفخ الجلد وجعله أكثر حجما، وبفضل الوطء بالأقدام نستطيع استخراج الشوائب المتبقية.
    ثم تأتي بعد ذلك مرحلة الصباغة، إذ يغمس الجلد في أحواض من المواد الأولية للدباغة: قشر الرمان المخلوط و الميموزا و القصدير وروث الحمام، و يصبغ الجلد بعناية فائقة بحيث لا يترك أي مكان فارغ، أما مسحوق "التانين" فيساهم في جعل الألياف مترابطة، ليحولها إلى الجلد الذي نستعمله، فتغدو الجلود الطبيعية ذات لون أمغر، و للحصول على جلد احمر، فان الدباغ يفرغ في حوض فارغ صباغة وردية و يصب الماء، أما اللون الأزرق فيتم الحصول عليه بفضل اللون النيلي الذي يضاف إلى الماء، و للأبيض فيكتفي بالقصدير، كل هذا يقوم به الدباغ مباشر، فهو ينزل وسط الحفر لكي يقوم بخلط المنتج، يغمس الجلود و يقوم بتحريكها بيديه، و يدوم هذا الحمام ست إلى سبع أيام، ثم ينزل مرة أخرى الدباغ للحوض لكي يضع الجلود على حافته و يجعلها تقطر، و حينما تجف تحمل على ظهر الحمار لتوزع على عدة مشاغل بالمدينة.
    و من قطعة الجلد الصغيرة هاته، نستطيع استخراج شبشب تقليدي ليلبسه احد النبلاء أو صنع حقيبة جلدية رائعة، ذلك الإكسسوار الفاخر الذي لا تستغني عنه أية امرأة.

  • #2
    رد: مدينة فاس ورحلة في ((المدبغة أو دار الدباغ )) - فوزية طالوت المكناسي

    موضوع شيق شكرا

    Comment


    • #3
      رد: مدينة فاس ورحلة في ((المدبغة أو دار الدباغ )) - فوزية طالوت المكناسي

      موضوع في القمة يا أخت رحاب..
      تسلم ايدك و كل عام و أنت بخير..

      Comment

      Working...
      X