Announcement

Collapse
No announcement yet.

الدرس التونسي - د. محمد عبد الله الأحمد

Collapse
X
 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts

  • الدرس التونسي - د. محمد عبد الله الأحمد

    الدرس التونسي
    في الوقت الذي كانت فيه أغلب التقارير الاقتصادية تخرج علينا بعناوين مثل (المعجزة التونسية أو التجربة التونسية الرائدة أو المثل التونسي العبقري) تخرج الحقيقة إلى العلن من البطون الجائعة و الأفواه الثائرة و قبلها من قرار بالتضحية بالنفس احتجاجاً على الظلم الاقتصادي الذي يشبه الكفر أحياناً فيصب الشهيد محمد البوعزيزي ما توفر له من مادة الكيروسين على رأسه إلى أخمص قدميه ثم يشعل النار في جسده مقرراً أن يغادر الحياة لأنه تعذب من الموت البطيء و قرر أن يستعجله .
    في المسافة بين كذب التقارير الاقتصادية أو وهم المتوهمين الذين يعتقدون أن تحويل بلد بأكمله إلى (فندق) يعتني فيه سكانه بمنامة و أكل و ترتيب سرائر السياح الأجانب و دلالهم مقابل الحصول على أجرة بالعملة الصعبة و احتراق محمد بو العزيزي يكمن الفرق بين التفكير الاقتصادي المتوازن الذي لا تغيب عنه مسألة الإدراك المستقبلي لصيرورة الأشياء المتعلقة بحياة الوطن بدءاً بشكل النظام السياسي المتماهي مع (الفندق) وصولاً إلى حد الإشباع في مقدرة الفندق على توظيف اليد العاملة و نوع آخر من التفكير الذي يعاني ليس فقط من فقدان التوازن بل من الشعور بانعدام الوزن لأنه لا يؤمن بقدرات مجتمعه الخلاقة على التحدي و المقدرة بالفعل بالوصول إلى إنتاج أدق أنواع السلع التكنولوجية و أرقى حالات الإنتاج الزراعي و الصناعي لا بل و تهيئة المجتمع لإنتاج سلع لم تعرفها البشرية بعد باحترام الإبداع و الاختراع ... و حالة انعدام الوزن هذه لها عدة مسببات منها ما نسمعه بين حين و آخر من بعض المثقفين الذين لا يستطيعون مد اليد إلى أقرب المقربين إليهم فيتهمونهم بالتخلف و البلادة و يصيحون لكي يبرؤوا أنفسهم (فالج لا تعالج) إنه مجتمع ميؤوس منه ! وقد يكون فكر منعدمي الوزن مأزوماً بطبيعته و فهم ببساطة لا يستطيعون النظر إلى أبعد من أنوفهم فيبدؤون بمحاولات إقناعنا فوراً بروعة و سهولة و إمكانية نظرية الفندق دون أن يدركوا أن أغلب الفنادق حتى تلك ذات العشر نجوم و ذات النجمة الواحدة قد يصفر فيها الريح و لا يدخلها نزيل واحد في أزمان القلق و الكوارث و ما أكثرها في حياة الإنسان و الدول و الشعوب فحتى أوروبا نفسها التي جاهدت في الأربعين سنة الماضية من أجل اتحادها ها هي تنقسم الآن إلى فندق جنوبي مفلس يضم اليونان و إيطاليا و إسبانيا و البرتغال و بعض فرنسا و إيرلندا و مصنع و مزرعة شمالية قوية تضم ألمانيا و هولندا و الدول الإسكندنافية .
    إن التوازن في التفكير الاقتصادي يقوم أولاً و قبل كل شيء على عدم اللجوء إلى الأفكار الإسعافية اللحظية الوقتية بل على الفكر المستدام و على التحدي الحضاري و على إيمان بأنه لا حدود مطلقاً لعقل الإنسان و قدراته الإبداعية الخلاقة يكفي فعلاً أن نهيئ الظروف الموضوعية من أجل السماح لهذا العقل أن يفكر و يبدع ثم نقوم نحن بالاستثمار في هذا الإبداع و قد نفشل معه في حالات و ننجح في حالات أخرى و هذه طبيعة الأشياء فلا بد من الانتباه إلى أن ثمرة العقل الإنساني هي التي تغير الحياة و تصنع الإزدهار و المستقبل .
