Tweet
كائنات ورقية
بقلم : كمال بركاني
بقلم : كمال بركاني
مجلة أصوات الشمال
1-
تلك الوجوه المرتحلة.. تأتي في شكل كائنات ورقية تحتل ذاكرة النبض بإصرار كأجسام لطيفة من نور، كائنات ترقص بخفة ودهشة على الخيوط اللامرئية للأغشية السيتوبلازمية الرفيعة تحت وقع النغم الجريء لنوطات الأيونات المتبادلة باتساق بين الخارج والداخل، حيث الهيولى الكثيفة – ماء الحياة- لترسل إشاراتها البينة عبر الألياف السحرية للعصب إلى القلب والحواس فتستعر شعلة الحنين المخبأ تحت ركام السنين.
2-
يجدر بنا أن لا ننسى..وفي أسوأ الأحوال يجدر بنا أن لا نعتنق النسيان كدين رسمي للحياة، يمكن جعله تكتيكا للقفز على الجرح، نعم..وغير ذلك.. لا.
3-
ما الحياة في النهاية سوى شريطا – ليس بالضرورة سلبيا- مليء بصور ملونة وأخرى بالأبيض والأسود، بعضها يصطف في الواجهة والآخر يقبع تحت الذاكرة.
4-
ثمة أشياء حدثت لكل واحد منا تبدو للوهلة الأولى أنها تافهة، ولكنها في الحقيقة هي التي سطرت أعمارنا القادمة.
5-
بشيء من التفصيل الممل، ما قرأناه في الكتب كذبة كبرى حدثت ذات مرة لشخص ما، ابتلعها صادقا، ثم تقيأتها ذاكرته بصدق أكبر.<
6-
بصراحة..هل تحبون الكائنات الورقية مثلما أحبها؟..
7-
لست أدري إن كان حقيقة أو وهما ذلك الشعور الذي يراودني كلما كنت على موعد مع ذاكرتي، تبدو الوجوه لي أكثر التصاقا بي، وأكثر تألقا وتوهجا بعد مضيها ،أكثر مما لو كانت تقف قبالتي.
8-
ذلك أن الغياب يثير فينا شهوة النقص إزاء شيء ما، نتمناه ولا نستطيع تملكه ، نحلم به ولا يمكن المسك به، ببساطة.. لأنه صار من الماضي البعيد جدا.
9-
لكن..هل يمكن أن نستغني عنه؟..
الماضي هو الخرسانة التي تعطي لأيامنا الصلابة المرجوة، فكلما كان مترعا بالعنفوان تقدمنا بيسر وبهجة.
10-
ما نريده ليس أكثر من لحظة صدق وصفاء، نجلس فيها على حافة العمر لنكتشف كم كنا أغبياء فوق اللزوم، حينما لم نسجل كل لحظة من أعمارنا على سجل بعدد الأيام التي عشناها مذهولين بلعبة الحياة.
11-
أعمارنا سقطت دون أن نعي حجم الخسارات التي تكبدناها في معركة متساوية الأطراف، تمتد من – إنا هديناه النجدين- وتنتهي إلى – إما شاكرا أو كفورا-.
12-
المنعزل عن الخالق لا يمكنه أن يحرك كائناته على بياض الورق، لأن ذلك لا يجدر سوى بالذين يحبون ويألمون ويحسون.
المنعزل عن الخالق شخص يعوزه الذوق الرفيع في الحياة.
13-
ومادا بعد؟..
تقديرا لهم، وامتنانا لما فعلوه من أجلي، سأعيدهم إلى التاريخ، تاريخي الخاص جدا بي ،لأجدد حبي المنصف لهم ،فكثيرون منهم لم تسنح لي فرصة شكرهم لأنهم مروا على عجل، وآن الأوان كي أقدم لهم تحية شكر وعرفان.