Announcement

Collapse
No announcement yet.

وصفي قرنفلي

Collapse
X
 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts

  • وصفي قرنفلي

    شعراء من حمص


    وصفـــي قرنفـــلي



    1911 ـ 1972



    المهندس جورج فارس رباحية


    وُلِدَ وصفي بن كامل قرنفلي في مدينة حمص عام 1911 وتلقّى دراسته الابتدائية في المدارس الأرثوذكسية بحمص ولم يتمكّن من متابعة دراسته ، وأنهاها عند الصف الحادي عشر والتحق بالعمل في دائرة المساحة بحمص عام 1929 . لم ينقطع عن المطالعة فانكبَّ عليها بحُبٍّ وشغف ، وتلقّى بعض الدروس باللغة العربية على يد أستاذه يوسف شـــاهين
    ( 1853 ـ 1944 ) الذي كان مديراً للمدارس الأرثوذكسية بحمص كما تلقّى بعض الدروس على يد الأستاذ جرجس كنعان . بدأ ينظم الشعر بقصائد وطنية وغزلية وهو في السادسة عشر من عمره .
    سافر فترة إلى مصر واطّلع على الحركة الأدبية فيها ونشر بعض إنتاجه في الصحف والمجلات التي تصدر في القاهرة . عاد إلى حمص وتوطّدت علاقته مع الأديب نصوح فاخوري ( 1924 ـ 2002 ) والأديب عبد السلام عيون السود ( 1922 ـ 1954 ) وفي عام 1954 أصدر كُرَّاساً مع صديقه نصوح فاخوري بعنوان ( موعد وعهد ) .
    لم يدخل وصفي القفص الزوجي طيلة حياته ، بدأ المرض يتغلغل في جسمه منذ عام 1957 وأهمل نفسه في العِلاج فاستفحل المرض واستحال الطب شفاءه ، فأصيب بالشلل بنهاية عام 1967 وبقي طريح الفراش حتى وافته المنية صباح يوم الثلاثاء في 12/كانون الأول / 1972 . وانطلقت الجنازة من بيته إلى كنيسة القديس إليان يوم الأربعاء الساعة 11بتاريخ 13/12/1972 ورثاه على القبر :
    الأستاذ عبد الرحيم الحمصي فقال :

    أفنيتَ عمركَ في النضال مُجالِداً وعَبَرْتَ ريعان الشباب مُجاهدا


    وعملتَ للوطن المُحَبّب عـندما كان الظلام على المـربع سائدا


    مهلاً رفيق العمر شِعرك لم يزل للواهنين مفاخــراً . وقلائـدا


    قم تشهد الأحبابَ حولكَ خُشّـعاً ينسـاب دمهمُ عليـك روافـدا

    وقال محي الدين الدرويش :

    شاعر الحُب والجــمال توارى ولقد كان ملء عين الزمـان


    بورِكَ الشِعر قد تسامى بــناء يبهر الناظـرين بالعنـفوان


    لاتقولوا : قد غاب بانيه ولكـن هو في القلب حاضر واللّسان


    إيه وصفي والعمر سرّ عجيب هات شِعراً مطيّـباً بالمثـاني


    قم كعهدي طلق المحيا ضحوكاً ناضر الوجه ألمعي الجنــان


    قم تأمّـل تجد ليـوثاً حيـارى وظباء مقروحـة الأجــفان


    هو شاعر تقدّمي رومانسي النزعة صاحب مدرسة التجديد في الشِعر العربي المُعاصر

    وظّفَ قصائده في خدمة قضايا الوطن والإنسان ومحاربة الاستعمار والدفاع عن الفقراء والكادحين ، لقّبوه بشاعر حمص . لكنّه كان يكره الألقاب فصاح بهم :

