Announcement

Collapse
No announcement yet.

الكاتب فاضل الربيعي - القدس ليست اورشليم

Collapse
X
 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts

  • الكاتب فاضل الربيعي - القدس ليست اورشليم





    الكاتب فاضل الربيعي






    القدس ليست اورشليم
    مساهمة في تصحيح تاريخ فلسطين القديم نقد الأسطورة الاستشراقية
    (حول التماثل بين أسماء الأماكن في التوراة وجغرافيـــة فلسطين )

    الحلقة الثانية
    لا تقوم الرواية الإسرائيلية المعاصرة، والقائلة أن فلسطين هي " أرض الميعاد اليهودي" وأن "مملكة إسرائيل القديمة التي أقام فيها شعب إسرائيل" تقع في فلسطين التاريخية، إلا على أساس ٍ واهٍ من المُماثلة ِ الشكلية ِ والتعسّفية، والباطلة كذلك، بين الأرض التي وصفتها التوراة في النص العبري، وأرض فلسطين التاريخية. لقد تأسست، طبقا ً لهذا الزعم غير التاريخي، فكرة زائفة أخرى موازية، ُ تطابق ُ بين القدس العربية- الإسلامية، وبين أورشليم الوارد ذكرها في التوراة. وبذلك، تكون الرواية الإسرائيلية المعاصرة عن التماثل في أسماء الأماكن، قد تأسست في الأصل، على أرضية ِ ُمطابقة ٍ ماكرة ٍ ومخادعة ٍ لا مثيل لها، بين " أورشليم" و" القدس"، حين اعتبرتهما المكان نفسه الذي وصفته التوراة.إن نقد الرواية الإسرائيلية بالأدوات ذاتها التي استخدمها المخيال الغربي الاستشراقي، هو السبيل الوحيد الذي يمكن من خلاله، البرهنة على بطلان هذه الرواية من أساسها. لقد بينّت تحقيقاتي والعمل الدراسي الشاق الذي قمت به في مؤلفي ( فلسطين المتخيلة - مصدر مذكور) أن فلسطين لم تعرف في أي وقت من تاريخها القديم قط، الأرض التي وصفتها التوراة، وان القدس العربية لم تكن تدعى في أي وقت من الأوقات ب" أورشليم ". كما أن التوراة لم تأت ِ على ذكر الفلسطينيين أو فلسطين. ولذلك؛ فإن المطابقة التي روج لها المخيال الاستشراقي، استنادا ً إلى قراءة مغلوطة للنص التوراتي، هي التي أدّت إلى شيوع هذه الأفكار والتصوّرات الخاطئة. وما سأقوم به اليوم ليس تكرارا ً لما قمت به في مؤلفي السابق؛ بل هو محاولة ثانية تتواصل مع النتائج التي خرجت بها. ولذا، ومنعا ً لكل وأيّ التباس قد ينجم عن هذه الفكرة المثيرة، فسوف أعيد التأكيد على الأسس التي تشكل جوهر الأطروحة الجديدة : أن القدس الموصوفة في التوراة ( وطبقا ً للنص العبري) لا علاقة لها بالقدس العربية على وجه الإطلاق. وبهذا المعنى وحده، فالقدس ليست هي أورشليم كما ُيزعم في الدراسات الكتابية المعاصرة (من الكتاب المقدس). لقد كان اسمها التاريخي الذي عرفه العرب في الجاهلية ثم مع الإسلام، يتداخل مع اسم " بيت المقدس " فيدل احدهما على الآخر. وفضلا ً عن هذا؛ فإن التوراة، كما سوف نبيّن بالأدلة القاطعة،لا تقول بأي صيغة من الصيغ المحتملة،أن القدس هي أورشليم.
