Announcement

Collapse
No announcement yet.

قطرة هواء !!

Collapse
X
 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts

  • قطرة هواء !!

    قطرة هواء


    هبت عاصفة رملية تحمل دقائق الأتربة والغبار ، اعتادت هذه العاصفة غزو أجوائنا في مثل هذه الأيام من كل عام ، وقفت أرقب معالم غضبها من نافذتي ، فتارة تحاول كسر شموخ الأشجار وتارة أخرى تكنس الأرض وتجمع صغار حصاها في دوامة تمتص غضب الرياح وتذرية عبر غبارها في حركة لولبية تتناهى إلى أن تتحلل وتنتهي في فراغ الكون الشاسع .


    أرسل نظري إلى الطرف القصي من البحر فأجد تقلبات أنواءه ترسم صورا على سطحه ، فمياهة تقلوم جبروت هذه العاصفه الهوجاء ، وأمواجه تتذمر من قيودها كحصان بري يتمرد على اساليب ترويضه فتقاوم كل ما يعترض طريقها ، فتحطم وتدمر دون رحمة أو شفقه كل ما يقع تحت وطأتها ،
    وبينما كنت أرقب وأتابع التغيرات التي تتزامن مع هذه العاصفة فإذا بي أفاجأ بقطرة من الماء تسقط على زجاج نافذتي ، دفعني الفضول إلى البحث عن مصدرها ففتحت النافذة وأطللت برأسي ونظرت إلى أعلى ، فوجدت جارنا القاطن في الدور العلوي يرتكز رأسه كفيه على حافة النافذة غير آبه بالأجواء المحيطة به ، كان يقف غائبا عن الدنيا في غيبوبة صحو تنساب منه الدموع دون تحكم .


    ففي مثل هذا اليوم من العام المنصرم ابتلع البحر أغلى ما يملك وفي مثل هذا اليوم جاءت عاصفة مماثلة حملت قسوة الدنيا ليتحطم بها قلبه على صخور خبر غرق السفينة التي تقل ولده .


    في مثل هذا اليوم وقف يناجي خالقه ويطلب منه الرحمة والتثبيت لقلبه الذي أدماه سماع الخبر ، وقف يطلب الغفران لأصراره على سفر نجله على متن تلك السفينه المشئومة رغم معارضته .


    أمضيت فترة وأنا أرقبه رغم مضايقات الأجواء المزعجة ، ثم أقفلت نافذتي ووقفت وقفة تأمل لتلك القطرة التي غزا صفائها بعض حبيبات الأتربة . غصت بنظري عبرها شاهدت الدنيا من خلالها مشوبة غير نقية ، لم أعد أشعر بحدودها ، شعرت أنا تتسع لتحتويني ، لتحدثني عن المقلة التي تمخضت عنها ، عن القلب الذي أعتصر ألمه يستمطر الدمع كمتنفس لهمومه وآلامه .


    أخذت أبحث عن أبجديات الكلمات التي تصف محتواها وما يطفو على سطحها ولكني منيت بالعجز ، فقد كتبت بأبجديات لغات لا تعد ولا تحصى ، وقد تشابكت بها الحروف المختلفة الهوية لتخلد ذكرى الساعات والثواني التي تزامنت مع رحلة ذلك الإبن إلى أعماق مياة البحر ، خلت أنفاسه الغرقى قطرات هواء تشبه دمعة والده ، ولكنها قلبت بعا المعايير رأسا على عقب ، لإختلاف كثافة الأنفاس عن كثافة مياه البحر وعن كثافة الدمع .


    أجل قطرة هواء استقرت على سطح الماء كفقاعة تحمل بقايا حياة ، فقاعة شفافة احتجزت آخر زفرة تزامنت مع صعود روحه إلى السطح شاقة طريقها إلى السماء .
    رحلت روحه لتترك مهجة ثكلى تبكي الفراق وتنتظر اللقاء .




    هبت عاصفة رملية تحمل دقائق الأتربة والغبار ، اعتادت هذه العاصفة غزو أجوائنا في مثل هذه الأيام من كل عام ، وقفت أرقب معالم غضبها من نافذتي ، فتارة تحاول كسر شموخ الأشجار وتارة أخرى تكنس الأرض وتجمع صغار حصاها في دوامة تمتص غضب الرياح وتذرية عبر غبارها في حركة لولبية تتناهى إلى أن تتحلل وتنتهي في فراغ الكون الشاسع .


    أرسل نظري إلى الطرف القصي من البحر فأجد تقلبات أنواءه ترسم صورا على سطحه ، فمياهة تقلوم جبروت هذه العاصفه الهوجاء ، وأمواجه تتذمر من قيودها كحصان بري يتمرد على اساليب ترويضه فتقاوم كل ما يعترض طريقها ، فتحطم وتدمر دون رحمة أو شفقه كل ما يقع تحت وطأتها ،
    وبينما كنت أرقب وأتابع التغيرات التي تتزامن مع هذه العاصفة فإذا بي أفاجأ بقطرة من الماء تسقط على زجاج نافذتي ، دفعني الفضول إلى البحث عن مصدرها ففتحت النافذة وأطللت برأسي ونظرت إلى أعلى ، فوجدت جارنا القاطن في الدور العلوي يرتكز رأسه كفيه على حافة النافذة غير آبه بالأجواء المحيطة به ، كان يقف غائبا عن الدنيا في غيبوبة صحو تنساب منه الدموع دون تحكم .


    ففي مثل هذا اليوم من العام المنصرم ابتلع البحر أغلى ما يملك وفي مثل هذا اليوم جاءت عاصفة مماثلة حملت قسوة الدنيا ليتحطم بها قلبه على صخور خبر غرق السفينة التي تقل ولده .


    في مثل هذا اليوم وقف يناجي خالقه ويطلب منه الرحمة والتثبيت لقلبه الذي أدماه سماع الخبر ، وقف يطلب الغفران لأصراره على سفر نجله على متن تلك السفينه المشئومة رغم معارضته .


    أمضيت فترة وأنا أرقبه رغم مضايقات الأجواء المزعجة ، ثم أقفلت نافذتي ووقفت وقفة تأمل لتلك القطرة التي غزا صفائها بعض حبيبات الأتربة . غصت بنظري عبرها شاهدت الدنيا من خلالها مشوبة غير نقية ، لم أعد أشعر بحدودها ، شعرت أنا تتسع لتحتويني ، لتحدثني عن المقلة التي تمخضت عنها ، عن القلب الذي أعتصر ألمه يستمطر الدمع كمتنفس لهمومه وآلامه .


    أخذت أبحث عن أبجديات الكلمات التي تصف محتواها وما يطفو على سطحها ولكني منيت بالعجز ، فقد كتبت بأبجديات لغات لا تعد ولا تحصى ، وقد تشابكت بها الحروف المختلفة الهوية لتخلد ذكرى الساعات والثواني التي تزامنت مع رحلة ذلك الإبن إلى أعماق مياة البحر ، خلت أنفاسه الغرقى قطرات هواء تشبه دمعة والده ، ولكنها قلبت بعا المعايير رأسا على عقب ، لإختلاف كثافة الأنفاس عن كثافة مياه البحر وعن كثافة الدمع .


    أجل قطرة هواء استقرت على سطح الماء كفقاعة تحمل بقايا حياة ، فقاعة شفافة احتجزت آخر زفرة تزامنت مع صعود روحه إلى السطح شاقة طريقها إلى السماء .
    رحلت روحه لتترك مهجة ثكلى تبكي الفراق وتنتظر اللقاء .




    منقول لشفافيته


Working...
X