Announcement

Collapse
No announcement yet.

شاعر الشام (2-2) شفيق جبري بين الأصالة والمعاصرة - تشرين- عزيزة السبيني

Collapse
X
 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts

  • شاعر الشام (2-2) شفيق جبري بين الأصالة والمعاصرة - تشرين- عزيزة السبيني

    شاعر الشام (2-2)
    شفيق جبري
    (1898 ـ 1980) ..
    بين الأصالة والمعاصرة


    تقيم وزارة الثقافة بالتعاون مع مؤسسة البابطين اليوم ندوة تكريمية للشاعر الدمشقي شفيق جبري، وذلك في مكتبة الأسد الوطنية حيث تزين صورته حرم المكتبة إلى جانب محمد كرد علي مؤسس مجمع اللغة العربية بدمشق والشاعر خير الدين الزركلي.والشاعر جبري من مواليد مدينة دمشق عام 1898م، ومن أشهر شعرائها ، وبيت أجداده في أحد أحياء دمشق القديمة، وهو من البيوتات الدمشقية العريقة التي أصبحت مقصداً للسياح وطالبي الراحة، واستنشاق عطر الشام وياسمينها. كان أبوه تاجراً دمشقياً، وعلى عادة أهل الشام حينها، أرسل ابنه إلى الكتّاب فدرس القرآن وتعلم علومه، و عرف الخط والحساب حتى بلغ السادسة من عمره، فأرسله أبوه إلى مدرسة العازاريين الفرنسية بدمشق، فأتقن اللغة الفرنسية إلى جانب العربية، وألمّ بالإنكليزية. وبقي فيها تسع سنوات حيث نال الشهادة الثانوية. سافر مع أبيه بحكم عمله في التجارة إلى يافا والإسكندرية، فأُتيح له وقت للقراءة والمطالعة، فقرأ المتنبي وتأثر به كثيراً فجاء شعره منمقاً بأسلوب متين جزل كجزالة ألفاظ المتنبي، وكان تعبيراً صادقاً عن عاطفة جياشة متقدة، كما قرأ المعلقات، وأشعار البحتري والشريف الرضي. وفي النثر قرأ الجاحظ وابن المقفع، فاقتبس عن ابن المقفع وضع اللفظ في موضعه، حتى صار لـه أسلوب خاص يعرف به، وكذلك قرأ ابن خلدون وابن عبد ربه. ‏ عاد إلى دمشق في العام 1918م ، ولما دخلت فرنسا دمشق عام 1920، عُين رئيساً لديوان وزارة المعارف التي وليها في تلك الفترة محمد كرد علي، وفي العام 1921 انتقل إلى وزارة الخارجية، وانتهى به المطاف في العام 1948 عميداً لكلية الآداب بدمشق حتى العام 1958، حيث أحيل إلى التقاعد. ويمكننا أن نلخص صفاته الأخلاقية بأربع خصال اتسمت بها شخصيته خلال مراحل حياته، وهي الالتزام الأخلاقي، وصدق الحس الجمالي، والعلم الواسع، والأسلوب المنطقي العملي.لقب شفيق جبري بشاعر الشام، وتشير المصادر أن أول من أطلق عليه هذا اللقب هو الشاعر أحمد شوقي الذي جاء إلى سورية بعد نكبة دمشق، والتقى خلالها بعدد من الشعراء والكتاب، وكان من بينهم شفيق جبري الذي ألقى بعضاً من تجاربه الشعرية الخجولة أمامه، فالتفت إليه شوقي قائلاً: أنت أيها الفتى شاعر. فالتفت الشعراء الموجودون آنذاك، وقالوا: شاعر الشام، ومنذ تلك اللحظة التصقت به هذه التسمية. ‏نشر شفيق جبري أولى قصائده في جريدة سورية الرسمية في العام 1920، وكانت في رثاء إبراهيم هنانو: ‏ أمة تنشد الحياة وماض ملأ الأرض من دوي وثابه ‏ سحب المجد كالخضم على الأرض فضاقت فِجاجها بانسحابه ‏