    إن الدرس التونسي عميق الدلالة و المعنى و نحن هنا و برغم الحمأة السياسية لعناوين هذا الدرس نريد الاستفادة من جوهره الآخر عضوي الارتباط بالسياسة و هو الاقتصاد فنحن ممن يقولون بأنه و بما أن السياسة هي التعبير المكثف عن الاقتصاد و فيما يتعلق بنا نحن كسوريين فإننا نرهن آمالنا في سوريا الغد و سوريا المستقبل عبر التأسيس لاقتصاد سوري قوي قائم على الإنتاج و ليس على الريع الخدمي و كذلك و قبل كل شيء بسبب الاستثناء السوري – عربياً – القائم على الدور السياسي المقاوم للدولة و تصديها لأخطر مشروع في تاريخنا الحديث و هو المشروع الصهيوني و مقدرتها على الاحتفاظ بالحد الأدنى من علمنة الدولة في زمن يريد فيه الكثيرون من حمقى السياسة إدخال الفيل الديني من ثقب بوابة السياسة , لذلك نصر على أن الحزب السياسي أي حزب سياسي سوري لا بد أن يمسك بتلابيب الاقتصاد و أن يرفع شعار الاقتصاد أولاً لكي يصل إلى وطن أفضل و دولة أرقى .
    لقد قلنا مراراً و رفعنا الصوت من أجل اقتصاد إنتاجي يقوم على ساقين الزراعة و الصناعة دون أن يتجاهل القطاعات الخدمية و ذلك باعتماد إنتاج تأخذ فيه الدولة على عاتقها تخفيض كلفته بأساليب شتى و ليكن سمتها في ذلك تخفيض الكلف بنسب أقل من الأسواق المجاورة دائماً و دعم الصناعة و الزراعة إضافة إلى المشاريع النوعية الأخرى التي لابد من قيام التحالف فيها بين مال الدولة و مال القطاع الخاص و المهارات العقلية و اليدوية السورية في الإدارة و الإنتاج و التسويق و إذا كانت هذه المعادلة الآنفة الذكر هي الأصعب لدى أصحاب القرار الاقتصادي فإننا نسهلها عليهم بالعودة إلى التجارب الناجحة و تقليدها فهاهي شركة (الإسكان العسكري) في العقد الأول و نيف من حياتها تعتبر مثالاً رائداً في الإنشاء و الإنتاج يمكن تقليده برغم كم الهجاء و الأنصال و السيوف التي رفعت لكي تذبح هذه التجربة بسبب فساد نشأ هنا أو هناك أو مخالفات لنصوص و لوائح لا قدسية لها امام الهدف الإنتاجي و يبقى الواقع كمعيار أول للبناء ماثل أمامنا و قد امتد في أربعة أنحاء سورية ليصل حتى إلى خارج حدودها و يشيد في لبنان في وقت عجزت فيه كثير من المؤسسات حتى عن إعطاء الرواتب لموظفيها و السبب الأول في ذلك هو الحالة العقدية الخاصة التي أعطاها السيد الرئيس حافظ الأسد رحمه الله لمؤسس الإسكان العسكري المرحوم خليل بهلول اعتماداً على مبدأ الثقة و على مبدأ (قطاع عام بعقلية قطاع خاص) على أن تؤول الأرباح للوطن و ليس لمدير المشروع أو ليست هذه تجربة رائدة تستحق الدراسة ؟ و هل لا نجد في كوادرنا الإدارية و الهندسية و العسكرية و الحزبية الجبهوية و النقابية رجالاً و نساء يستحقون هذه الثقة و هذه الحالة العقدية فننشئ عشرات الشركات التي تقوم ببناء مشاريع رائدة نوعية تشبه الإسكان العسكري و لكن في قطاعات مختلفة من قطاعات الحياة الاقتصادية ؟
