Announcement

Collapse
No announcement yet.

السوريون و سُّرهم المكنون - الحلقة الخامسة عشر

Collapse
X
 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts

  • السوريون و سُّرهم المكنون - الحلقة الخامسة عشر

    السوريون و سُّرهم المكنون

    **الحلقة الخامسة عشرة**



    السوريون و (سرهم المكنون) :
    ...

    المفتاح الثاني : الألقاب و أسماء المواقع

    أشرنا فيما سبق إلى أن السر الثاني الذي أودعه السوريون في التراث الثقافي الذي صار يدعى (إغريقيا ً ) هو في الأسماء أو الألقاب التي أطلقوها على الأشخاص أو المواقع فتلبسها لبسا ً , إذ تعبر بدقة عن شكلها أو مضمونها أو عن الاثنين معا ً , سلبا ً أو إيجابا ً , بكلمة واحدة , كاشفين بذلك عن عبقرية لغتهم السريانية من جانب , و عبقريتهم هم أنفسهم في اختيار اللقب المشتق من فعل واحد يحكي القصة كاملة ً من جانب آخر .
    لقد غطى السوريون بتلك الألقاب جميع أسماء المناطق الجغرافية , و الملوك , و الحكام , و أبطال القصص , و الأساطير , و المسرحيات , و الملاحم , و التي هي قصصهم هم و أساطيرهم , صاغوها بلغتهم و تناقلتها عنهم الأجيال , فضاعت ملامح الأصوات في الكلمات و غابت معها ملامح الأشخاص , و صار الناس يسمون بتلك الأسماء الموروثة منذ القدم إلى اليوم دون أن يعرفوا لها معنى . و كانت النتيجة ــ علاوة على التزوير الفادح في تاريخ البشر ككل ــ أن أحدا ً في الغرب كله اليوم لا يعرف معنى لاسمه , إن كان هذا الاسم موروثا ً أو متداولا ً , إذا لم يرجع إلى أصوله السريانية .
    إن جول و جولييت و جوليا و جوليانا , و كوليا , و كولييت , و أوديت , و إيليا , و ميرفت , و ماتيلدا , و روزا , و تيد , و داريل , و جورج و جورجيت و جورجينا , و ميتران , و ديستان , و ديمتري , و غيرها , ليس لها أي معنى بأية لغة في العالم بغير السريانية . و ما ينطبق على (الإغريق) ينطبق على (الفرس) أيضا ً .
    و سوف نعتمد في كشفنا عن الأسرار اللغوية المكنونة في النصوص المتبقية من تاريخ هيرودوت السوري و في المصادر الأدبية بدءا ً من الأسطورة .
    و نظرا ً لأن ما دعي بـ (الأساطير الإغريقية) تؤلف ثلاثة أرباع المصادر التي اعتمدوا عليها في كتابة (تاريخ الإغريق) فلا بد أولا ً من كشف حقيقة الأسطورة :
    ــ الأسطورة و التاريخ :
    إن أول كتاب وضعه السوريون في التاريخ هو الأسطورة . و الكلمة في القاموس السرياني تعني حرفيا ً : الكتاب المسطور , المدون في سطور ... و هي على وزن (أنشودة) و (أطروحة) و هي من الفعل (سطر ceter) أي : كتب في سطور , سطر , كتب , زخرف , قسم , زين , رتب . و (سطرا cetera) أي إلى آخر ما هنالك من سطور , و إلى آخره . و هذه الكلمة هي التي ذهبت مع السوريين إلى المورة و إيطاليا , ثم إلى اللغات الأوروبية الحديثة فصارت etcetera إي إلى آخره . إذ أن واو العطف صارت (et) باللاتينية و بقيت الكلمة cetera كما هي إلى اليوم و اختصارها etc .. إي (إلخ) بالعربية .
