Announcement

Collapse
No announcement yet.

الحلاق والوفاء للصديق - أحمد زياد محبك

Collapse
X
 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts

  • الحلاق والوفاء للصديق - أحمد زياد محبك




    أحمد زياد محبك
    أستاذ الأدب الحديث في جامعة حلب
    المشرف الثقافي لديوان العرب
    الحلاق والوفاء للصديق:

    وثمة حكاية أخرى عن حلاق، تم توظيف الحرفة فيها للتعبير عن قيمة عليا، وهي الوفاء للعهد والصداقة، وهي عن حلاق كان يتناول طعام الغداء في دكانه، فدخل عليه رجل غريب، سلم عليه، فرد السلام، وما دعاه إلى الطعام، ثم قص له شعره، وقبل أن يخرج الغريب سأله عن سبب عدم دعوته إلى الطعام، فأجابه بأنه لا يريد أن يكون بينهما خبز وملح، لأن هذا يقتضي الوفاء، ثم أخذ هذا الغريب يتردد كل يوم على الحلاق، وذات يوم اشترى الغريب طعاماً، وأحضره معه إلى دكان الحلاق، ودعاه إلى مشاركته، وهكذا نشأت الصداقة بينهما، ثم طلب من الحلاق أن يساعده على استئجار دار، وفي يوم آخر طلب منه أن يساعده على خطبة امرأة رآها خارجة من إحدى الدور، فطلب منه الحلاق أن يسير معه إلى موضع الدار ليرسل، وإذا بالغريب يسير به إلى داره، ويصف له ملامح المرأة، وإذا هي زوجته، ويبادر الحلاق إلى طلاق زوجته، ثم يذهب إلى أهلها بعد انقضاء العدة، ليخبرهم برغبة رجل في خطبتها، ويتم زواجها منه، وهو صديقه الغريب، وتمر الأيام والشهور، والصداقة قائمة بين الرجلين، والغريب لا يعرف من الأمر شيئاً، وكان للحلاق ولدان صغيران ضمتهما الأم إليها لتربيتهما، ثم أخبر الغريب صديقه الحلاق أنه عائد إلى بلده، وخرج الحلاق لوداع صديقه، فرآه ولداه، وصاح كل منهما:بابا، بابا، وعندئذ عرف الغريب الأمر، فطلق الزوجة، وعادت إلى زوجها الحلاق. وتذكر رواية أخرى أن الحلاق اعتذر عن الخروج لوداع صديقه، ومرت الأيام اكتأب فيها الحلاق، وضاق به العيش، فارتحل يطلب الفرج، ونزل في مدينة قصد فيها أحد المتاجر، وإذا صديقه هو نفسه صاحب المتجر، فرحب به، ثم دخل عليه ولداه، فعرفاه، وعندئذ عرف الرجل أن صديقه الحلاق طلق زوجته لأجله، ودعاه إلى الزواج من أخته.
    وليست الحرفة موظفة في هذه القصة لذاتها، وإنما هي موظفة للتعبير عن قيمة وهي الوفاء للصديق، وقد ألزم الحلاق نفسه بأكثر مما هو ملزم به، لا بحكم الحرفة، وإنما بحكم الصداقة، ولاسيما المشاركة في الخبز والملح، أي المشاركة فيما يكوِّن جسد الإنسان وروحه، ولكن لماذا اختارت الحكاية حرفة الحلاق ولم تختر غيرها؟ يمكن تعليل ذلك بطبيعة الحرفة التي تقوم على الاتصال بالناس والتعرف إليهم واستمرار العلاقة بين الحلاق والزبون. ولا تخلو الحكاية في الواقع من مبالغة، ولها دلالات أخرى كثيرة منها الظلم الذي يقع على المرأة، إذ تظهر لا قرار لها ولا دور، يطلقها زوجها وقت يشاء من غير مبرر.
Working...
X