    إننا نفهم أن البعض تأثر إلى حد بالغ بسقوط دولة الفقراء الأولى في التاريخ (الاتحاد السوفيتي) فاعتقد بسقوط النظرية من الأساس و لكننا لا نستطيع أن نفهم أن العشرين سنة التي مرت على سقوط الاتحاد السوفيتي لا تشكل مدرسة لنا لكي نستنتج فضل الاتحاد السوفيتي على الكرة الأرضية بما في ذلك فضله على مواطني الدول الغربية فالحكومات الغربية و الرأسمال العالمي كله لم يكن لينشئ و ينتج كل هذا الكم من السياسات و القوانين ذات الصفة الاجتماعية و الحمائية للمواطنين لولا الاتحاد السوفيتي و الدول الاشتراكية بوصفها منافساً بديلاً جاهزاً إذا استمر الرأسمال وحشياً كما بدأ و كما هو الآن حتى بدأت الناس تفكر في إحراق نفسها و كم من بشر احترقوا دون أن نسمع بهم و كأن البوعزيزي كان محظوظاً في هذا المشهد .... نعم لقد التفت الأخطاء كالأفاعي على رقبة الرفاق في موسكو حتى خنقتهم و كانت بعض هذه الأفاعي من صنعهم هم أنفسهم و ذلك حين تصبح الأنا الفردية و الذات الأنانية أهم من الأوطان و لكن الحياة برمتها مدرسة للباحثين عن الحكمة و ما أحوجنا و احوج الرأسمال العالمي الآن إلى منافس يبيع كيلو الخبز بـ 2 سنت و كيلو اللحم بـ 5 سنت و يجعل النقل مجاني و الطبابة مجانية و التعليم كذلك و تجري عنده عملية قلب مفتوح دون أن تضطر لبيع منزلك .
    نحن في سورية بحاجة ماسة و نحن على أبواب المؤتمر القطري الحادي عشر أن نعيد النظر في جرعة فكر السوق الرأسمالي الذي حقناه في وريد الاقتصاد السوري و أن تكون أهم قرارات هذا المؤتمر سحب هذه الجرعة ثم إعادتها إلى توازن ضروري في حده الأدنى و ذلك ببساطة و دون كلام معقد بالنقاط التالية :
    1- إنشاء عدد جديد من الشركات بطريقة الشراكة بين القطاع العام و الخاص تقوم بالاستثمار في قطاعات استراتيجية خاصة في قطاع الطاقة البديلة برئاسة القطاع العام و شراكة غرف الصناعة و الزراعة و التجارة بعد تطوير أدوارها حقوقيا .
    2- تحويل الأمل المعقود على الشركات القابضة إلى القطاع الوطني العام مرة أخرى و توفير الشروط للقطاع الخاص للعمل أيضاً و تشجيعه للاستثمار الإنتاجي بدرجة أساسية .
    3- إعادة النظر في السياسات الضريبية بما يتماشى مع تشجيع الإنتاج
    4- تسهيل الاقتراض من المصارف الحكومية و تخفيض سعر الفائدة البنكية
    5- تشجيع التصدير بكل السبل الممكنة و خصوصا بتغيير طواقم السفارات ليكون الدور الأكبر لسدنة الاقتصاد الوطني في الخارج فدور سوريا السياسي يتمتع بصفة مركزية و السفارات لا تقوم بدور يذكر إلا مع بعض الاستثناءات .
    6- تفعيل المحاسبة بشكل صحيح و ضرب التهريب بقبضة حديدية و تفعيل القضاء و الإسراع بالبت في القضايا .
    7- إعادة النظر في دعم المحروقات و الكهرباء التي تدخل في تدوير الإنتاج و تخفيضها عبر عملية دعم بآليات جديدة حيث نقترح حصول كل صاحب ترخيص مهنة صناعية أو صناعي عضو في غرفة الصناعة أو عضو في غرفة زراعية على ثلاثة آلاف ليتر مازوت بسعر 12 ليرة شهرياً و ثاني ثلاثة آلاف ليتر بسعر 15 ليرة شهرياً و الباقي بسعر 18 ليرة بصرف النظر عن الكمية و ذلك لدعم الصناعات الصغيرة و المتوسطة و منح تعويض تدفئة لكل موظف أو حاصل على وثيقة من مديرية الشؤون الاجتماعية تنص على أنه عاطل عن العمل و اسمه على قوائم المسجلين كراغب في العمل .

