Announcement

Collapse
No announcement yet.

القاص ( محمد معروف سليمان القادم ) - قصة : الرجل الذي ينتظر طلوع النهار

Collapse
X
 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts

  • القاص ( محمد معروف سليمان القادم ) - قصة : الرجل الذي ينتظر طلوع النهار

    الرجل الذي ينتظر طلوع النهار قصة
    محمد معروف سليمان القادم



    قصة قصيرة تلملم شظايا الوجع وتمتح من يوميات المثقف الذي صيرته مدن المنفى إلى رقم منسي ،فيها نظرة ترقب لشيء ما سيأتي حتما مع طلوع النهار
    أعود منتشيا بنفسي ، يملؤني دفء القاعة المحمية بعديد الأغمدة والأسوار ، والمحروسة بمجموعة من الرجال الزرق ، يهدهدني ذاك الحضور الكثيف لرجال و نساء مخمليات وهم يقنصونني بالغمزات و يرمونني بكثير من عبارات المدح والإطراء بعد أن وقفوا لوقوفي ثم جلسوا لجلوسي ثم مكثوا وكلهم إنصات وإصغاء لكلماتي التي لا تقول شيئا مهمّا ، أسرح بذاكرتي بعيدا عن المكان ، أحلّق بعيدا كطائر " كوندور " وأقرأ تفاصيل الأرض من تضاريس وأبنية وورشات ومقابر وصراصير وعناكب وعقارب ، يلفت نظري رجل يشبهني في قده ولباسه ، يأخذ طريقه بين جموع المارة وسط موكب مهيب ، أخلع معطف المناسبات وأفك ربطة العنق من حول رقبتي ، أرمي الحذاء الذي بدا وجهه أجربا رغم بريق الطلاء ، الرجل يمشي مترفقا من تيهه كأسد هزور وسط مجموعة من الأيادي والأعين الخفية التي ظلت تحيطه وتحرسه من كل جهة ، أرقبه وهو يلج الباب الكبير بعدما تبادل نصف رمقة مع الرجل الأزرق البدين الذي كان ينتصب وسط المدخل الرئيسي ، أسلخ جواربي من رجلي وأستلقي على ظهري ممدّدا جسمي قسريا في محاولة للحصول على ارتخاء عضلي يجعلني أكثر راحة ، الرجل يجول ببصره في أروقة البناية المحروسة ويلصقه بين الفينة والأخرى بلوحة معلّقة على الحائط يجري معها حوارا داخليا خاصا ، البعض من الضيوف القلائل ومن بينهم شابات كاشفات للشعر وكامل الأطراف العلوية وجزء كبير من أطرافهن السفلية يتظاهرن بسلوك مشابه ويشرن بأظافرهن الحادة إلى بعض جوانب الصور واللوحات الزيتية التي تصف جانبا من حياة العامة ، الحياة داخل هذه البناية المحروسة تبدو غريبة الأطوار ولا علاقة لها بتلك الحياة التي يلفحنا لهيبها بمجرد أن نضع أرجلنا على أعتاب البناية ، الوسادة التي أضع رأسي عليها تزعجني وتسبب لي أوجاعا على مستوى الرقبة ، أتوسدها يمينا ثم أتوسّدها شمالا ، أضغطها رأسيا بجبهتي وأدكّها دكا أفرغ فيها زبدا من حمم تندلع في أعماقي ، النوم يأتيني كثعلب ماكر ، أحسه وهويلعقني على الجبين ثم يبتلعني كبيضة عصفور دون أن يكسرني ، الرجل المتدثر داخل معطفه الطويل يلج القاعة المحمية بعديد الأغمدة والأسوار فيقف له الجميع وسط التصفيق ، أُجلس الرجل فجلست القاعة لجلوسه وهمدت كل الأصوات فيها ، تكلّم فيهم وهو يرفع ذقنه عاليا فوق رؤوسهم .
    ـ لا أريكم إلا ما أرى وما أبغيكم سوى سبيل الرشاد .....المجدوالخلود للشهداء الأبرار .
    أيقظني هدير تصفيقهم لي ، أشعر بنوع من الخزي يلطمني على وجهي جرّاء بقائي بعيدا عنهم ،أعرف أنه لم يكن في إمكانهم فعل شيء غير ذلك ، فهم يعرفون المطلوب منهم في مثل هذه المناسبات ، أنشّ بعوضة باتت تجرح طبلة أذني بطنينها ، أمسح عرقا أحسّه يتفصّد من جلد رقبتي ، أجد صعوبة في البقاء نائما ، أحمل نفسي وأغادر المنزل باتجاه القاعة ، في طريقي إليها لفّني الفراغ من كل الجهات ولم يقطع علي وحشة الطريق سوى مواء القطط ونباح الكلاب ومجموعات صغيرة من شيب وشباب يتوسّدون ظهر القاعة المحمية بعديد الأغمدة والأسوار ، يتنادمون فيما بينهم ويكيلون له ألوانا من السباب،نالني منهم خوف رهيب ، خشيت أن يقتلونني ، سارعت إلى تعرية نفسي من معطفي الطويل وربطة العنق الحمراء ، مرّغت نفسي في رماد الأرض ، مسحت منه على يدي ووجهي ، أقرأتهم السلام وانخرطت معهم في انتظار طلوع النهار ..!
    أنا بنت الهاشمي أخت الرجال
    الكاتبة والشاعرة
    الدكتورة نور ضياء الهاشمي السامرائي
Working...
X