Announcement

Collapse
No announcement yet.

بقلم الدكتور: غسان غنيم - عبـد الرحمـن منيـف نـاقـداً ...“محــــــــــاولاتـــــــه النقــــــديـــة”

Collapse
X
 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts

  • بقلم الدكتور: غسان غنيم - عبـد الرحمـن منيـف نـاقـداً ...“محــــــــــاولاتـــــــه النقــــــديـــة”

    عبـد الرحمـن منيـف نـاقـداً ...
    “محــــــــــاولاتـــــــه النقــــــديـــة”


    د. غسان غنيم

    (لأن أهمية الفنان لا تقاس بالسنوات، أو بالقرب المادي، وإنما بمقدار الحضور والتأثير، وهذا مايجعل لموته مفهوماً مختلفاً مقارنة بموت الآخرين، لأنه دائم الحضور، وقادر على البقاء والتجدد، في الوقت الذي يكون ابتعاد الآخرين، موتهم، بداية الغياب، ثم التلاشي فالنسيان).
    عبد الرحمن منيف
    ربما يفاجأ كثير من القراء.. من اختياري هذا الجانب من نشاط الروائي الكبير الراحل عبد الرحمن منيف، بينما يكمن الجانب الأبرز من إبداعه في الرواية ـ فهي عمل إبداعي ـ يستحق ولا شك أن يدرس لديه دون سواه، لأنه العلامة الأبرز في شخصية هذا المبدع، والمثقف الكبير.
    ولكن التاريخ الأدبي يظهر لنا أن كثيراً من المبدعين قد برعوا إلى جانب إبداعاتهم الأدبية، بفعالية نقدية لافتة، تستحق الوقوف عندها، بقدر الإبداع أو أكثر أو أقل.
    والثابت أيضاً، أن في داخل كل مبدع ناقد محنك يحاكم إبداعاته، ويختار لها أجمل الصيغ، وأكمل البنى، على أن غالبيتهم، يمارسون ذلك فطرة وطبعاً، لا دراسة وتجربة، إلا من تمرّس بالنقد تنظيراً وتطبيقاً.
    ولا بد أن نتذكر في هذا المقام ت.س. إليوت، وأدونيس، وإزرا باوند، وكولردج.. وسواهم، ممن جمعوا بين فعاليتي الإبداع الأدبي، والنقد.
    ولكن عبد الرحمن منيف، ليس في زمرتهم، إلا من حيث الإبداع الفني، أما عملية النقد فكانت مجرد هواية يمارسها بين حين وحين، دون أن يتجرأ على التنظير، وطرح الرؤى، بل يقف عند حدود تناول بعض النصوص الأدبية التي يختارها لأمر ما، يحركه للعمل عليها، نقداً ودراسة. وقد تناول بعض الأعمال النثرية حصراً، إذ لم يتجرأ على أعمال شعرية، ومردّ ذلك قرب النثر من عمله الإبداعي السردي النثري، فلا يجد غربة في الاقتراب من أعمال النثر، فيدلي بدلوه، باطمئنان أكبر، وقد تناول القصة القصيرة والمسرحية.
    وتقوم طريقته في تناول هذه النصوص على آلية لا على منهج محدد، وهي
    1ـ محاولة مقاربة شخصية الفنان المبدع، أو الشخصية المعالجة، وربما يعود ذلك إلى إيمانه بتأثيرات حياتية وبيئية وفكرية ومهنية (كان توفيق عواد محكوماً بالزمان الذي عاشه، وبالبيئة التي ترعرع فيها، ولعل هذا يتبدّى بوضوح شديد في (الصبي الأعرج)، فإذا أضيفت إلى الزمان والمكان عوامل أخرى كالمهنة والتوجه السياسي وأساليب القول السائدة، زيادة على الأحلام والرغبات، فإن هذه بمجموعها تعطي لعمل ما، لكاتب ما نكهته التي تميزه من غيره..).(1).
    فأسباب واقعية قصص (الصبي الأعرج).. من وجهة نظر عبد الرحمن منيف، مردها إلى تأثير حياة توفيق يوسف عواد في أدبه، حتى في لغته التي يستعملها، إذ يرد لغة الإيصال الطاغية على المجموعة إلى مهنة (عواد) وهي الصحافة.
    ويكرر مثل ذلك عندما يتحدث عن مجموعة فاتح المدرس (عود النعنع) (إن القصة القصيرة بأسلوب فاتح، إضاءة هامة لعالمه). (2).