    أنا لستُ شاعر حمص ، في ما يدّعي قومٌ ، ولســتُ بشاعرِ الناسِ


    أنا شاعــري ، أنا عالمي أنا أمّتي وهناك شِعري في ضمير الكاس


    وعلى ظـلال الهدب أيقظ في دمي خدراً ، ولف مفاصـلي بنعاس

    قال عنه صديقه الأديب ممدوح سكاف في مجلة الثقافة الأسبوعية عام 1969 :
    ( إن وصفي يملك موهبة ممتازة في التعبير عن خلجات النفس الإنسانية والعواطف المتلهّفة والأحاسيس الطاغية ، فالكلمة عنده شحنة من الشعور المتدفّق والصدى الرمزي المسموع في اللفظة والصورة . والصورة في شعره وليدة الكلمة وضلع من حروفها ، فهي أحياناً مُثقلة بالضباب ، مضمّخة بالغموض وأحياناً أخرى صافية كالصباح الجميل ) .
    كما كتبت الأديبة الدكتورة نجاح العطّار دراسة قيّمة عنه في مجلة المعرفة العدد 129 لشهر تشرين الثاني عام 1972 .
    ونشرت جريدة ( الرأي ) الأردنية يوم الثلاثاء في 9/كانون الثاني 1973 في عددها رقم 525 مقالاً للأستاذ عيسى الناعوري بعنوان ( وردة من بعيد على قبر الشاعر الراحل وصفي قرنفلي ) شارحاً بإسهاب عن موهبة الشاعر الراحل وأسلوبه في كتابة الشِعر مستشهداً بمقاطع من قصائده ومداخلاته عنها .
    وأقام له اتحاد الكتّاب العرب بحمص حفلاً تأبينياً يوم الأحد بتاريخ 25/شباط /1973 في المركز الثقافي بحمص شارك فيه عدد كبيرمن الأدباء منهم :
    نزار قباني ، مراد السباعي ، عبد المعين ملوحي ، حامد حسن ، الياس خليل زكريا ، عبد الرحيم الحصني ، أنطون مقدسي ، محمد الحريري ، خليل هنداوي ، مدحت عكاش ، عبد القادر عيّاش ، محي الدين الدرويش ، عفيف قرنفلي .
    نبين أدناه مقتطفات مما قاله بعض الشعراء والأدباء في حفل التأبين :
    قال نزار قباني :
    ( أيها الشاعر الصديق : لم أقطع مئات الأميال لأبكيك فلا أنا أُجيد حرفة البكاء ولا أنت تقبل مذلّة الدموع ... ولكنني أتيت لأهنِّئك لأن جهازك العصبي قد توقّف عن الفعل والانفعال . وأعصابك لم تعد كأعواد الكبريت ، قابلة للاشتعال في كل لحظة . من حسن حظّك إنك أخذت إجازة من حواسك الخمس .. أما أنا فما زلت يا صديقي مُحاَصراً بحواسي الخمس ... وما زلت مضطرّاً مع الأسف أن أفتح شراييني وأكتب .. يا صديقي وصفي : لقد اتّحد وجعك بوجعي ، وتداخل موتك بموتي ، حتى لم أعد أدري مَن يرثي مَن ...... ) .
    وقال عبد الرحيم الحصني :

    ( سرابك ) العذب هام الظامئون به فيمّموه . ولما مسّهم ســكروا


    وأنت فـوق ذرى الآلام مؤتــلق ومشعل النصر في يُمناكَ يستعر


    في ذمة الخلد والتاريخ ما عـبرت بطيب أنسامك الأعوام والعصر

    *************
    مــــؤلفــاته :
    ـ " موعد وعهد " : بالاشتراك مع نصوح فاخوري عام 1954.
    حيث ضمّنه ثلاث قصائد :
    1 ـ لنا النصر : بمناسبة الاحتفال بيوم الطفل .
    2 ـ موعد وعهد : تحية لمؤتمر بخارست عام 1953 .
    3 ـ مع الســـلم
    ـ ديوان وراء السّـراب: ينقسم إلى قسمين :
    1 ـ وراء السراب : يحتوي على 72 قصيدة .
    2 ـ أوراق مُبعْثرة : يحتوي على 15 قصيدة .
    وتقديراً لدوره الريادي في حركة الشِعر العربي المعاصر :
    ـ منحته الحكومة السورية يوم الثلاثاء بتاريخ 5/ آب / 1969وسم الاستحقاق السوري
    تقديراً لدوره الريادي في حركة الشِعــر المعاصر ومنــاداته بالعدالة الإنســانية
    والاجتماعية والحرية للشعوب المقهورة .
    ـ أصدرت وزارة الثقافة ديوانه ( وراء السّراب ) في نفس العام الذي مُنِحَ فيه الوِسام .
    ـ أطلقت مديرية التربية بحمص اسمه على إحدى مدارسها : ( ثانوية الشاعر وصفي
    قرنفلي ) في حي باب تدمر ـ شارع عمر المختار .
    مقتطفـــات من أعمــاله :

    1 ـ من قصيدة ( موعد وعهد ):

