Announcement

Collapse
No announcement yet.

الدكتورة ( رودان مرعي ) القص النسائي السوري .. عقد الخمسينيات والواقعية التسجيلية

Collapse
X
 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts

  • الدكتورة ( رودان مرعي ) القص النسائي السوري .. عقد الخمسينيات والواقعية التسجيلية


    القص النسائي السوري .. عقد الخمسينيات والواقعية التسجيلية

    د. رودان مرعي

    ويزول الحياء الإبداعي شيئاً فشيئاً من حياة القاصة السورية, فتتجرّأ وتقبل على الكتابة القصصيّة, فما أن تهلّ الخمسينيات من القرن العشرين حتى تظهر أسماء قاصات جدد من مثل:
    منور فوال, سلمى الحفار الكزبري, ألفة الإدلبي, إلى جانب وداد سكاكيني, وتتعدّد المجموعات القصصيّة لتصل إلى سبع مجموعات هي على الترتيب: ثلاث مجموعات للأولى, ومجموعتان للثانية, ومجموعة لكل من الثالثة والرابعة, بعد أن كانت في الأربعينيات مجموعتين لقاصة واحدة. ولا يخفى أنّ هذا القدر من المنتج القصصي النسائي قد شكّل ظاهرة أدبيّة في سورية, لم يجد النقاد بدّاً من ذكرها, والخوض فيها, وإن لم يعطوها القدر الكافي من الدراسة والبحث. وقد علّق د. أحمد جاسم الحسين على القصّة النسائية في الخمسينيات قائلاً: «سجلت هذه المرحلة حضوراً ما للقصّة القصيرة التي تكتبها المرأة, وإن اشتكت نصوص كثيرة من هموم عديدة, لم تستطع قاصات عديدات التخلّص منها إلى يومنا هذا, ولاسيما أنّ عدداً منها تغلب عليها إنشائية اللغة ومقالاتيّة الطابع. وإن لم يكن حضور المرأة آنئذٍ يعبّر عن غنى لأنّه لم يكن بذي حظوة فنية عالية, ويكاد المرء لا يعثر إلاّ على اسم ألفة الإدلبي ممّن استمّر من النساء في القصّة الفنّيّة, بالرغم ممّا يمكن أن يقال حول انشغاف الإدلبي بالجوانب التوثيقية للمجتمع الشامي بخاصّة .» ويلاحظ متتبّع القصّ النسائي السوري في الخمسينيات أنَّ النقد الذي عني بهذا القص ودرسه لم يكن منصفاً. فمعظم الأقلام النقديّة تطرّقت لإنتاج وداد سكاكيني وألفة الإدلبي - ولاسيما من حيث واقعيتهما وتسجيليتهما - وأغفل إنتاج منور فوال وسلمى الحفّار الكزبري, حتى ليكاد المرء لا يعثر إلاّ على شذرات نقدية قليلة تناثرت هنا وهناك, فقد ورد في كتاب «الكاتبات السوريات «معلومات قليلة حول القاصّة « منور فوال « تشير إلى ميلادها وزواجها ودراستها للصحافة وإسهامها في إنشاء رابطة أدبية هي « رابطة الأدب العربي « التي تهدف إلى خدمة الأدب العربي ولاسيما الأدب النسائي منه, وعملها التدريسي وأعمالها القصصية المطبوعة « كبرياء وغرام 1951», « دموع الخاطئة 1955», «غداً نلتقي 1959».‏
    وإذا كانت العتمة قد لفّت نتاج منوّر فوّال, فإنّ شيئاً من الضوء قد انهال على نتاج الكاتبة (سلمى الحفار الكزبري) التي تركت على رفوف مكتبة القصة القصيرة ثلاث مجموعات قصصية هي «حرمان» (1952) و»زوايا «(1955) و»الغريبة «(1966), وحزن الأشجار (1986) وعلى الرغم من أنّ أول نتاج الكزبري كان في الشعر المكتوب باللغة الفرنسيّة, إذ لم تنظم الشعر العربي, وجدت أن النثر أكثر طواعية لقريحتها الأدبيّة, ولاسيما أنّ طفولتها شحنت بطاقة حكائيّة شفويّة جاءتها من جدّتها التي أسهمت في تكوين موهبتها القصصيّة, فها هي تجيب عدنان بن ذريل عندما سألها: «على من تتلمذت ؟ « بقولها: «لا أستطيع أن أقول أنّي تتلمذت على أحد من كبار الكتّاب, على الرغم من أنّي أولعت بقراءة آثارهم منذ صغري, ولكن (جدتي )لأمي هي التي حببتني بالقصّة, وشوّقتني إلى إتقانها لما كانت عليه من ذوق رفيع وأسلوب أخّاذ في روايتها «.‏
