![](http://www.diwanalarab.com/local/cache-vignettes/L85xH120/arton34440-38012.jpg)
رشيد ايت عبد الرحمان
عن مطبعة ووراقة عين أسردون ببني ملال، صدرت للكاتب المغربي مصطفى بودريوة رواية "القربان".
يتألف الكتاب، من القطع المتوسط، من 222 صفحة، تتوزع عليها فصول مرقمة من 1 إلى 30. أعد لوحة الغلاف الفنان التشكيلي عبد الله بورزيق.
تحكي الرواية جانبا من معاناة الخادمات في البيوت تجسدها عزيزة ذات الأربعة عشر خريفا. يـبدو أن الكاتب أثناء اشتغاله، في ميدان الصحة العمومية الذي يحيل عليه الإهداء، "إلى كل أؤلئك الذين استباحت العلة أبدانهم فحطوا الرحال بجنان البلسم يطفئون برحيقه لهيب الآلام... إلى أولئك الذين توشحوا بالبياض وانتضوا العزائم يقارعون الأسقام"، في ثنايا الأطلس العميق المنسي في قب التعاسة وهو يشاهد الصبح وقد أطل "على قرية تيغيرت شاحبا كئيبا كعادته هذه السنين الأخيرة."ص 5، قد تأثر بقصة أو بقصص الفتيات التي يدفعهن أهلهن للاشتغال في البيوت في متاهات المدن الكبرى.
فإثر تلقيه الخبر كالصاعقة على لسان زوجته المتسلطة التي: "دمدمت في حنق ضاغطة بنواجدها المطبقة على كل كلمة:
![](http://www.diwanalarab.com/local/cache-vignettes/L16xH14/puce_rtl-58b6b.gif)
(...)
![](http://www.diwanalarab.com/local/cache-vignettes/L16xH14/puce_rtl-58b6b.gif)
لم يجد من يهديه إليها سوى أثاث من أثاث هذه المدينة وهم متسكعون ولصوص الليل. جدوا واجتهدوا تعاطفا مع الأب المكلوم. وبعد بحث يصلون إليها. بعدما تحولت حياتها وحياة أخريات إلى جحيم، بين براثن المشغلين والمشغلات. إذ انحرف مسارها إلى ممارسة الدعارة من حيث اختارت أو مكرهة، حسب وجهة نظر القارئ.
في وكر محترف من خمسة نجوم منكفئة: "أمسكت عزيزة عن الحديث، وأرهفت السمع مع صويحباتها إلى طرقات خفيفة تقاطرت على الباب الخارجي، فأعقبها على التو صوت نسائي خشن متهدج آمر قادم من غرفة نائية تطل بشرفتها على الشارع؟.
![](http://www.diwanalarab.com/local/cache-vignettes/L16xH14/puce_rtl-58b6b.gif)
صار هذا وضعها الجديد بعدما اضطرتها مشغلتها الأولى وهي تتهمها زورا بالسرقة. كما حكت زوجة الأب ولسان الدوار معها.
"- تآمرت مع عشيقها على الأسرة التي آوتها فسرقا كل المجوهرات ولاذا بالفرار.." ص 11. وجدت نفسها بعد فرارها من البيت وهي محاصرة من قبل الليل ومتشردين، تلقي بجسدها داخل سيارة بين يدي جندي من جنود الحاجة، وقناصا من قناصيها البارعين، يفترسها ويأتي بها جاهزة. بينما كان صقر آخر وهو الحاج يترصد كل غض طري ينزل ليتلقفه إلى بيت أعده لإطفاء غرائزه.
كان في دواخل الأب تصطرع الأفكار والهواجس، بينما هي تربط علاقة مع الحاج الشبقي الميسور الذي اشتراها من الحاجة مديرة الوكر، "وبعد لحظة صمت قصيرة، هتف قائلا وقد فار حماسه واتقدت نشوته:
كم تريدين ثمنا لها يا حاجة؟ ص 37.
أخرجها من وكر محترف واستخلصها لنفسه. وبعد مدة قضاها معها في بيته، اختار لها أن تعيش معه في قصره إلى جانب زوجته السقيمة العليلة، كخادمة في الظاهر، وعشيقة تنتهي بالحمل منه عكس رغبته الجانحة نحو استغلالها جسديا فحسب. لتنخرط معه في خطة لإبعاد ابنه الوحيد بالكيد له وطرده من البيت.
وفي لحظة الضغط عليها قصد التخلص من جنينها غصبا، تقرر وضع حد لحياة العشيق بطعنة، أمام عيني زوجته التي كانت ترعاها مثل ابنتها.
آنذاك يصل الأب لمعاينة مشهد إلقاء القبض على ابنته وهو مزهو، ظنا منه أن ابنته شريفة، وأنها انتقمت لعرضها من مشغلها، وقد سقط من علمه أن لما ردده سكان الدوار نصيب من الحقيقة.
"وطرق سمعه فجأة صوت يهتف بلهفة:
![](http://www.diwanalarab.com/local/cache-vignettes/L16xH14/puce_rtl-58b6b.gif)
وتحول صالح ببصره إلى الباب ورآها مكبلة (...) بخطى ثابتة متسقة رافعة رأسها في كبرياء وشموخ، (...) ولم يستطع صالح كبح جماح نفسه (...) فأطلق العنان لذراعيه يلوح بهما بقوة حماسية ويهتف بحرارة:
![](http://www.diwanalarab.com/local/cache-vignettes/L16xH14/puce_rtl-58b6b.gif)
![](http://www.diwanalarab.com/local/cache-vignettes/L16xH14/puce_rtl-58b6b.gif)
اشتغل الكاتب، في هذا العمل، على اللغة واعتمد الوصف الدقيق للأحاسيس والأماكن والأزمنة واعتمد الحوار المطول في بعض فترات الرواية، على حساب الأحداث ومسارات الشخصيات التي اختار الاقتصاد في النبش في تواريخها وحيواتها التي كانت ستغني المتن أكثر. مما جعل الرواية أقرب إلى قصة طويلة. مزيدا من التألق والتأنق.