    بـلادنــا ، مُتّكــأ أخضـر غنّــى ، على أقدامـه ، جدولُ


    صحراؤنـا شعر ، وأنجــادنا خمر ، وخصب سهلنا ، مخمـلُ


    ************


    فتياننا الأحرار ، قد أقسمــوا ، ألاّ يسيروا ، في لـواء الظّـلامْ


    عبْر الحدود البُلْه ، عبر الدُّجى ، بينـــكم الشّـام . ونحن الشآمْ

    ************
    2 ـ قصيدة قلب ضــائع :

    يا قلب ويحـكَ ضيّعوك وما برحــت لهم وفِيّــا


    أمسيتَ يا مسكين لا ميّتاً فيسلو في التراب ولستَ حيّا


    قد كان أمس ومات أمس فخــلِّ أمس وعش خليّـا

    3 ـ من قصيدة : فلان .... وتاريخنا .... والغُزاة :

    نحن العروبة ، في أنقى شمــائلها يا من على يدكــم إنسانها صـُلِبا

    والمجد ، نحن العوالي من شوامخه ، والمجد ، إذ ينتخي ، لم يَعْـدنا نسبا

    ليس الأذِلاّء في التاريخ ، من عرب، ـ وأنت منهم ـ ولا مَن يعبد الذهبا


    هذي البلاد لنا ، ليســت لكم أبدا ، ونحن تاريخ هذا الشرق إن كُتبــا


    الحب والسّلم ركــنٌ في حضارتنا ، وكنتم الحقد ، في التاريخ ، والرُعُبا

    4 ـ قصيدة رائحة الصّــوت :

    غليظ ثقيل الظِلِّ ما ضجّ صوته بأذني إلاّ هزّ بي كل جارحه


    وأقســم لم يٌخطىء إلي وإنما تلمّست نفساً بين شدقيه كالحه


    كذلك للأصوات طعم نُحسّــه ولون وراء العين حيّ ورائحه

    5 ـ على ضريحي : نظمَ هذه الأبيات كي تُكتَب على ضريحه :

    لقد غــدوت ترابا ، لايحــــرّّكني بيت من الشـعر أو زهر على غُصنِ


    حسبي ـ ولا حسب خلف القبرـ متّكئي في حضـن أمي وإني في ثرى وطني


    وإنني كنت ـ والأحــرار تعرفني ـ حُرّاً ، أضأت دروب الشِعر في زمني

    ***************

    1/6/2008 المهندس جورج فارس رباحية

    المــراجع والمصــادر :
    ـ ديوان وراء السّراب : وصفي قرنفلي ، وزارة الثقافة 1969
    ـ الحركة الشعرية المعاصرة في حمص : محمد غازي التدمري 1981
    ـ من أعلام حمص ج1 : محمد غازي التدمري 1999
    ـ شعراء حمص ج1 : أحمد الدرويش 1963
    ـ أعلام الأدب والفن ج2 : احمد الجندي 1958
    ـ تاريخ حمص ج2 : منير الخوري عيسى أسعد 1984
    ـ أرشيف جريدة حمص
    ـ مواقع على الإنترنت

  • #2
    رد: وصفي قرنفلي

    شكرآآ لك المهندس جورج
    يعطيك العافيه للمعلومات الوافيه
    .....
    البَقَاء مَع شَخْصٌ اَنتَ حَقًّا تُحبهُ ‘حَتى لَو كُنتَ تَعلَمُ اَنّكُم لآتَستَطِيعُونَ البَقاء مَعاً
    كَـ اللّعِب تَحتٌ ¬{ المَطرِ , مُمتِع !
    لكنّكَ تَعلَمُ انّكَ سَــ تَمِرضٌ !

    Comment


    • #3
      رد: وصفي قرنفلي

      لطالما كنت سيدي السباق في تذكيرنا بأعلام من بلدنا

      القيمة العظيمة لما تكتب سيدي تدفعنا الى قراءته مرة و أخرى

      لننهل من روعة ما نقلت لنا يداك....

      يسعد أوقاتك,,,

      Comment


      • #4
        رد: وصفي قرنفلي

        لكل من قرأ وأضاف وعلّق له مني الشكر والامتنان

        Comment


        • #5
          رد: وصفي قرنفلي

          شكرا أستاذنا الكريم على ما أتحفتنا به
          سأقوم بنشر بعض قصائد للشاعر وصفي قرنفلي في الأيام المقبلة لكي يتعرف عليه أصدقاؤنا وزوارنا بشكل أفضل ..
          شكرا مرة أخرى