    أي أن القصة ترتبط بعالم المؤلف ارتباطاً وثيقاً من وجهة نظره. وهو عندما يتحدث عن مسرحية للراحل الكبير سعد الله ونوس، يتناول قبل الدراسة الحياة الواقعية للشخصية الرئيسة في مسرحية (منمنمات تاريخية) (شخصية ابن خلدون، ويصرف نحو عشر صفحات من الدراسة للوقوف على حياة ابن خلدون الواقعية كما قدمتها الدراسات الببلوغرافية التي تناولت شخصية ابن خلدون، أو كما قدّمها ابن خلدون ذاته في مذكراته، في كتاب من تأليف ابن خلدون هو (التعريف بابن خلدون ورحلته غرباً وشرقاً). ويخلص إلى نتيجة هي ارتباط أفعال ابن خلدون بتجربته وقساوة الأحداث التي عاشها.. يقول (فالرجل يصدر في الكثير مما فعله أو كتبه عن تجربته الشخصية، وما اتسمت هذه التجربة من قسوة ومرارة...). (3). ثم يقول بعد أن اكتملت صورة ابن خلدون الواقعية كما رسم بنفسه أجزاء منها بما كتبه مباشرة، ثم ما قدمه معاصروه من شهادات معظمها في مصلحته.. وأخيراً ما أشار إليه دارسوه في فترات متعددة..). (4).
    أي أن الربط بين النص وصاحبه أو الشخصية الأساس فيه، هو أسلوب رئيسي في دراسة النصوص الأدبية لدى (منيف)، وهذا ما يؤشر إلى ميل عبد الرحمن منيف في دراسته للنصوص ونقده نحو الاتجاه الواقعي الذي يربط بين الأثر والبيئة أو المجتمع الذي أنتجه، كما يربط الأثر بزمن إنتاجه، فلكل زمن معطيات تصنع الأثر، وينبغي أن يحاكم الأثر بمنظور مرحلة إنتاجه وليس بمنظورنا.. (بداية لا بد من التأكيد مجدداً أن (الصبي الأعرج) (تبلغ من العمر سبعين عاماً، وهذا يقتضي أن نحاكمها ونحكم عليها، ليس بمنظور المرحلة الزمنية التي نعيشها حالياً، وإنما بمنظور زمنها..) (5).
    مثل هذا الحكم قد لا يجد مناصراً في النقد الحديث، فليس شرط دراسة النصوص القديمة، أن نحاكمها بمنظور مرحلتها إلا من حيث معطيات مرحلتها المادية والفكرية والاجتماعية. أما من حيث الآليات النقدية، والمناهج.. فلا بأس في تطبيق هذه الآليات والمناهج على النصوص مهما يكن زمنها، فنصوص الشعر القديم، نتناولها بمناهج وآليات نقدية معاصرة، مما يعطي النصوص حياة جديدة، ويضيف إليها أكثر، مما لو اقتصر الدارس على معطيات زمنها، أو آليات الدراسة القديمة.
    2- أما الآلية الثانية، فهي محاولة الاهتمام بالجانب النفسي للمبدع، والاهتمام بمرحلة طفولة المبدع، وعدّها من أهم المراحل في حياة المبدع، بل من أكثرها أثراً في إبداعه وأدبه (ولأن الطفولة للفنان نبع لا ينضب... رحلة الحلم والذاكرة ثم الفن رحلة طويلة حافلة شديدة التعرج، وأحد المفاتيح لقراءة الفنان معرفة طفولته! إذ دون معرفة هذه الطفولة، وما تخللها من مصاعب وتحديات، وما لابسها من مشاعر ورغبات وأحلام، ستبقى أعمال الفنان عصية، وبعض الأحيان مغلقة). (6).
    مثل هذه المقولة، توحي بميل نحو المنهج النفسي الذي يربط بين الأثر وصاحبه. ولمعرفة معميات النص، لا بد من الغوص في نفسية مبدعه، وهذا ما يقتضي معرفة ماضي مبدعه وطفولته، كما يتطلب ذلك التحليل النفسي للأشخاص.
    3ـ في المرحلة الثالثة يقتحم عبد الرحمن منيف النص مباشرة، بعد هذه المقدمات التي قد تطول أو تقصر، بحسب الموضوع أو بحسب شخصية المبدع المدروس.
    ويعتمد في تناوله للنصوص دراسة الثيمات والمضامين التي يقوم عليها النص (إن الحرب والحرب العالمية الأولى تحديداً، التي أفرد لها الكاتب أكثر من قصة في هذه المجموعة، تكاد تكون محوراً أساسياً في معظم ما كتب، فإن عين الطفل تمتلك قدرة على الالتقاط والتأثر، بحيث تصبح مرحلة الطفولة مصدراً لكثير مما يكتبه المبدع لاحقاً، وهذا ما يفسر العودة المستمرة لتوفيق عواد إلى موضوع الحرب، نظراً لما تعنيه من آلام ومآس إلى حد الوجع والصراخ...) (7).
    ومثل هذا ما قدمه بين يدي دراسة (المنمنمات)، فالقضية الأساسية التي تعالجها المسرحية، هي قضية المثقف ودوره ومواقفه من قضايا شعبه وأمته في أوقات الأزمات، (فبمقدار إتقان المثقف لمهمته، وارتفاع موقعه في سلم المعرفة تزداد مسؤوليته.. فإذا اعتبرت فرضيتنا أن على المثقف أن يكون ابن عصره صحيحة، فهذا يعني أن يكون منغمساً في أحداث العصر، وأن يكون له موقف.. أي أن الإنسان المثقف يعني أن الكلمات والأفكار التي تصدر عنه هي بمثابة تحديد وتلخيص له كإنسان وكموقف، وكما لا يوجد مثقف محايد، فإن أغلب العلوم لا تعرف الحياد أيضاً..) (8).
