Announcement

Collapse
No announcement yet.

للمخرج الروسي أناتولي أيفروس كتاب ( في عشق الخشبة )

Collapse
X
 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts

  • للمخرج الروسي أناتولي أيفروس كتاب ( في عشق الخشبة )



    استمرار الرواية المسرحية" كتاب المخرج الروسي أناتولي أيفروس في عشق الخشبة


    دمشق - سانا

    سامر اسماعيل
    يقدم المخرج الروسي الشهير أناتولي إيفروس في كتابه "استمرار الرواية المسرحية" الصادر عن وزارة الثقافة السورية ذكرياته عن كواليس مسرح موسكو الفني المسرح الأعرق والأشهر في العالم لأنه قدم لأهم الأسماء المسرحية منهم على سبيل المثال لا الحصر تشيخوف ونيمروفيتش والمعلم ستانسلافسكي حيث يقع الكتاب ضمن أربعة عشر فصلاً مختلفاً تتباين في فحواها الفروقات الواضحة في التوثيق المسرحي إلا أنها جميعاً تقدم خلاصة تجربة إيفروس الطويلة في عالم المسرح.

    ويبدأ الكتاب الذي نقله إلى العربية المترجم السوري ضيف الله مراد بآخر تجارب أيفروس المسرحية التي عمل عليها في أمريكا فتركت فيه انطباعات مختلفة ومتنوعة كان لها أثرها في جعله يرى أن "بلاد العم سام" هي بلاد خلقت للمسرح إلا أنه يقف عند بعض الملاحظات السريعة ليرى أن جميع مسارح العالم لها رائحة واحدة وأن ألفة المسرح في أي مكان تخفف من غرابة المدن الجديدة فهو مأخوذ بالنفعية الأمريكية التي تنسحب على كل ضروب الحياة ففي المسرح يتقن الممثل الأمريكي دوره بعناية لأنه ممثل يهتم بالتفاصيل وبكل شاردةٍ وواردة ويبذخ في تأسيس عمله ليعود ويسترخي فالصفة الأهم للمسرحي الأمريكي هي التزامه المطلق بمواعيد البروفات.

    ويخلص أيفروس إلى أن الممثل الأمريكي أكثر تقنية من الممثل الروسي بيد أنه أفقر روحياً فاختلاف البلدان لا يعني بالضرورة اختلاف شروط العمل الفني حيث يمكن أن يكون لكل شرط معنى مختلف فالفن مثلاً عند الأمريكيين يتشكل من الانفعال وعلم الحساب والجمال لديهم هو امتزاج القديم بالجديد وهذه أحكام جائرة في بعض مناحيها لكن تحمل أوجهاً من الحقيقة أقلها في الجانب الذي صدره المواطن الأمريكي عن طبيعة علاقاته وحياته بالعالم.

    "الجهد المبذول ليس هو قيمة العمل" تلك هي المقولة التي يدور حولها الفصل الثاني للكتاب الذي يتناول تشيخوف فهو الجزء الأهم من رواية أيفروس المسرحية لأنه يضع أعمال الكاتب الروسي كمعيار لما يجب أن يكون عليه النص المسرحي فيتناول أعمال تشيخوف من منظور مختلف عند العمل على النص المسرحي لصاحب "بستان الكرز" حيث يجب عدم التفكير بتعاسة الشخصيات بل يجب التفكير بأنهم رائعون ويجب علينا أن نحبهم ونحزن لأجلهم كما أنه يعتبر أن لكل عمل مسرحي هويته الخاصة لكن من الصعب أن تتقبل عملاً لك يقدمه شخص آخر طالما أنكَ تعتبره ملكاً شخصياً.

    والممثل من وجهة نظر أيفروس يجب أن يكون شاعراً ليأتي بعد ذلك الأسلوب والمنهج إذ يجب أن نتخلى عن التصورات التي يقدمها النص المسرحي بل الأجدى أن يرتب المخرج الحوار في خياله أولا وبشكلٍ دقيق فغالباً لا يمنح النص المسرحي مراميه من القراءة الأولى كما يجب على المخرج تقديم العرض المسرحي وفق آلية إبراز نقاطه الأهم وذلك بالتركيز على تخليصها من ورطة الكلاسيك واللغة المدرسية والعمل على إعطاءها حيوية الواقع الحالي ليخاطب النص العرض بمعاصرة دون الرزوح تحت تقديس التكرار.

    في فصل "أوقات عصيبة" يقدم لنا المخرج الروسي زبدة خبرته التي اكتسبها في العمل الطويل فبرأيه من الصعب على الإنسان أن يكون حكيماً في الشغل المسرحي فالإنسان من طبيعته التأرجح وهو غالباً ما يبحث عن النجاح وليس عن الحقيقة وقلة هم الذين وصلوا إلى هذا الفهم كدانشينكو حيث يورد المؤلف عن هذا الأخير بعض الحكايات الممتعة منها أنه كان يترك معطفه معلقاً عندما يغادر المسرح فيمضي الممثلون في العمل بشكل جدي وكأن دانشينكو لم يخرج وسيعود قريباً في أي لحظة. كما يقدم إيفروس أيضاً الحقائق التي اعتبرها دانشينكو مفتاح أي عملٍ مسرحي ناجح وهي الحقيقة النفسية والمسرحية والجمالية لينتهي إلى تقديم وصايا في طريقة التعامل مع الممثلين كيلا تضيع البوصلة من يد المخرج وتفتقد الهيبة الضرورية له ومنها تأكيده عدم الدخول في علاقة زمالة مع الممثلين ولا أن تأخذهم من يدهم فيقول "كن رب عملٍ صارما فعليك التحرر منهم روحيا ولاسيما بعد أن تحول فن التمثيل إلى مجرد مهنة وعمل دون إبداع وتذوق عميق لآلياته فأصبح ممثل المسرح الذي يرتبط بأعمال أخرى يخترع حججاً تافهة لعدم حضور البروفات في الوقت الذي كان مستحيلاً له أن يغيب عنها عندما كان طالباً".