          Comment


          • #6
            رد: وصفي قرنفلي

            أستاذ فراس لك مزيد الشكر وننتظر منك ما وعدتنا به

            Comment


            • #7
              رد: وصفي قرنفلي

              لك ذلك أستاذ جورج
              في قصيدة اختزال يقول الشاعر وصفي قرنفلي :
              غمزت وزاف ( البنطلون) يلفّها, ساقاً وخصراً‏
              وتأودت في الضفتين , تأود النغمات نضرا‏
              ماذا ترى? وترامت اليمنى, وسال الغنج, يسرى‏
              ماذا ارى? سبحان ما ... وابيك ما اضمرت كفرا‏
              وسجدت,بالهدبين امسح جسمها, واخط شعرا‏
              في السفح قافية,أدغدغها, ودون الركن, عشرا‏
              وعلى الشفاه تقطر (الكرز)اللذيذ ورفّ عطرا‏
              وعلى ظلال الهدب, اغفت قبلة, كالخمر,سكرى‏
              أنا شاعر القبلات, بيضا, ما لهن صدى, وحمرا..‏
              ماذا ارى? سبحان ما .. وابيك ,ما اضمرت كفرا‏
              يا جارتا, لو استطيع, نظمت هذا الجسم, شعرا‏
              ونقول , سر بيننا-والشعر, كيف يكون سرّا...?‏

              Comment


              • #8
                رد: وصفي قرنفلي

                كلمة نزار قباني في حفل تأبين وصفي قرنفلي


                بمناسبة مرور أربعين يوماً على وفاة وصفي قرنفلي



                في طريقي من بيروت إلى حمص، كان سؤال شرس، ونزق، ولئيم يثقب جمجمتي.
                لماذا يجتمع الشعراء دائماً على مائدة الموت، ولا يجتمعون على مائدة الحياة؟ هل قدرهم المسطّر في اللوح المحفوظ، بأن يحملوا أجساد زملائهم على أكتافهم ويطمروها في السر، حتى لا يراهم التاريخ ولا تراهم المروءات.
                هل هناك اتفاق مكتوب، أو شبه مكتوب يحتّم على الشعراء العرب أن يكونوا في حال حداد دائم.. وألا يتعانقوا إلا بعد سقوط الستارة، وانصراف المتفرجين هل قدر الشاعر العربي أن يموت هذا الموت الدراماتيكي فلا تتعرف على جثّته، وعلاماته الفارقة وأوراقه الثبوتية، سوى ديدان الأرض وأسراب النمل، وكواسر الطير.