    وعلى العكس من هذا الزعم الضعيف والمتهافت الذي روّج له المخيال الغربي الاستشراقي؛ فإن النص التوراتي يميز بدقة متناهية بين مكانين منفصلين لا صلة بينهما، يدعى أحدهما قَدَش- َقّدَس ( بفتح الحرف الأول والثاني من الاسم -والسين والشين في العبرية حرف واحد عند النطق) فيما يدعى الآخر أورشليم، وهما مكانان لا رابط بينهما على مستوى الجغرافيا أو على مستوى الثقافة الدينية، فالأول وكما يتضح من وصف التوراة، جبل شامخ تم تقديسه ( تطهيره ) أو تحريمه فسميّ ( َقَدَش- َقدَس) . أما الاسم الآخر ( أورشليم) فاسم لمدينة من المدن، يتكرر حضورها في نصوص مختلفة من التوراة، دون أي رابط جغرافي مع الجبل. بكلام آخر؛ فإن التوراة تطلق على مكان بعينه اسم " أورشليم " ولا تقول عنه، قط، ولا بأي شكل من الأشكال، أن المقصود منه القدس ( أو قَدَش). وهذا يعني أن شعب بني إسرائيل القديم، وهو من الشعوب والقبائل العربية البائدة، وطبقا ً للرواية التوراتية، عرف مدينة باسم أورشليم، كما عرف مكانا ً آخر باسم َقدَش- قدس. وإلى هذا كله، فسوف يكون أمرا ً مدهشا ً، عندما تخبرنا التوراة عن وجود ثلاثة أماكن، كل ٍ منها لا يشبه الأخر،عرفها شعب بني إسرائيل باسم " قَدَش- قَدَس "، وليس مكانا ً واحدا ً؟
    والمثير أن كل مكان ( موضع ) من هذه الأماكن الثلاثة، هو جبل بعينه له جغرافيته الخاصة به. وبالطبع لا توجد في جغرافية فلسطين التاريخية مثل هذه الأماكن. إن الفضاء الجغرافي الوحيد الذي ضّم في الماضي البعيد ثلاثة أماكن لها الاسم نفسه، هي الأرض الممتدة من وادي الرمة حتى جنوب مدينة تعز اليمنية. وذلك ما يفسرّ لنا مغزى وجود أسماء مدن يمنية وأسماء قبائل وشعوب عربية بائدة في قصص التوراة، مثل عدن، وحضرموت، ووادي الرمه. ولعل وصف التوراة الدقيق لجبل قَدَش- قَدَش من النوع الذي لا يقبل أي تأويل مغاير، لأنه وصف واضح لجبل وليس لمدينة، وهو يشير في آن ٍ واحد إلى جبل بعينه وإلى موضعين آخرين، لا ُيدعى أي ِ منها " أورشليم ". وهذا ما لا ينطبق على وصف القدس العربية لا من قريب ولا من بعيد. ولأن النص يتحدث عن جبل شامخ وليس عن مدينة؛ فإن من غير المنطقي مطابقة القدس العربية التاريخية بقَدش- قَدَس الوارد ذكرها في التوراة. كما أن القدس العربية ليست جبلا ً ولا تقع في جبل، وهي بكل يقين ليست فوق جبل، وفضلا ً عن هذا كله، فلا وجود في جوارها القريب أو البعيد، لجبل بهذا الاسم يمكن أن ينسب إليها وتعرف به. وللتذكير؛ فإن المتطرفين وُغلاة اليهود الغربيين، يصرّون على وصف التوراة هذا، وهم يقولون أنها فوق جبل ( ولذلك ظهرت جماعة أمناء جبل الهيكل التي تقول أن هيكل الرب الذي بناه سليمان هو في القدس العربية أي فوق جبل، هذا برغم أن القدس العربية تقع فوق هضبتين مرتفعتين). والمدهش أكثر، أن النص التوراتي يتحدث عن سقوط أورشليم بعد أن هاجمها الملك داود من جبل يدعى جبل صهيون، وأن داود أطلق اسمه على الجبل- الحصن الذي استولى عليه، فصار اسمه " مدينة داود ". وبالطبع لا يوجد في طول فلسطين وعرضها جبل يدعى جبل صهيون. والجغرافيون العرب ومعهم جغرافيي اليونان الذين وصفوا بلاد الشام في حقب وفترات مختلفة من التاريخ، لم يذكروا قط اسم جبل في جنوب سورية يدعى جبل صهيون، كما لم يذكروا أي شئ عن بلاد تدعى " اليهودية "، قامت في أي وقت فوق أرض فلسطين. ومن المؤكد أن اسم جبل صهيون في الذاكرات الوطنية العربية، اسم يثير الفضول والريبة والحيرة والسخط في آن ٍ واحد، لأنه يرتبط باسم " الحركة الصهيونية ". لكن، ماذا، لو أننا قلبنا هذا المزاج السيئ رأسا ً على عقب، وقلبنا معه التاريخ الملفق والجغرافيا المزورة، وبرهنا أن جبل صهيون جبل عربي شامخ من جبال اليمن، وأن الشعر الجاهلي تغنى به وذكره بالارتباط مع منطقة نجران وليس بفلسطين؟

Working...
X