    وكانت الكزبري قد أشارت إلى فضل جدّتها في مقدمة مجموعتها «زوايا» إذ قالت عنها: «..كان لها أعمق الأثر في تربيتي, وتوجيهي وتكوين ذوقي وشخصيتي...» ولذلك نجد في مجموعتها القصصية قصصاً مأخوذة عن جدّتها, وقصصاً من بيئتها الشاميّة, وأخرى متأتية من رحلاتها وسفرها إلى بلدان أمريكية وأوربيّة, إذ «تنفسّت السيدة سلمى السياسة في الأدب, والأدب في خضم الحياة السياسيّة ومن خلال صانعيها والمشاركين فيها, كما أنّها درست الموسيقا في طفولتها وصباها واستفادت منها بتوظيفها الإيقاعية والميلودية الملحوظة في الكتابة القصصيّة..منحت أسبانيا للأديبة سلمى وساماً رفيعاً عام (1964), هو (شريط السيدة ايزابيلا كاتوليكا ) تقديراً للجهود التي بذلتها في أثناء إقامتها مع زوجها سفير سورية نادر الكزبري في مدريد عامي 1962 - 1963... وإننا نرى في كتاباتها تأثّراً واضحاً بثقافة فرنسيّة حصّلتها في مدرسة راهبات الفرنسيسكان, وهي ثقافة متطوّرة بالمقارنة بالسائد من بقايا الماضي. « إنّ لهذا التنوّع في البيئات الثقافية أثره في نتاج الأديبة القصصي, إذ يغنيه بألوان الواقع المرهون بالزمان والمكان اللذين كثرا في قصصها كثرة لافتة جعلت الناقد عدنان بن ذريل يسجل ذلك بوصفه سمة من سمات قصّها الواقعي (الريبورتاجي ). وتغلب على موضوعاتها النزعة الاجتماعية ولاسيما في وصفها للواقع السوري آنذاك - الدمشقي منه حصراً ونجد قصصاً تحكي حال واقع إسباني مثل «العاشقة الصغيرة « و»لعينيك يا دولوروس « أو أرجنتيني مثل «الغريبة « و»السنيورة أبيض « أو غير ذلك, أما القصص التي تعالج الواقع المحلّي في سورية فكثيرة ومنها: «الأسيران, أم البنات «من مجموعة «الغريبة ومعظم قصص مجموعتيها «حرمان « و»زوايا « وتجدر الإشارة إلى أنّ جريدة الأسبوع الأدبي قد خصّصت ملفّاً عن الكاتبة شارك فيه نخبة من الأصوات النقدية في سورية والعالم العربي وذلك تكريماً لها وتأبيناً لها في رحيلها, حيث ذكرت د. ماجدة حمود مجموعتها القصصية «حزن الأشجار «عام (1986) أي بعد عشرين سنة من إصدار آخر مجموعاتها.‏
    ولعلّ القاصّة « ألفة الإدلبي «هي أكثر من قدّم في مسيرة القصّة القصيرة من القاصات اللائي ظهرن في فترة الخمسينيات, فقد استّمر عطاؤها القصصي على امتداد عقود متوالية, إذ ظهرت مجموعتها «قصص شامية» عام(1954), قدّم لها عميد القصّة العربية محمود تيمور « وأشار إلى أنّ «صاحبة هذه المجموعة القصصيّة كانت ذات شخصيّة مستقلّة تتقن الإفصاح عن نفسيّة المرأة, وتعرف كيف تصوّر الحياة الشرقية والعقلية الشرقية, هذه المجموعة كانت تضمّ سبع عشرة قصّة قصيرة منقولة من صميم بيئتها المحليّة الدمشقية « ثم أصدرت الكاتبة مجموعتها القصصية الثانية عام(1963), أي بعد قرابة عقد من الزمن, لتضمّ «أيضاً سبع عشرة قصّة من القصص القصيرة المستوحاة من التراث الشعبي, والواقع الشامي, والثورات القوميّة .» ويبدو أنّ أسلوبها القصصي قد انتقل من مرحلة التسجيل (الفوتوغرافي ) إلى مرحلة فنيّة, ففي مجموعتها الأولى ذات الطابع المغرق في المحليّة إذ لم «تخرج عن نطاق رصد حياة الأسرة وحياة الناس بملامحهم الشرقية « تكتفي بالتصوير والنقل التسجيلي عن الواقع فقد بخلت عليها الروح المحلية التي لم تخضع لنقاء الروح الفنية وصلابتها .ولذلك جاءت القصص الجيدة من الناحية الفنية قليلة وفي طليعتها «الستائر الممزقة « و «كان سيئ الخلق « و» كلام رجال « أمّا مجموعتها الثانية فإنها قد حقّقت جميع ما بشرّت به ملامح القصص الأولى من ميزات فنية وخصائص أسلوبيّة في التصوير والتعبير .»‏