                هل العالم العربي، لا اليونان هم وطن التراجيديا، وهل شعرائنا أن يلاقوا مصير هملت، ويطعنوا ظهورهم كيوليوس قيصر؟
                هل الحزن هو الميراث الوحيد للشاعر العربي، منذ سقوط رأس الحسين في كربلاء حتّى اليوم؟
                إنني أبحث عن حادثة فرح واحدة في الشعر العربي، فلا أرى إلا حشرجات عبد السلام عيون السود وسقوط عبد الباسط الصوفي منتحراً في كوناكري، وانطفاء وصفي القرنفلي كشمس شتائية.
                فهل كتب على حمص منذ ديك الجن حتى اليوم، أن تقدم وحدها كل ضحايا الشعر، وأطهر قرابينه؟
                هل على وصفي القرنفلي أن ينتهي بهذه الطريقة الروتينية التي ينتهي إليها الأميّون، والصعاليك، والتافهون، والمرابون، فيحمل في سيارة إسعاف مستعجلة، ووراءه مشيعون مستعجلون، ليُصَلَّى عليه في كنيسة ما، ويُدْفَنَ في حفرة ما.. حتى لا يراه التاريخ.. ولا تراه المروءات.
                إذن، لن تكون عربات المدافع، ووراء من تلهث الجياد الحزينة، ويغرف جنود البحرية موسيقى باخ الجنائزية؟
                أكيد أن وصفي القرنفلي لا يريد عربة مدفع تحمله في رحلته الأخيرة، ولا طائرات هيليوكوبتر تحلّق فوق جسده المحمول.. فهو من طبقة الشعراء الدراويش الذين يكرهون قواعد البروتوكول، ويفضلون الصعود إلى السماء.. شيئاً على أقدامهم.. وأكيد أن وصفي القرنفلي لا يحب في دقائقه الأخيرة أن تعزف له موسيقى باخ الجنائزية.. فاقد شرب وصفي من بحار الدمع حتّى امتلأ.. وكانت حياته كلها إيقاعاً رمادياً وجرحاً لا ضفاف له.. وأكيد أن وصفي القرنفلي لا يريد أن يشيع كالملوك وبدفن في مقابر الملوك فهو بشعره وحده ملك الملوك. لم يكن وصفي بحاجة إلى العالم لذلك رفسه على طريقة المعرّي، ومنذ الأربعينات كان وصفي في حالة صداع مستمرّ مع عالم العبث واللامعقول، فرفضه كما رفضه كافكا وبيكيت وأونسكو..
                لم يكن لدى وصفي القرنفلي مواهب استعراضية، فهو لا يجيد التمثيل ولا يتقن ارتداء الملابس التنكرية، ولا يعرف دبلجة الصوت، لذلك لم يستطع وصفي - لضغف موهبته التمثيلية- أن يسرق الأضواء، وينال جائزة - الأوسكار- كان كالبحر مكتفياً بموجه وصدفه، وكالقصيدة الصوفية، تطرب كلما قرأت نفسها، وكان كزجاجة النبيذ، كلما فكرت بنفسها سكرت بتفكيرها..
                هذا الاكتفاء الذاتي المدهش، عند وصفي القرنفلي، جعله كالسحابة كلما عطشت فتحت شرياناً من شرايينها الداخلية.. وشربت..
                سألوني أن أتكلّم في أربعين وصفي القرنفلي..
                ولكن هل مات وصفي القرنفلي منذ أربعين يوماً فقط.
                أنا أعتقد أنه مات قبل ذلك بكثير.
                مات في نهاية القرن الخامس عشر يوم سقطت غرناطة.
                ومات مرة ثانية حين أخرج العرب من فلسطين عام 1948
                ومات مرة ثالثة.. يوم تمزّقت خريطة العالم العربي وكبرياؤه بمقصّ إسرائيل في حزيران عام 1967
                وخوفاً من أن يموت موته الرابع.. تركنا، وذهب..
                أيها الشاعر الصديق
                لم أقطع مئات الأميال لأبكيك فلا أنا أجيد حرفة البكاء، ولا أنت تقبل مذلة الدموع..
                ولكني أتيت لأهنئك لأن جهازك العصبي قد توقّف عن الفعل والانفعال. وأعصابك لم تعد كأعواد الكبريت قابلة للاشتعال في كل لحظة.
                أنت رميت نفسك من قطار الذاكرة ونجوت. أما نحن فلا نزال محاصرين في قطار حزيران.. لا يسمح لنا أن ننتصر.. ولا يسمح لنا أن ننتحر.
                هنيئاً لك أيها الشاعر، فقد صرت في منطقة لا تصل إليها صحف عربية، ولا تصدر فيها بلاغات عربية..
                من حسن حظك انك أخذت إجازة من حواسّك الخمس.
                أما أنا فما زلت يا صديقي محاصراً بحواسّي الخمس.. وما زلت مضطراً مع الأسف أن أفتح شراييني وأكتب.
                يا صديقي وصفي..
                لقد اتحد وجعك بوجعي، وتداخل موتك بموتي، حتى لم أعد أدري من يرثي من..
                منقول
                أضعف فأناديك ..
                فأزداد ضعفاً فأخفيك !!!

                Comment


                • #9
                  رد: وصفي قرنفلي

                  الأخ فراس والأخت ياسمين ألف شكر لإضافاتكم الممتازة التي زادت الموضوع جمالا

                  Comment


                  • #10
                    رد: وصفي قرنفلي



                    من ذكريـــــــاتي... مــــــع الشـــــاعر وصـــــــفي قــــــرنفـــلي

                    شؤون ثقافية
                    الأثنين 12-1-2009م
                    بقلم: ممدوح السكاف
                    جو أدبي كان يغلي بالنضال الشعبي تعرفت وصفي قرنفلي أول ماتعرفته عام 1954 وكان لي من العمر يومئذ ست عشرة سنة عن طريق كرّاسة شعرية مطبوعة صدرت في العام نفسه بعنوان (موعد وعهد) تضم بضع قصائده الكفاحية الملتزمة مع الشاعر نصوح فاخوري.

