Announcement

Collapse
No announcement yet.

الدين رابطة أرقى من العصبية هذا ماقاله أدونيس لصحيفة الوطن - مأمون الجويجاتي

Collapse
X
 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts

  • الدين رابطة أرقى من العصبية هذا ماقاله أدونيس لصحيفة الوطن - مأمون الجويجاتي

    أدونيس يقرّ بأن الدين رابطة أرقى من العصبية
    مأمون الجويجاتي
    في القسم الذي أجري مع أدونيس في 3/11/2010 صارحنا أدونيس بأنه لا يريد الالتزام ولا يريد الإيمان بالدينونة ونحن نعتقد أن هذا أشبه بسلوك الأعراب الذين لا يحبون الالتزام ولا يحبون التمدن، فالمدنية تعني أن يلتزم الإنسان بميثاق مشترك مع إخوانه في التمدن فيأتي إليهم ما يجب أن يأتونه إليه وبدون هذا الإنصاف والالتزام به لا تتحقق حياة مستقرة لأن اعتداء شخص على الآخرين يخلق شعوراً بالظلم والظلم ينتج عنه ردةَ فعلٍ سمّها انتصافاً أو انتقاماً، فلا يتوافر جو الاستقرار الذي كما نعلم شرط من شروط ازدهار المدنية وقطف ثمراتها من إبداع وغيره. المجتمع المدني كسفينة يركبها ركاب متعددو الأفكار وإذا خطر ببال أحدهم أن يثقب السفينة ليرى الماء من مكانه الذي هو فيه في مقر السفينة فلا يمكن للركاب الآخرين أن يتركوه وما شاء وإلا فهم جميعاً مهددون بالغرق، وإن نظرة أدونيس إلى الدين محكومة بالدين الإسلامي وخاصة لأننا نرى الديانة المسيحية تقول: أعطِ ما لقيصر لقيصر وأعط ما لله لله، ومن ثم لو استعرضنا التعاليم التي أتت بها لا نجد هذا التدخل الذي يزعمه.
    نعم إن الإطار الأخلاقي فيها وفي سائر الأديان الوحدانية محكومة بالعبودية لله والطاعة له الأمر الذي يرفضه حتى من حيث المبدأ. وكتعليق على قوله التدين مسألة شخصية عندما سئل هل يجب أن يكون الأديب غير متدين، رجع إلى إمكانية انحسار الدين ليكون مسألة شخصية وبعبارة أخرى لا مانع عنده من الدين إذا كان مجرد فكرة في الذهن لا تبحث عن تطبيقات في الخارج، لا يمكن بهذه الحالة أن يكون ديناً كما فسرناه بأنه التزام أو إقرار بتقديم الحساب، فلنعد إلى المربع الأول ونقول: ما من دولة تحترم نفسها تضع مسؤوليها (وأؤكد على معنى ومبنى هذه اللفظة في اللغة- فوق المحاسبة-) عندما يضع إنسان نفسه فوق المحاسبة فهو كمن يدعي الألوهية ولكن طالما أنه بشر فهذا يعني أنه يريد الطغيان بهذه الدعوى.
    يقول أدونيس: الإسلام ألغى القبلية وآخى، من وجهة نظره، بين البشر ولم يعد يفرق بين عربي وأعجمي وألغى الرابطة القبلية وأحل الرابطة الدينية. وهو بهذا يُقر أن الدين رابطة أرقى من العصبية النسبية وهو يُقر ضمناً أن الالتزام بهذا هو خير من التعصب القبلي هل يريدنا أن نشجع الالتزام أم يريدنا أن نحارب الالتزام؟ هذا تناقض واضح. إنه يعاتبنا أننا تركنا ما أراده الإسلام، وقبل قليل كان يعاقب الإسلام لتدخله في شؤون حياتنا!!، إنه ينبذ التنازع على السلطة وهذا التنازع ناشئ عن الأنا التي يمجدها ويطلب منّا التحرر من ربقة الجمع.
