Announcement

Collapse
No announcement yet.

في شبكة الأنترنيت - مستقبل الشعر مرهون بالعناء الإنساني

Collapse
X
 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts

  • في شبكة الأنترنيت - مستقبل الشعر مرهون بالعناء الإنساني

    ثمة مستقبل من نمط غير معهود سابقا للشعر وهو يتجوّل في شبكة الأنترنيت
    مستقبل الشعر مرهون بالعناء الإنساني

    العرب أونلاين - شاكر لعيبي

    إن تهميش المكتوب، الراقي، الشعري في ثقافة العرب الراهنة، لصالح فضائيات هوائية ومطبوعات ممحوة مهمومة بالآني، الجنسي اللبيدوي باسم التحرّر، أو الغاضب السعاري الشعاري باسم الاتجاه الآخر، سريعات العطب لا تصلح دليلا على مصائر البشر جميعا ومراجعهم الروحية، لأن الغالبية السائدة مما هو متدن ثقافيا، شعريا وأيقونيا، وعلى كل صعيد لم تعد مثالا أو مرموزا صالحا لقياس شيء.

    العكس هو الصحيح في الغالب: فإن الأقلية المركونة جانبا هي الضمير المقدر لضمائر مستترة. هذه الأقلية هي خيرة شعراء العرب كما أظن.

    ومن دون مكابرة من ذاك النوع المعروف لدى المظلومين نفكّر ونقول: إنْ لم يربح شاعر عربيّ معاصر شيئا ماديا كبيرا مثلا لقاء جهده الإبداعي المثابر مقارنة بمغنية ساذجة تغني "طقطوقة" مسجوعة فلا يعني الأمر أن المستقبل "للطقاطيق" الشعرية والنثرية والإعلامية على مستوى العالم العربي.

    مستقبل الشعر مرهون بكمية العناء الإنساني المُختصر في قصيدة فريدة. وهي قضية لا شأن لها بالحسابات قصيرة النظر ولا بالفترات المظلمة "تسمى المنحطّة غالبا" في تاريخ أمة من الأمم.

    أظن بأننا نعيش عصر انحطاط عربي فريد، بعد نهضة قصيرة سرعان ما أجهضت، وأظن أننا نعيش في "فتنة كبرى" جديدة ضاربة من جهة أخرى في بلدان كثيرة لا تُقارن إلا بالفتنة الكبرى التي نعرفها تقريبيا في كتب التاريخ. غير أن لا هذا ولا ذاك قد قاد إلى انحطاط شعري بالفعل، وبالتالي فلو أن مصائر الفتن الكبرى الممتدة أفقيا قد صارت إلى الزوال فلا أظن أن تجربة الشعر العربي المحايث لها كانت من الطبيعة الأفقية نفسها، وأنه لن يصير بالتالي إلى المصير نفسه لأنه ذو طبيعية عمودية في أحسن نماذجه، أي أنه يضرب في باطن ضمير إنساني له أفق مختلف تماما. أفق شعري.

    إن أفضل نماذج الشعر العربي المعاصر تقدِّم للمستقبل شهادات لا تقدّر لكنها غير مسموعة اللحظة. ويقوم الشعراء الآن، كما أزعم، بدور الشهود في الأقل، وهي مهمة تندرج في الجماليّ اللائق بالمستقبل وبالمحلوم به. لم يعد الشعر محض شهادة على حقبة كما نعرف، لكنه يقوم بذلك رغما عنه، سواء عبر لغته المخلوطة بلكنات عصره أو عبر اهتمامات زمانه التي تطلع منها العبر الكونية الشاملة.

    الشهود ذوو الأعين النجل اليوم هم خيرة الشعراء العرب. أظن مرة أخرى جازما أن المستقبل للشعراء البارعين في ثقافة العرب القائمة دائما، ويا للمرارة، على فكرة "الواحدية" على كل صعيد دينيّ وعائلي وشعريّ. لنضف للواحدية الشعرية العربية هذه فكرة "النجم الشعري"، كبيرا أو صغيرا، المصنوع عبر الأكذوبة الإعلامية أو السياسية أو الإيروتيكية، خاصة في بلدان عربية محدّدة، أو الإشاعة المعمَّمة حيث لا يقرأ أحد

    قدر ما يتسمّع ويتلقط الأخبار، أو عبر عمل حثيث من أعمال الشطار النافقين المال على كتبهم وبريدهم وسفراتهم للترويج لبضاعة لا ندري بعد قيمتها. إن قيم الشطارة، في غياب النقد والمؤسسات وشيوع الإشاعات، ستؤثر إلى حين في المستقبل القريب للشعر العربي ولكن ليس في مستقبله الأبعد.

    إن اختلال قيم الاتصال القديمة بين القارئ والنص الشعري، القائمة على الكتاب المطبوع فحسب أو النص المنشور فقط في صحيفة، لصالح منظومة ميديا مختلفة جوهريا، الأنترنت، سيعمل عمله في مستقبل الشعر ولصالحه في الغالب. سيبقى للديوان الشعري نكهة وعبق لا يُعوَّضان، لكن الأنترنيت يفكك تفكيكا النسق الواحدي، القمعيّ في جوهرة للاستئثار بالنشر والترويج وحتى ترجمة الشعر، في العالم العربي. وفي عملية التفكيك المستحبّة عربيا إلى أبعد الحدود ثمة بالطبع مشكلات من نوع غير مألوف حتى الآن، ففيها ستنشأ علاقات جديدة لا يستطيع العقل النقدي الرصين ممارسة سطوته عليها، أي سجاله العميق معها، وستنسرب بكل اتجاه. لكن انسرابها أفضل دائما من الواحدية القهرية في الثقافة العربية.

    ثمة مستقبل من نمط غير معهود سابقا للشعر وهو يتجوّل في شبكة الأنترنيت عابرا للقارات ضمن اشتراطات ثقافية مُعَوْلَمَة، تنطوي على المخاطر كما تحتوي على الفضائل. أتكلم بالطبع عن اشتراطات جمالية قبل أي شرط آخر. هناك أصوات شابة طرية، وهناك تجارب نسوية جريئة وهناك مثقفون لن يكونوا مقبولين البتة في ثقافة العرب، ممن عبروا جميعا عن نزعاتهم الشعرية، ركيكة المستوى أو رصينته، بسرعة لم تكن ممكنة في ظل نسق التواصل ما قبل – الأنترنيتي. وفي خضم هذه الحركة المستجدة للشعر وقعت سجالات واستشهادات في أوساط جديدة تماما على الوسط الشعري وفي بقاع نائية وأرياف بعيدة في العالم العربي.

    لنعترفْ بأننا كسبنا قراء جُددا لم نكن نتوقعهم من المغرب مثلا ومن الجزيرة العربية خاصة. الواحديون والمكرّسون عن حق وباطل والريادات الأزلية وبعض المعروفين أكثر من غيرهم في أجيالهم لن يرضيهم، بل سيستفزهم أمر مثل هذا، لكنهم لن يمتلكوا أبدا ردة فعل فاعلة إزاءه. ثمة وفرة تصل حد الإفراط في الوسائط الجديدة وثمة استسهال في كتابة الشعر وترويجه على الأنترنيت، وكلها ظواهر ستصير إلى زوال. المستقبل سيبقى، كما ظل على الدوام، للنصّ الشعريّ الباهر."للموضوع صلة"
    أنا بنت الهاشمي أخت الرجال
    الكاتبة والشاعرة
    الدكتورة نور ضياء الهاشمي السامرائي
Working...
X