                    وكان اسم وصفي قرنفلي يتصدّر كثيراً في المجلات والصحف والصفحات الأدبية في تلك الآونة من خلال قصائد تفيض عذوبة وتجديداً وطابعاً رومنسياً من حيث السربال الفني، أو التزاماً وحرباً ضد الاستعمار وعملائه من حيث المضمون الأدبي.‏
                    وتمضي الأيام والسنون وإذا بالشاعر وصفي قرنفلي الذي أحببت وتتلمذت على يديه قراءةً قد ودَّع نظم الشعر عام 1957 في قصيدة نشرت له في الأديب بعنوان (طلائع النهاية) بعد أن دبَّ اليأس في نفسه وعصف التشاؤم بروحه وأنشبت مخالب المرض أنيابها في جسده الرقيق الواهن النحيل ومطلعها:‏
                    حسبي فهذا دمي قد جفَّ واتأدت‏
                    خطايَ وانطفأت في دربيَ الشهبُ‏
                    أمضي مع الدرب حيران الخطا، قلقاً ‏
                    والتيه يجهش في قلبي وينتحبُ‏
                    وأذكر أنه بناءً على طلبه أحيل إلى التقاعد من وظيفته حيث كان يعمل في مؤسسة المشاريع الكبرى بدمشق مسَّاحاً للأرض عريقاً، وخُصص له راتب تقاعدي يكفيه مؤونة العيش هو الذي لم يتزوج ولم يُطق إلا حمل عبء نفسه، أليس القائل في قصيدته (انطلاق):‏
                    أسعدُ الناسِ مُهمِلٌ‏
                    مُهمَلٌ ماله أحدْ‏
                    أبيض النفس كالضحى‏
                    لم يلوّثه معتقدْ‏
                    جهلَ الحبَّ فاستراح‏
                    والصداقات والحسدْ‏
                    أغلقَ القلب وانطوى‏
                    ملء دنياه وانعقدْ‏
                    وانتقل وصفي إلى بيته في حمص يسكنه بين أهله وذويه في حي (الورشة) أحد الأحياء الشرقية العريقة في مدينة ابن الوليد. وفي كل مساء اعتباراً من مطلع الستينات كان له مجلسه الأدبي الاجتماعي السياسي في مقهى الروضة الصيفي والشتوي، يجلس في وسطه ويغرق حتى القاع في (نرجيلته) يمتص رحيقها ويهيم في أودية حزنه العشبي.‏
                    إلى أن كان يومٌ مشهود في حياتي قدّمني فيه أستاذي الأديب المرحوم (نديم عدي) إلى الشاعر وصفي قرنقلي في موقف مصادف وكان ذلك على ماأذكر في مقهى (النصر) وكنت قد نلتُ الشهادة الثانوية في ذلك العام.‏
                    ومنذئذ انعقدت بيني وبينه صداقة متينة خالصة، روحية وأبوية وشعرية استمرت اثنتي عشرة سنة متوالية كنتُ أزوره خلالها في بيته القريب من بيتي كلما سنحت لي الفرصة أو كنّا نلتقي في عشيات (الروضة).‏
                    وأذكرُ أنه قبيل أن يعتكف في البيت بدءاً من مطلع عام 1966م يستثقل الذهاب إلى المقهى بعد أن اشتدّ عليه المرض وأعياه المسير، ومن أجل أن يتفادى مشقة القدوم إلى المقهى سيراً على الأقدام أخذ في الشهور التي سبقت اعتكافه في البيت ورقوده في فراش المرض يستأجر سيارة تأتي منزله فتنقله إلى المقهى وبالعكس وكثيراً ماكنتُ أشاركه ركوب السيارة كي أساعده في فتح بابها عند النزول بعد أن شلَّت يده تماماً وعندما كنا نهمُّ بالدخول إلى المقهى كان وجهه يتضرَّج بالحمرة وجفناه يتكسّران على عينيه الذابلتين وكان يطلب مني أن أقترب منه وأن أتقدمه في الدخول حتى أداريه فلا يشاهده أو يعرفه روّاد المقهى، وأحياناً كان يهمس في أذني قائلاً ونحن نعبر المقهى إلى زاويته المستحبة: - هل ينظر إليّ أحد، هل تستلفت مشيتي المائلة البطيئة المجرورة أحداً من الحضور؟..وكنت أطمئنه قائلاً: - لاتهتم. كل جلاّس المقهى منصرفون إلى لعبهم بالورق أو ماشابه، أو بالثرثرة والتدخين، لاعليك لا أحد ينتبه إلا إلى من معه.‏