    وهكذا نرى أن كل ما يريد أن يتميّز ويحوز على رضا الأغلبية العظمى يلوذ بالقيم الخلقية فقيمة المساواة بين البشر كونهم جميعاً خلقهم الله من آدم قيمة خلقية ويذم أدونيس من انحرف عنها فكيف إذاً نصغي لأدونيس الذي يتنكر للشعر الجماهيري الذي كتب أثناء الثورة الجزائرية والشعر الذي كتب عن فلسطين وكل البلدان العربية؟ إنه يقول إن هذا الشعر مات وانتهى، هل يمكن لإنسان أن ينسى ثورة المليون شهيد التي قضت على آمال الفرنسيين في أن يجعلوا الجزائر جزءاً من فرنسا وإخال أن أدونيس الفرانكوفوني لا يجد نفسه في نضال أولئك المناضلين الذين بذلوا دماءهم لاستعادة حريتهم كذلك لا يجد نفسه متعاطفاً مع الفلسطينيين، فهذا شأن الدهماء، وأما هو فليجد نفسه مع المطبّعين الذين يحثون على احترام ثقافة الآخر والانسلاخ من جلد الأمة.
    إن جلد الذات عند أدونيس وهذا التعبير فيه تجاوز لأن أدونيس نأى بنفسه عن الانضواء تحت الذات الوطنية يصل به ألا يجد نفسه في هموم الأمة إلا بالقدر الذي يذم فيه القيم التي بها صارت الأمة، أليس هو الذي نعى على العرب ارتدادهم إلى القبلية والعشائرية والطائفية والمذهبية فإذا كان يدين الانشقاقات التي قد لبست ثوب الجمعية فلماذا يمجد الانشقاق الفردي ويحرض عليه؟ هل المسموح له محجور على غيره أفراداً أو جماعات؟ لقد قال: إن كل شخص له رؤية مختلفة يوحي بأنه كافر ويعزل من المجتمع والسياق الفكري والحياتي، لا شك أن للمجتمع أن يدافع عن نفسه تجاه التفكك والانشقاق وإذا كان لنا أن ندين النزاعات التي قال إنها استمرت منذ 1500 عام، فلماذا لا ندين الذين يقفون من المجتمع نظرة الدونية ويحلّقون في أفقهم الخاص منشقين ناظرين بازدراء إلى المسلّمات؟ مع أنها الحبل الذي بوساطته يستطيعون به إقناع الآخرين بطريقة أفضل من الطريق الذي هم فيه.
    وفي القسم الذي أتى في 27/10/2010 سئل أدونيس عما إذا كان يرى المجتمع المدني هو الهدف فقال: إن هذا ليس حلاً نهائياً بل خطوة وإن المشاكل لن تحل بشكل مباشر. أليس بهذا يشبه الطوباويين الذين يسعون إلى مجتمع كامل ثم يموتون وتبقى أحلامهم على الورق، ويقول: ما دام الدين قائماً بهذه الطريقة فسنستمر بهذه الحالة، ليس في هذا أيّ اكتشاف ولا جديد في هذه الرؤية إلا أن الهدف لديه في الحقيقة إدانة الدين عندنا فحسب!، لقد قال: من مصلحة إسرائيل اليوم أن يكون من حولها أنظمة دينية تمنحها مشروعيتها ولذلك هي اليوم تطالب وتصر أن يعترف بها كدولة يهودية؟ السؤال هل يعتقد أن إسرائيل لها مجتمع مدني؟ هي تقطف الاحترام والاعتراف بها من الدول الغربية لذلك؟ أم لتمسكها بالتعاليم الدينية؟ ألا ترون بأن تبني إسرائيل لليهودية هو مظهر دعائي الهدفُ منه تعزيز وجودهم في المنطقة بدعواه؟ ألا يعرف أدونيس أن الدين بقي خط الدفاع الأخير للأمة تجاه إسرائيل والدليل على ذلك حزب الله وحماس، الدين الذي يوقظ في النفوس حب العدل وإحقاق الحق أفضلُ لنا نحن المحيطين بإسرائيل والملّوعين بظلمها، ألا يؤدي تبني إسرائيل للواجهة الدينية إلى تعزيز كراهية الدين اليهودي بوصفه مشرّعاً للظلم ومعززاً له؟ أليست التيارات الأصولية في إسرائيل هي التي تشرعن قتل العرب واغتصاب أراضيهم؟