    أما كلمة (أسطورا) و (أسطورة) فقد صارت عند الإغريق ((istora و في الإنكليزية (history) و في الفرنسية (histoire‘l) و في الروسية (istoria) لتعني جميعا ً كتاب التاريخ تحديدا ً ثم التاريخ مطلقا ً .
    و لا بد هنا من التمييز بين (الأسطورة) و الخرافة سيّما وقد درج الغرب على الخلط فيما بينهما طيلة العصور الماضية :
    إن الأسطورة سجل حقيقي لأحداث تاريخــية معينة حدثت على أرض الواقع (وليس أحداث خيالية كما هو شائع خطأ ً ) خضعت لمحسـّنات في اللــغة و الأســلوب و الخيال الشاعري مع الاحتفاظ الأكيد بالمادة التاريخية المراد تدوينها و تخضع للبحث و التمحيص قبل أن تعتمد , و تحفظ في المعابد أو تصور على الجدران كجزء أساسي من التراث ينهض بأدوار تربوية و تعليمية معينة .
    أما الخرافة : فهي حكاية شعبية من صنع الخيال تتفاوت في مستوياتها الذوقية و الفكرية من بيئة متخلفة إلى أخرى متمدنة , يتناقلها الناس شفويا ً عبر الأجيال , فيضيفون عليها أو ينقصون منها إلى أن تخرج في النهاية منتوجا ً شعبيا ً جماعيا ً شفويا ً , يحمل نكهة الجماعة و ذوقها عبر جيل واحد ثم عبر أجيال متعاقبة .
    إن الأسطورة نسيج سداه المادة التاريخية و لحمته المحسنات البلاغية من استعارات و غيرها , مما يجعلها سهلة الحفظ , قريبة من الذوق العام , مشوّقة , تحكى أو تنشد مصحوبة بالعزف على الربابة في معظم الأحيان . و هذا ما يجعلها تبقى حية , خالدة , محفوظة في الذاكرة من جيل إلى جيل عبر كل العصور إلى أن جرى تدوينها بعد اختراع الكتابة .
    إن الاستعارة تلعب في صياغة الأسطورة دورا ً مهما ً سواء أكانت مادتها التاريخية (طبيعية) أم (من صنع البشر) . إن البركان , على سبيل المثال , (فلقان vulkan) الذي يندفع بعدة فوهات لامعة قاذفة باللهب و بالدخان و بالشرر , تم تصويره في هيئة وحش خرافي مثل تنين أو ثعبان هائل له عشرات العيون اللامعة و الأشداق التي ينفث منها النار و الدخان , ثم تسيل ملتوية (كالحية الملتوية) , ثم ما إن يتوقف عن الزمجرة و القذف من فوق حتى يأخذ (يئن) و (ينق) و (يشهق) في بطن الأرض تحت الجبل .. فعبروا عنه في هذه الحالة ب (أنين الجحيم) (أنقي لادو ــ أنكيلادوس) .
    إن ( أنقي ) في القاموس السرياني تعني : أنـّـان , نقـــّــاق و شهـّــاق , معذ ّب ..
    و (ادو) هي في القاموس السرياني (عدي) أي : الهاوية و الجب و العمق و الجحيم و هي التي صارت (هاديس hadis) بعد أن أضيفت إليها هاء التعريف و النهاية (سين) و سقطت العين . ثم ما لبث أن جرى تشخيصه (أي اعتباره شخص) في بلاد المورة و أسيء فهمه .
    و إن أسطورة اختطاف النبيل السوري (زيو) للأميرة أوروبا ما لبثت أن تحولت إلى فعل ( رب الأرباب رب الخصب الذي رمزه الثور) , فتحولت بذلك إلى خرافة نتيجة لتخلف السكان الأصليين في الغرب الذين خلطوا بين (الرب) بمعنى السيد , المعلم . و بين الإله , و الأمثلة أكثر من أن تحصى ..
    وفي الحلقات القادمة سنتناول بالدراسة بعضا ً من الأساطير السورية لنوضح من خلالها السر العبقري الذي أودعه السوريون في أساطيرهم الخالدة ..

    المصدر : تاريخ سوريا الحضاري القديم ــ2 . الدكتور أحمد داوود

Working...
X