Announcement

Collapse
No announcement yet.

الرجولة والشنب

Collapse
X
 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts

  • الرجولة والشنب

    من أروع القصص التي سمعتها في حياتي واحدة عن البطل المجاهد سلطان باشا الأطرش و ذلك بأنه و في أيام الثورة السورية الكبرى ذهب إلى الحجاز لطلب العون لأبناء الثورة من الملك عبد العزيز و جلس في ضيافته زمناً ، و في إحدى الجلسات التي اجتمع فيها وجهاء القوم . لاحظ الملك أن شنب قائد الثورة السورية طويل و ( يقف عليه النسر ) كما يقال عندنا فقال له ممازحاً :
    - لماذا لا تقصر شنبك يا شيخ ؟
    فجاءه الجواب سريعاً و عميقاً
    - و الله ( جلالتك) نحن جئنا عندك لكي نطول شنبنا و ليس لنقصره !
    من هذه الرواية و محتواها نقف عند معاني الرجولة الحقيقية لدى هؤلاء , و قد يكون من الجميل أن نناقش مسألة تميز منطقتنا بإطلاق الرجال ل (الشنب) أو كما يعرف بالعامية (الشوارب) ...
    فـ(الشنب) ليس مطلقاً تلك الرسمة التي نراها تحت الأنف عند الرجال فقط إنما كان في الماضي رمزاً للرجولة و الفروسية و احترام القيم النبيلة ...و بما أن أشياء كثيرة في مجتمعنا صارت شكلية بدءاً من خلو الخضار من رائحتها الطبيعية بسبب التسميد الجائر , و خلط الحليب بالماء من أجل الغش و تحول الكذب و النفاق إلى ظاهرة مجتمعية خطرة لا يعتبر انتشارها بحسب علم الاجتماع ذو مسارٍ واحد بل لا بد مع الكذب أن تزيد نسب الخلافات داخل الأسر و خارجها فإنني هنا أود التطرق إلى معنى الرجولة (بشنب أو بدون شنب) خصوصاً و أن الزمان قد صار إلى اختلاف كبير فبعد أن كانت المشاكل تحل بطريقة فروسية و فيها مواجهة بين الرجال و مقارعة تبدأ بالعيون و تأخذ أشكالا أخرى صار الغدر سهلا بعد اختراع البارود و تطور السلاح فتراجع معنى الرجولة الحقة . فالرجولة برأيي لا تبدأ قاسية و لا عنيفة بل بالعكس تبدأ الرجولة من مقدرة الرجل على ممارسة الطبع الحنون أولاً على المحيط بدءاً من أولاده و زوجته حتى يقف هنيهة أمام عقله و ضميره وقفة (حنان) على المجتمع كله إذا كان مجتمعه يعاني من أي شيء ... من الفقر أو البرد (ربما) أو من أشياء أخرى كثيرة ... (يحن) الرجل الحقيقي ثم يعمل عقله و يحاول المساعدة و التصدي لهذه المشكلة أو تلك و عندها تبدأ و تبدو قوة الرجال ... فهذه صيحة (عروة بن الورد) على رضيعة وئدت قد ملأت صحراء العرب حتى صار هو قبل ألف سنة من (روبن هود) بطل الفقراء و رجلهم حيث استحق (الشنب) ...لابد أن ننحني احتراماً لرجال كعروة و سلطان الأطرش و السموأل و غيرهم كثيرون و للمعنى العميق الذي كان يتداول عن (الشنب) بين الناس من شعبنا العظيم حيث (مسكة الشنب) تعني كلمة شرف لا عودة عنها ... و هي دعوة لا نريد فيها أن يطلق كل الرجال أشناباً -حتى لا نعذب الحلاقين - لكن المعاني الكريمة لا تتغير أبداً فإذا صار و تغيرت تعذبنا كلنا و أرجو عدم اعتبار مقالتي هذه تحدياً للأغنية الرائعة للفنان طوني حنا (خلي الشوارب ع جنب ) و محبتي لكم .
    د.محمد عبدالله الأحمد
    تنشر في العروبة و المفتاح
Working...
X