    وفي القسم المنشور بتاريخ 13/10/2010:
    كان يتحدث عن الشعر العربي وتناوله له في كتابه وقد مرت عبارة تحتاج إلى تعليق فقد قال: الكتب العربية إجمالاً تحتاج قبل القراءة لنقد وأنت تقرأ يجب أن تكون ناقداً وأن تميز بين الروايات والإسنادات وأن تمتلك القدرة على التمييز بين الألفاظ فحين تقرأ حديثاً مروياً بعشرات الصيغ فهذا غير معقول وهو قتلٌ للحديث. فشخصٌ واحد يروي الحديث بصيغ مختلفة بل بثلاث أو أربع أو خمس صيغ فهذا لا يجوز.
    لنبدأ من حيث انتهى فنقول:
    ما هذا الذي لا يجوز: الاختلاف؟، هل يريد أن يحجر على الناقل للحديث روايته له بالمعنى؟ أي إذا سمع شخصٌ كلاماً ثم حاول أن يرويه ولم يتذكر اللفظ بالضبط فرواه بلفظ نحوه أو معبراً عن معناه؟ في رأي أدونيس هذا لا يجوز؟ نحن أمام عقل بشري وهذا إذا وقع من البشر فإما أن نحمله على أنه يكذب أي أن نتهمه أخلاقياً وهذا يجب أن يكون معززاً بقرائن هي ما نشأ لأجله علم الجرح والتعديل. وألا نكون متهمين أخلاقياً، وإما أن نرده إلى ضعفه البشري ونلتمس العذر لخيانة ذاكرته له في ذلك اللفظ، ثم نقارن روايته تلك بروايات مختلفة له ولغيره فإذا أفادت تلك الروايات المختلفة معنىً واحداً فإن هذا يعزز أن ذلك المعنى قد أُريد.
    هذا ما يفعله علماء الحديث الذين قبلوا الرواية بالمعنى وبعضهم اشترط أن يكون من رواه بالمعنى عالماً باللغة العربية القديمة ومتمكناً فيها كأصحاب الرسول وهذا هو علم مقارنة النصوص، وشبيه به علم مقارنة الأديان، وكل علم مقارن، يسعى لاستنباط الحقيقة من خلال وثائق تصل إليه بالنقل ومن علماء الحديث من تشدّد ورفض الرواية بالمعنى، ولكلٍ رأيٌ، ولا حجر على الآراء.
    وهل من الأفضل شطب كل رواية اختلف فيها النقل؟ إننا بهذا الأسلوب نخسر علماً كثيراً بل علوماً بكاملها كالتاريخ القديم، إذ لم يصلنا شيء صحيح خارج عن الجدل في نقل، سوى القرآن الكريم. وما عدا ذلك ففيه قراءات مختلفة وروايات مختلفة، والتحية كل التحية للعلماء الذين محصوا الروايات ونقدوا الروايات الشاذة وأقروا الروايات التي تقترب من الحقيقة بل صنّفوا ذلك الاقتراب وفق سُلَّم عجيب في وقته، فهذا هو الصحيح (وله درجات سبع) وذاك هو الحسن بنفسه الصحيح لغيره، ثم الحسن ثم الضعيف وهو أربعون نوعاً إلى أن وصلوا إلى صنف الموضوع وهو الذي جزموا بكذبه. ألا نقف إجلالاً أمام صبر هؤلاء العلماء كي لا يحرمونا معلومة مهما كان حظها من المصداقية؟ ألم يفعل علماء رواة الشعر الشيء نفسه في تحقيق الشعر وأدونيس في مختاراته يدين بالفضل لأمثالهم عندما يتبنى رواية معينة لأبيات وقد تكون رويت بشكل آخر بإبدال لفظٍ مكان لفظوا غير ذلك، بل إن اللغة كلها تدين لعلماء تحقيق النقول اللغوية في صياغة قواعدها، وما اختلاف الكوفيين والبصريين إلا ظاهرة علمية لا يحجر فيها قوم على غيرهم أن يروا رأياً مغايراً ولا يقول أحدهم كما قال أدونيس: لا يجوز!

    مأمون الجويجاتي
Working...
X