    وإذا كانت موضوعات المجموعة الأولى لا تخرج عن نطاق اجتماعي محلّي فإن موضوعات المجموعة الثانية «تنزع إلى تصوير رحاب الحياة المناضلة ضد المحتل الغازي وضد الدخيل الغاصب وأخيراً ضد الإقطاع الغاشم»ولاسيما في قصة (سلاطين مخفية) التي تلتقي مع قصة «الآغا أبو الدب « من المجموعة الأولى في رصد الواقع السيئ للفلاح في ريفنا السوري آنذاك. وتأتي بعد هاتين المجموعتين القصصيتين مجموعتها القصصية الثالثة « ويضحك الشيطان « عام 1970 التي تتناول فيها «المرأة زوجاً وأمّاً, عاقراً وعانساً, تتناولها كعشيقة وضرّة ومخدوعة,... ولكنها على الدوام المرأة المدنيّة أمّا المرأة الريفية فلا تظهر غير خادمة في قصة واحدة « الكنز « والمرأة في أغلب القصص هي المحور الأساسي. « بالإضافة إلى «أربع قصص « نضالية «عن العمل الفدائي الفلسطيني والثورة السورية الكبرى والمرأة المناضلة.‏
    وقد صدرت مجموعتها القصصية الرابعة «عصيّ الدمع « عام 1976 «ويلاحظ فيها اتساع دائرة اهتمام الكاتبة بقضايا المرأة والمجتمع والوطن, التي تعكس الواقع الجديد بكلّ تبدّلاته, وتطرح قضايا إنسانيّة عن استغلال الإنسان للإنسان وعن بؤس المقهورين وغربتهم في مجتمعهم وعن آثار الرجعيّة في أوضاع المرأة, وتعرض صوراً عن صراع الفقر والغنى الذي لا ينتهي. و كذلك تتحدّث عن حرب تشرين وآثارها النفسيّة في أبناء شعبنا.» و في مرحلة ما بعد حرب تشرين التحريريّة قد أصبحت أكثر وضوحاً في أذهان متلقيها ونقّاد الأدب السوري, وكثير من النقاد أشار بأدبيتها وشخصيتها ويكفي للباحث أن يقرأ بضع الصفحات التي اختتمت بها الباحثة سحر شبيب كتابها عن ألفة الإدلبي تلك التي عنونتها بـ « شذا الكلمات, مما قاله بعض الأدباء في ألفة الإدلبي «ليعرف من هي هذه السيدة التي سمّاها بعضهم «ست الشام « وآخرون نعتوها بـ «ياسمينة دمشق « هكذا مرت سفينة الكاتبة في بحر التلقي ما بين مدّ وجزر, وقد مرّ بنا قول الدكتور أحمد جاسم الحسين إنها الكاتبة الوحيدة من قاصات الخمسينيات التي استمرت حتى فجر القصة الفنّيّة ونضيف بل حتى عقد التسعينيات إذ ظهرت مجموعتها « ما وراء الأشياء الجميلة» (1993). وإذا كانت الإدلبي من الجيل المحافظ, المقدّس للماضي وتقاليده, الممجّد لتراثه, من الناحية الأيديولوجية والفكريّة. فإنها ارتقت فنّيّاً بقصصها من الواقعية التسجيلية ذات البعد الإنشائي الإخباري إلى واقعية فنيّة اعتمدت فيها آليات القص وتقنياته الفنيّة المتعلّقة بفنيّة السرد وتنويع الحوار والمونولوج الداخلي والتداعي ووصف الشخصيات والتسلسل المنطقي للأحداث وذلك مع تنويع موضوعات القص واتساع آفاقه. وتجدر الإشارة إلى أنَّ قصص ألفة الإدلبي ? وأدبها عموماً ? قد عرف في غير لغة, بل هناك من يقول إنَّ العديد من أعمالها القصصية قد ترجم إلى ما يزيد على عشر لغات أجنبيّة لا بل دخلت بعض قصصها إلى المناهج المدرسية في سورية, مثل قصتي «عاد إنساناً» و»الحقد الكبير» وتدّرس هذه القصّة الآن في الولايات المتّحدة الأمريكية على طلبة الشهادة الثانوية أيضاً «‏
Working...
X