    أخيراً إن الحكومة السورية الحالية فشلت في تحقيق الأهداف التي رفعتها امام المجتمع السوري و رحيلها ضروري و رحيل فلسفتها أكثر ضرورة فليس من يقيم فلسفته على فكرة (دولة غنية و مجتمع فقير ) الا شخص لا يدرك التعريف الاول للاقتصاد السياسي و هو اشباع حاجات الناس .

    د . محمد عبدالله الأحمد

  • #2
    رد: الدرس التونسي

    نتمنى أن لا تتحول الثورة في تونس إلى فوضى مدمرة
    وبهذا لا ينفع ندم محمد البوعزيزي على جسده الذي قدمه وجبة لنار عاصفة .
    أضعف فأناديك ..
    فأزداد ضعفاً فأخفيك !!!

    Comment


    • #3
      رد: الدرس التونسي - د. محمد عبد الله الأحمد

      لكل نتيجة مقدمات وعلينا أن نستدرك قبل أن ندرك

      Comment


      • #4
        رد: الدرس التونسي - د. محمد عبد الله الأحمد

        جميل ما تخطه يداك يا دكتور , وأقرأه بعناية وأعيده مرار وتكرارا ..
        هل الأحلام ضرورة في السياسة والاقتصاد أستاذي الكريم , وإن كانت كذلك ألا يفترض بنا إنشاء مدارس وجامعات لتعيد لنا
        إمكانية الحصول على حلم جميل كي نسعى لتطبيقه ..
        أكثر ما أخشاه أن تنبري جهات الظلمة الكريهة وما أكثرها , إلى تحويل استشهاد ( أصر على كلمة استشهاد ) محمد البو عزيزي إلى قضية تخص
        أنه شخص منتحر فهو بالتالي كافر ومصيره إلى ,,,,,,,,,,,,, وبئس مصيرنا نحن بوجود مثل هؤلاء وسيطرتهم على مقدرات بلادنا ..( أقصد الأقطار العربية عموما )
        نحن بحاجة إلى القضاء على فساد يقتل كل الأحلام وكل الممكنات ..
        وأكيد أننا بلد يتقن لعبة السياسة الدولية جيدا ,, لأننا لا نراهن على الغرب المفارق , وننتمي لبلدنا الملاصق لقلوبنا وطريقة تفكيرنا ..
        تقول الماركسية وأعتقد بصدقها في هذا الجانب : إن الثورة تقوم عندما يشعر الشعب بالظلم في يومياته وقوت يومه .. فالظلم موجود بطبيعة الحال ؟؟؟
        لقد شعر التونسيون الأخوة الأحبة بالظلم في قوت يومهم على ما يبدو , فكان خيارهم الذي نحترم ..
        الفساد هو أكثر مؤشرات الظلم الواقع على الشعب باعتقادي , فلننتبه لهذه القضية أستاذي الكريم ,, وعندها يصبح أي مشروع اقتصادي صغير حتى من مستوى ورشة صغيرة لتصنيع الجبنة , أو لتصنيع ربطات الشعر , سيصبح مشروعا ناجحا ورابحا بامتياز , لأنه لا يوجد من يشاركني بفساده فيه ؟؟
        أقدر جدا حماسك وأحترمه بشدة ,, وأشد على يدك في محاولاتك الحثيثة لجعل الأحلام واقعا ,, وأنت ممن يُعوّل ُ عليه ..
        شكرا لك

        Comment

        Working...
        X