Announcement

Collapse
No announcement yet.

المهرجان السابع للفنون الرقمية - الرقمنة والفن: غزو أم تحرير؟ - عبد الدائم السلامي

Collapse
X
 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts

  • المهرجان السابع للفنون الرقمية - الرقمنة والفن: غزو أم تحرير؟ - عبد الدائم السلامي



    «سحابة خلايا المنشأ » للفنان فيليب بيزلي
    الرقمنة والفن: غزو أم تحرير؟

    العرب أونلاين - عبد الدائم السلامي
    انطلق يوم 16 نوفمبر- تشرين الثاني 2012، في قاعة تشونغشان بمدينة "تايبيه" التايوانية المهرجان السابع للفنون الرقمية وسيتواصل إلى يوم 25 من الشهر نفسه، تحت شعار "الطبيعة المصطنعة". وهو مهرجان دأبت وزارة الثقافة التايوانية على تنظيمه منذ العام 2006 في متحف الفن المعاصر بتايبيه.
    ويضمّ هذا المهرجان مجموعة من الفنانين من تايوان وفرنسا وألمانيا واليابان وهونغ كونغ وبريطانيا. ويتوزّع إلى مجموعة من الأنشطة منها خاصة معرض الفن الرقمي الدولي، وجوائز الفنون الرقمية، والأداء الفني الرقمي الحي، وسوق الفن الرقمي.
    ولا شكّ في أنّ إقامة هذا المهرجان تُثير بعضًا من الأسئلة حول طبيعة علاقة التكنولوجيا الحديثة بمجالات الإبداع الفني، من قبيل سؤالنا كيف يمكن أن تساعد التكنولوجيا الرقمية على نشر الفنون بين الناس، والترقّي بجمالياتها، وتحريرها من ثقلها المادّيّ؟ وهل ثمة خشية من رقمنة الإبداع؟ وهل نحن محظوظون جدا لنعيش في عصر الفن الرقمي ونكون شهودًا على مغامرة فنانيه لغزو أرض جديدة؟
    لقد ترحّل الكتابُ من زمن الألواح الطينية، إلى عهد ورق البردي، ومن فضاء الطباعة بالألواح والحروف، إلى عالَم الطباعة الرقمية التي دشّنها Michael S. Hart في عام 1971 بمساعدة من شركة "بارك" للحواسيب، ومثّلت، وفق ما يرى أحمد زياد محبك، عضو المجلس العالمي للغة العربية بدمشق، "ثورة علمية يمكن أن تغير مسار التاريخ في القرن الحادي والعشرين، أكثر مما غيره اختراع المطبعة، إذ أصبح الكتاب الرقمي في متناول اليد، سهل النشر، سهل التوزيع والحصول عليه، سهل القراءة والاطلاع".
    بعد الكتاب الرقمي "E- Book"، ظهر الفيلم الرقمي منذ بدايات العام 2000، وبظهوره انصبّت الصورة على الواقع تنقله دون مساحيق أو تعديل، وتحرّرت السينما من أشراط المونتاج التي كانت تكبّل المخرجين السينمائيين في تعاطيهم مع الواقع الاجتماعي، وتجبرهم أثناء إنجاز أفلامهم على التغاضي عن كشف جمالية معاني الواقع للمتلقّي والنزوع إلى إيهامه، وفق ما تقول به سينما هوليود، بجماليات أخرى تقوم في أغلبها على تمثيل وقائع تنهض على المبالغة في العنف أو الكمال أو القبح وتثير في المُشاهد أسئلة حول حقيقة الواقع وصدقية صورته السينمائية، بل وتحرمه من مشاهدة حكاياته الخاصة وتفرض عليه القبول والتسليم بما تقدّمه له السينما التجارية.
    وعلى غرار الكتاب الرقمي، والفيلم الرقمي، انتبهت "اللوحة الفنية"، ومن ورائها الفنون التشكيلية، إلى فائض التخييل الرقمي وتنامي سلطته في المجال الإبداعيّ، فظهر "الفن التوليدي" أو "الفن التفاعلي"، ومع هذا الظهور، انتفت كيمياء الألوان وروائحها التي كانت تمثّل أسَّ أيّ عمل تشكيليّ لتعوّضها كيمياء "افتراضية" نظيفة وبلا رائحة، وتحوّل الحاسوب إلى ورشة للفنون الجميلة الرقمية استعاض فيها الفنّان عن فرشاته وأصباغه وقماشته وأضوائه، بنطاقٍ غير محدود من الألوان الرقمية، وفرشاة تتحرّك وفق حركة الماوس، وخبرة جاهزة من الهندسة الناعمة التي توفّر الظلال والخطوط وهيئات الأشياء.
    وجميع هذه الإمكانات الرقمية تنأى بالواقع التصويريّ من حقيقته المعلومة إلى أخرى موهومة لا تحفل من الفنّ إلا بسعة تخييل الفنان، وقدرته على ترميز عناصر الواقع لإظهار شيء غير حقيقي وغير ممكن، بل ورسم "مجرد شيء" متحرّر من لزوميات ما كان لازما في الفنون التشكيلية، عبر ابتكار علاقات عشوائية بين الأشياء موازية لعلاقاتها الأولى، يحكمها التعقيد المُحيل إلى رغبة التلاعب بها، وتحكمها مفاهيمية غائمة لا يعنيها ضياع حقيقة "الفن" وتهافت أسئلته الإبداعية بقدر ما يعنيها الخارق والعجيب من تشكيلات الأفكار والموجودات.
    وعلى أهميّة إطلاقية الحريّة التي يمنحها عالَم الرقمنة والافتراض للكاتب وللسينمائيّ وللفنان التشكيليّ، وهي حريّة لازمة لكلّ فعل إبداعي، فإنّ طغيان الرقمنة في مجال الفنون والإبداع عامّة يثير مخاوفَ كثيرةَ من جهة قلبِ هذه الوسائط والبرمجيات لشروط التلقّي الفنيّ عامّة ومنها بالخصوص شرط التلاقيّ الحميمي مع "الجمهور"، إذْ نُلفيها تنسف مفهوم التفاعل الجَماعي مع الأعمال الفنية الذي ميّز تاريخ الفنّ الحديث، وتحثّ على التلقي الفرديّ لها، بل وتحرّض عليه. وهو أمر قد يساهم في انتفاء مفهوم "المتحف" و"قاعة السينما" و"المكتبات العمومية"، ويعرّض الفضاءات الفنية الماديّة إلى خسارة جمهورها. يضاف إلى ذلك أنّ الأعمال الفنية الرقمية، وعلى كثرة إمكانات تخزينها، تظلّ دوما معرّضة للمحو والزوال. كما أنّ طبيعتها "الافتراضية" تجعل سوقها كاسدة، حيث يصعب بيعها وهي مجرّد وهم رقميّ. ولعلّ في هذه المخاوف، وفي هذا الغزو الرقمي للإبداع، ما قد يخلق الحاجة إلى العودة من جديد إلى "مادية" الفنّ وبهائه الملموس.
Working...
X