    إن ما يعنيه بالدرجة الأولى تحديد الأفكار والمقولات التي يحويها النص الأدبي، ويحاول دراسة هذه الموضوعات في سياقها الاجتماعي والسياسي، ويتوسع قدر ما يستطيع، لأن هذا هو ميدانه الذي يرمح فيه على ما يبدو، ويتمدد ما شاء له التمدد.. فهو إذا ما غادره سرعان ما يهرع بالرجوع إليه (فإذا عدنا مرة أخرى إلى (الصبي الأعرج) من حيث الموضوعات والبنية، نجد أن هذه المجموعة تقول شيئاً مميزاً على أكثر من مستوى وبأكثر من طريقة..) (9).
    ولكن اهتمامه بالمضمون، يجعله لا ينسى بشكل نهائي أن يعرِّج قليلاً على البناء الفني للنص الأدبي، وإن بشكل ضئيل بالقياس إلى اهتمامه بالمضمون. ففي حديثه عن مجموعة (الصبي الأعرج) لتوفيق يوسف عواد.. يتناول اهتمام القاص بالتفاصيل المدينية اهتماماً أكبر من اهتمامه بتفاصيل الريف (في الصبي الأعرج نعثر على كم من التفاصيل الحميمة التي تكوّن الذاكرة، وهذه التفاصيل بمقدار ما تتناول بيئة الريف، الجبل خاصة، فإنها تغوص في أزقة المدينة، بيروت وأوحالها، لذلك كانت صورة بيروت في عدد من القصص، أكثر وضوحاً من صورة بعض المناطق الجبلية..) (10).
    كما ألمح إلى لغة القص، فوجدها (مختلفة من بعض الجوانب عما كان سائداً في لغة الأدب آنذاك، مما يحتم على الدارس محاكمتها ضمن شروطها الزمنية).
    4ـ بعد أن يعرض مضمون النصوص، يعرج قليلاً على بعض فنياتها، لا بد من إطلاق الأحكام القيمية، فـ (مجموعة (عود النعنع) وهي المجموعة الوحيدة التي أفرج عنها فاتح المدرس ونشرها، هي نموذج بارز للقصة القصيرة، من حيــــث البناء واللغة، وما توحي إليه..) (11) أو يقول (بعد هذا الاستعراض الإجمالي لموضوعات ومناخ وأسلوب (الصبي الأعرج) لا بد من الاعتراف أنها من الأعمال الرائدة في مجال القصة العربية..) (12) أو يقول (وأخيراً.. يكفي سعد الله ونوس نبالة وبعد نظر أنه وضع يده على واحدة من المعضلات الكبرى التي خلقت ولا تزال، إشكالات للثقافة وللمثقف في آن واحد..) (13).
    فالواضح أنه يطلق أحكام قيمة عامة، مما تجاوزه النقد الحديث الذي يكتفي بالتوصيف أو التفكيك، دون أن يقترب من أحكام القيمة، وهذا ما يثبت عدم مجاراة عبد الرحمن منيف لمدارس نقدية حديثة أو معاصرة.
    صحيح أن عبد الرحمن منيف، لا يمكن أن يصنّف ناقداً، ولكنه حاول كغيره من المبدعين مقاربة النقد ودراسة بعض النصوص النثرية، فقدم رؤىً وجهداً بدا واضحاً في دراسته (لمنمنمات) سعد الله ونوس، ومجموعة (الصبي الأعرج) لتوفيق يوسف عواد، حيث تظهر ثقافته العالية، وحساسيته تجاه النصوص.. على أنه لا يتجاوز في آليات تناوله للنصوص حدود دراسة المضمون مع تعريج قصير على النواحي الجمالية. لأن ما يشغله هو قضايا الإنسان الكبرى أكثر من انشغاله بالفن وطرائقه وتقاناته (لقد كانت الكلمة المكتوبة، خاصة القصة القصيرة التي نشرها، تحرّض أنبل ما في الإنسان، لكي يقف ضد الظلم والاضطهاد، ويبذل كل جهده من أجل أن تكون الحياة أجمل وتستحق أن تعاش..). (14).
    () ابن خلدون ـ عبد الرحمن (التعريف بابن خلدون ورحلته غرباً وشرقاً). دار الكتاب اللبناني ـ بيروت 1979.
    1- 5-7-9-10-،12 منيف، عبد الرحمن مجموعة (الصبي الأعرج) ودورها الريادي في مجال القصة العربية (قراءة في المجموعة بعد 70 عاماً من كتابتها) - مجلة الطريق، عـ 3 (أيار ـ حزيران 1999). ص 90-95.
    2- 6-11-14- منيف ـ عبد الرحمن لكي نكتشف فاتح المدرس - مجلة الطريق عـ 4 تموز ـ آب 1999 ص 18.
    3 ـ 4 ـ8ـ13ـ منيف ـ عبد الرحمن (ابن خلدون وصورته في (منمنمات تاريخية)- الطريق، عـ 1 (كانون 2 ـ شباط 1996) ـ ص 121 ـ 33
    د. غسان غنيم
Working...
X