    مواقفه النضالية ‏ كتب شفيق جبري قصائد كثيرة متأثراً بمرحلة الصراع التي كانت تعيشها سورية مع الاحتلال الفرنسي من جهة، ومرحلة الصراع العربي مع الاحتلال الإنكليزي في العراق وفلسطين من جهة ثانية، حيث شهد ولادة الحركة الصهيونية، فجسد بشعره أماني العرب جميعهم لأنه لم يكن يؤمن إلا بالوحدة العربية، وكان ينتقد كل من يدعو إلى القطرية. ويندد بالعرب الذين قصروا في نصرة فلسطين، وتركوا اليهود يعيثون فساداً في بيت المقدس: ‏
    أيعيث اليهود في حرم القد س فساداً والنوم يأخذ منا؟ ‏
    لفظتهم جوانب الأرض شذا فتاهوا القرون قرناً فقرنا ‏
    ولم تكن تمر حادثة في أي بلد عربي إلا وقال فيها شعراً. فمدح العرب وافتخر بهم داعياً إياهم للسير في طريق الوحدة الشاملة، فقال قصائد كثيرة يجمع فيها ثورة الشام مع ثورة مصر، لأنه كان يرى أن ثورة العرب هي واحدة وأنهم لا ينهضون إلا بالوحدة.وجاءت قصيدته التي حملت عنوان((الجلاء)) تعبيراً حقيقياً عن فرحته بالجلاء: ‏
    حلم على جنبات الشام أم عيد؟ لا الهم هم ولا التسهيد تسهيد ‏
    أتكذب العين والرايات خافقة أم تكذب الأذن والدنيا أغاريد ‏
    ما نامت الشام عن ثأر تبيته هيهات ما نومها في الثأر معهود ‏
    شفيق جبري بين الأصالة والمعاصرة ‏
    عطى شفيق جبري لمورثنا قيمة فكرية في إعادة قراءته واستكشافه، فتحدث عن المعراج والرمز الصوفي في القرن الثامن عشر وحتى القرن العشرين، وناظر الجاحظ في كتابه( الجاحظ معلم العقل والأدب)، ويعتبر كتابه هذا فتحاً جديداً في القراءة الجاحظية، لأنه اعتمد على مؤلفات الجاحظ ، واستمد وقائع عصره من المراجع العربية، وبعض ما كتبه المستشرقين في دعم آرائه في الفن والأدب. ويشير بعض الدارسين إلى السمات المشتركة بين جبري والجاحظ، فكل منهما يميل إلى النقد، والولع بالتهكم والعلم، وانصراف كل منهما إلى البحث والتحليل، فضلاً عن براعتهما في تقديم الأفكار وعرضها بأسلوب بسيط قادر على إيصال الفكرة بوضوح ودون تعقيد. كما حاكى أبو الفرج الأصفهاني، وأحمد فارس الشدياق، وكان شاعره المفضل(أناتول فرانس) الذي نقل عنه الكثير في كتابه الذي جاء تحت عنوان ( أفكاري). ونشر مقالات نثرية كثيرة، و كان نثره جميلاً متماسكاً قوياً في جمله، وله الكثير من المؤلفات النثرية التي ضمت مقالاته التي نشرها في الصحف والمجلات بالإضافة إلى المحاضرات التي كان يلقيها في الجامعة أو الندوات والمؤتمرات، وفي إحدى مقالاته التي يصف فيها مدينة حماة يقول: « إن حماة هي مدينة الموسيقا والأحلام، فمن مسافة إلى مسافة تشاهد دواليب ضخمة تحمل ماءها لتسقي به الجنان، فكأنما نغمات موسيقية تخرج من هذه الدواليب الهادرة، الشعر يفيض من كل ناحية من نواحي حماة، من أنين مائها وحفيف صفصافها وثغاء مواشيها، ما أرغد المعيشة في مدن الشعر». ومن أشهر مقالاته: ( ألف ليلة وليلة، إنصاف، الألفاظ التاريخية متحف اللغة، الحكمة في شعر البحتري، المترادف، روح الشاعر، شامية محمد كرد علي، نظرات في النقد). و كتب أيضاً، الكثير من الدراسات النقدية التي يمكن أن نردها