                    حتى يصل منضدته المعهودة، فيسقط على كرسيها وأنا أسنده متهالكاً من التعبين الجسدي والنفسي. ودون طلب يأتيه (نَفَس عجمي) على الأصول. والمعروف عنه، المتداول في سيرة حياته أنه كان كريماً متلافاً يأبى أن يدفع أحد من الأصدقاء الذين يشاركونه الجلسة ثمن المشروب حتى ولو كان العدد عشرين.‏
                    وقد حفز هذا الكرم المتطفلين أو المفلسين للجوء إلى مائدته، كما أسخط هذا الكرم عليه بعض معارفه وحتى أصدقائه وظنوه نوعاً من الترفع والمباهاة والتظاهر الفارغ وخافوا أن يمنّ عليهم بذلك فأخذ بعضهم ممن لايعرف صدق نفسيته وأصالة معدنه ونظافة جوهره ينصرف عن مجالسته إلى أن اقتصر عن ارتياد المقهى نهائياً وقبع في بيته كما ذكرت سابقاً اعتباراً من عام 1966، وفي هذ السياق يروي المرحوم الكاتب المسرحي مراد السباعي هذه الحادثة: كنت مرة أجلس في قهوة الروضة ضمن شلة من أدباء حمص وكان الشاعر وصفي قرنفلي حاضراً فهمس الشاعر عبد السلام عيون السود في أذني: يعجبني وصفي قرنفلي فسألته: وماالذي يعجبك فيه، صمته أم قرقعة نرجيلته؟ فأجاب: يعجبني كشاعر ويعجبني كإنسان له مزاج خاص وإرادة حرّة..إنه يعرف الناس جيداً.. إنه يستطيع أن يغمض عينيه فلا يرى منهم سوى الذين يريد أن يراهم، هل سمعته في هذه الجلسة ينطق بكلمة واحدة؟ فأجبت بالنفي فقال: هناك شخص بين الحاضرين لا يروقه فسألته وكيف عرفت؟ فأجاب: عرفت من صمته وإطراقه، وبعد لحظات غادرنا أحد الحضور فتألق وجه وصفي وعاد إليه صفاء نفسه فالتفت إلى عبد السلام وقال له: إن وجودك على طاولتي يجلب إلي وجوهاً لا أحبها فضحك عبد السلام كعادته وأجاب: لن أجلس إلى طاولتك بعد اليوم..فقال وصفي: تعال.. ولكن بدون نفايات.‏
                    وفي دفتر مذكراتي المؤرخ في 24/11/1968 أقرأ: «أمس الأول كان بصحبتي الشاعر الصديق علي كنعان في زيارة ودّ واطمئنان وسؤال عن صحة الشاعر وصفي قرنفلي المجهد مرضاً منذ أكثر من ثلاث سنوات، المتمدد على فراش الأوجاع والأرق طوال هذه الفترة لايريم حتى لرؤية شعاع من شمس أو زرقة سماء كالحلم أو شجرة أكاسيا في حديقة أو زقزقة عصفور على غصن..إنه الشلل عدو الإنسان الأكبر في الحياة والإنتاج والإبداع، يقيّد الشاعر الحر، والجناحين الطليقين والحنجرة الهتافة عن الرفرفة والطيران والتأمل في حقائق الوجود والاغتراف من ألوهية الطبيعة في عطائها المتجدد..إنه الشلل، داء يثلج الجسد الحار ويُطامن النفس المتوثبة ويُسربل الروح الحزينة أصلاً وأعماقاً بأسى متوالد كدوران الدورة الدموية.‏
                    كبرياء هذا الشاعر ونفسه العنود كانا مثار الإعجاب والانتقاد معاً: في وظيفته بالمساحة- وهو الطبوغرافي - الفنان - كان متكبراً على الوهاد والآكام والرمال واللهيب الحارق تحت شواظ الساعور النووي: الشمس، يعمل فيهن وبهنّ ومن أجلهن دون ملل أو انكسار، رافضاً كإنسان شامخ الهمة أن يطلب النقل إلى وظيفة إدارية في المدينة بباعث من الكبرياء..وفي شعره، كبرياؤه الأسطورة أيضاً جعله يصطدم شعرياً وبالقصائد الحادة مع أكبر الشعراء المعاصرين له والمعجبين بشاعريته، بدوي الجبل وعمر أبو ريشة ونزار قباني وغيرهم، وكبرياؤه كذلك في ميدان الشعر هو الذي حرم قراءه من ديوان مطبوع له لأنه شرط على وزارة الثقافة ألا تحذف فاصلة من نصه المخطوط.‏
                    هذا الشاعر المتوحد، ذو العالم المفتوح المغلق، الواسع الضيق، يعيش بالرصيد الذي لايفنى من سيل كبريائه، ففي مرضه وسنّه المتقدم وعزلته القاسية لايزال حديث الكرامة وعزة النفس حديثه الأجلّ.‏