    ويستغرب الكاتب هذا التناقض بين من يعشقون المسرح ولا يقفون على خشبته وبين دلال وغنج العاملين فيه فيقول ممثلاً ذلك على النحو الآتي "إن كنت في الشارع وهطل مطر غزير فهذا سيئ وإن لم تكن في الشارع وهطل مطر غزير فهذا سيئ أيضاً لأنك لن تعرف أبداً ماذا يعني أن تركض بخطا مسرعة متدثراً بمعطف أثقله البلل".

    يرى أيفروس أن مهنة الإخراج تعتمد على الشرح والإقناع والثرثرة المنسجمة والسيطرة على المزاج النفسي وباعتبار ستانسلافسكي من أهم معلمي المخرج أيفروس رغم أنه لم يلتقه فهو يسهب في الحديث عن صفاته السيكولوجية بل يكاد يتبنى كل ما يصدر عنه حيث أدرك ستانسلافسكي عندما كان يقوم بإخراج مسرحية "الشقيقات الثلاث" أن الشخصيات التشيخوفية لا تحمل حزنها فقط بل تريد أن تكون واقعية تعيش وتتفاعل مع الحياة كما كان ستانسلافسكي في شبابه ينجز العرض المسرحي بسرعة ثم أصبح يتمهل عند تقدمه في العمر حتى أنه في آخر أيامه كان يشرف على البروفات بواسطة جهاز الهاتف.

    ويشير أيفروس إلى أن الكتب التي تركها مؤسس مسرح الفن بموسكو مدهشة في بساطتها على نحو "حياتي في الفن" .. "إعداد الممثل" حيث يقول المخرج الروسي نقلاً عن ستانسلافسكي "فن المسرح ليس إلهاما وشعوذة بل هو فن واعٍ وفيه مفاهيم كالتحليل الجديّ وله طرقه ودراساته كطريقة التحليل بالأفعال وطريقة الإتيود فالتعلم لا يعني الاستمرار بما تتعلمه بل يعني أن تتشرب ما تعلمته بكل كيانك حيث مازالت روح ستانسلافسكي العظيم تحلق فوق مسرح موسكو الفني".

    ويعتبر الكاتب الروسي المسرح مؤسسة مزدوجة فالمسؤولية تشعرك بذلك ولكيلا تتجذر في المكان الخطأ عليك أن تعرف جيداً ما الذي تريده وما طبيعة الفن الذي تدافع عنه وما الشيء الذي تحتاجه بالفعل لكنه يشكو بعد الممثلين العباقرة عن العروض المسرحية التي تعتمد على وحدة الفريق فهم يجربون أنفسهم في الإخراج والسينما ليقف أيفروس بعد ذلك حزيناً على أطلال مسرح موسكو الفني وأمجاده الغابرة حيث ظل يقدم خيرة أعماله في مدةٍ زادت على خمسين عاماً وباهتمامٍ متزايد وإقبالٍ كبير.

    ويرى أيفروس أن العرض المسرحي لا ينهض على الحِكم المأثورة لأنه لعب في جوهره ولا يجب أن تضيع الحكمة في اللعب فيقر أن الفن سحر وأن الارتباك الطبيعي هو الذي يحرض الأفكار على الابتكار دون أن ينسى أن يستشهد بالمخرج الإيطالي فردريكو فيليني باعتباره أحد عباقرة الفن بقوله "الممثلون يشبهون بحارة كولومبس فهم يطالبون دائماً بالعودة إلى بيوتهم".

    المسرح كأي شيء آخر في الحياة يجب التعامل معه وفق شروط زمنية وواقعية معاشة وأحياناً بحساسية عالية فلا خلاص لهذا الفن الأصيل كما يقول أيفروس دون تطوير النص لجعله يقوم بطرح المشاكل الحياتية بشكلٍ حاد فيجب عليه التخلص من شعار "كل عمل مسرحي يجب أن يكون أفضل من سابقه" والحرص على عدم تمزيق المسرح إلى أشلاء بالقبض على الأسلوبية التي تعنى بجمع التناقضات ومن ثم الانطلاق بتشكيل الدراما والتراجيديا بجرأة عالية.

    ويقدم لنا أيفروس بعض أهم أسرار هذه المهنة الشاقة فالمهم ليس عدد الصفحات المكتوبة بل المهم هو الفضاء المسرحي الكامن في الجمل الحوارية والبحث عن أسلوبية اللعب المدهش وطرح مشاكل تعبيرية مدهشة كما فعل العبقري شكسبير الذي يعتبره أيفروس شعبياً وله نظرة شديدة الواقعية ترى الأشياء والعالم على حقيقتهما كعالم منظم وصريح وجلف وبسيط في آن معاً.

Working...
X