إلى الأدب المقارن كما في ترجمته لوصف البحيرة عند الشاعر لامارتين ومقارنتها بوصف البحتري لبركة الخليفة المتوكل. ‏ اشتهر شفيق جبري في أواخر أيامه بحبه للعزلة وابتعاده عن مخالطة الناس لشعوره الرقيق، وإحساسه الدافئ، وعاش في منزله الهادئ في مصيف أبو زاد في بلودان وحيداً، وإن عزوفه عن الزواج زاد في عزلته ووحدته، ونلمح في شعره ملامح بارزة لما تنطوي عليه سريرته من حبه للعيش وحيداً، ورغبته في الابتعاد عن الناس. كتب عن نفسه في كتابه ( أنا والشعر) و( أنا والنثر) فذكر أن من صفاته قلة الضحك، وقلة الكلام، وكان غالباً عليه طابع الحزن وظل كذلك طول حياته. فكانت الطبيعة الحبيبة التي أحبها وحدثها عن شجون نفسه، وأخذ بمفاتنها، وهو خير من شعر بها، وعبر عنها فوجد عندها كما ردد دائماً راحة البال ومتعة القلب وهدوء الأعصاب. وقد عبر عن حزنه أكثر ما عبر في رثائه للزعماء وأعلام الفكر، ورفاق الدرب ، وقد وفق في ذلك أكثر مما وفق في عواطف الطبيعة والحب ويعود ذلك لتأثره بالرثاء في الأدب العربي القديم الذين أتقنه وفي ديوانه(نوح العندليب) الكثير من القصائد التي رثى بها كثيراً من الأعلام المؤثرين والزعماء المخلصين. وأكثر هذه القصائد شهرة تلك التي يرثي فيها الشريف الحسين بن علي سنة 1931، يقول فيها: ‏
    يابن النبي وما الآذان سامعة فهل تلبي زخوفاً أنت داعيها ‏
    لما رأيت قلوب العرب واجفة من الشدائد ما تسجو سواجيها ‏
    وعلى مدى يومين تتابع الندوة التكريمية أعمالها بمشاركة العديد من الكتاب والنقاد العرب والسوريين، وقد تمَّ تكريم شاعر الشام منذ زمن من قبل محافظة دمشق فأطلق اسمه على إحدى الحارات العتيقة في دمشق القديمة، وكذلك كُرم من قبل وزارة التعليم العالي فحملت إحدى قاعات كلية الآداب في جامعة دمشق اسم شفيق جبري. لكن إقامة مثل هذه الندوات التكريمية للمبدعين في المجالات كلها، نقطة إيجابية تحسب لصالح وزير الثقافة الدكتور رياض نعسان آغا، يقابلها الكثير من النقاط السلبية التي تسجل ضد بعض القائمين على تنظيم هذه الندوات، وما يثار في أوساط الكتاب والإعلاميين أن الدعوات الموجهة للمشاركين تتحكم بها المصالح الذاتية والعلاقات الشخصية، حيث أن المتتبع لأسماء المشاركين في هذه الندوات مع احترامنا وتقديرنا لهم، ولحضورهم، يلاحظ تكرار الأسماء ذاتها، وهذه نقطة يجب الوقوف عندها، فيبدو أن التخصص بفن من الفنون الأدبية صار أبعد ما يمكن عن الكاتب العربي، فهو عالم بالنقد المسرحي، وخبير بالحركة الشعرية، وفيلسوف بالسرد الروائي، وناقد بالفنون البصرية، وربما يفتي بالدين، ويتم بشكل أو بآخر إقصاء أو استبعاد عن قصد أو دون قصد... بعض كتابنا ونقادنا الذين أثبتوا حضوراً في الملتقيات الأدبية والنقدية العربية، والعالمية أيضاً. فرحمة بمبدعينا ولراحة أنفسهم في قبورهم صلوا لأجلهم، فالصلوات وحدها تكفيهم. ‏
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    ‏ شاعر الشام (2-2) شفيق جبري بين الأصالة والمعاصرة - تشرين- عزيزة السبيني

Working...
X