                    قبل أن نودع الشاعر - أنا وعلي كنعان - قدّم لي وصفي ورقة وقلماً قائلاً: «هذه أبيات رثيت بها نفسي، ووصيتي أن تكتب على شاهدة قبري» وأملى عليَّ:‏
                    لقد غدوتُ تراباً لايحركني‏
                    بيت من الشعر أو زهر على غصن‏
                    حسبي - ولا حسب خلف القبر - متكئي‏
                    في حضن أمي وأني في ثرى وطني‏
                    وأنني كنت-والأحرار تعرفني-‏
                    حرّاً أضأت دروب الشعر في زمني‏
                    وقلت في نفسي حتى في رثائك لنفسك أنت قمة كبرياء وصفي.‏
                    من ذكرياتي معه أنني دخلت عليه أعوده في مأساة مرضه الطويل وكان ذلك في مطلع عام 1970 وأعايده بمناسبة عيد الفصح ما إن فتحت باب الغرفة حتى نظر في وجهي نظرة المعاتب لغيابي عنه فترة مديدة في تقديره وقال لي بصوت يتحشرج فيه الألم والأسى: «أين كنت طوال هذه الغيبة» أذكر أنه كان ممدوداً على سريره بهدوء واستسلام ووراء رأسه متكأة صغيرة وبجانبه راديو «ترانزيستور» صغير الحجم جداً يتصل من خلال موجاته بالدنيا من حوله وعلى منضدته صحن من زبيب وتين مجفف ولوز وجوز والظلام يخيم على جو الغرفة في النهار وكذلك الصمت لست أدري لماذا أحسست آنذاك أنني في دير قديم له طقوسه الجنائزية الخاصة, كان هذا هو كل عالمه بعد أن حرم متعة القراءة لأنه لم يعد يستطيع أن يمسك الكتاب أو المجلة بين يديه فيداه مشلولتان.‏
                    الواقع لم تكن يداه مشلولتين فقط وإنما كان جسده كله مشلولاً راكداً كان جسده يذوب كالثلج تحت شمس المأساة، كان كومة من لحم بارد وعظم متيبس. شيء واحد كان فيه حيّاً متقداً بل شيئان عقله وذاكرته أولاً وقلبه وعاطفته ثانياً. إنه يحدثك عن ذكريات بائدة مندثرة عند غيره عمر بعضها أربعون عاماً فلا يفلت من جزئياتها شاردة ولا واردة إلا ذكرها وكأنه يروي لك أمراً جرى البارحة أو كأنه يقرأ في كتاب مسطور وهو يعتز بهذه الذاكرة الشابة المتيقظة التي لا تخونه: (لقاؤه مثلاً بالشاعر الفلاني سنة كذا والأبيات التي قالها كل منهما في جلسة خمر تظاهرة في حمص قامت عام كذا ضد الفرنسيين، من استشهد فيها ومن نجا من الزعماء الوطنيين، وماذا قال الشعراء في وصفها وتمجيد أبطالها؟ إهداء سعيد عقل له كتابه (قدموس) الصادر في طبعته الثانية عام 1948 بالعبارات التالية: «إلى وصفي قرنفلي إلى المجدد الأول في سورية إلى الذي بإمكانه أن يترك طابعاً من الجمال والنار على بلاده وأدبها إلى الذي ترتفع علاقتي به إلى مستوى الصداقة».‏
                    زيارته للاتحاد السوفياتي للاستشفاء وموازاة غرفته لغرفة مولوتوف في المشفى إلخ..إلخ).‏
                    طافت في خيالي صور حياة (وصفي قرنفلي) هذا الشاعر العربي الكبير قعيد المرض منذ سنوات: شبابه المناضل ضد الأحلاف الاستعمارية التي أرادت تطويق قطرنا في الخمسينيات، عمله المبدع في المساحة (طوبوغرافيا) فريد من نوعه يقطع البلاد طولاً وعرضاً تحت قيظ الشمس اللاهب وصقيع البرد الجارح ليمسح الأرض التي أحب، شعره الغزل الذي تنبثق فيه المعاني والصور والتعابير بكل جديد انبثاقاً فنياً رائعاً وخاصة في قصائده الأولى المبكرة التي أعاد نشر جزء منها في مجلة (الآداب) و (الثقافة الوطنية) في منتصف الخمسينيات وكنا ننتظرها انتظاراً نحن قرّاء ذلك الزمان.‏

                    Comment


                    • #11
                      رد: وصفي قرنفلي

                      الأخت ردينة شكرا لاضافتك الممتازة

                      Comment

                      Working...
                      X